الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واتفق مع (245) الملك العادل بن الكامل على قتال الصالح أيوب، ووصل أيضا في هذه السنة محيي الدين بن الجوزي رسول الخليفة ليصلح بين الأخوين العادل صاحب مصر والصالح أيوب المستولي على دمشق، وهذا محيي الدين هو الذي ورد ليصلح بين الكامل والأشرف فاتفق أنه مات في حضوره في سنة أربع وثلاثين وخمس وثلاثين أربعة من السلاطين العظماء وهم: الملك الكامل صاحب مصر، وأخوه الأشرف صاحب دمشق، والعزيز صاحب حلب، وكيقباذ صاحب الروم، فقال في ذلك ابن المسجف «1» أحد شعراء دمشق:(الخفيف)
يا إمام الهدى أبا جعفر المن
…
صور يا من له الفخار الأثيل
ما جرى من رسولك الآن محيي ال
…
دين في هذه البلاد قليل
جاء والأرض بالسلاطين تزهى
…
وغدا والديار منهم طلول
أقفر الروم والشآم ومصر
…
أفهذا مغسّل أم رسول؟
وفي صفر سنة سبع وثلاثين وست مئة
«13»
سار الصالح إسماعيل صاحب بعلبك ومعه الملك المجاهد صاحب حمص بجموعهما وهجموا دمشق وحصروا القلعة، وتسلمها الصالح إسماعيل وقبض على المغيث فتح الدين عمر بن الصالح أيوب وكان الصالح أيوب بنابلس بقصد الاستيلاء على مصر، وكان قد بلغه سعي عمه إسماعيل في الباطن وكان للصالح أيوب طبيب (246) يثق به يقال له الحكيم سعد الدين الدمشقي فأرسله الصالح أيوب إلى بعلبك ومعه قفص من حمام نابلس ليطالعه بأخبار
الصالح إسماعيل، وحال وصول الحكيم المذكور علم به الصالح إسماعيل صاحب بعلبك، فاستحضره وأكرمه وسرق الحمام الذي لنابلس وجعل موضعها حمام بعلبك، ولم يشعر الطبيب بذلك فصار الطبيب المذكور يكتب أن عمك إسماعيل قد جمع وهو في نية قصد دمشق ويبطّق فيقعد الطائر ببعلبك فيأخذ الصالح إسماعيل البطاقة ويزور على الحكيم أن عمك إسماعيل قد جمع ليعاضدك وهو واصل إليك ويسرحه مع حمام نابلس فيعتمد الصالح [أيوب]«1» على ذلك الأمر من بطائق الحمام ويترك ما يرد غيره من الأخبار، واتفق أيضا أن المظفّر صاحب حماة علم بسعي الملك الصالح إسماعيل صاحب بعلبك في أخذ دمشق مع خلوها ممن يحفظها فجهز نائبه سيف الدين علي بن أبي علي ومعه جماعة من عسكر حماة وغيرهم، وجهز معه من السلاح والمال شيئا كثيرا ليصل إلى دمشق ويحفظها لصاحبها، وأظهر الملك المظفّر وابن أبي علي أنهما اختصما وأن ابن أبي علي قد غضب فاجتمع معه هذه الجماعة وقد قصدوا فراق صاحب حماة لأنه يريد أن يسلم حماة إلى الفرنج، كل ذلك خوفا من شير كوه صاحب حمص لئلا يقصد ابن أبي علي ويمنعه فلم تخف عن شير كوه هذه الحيلة، ولما وصل ابن أبي علي إلى بحيرة حمص [قصده]«2»
شير كوه وذكر أنه مصدقه فيما قال (247) وسأله الدخول إلى حمص ليضيفه فأخذ ابن أبي علي معه وأرسل من استدعى باقي أصحاب ابن أبي علي إلى الضيافة، فمنهم من سمع ودخل حمص، ومنهم من هرب فسلم، ولما حصلوا عنده بحمص قبض على ابن أبي علي وعلى جميع من دخل حمص من الحمويين واستولى على جميع ما كان معهم من السلاح والمال وبقي يعذبهم
ويطلب منهم أموالا حتى استصفاها ومات ابن أبي علي «1» وغيره في حبس شير كوه بحمص، والذي بقي إلى بعد موت شير كوه خلص، ولما جرى ذلك ضعف الملك المظفّر صاحب حماة [ضعفا كثيرا]«2» .
وأما الصالح أيوب فلما بلغه قصد عمه إسماعيل دمشق رحل من نابلس إلى الغور فبلغه استيلاء عمه على قلعة دمشق واعتقال ولده المغيث عمر ففسدت نيات عساكره عليه، وشرعت الأمراء ومن معه يحركون نعاراتهم ويرحلون مفارقين الصالح أيوب إلى الصالح إسماعيل بدمشق، فلم يبق عند الصالح أيوب بالغور غير مماليكه وأستاذ داره حسام الدين بن أبي علي، وأصبح الصالح أيوب لا يدري ما يفعل ولا له موضع يقصده، فقصد نابلس ونزل بها بمن بقي معه، وسمع الناصر داود بذلك وكان قد نزل من مصر إلى الكرك فنزل بعسكره وأمسك الملك الصالح أيوب وأرسله إلى الكرك واعتقله بها، وأمر بالقيام في خدمته وكل ما يختاره، ولما اعتقل الصالح أيوب بالكرك تفرق عنه باقي أصحابه ومماليكه، ولم يبق معه منهم غير عدة يسيرة.
ولما جرى ذلك أرسل (248) العادل أبو بكر صاحب مصر يطلب الصالح أيوب من الناصر داود فلم يسلمه الناصر داود، فأرسل العادل يهدد الناصر داود بأخذ بلاده فلم يلتفت إلى ذلك، ثم إن الناصر داود بعد ذلك قصد القدس وكان الفرنج قد أعمروا قلعتها بعد موت الملك الكامل فحاصرها وفتحها وخرب القلعة.
وفيها توفي الملك المجاهد شير كوه بن محمد بن شير كوه بن شاذي «3»
وكانت مدة مملكته بحمص نحو ست وخمسين سنة لأن صلاح الدين ملكه حمص سنة إحدى وثمانين وخمس مئة بعد موت أبيه ناصر الدين محمد بن شير كوه وكان عمره يومئذ اثنتي عشرة سنة، وكان شير كوه المذكور عسوفا لرعيته، وملك حمص بعده ولده المنصور إبراهيم «1» .
وفيها، استولى بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل على سنجار وأخذها من الملك الجواد يونس بن مودود بن الملك العادل بن أيوب.
وفي أواخر رمضان أفرج الملك الناصر داود صاحب الكرك عن ابن عمه الملك الصالح أيوب واجتمعت عليه مماليكه، وكاتبه البهاء زهير، وسار الناصر داود وصحبته الصالح أيوب إلى قبة الصخرة وتحالفا بها على أن تكون ديار مصر للصالح ودمشق والديار الشرقية للناصر داود، فلما تملك الصالح لم يف للناصر بذلك، وكان يتأول في يمينه أنه كان مكرها، ثم سار إلى غزة فلما بلغ العادل صاحب مصر ظهور أمر أخيه الصالح عظم عليه (249) وعلى والدته ذلك، وبرز بعسكر مصر إلى بلبيس لقصد الناصر داود والصالح أخيه، وأرسل إلى عمه الصالح إسماعيل المستولي على دمشق أن يبرز ويقصدهما من جهة الشام وأن يستأصلهما، فسار الصالح إسماعيل بعساكر دمشق ونزل الفوّار فبينا الناصر داود والصالح في هذه الشدة بين عسكرين قد [أحاطا]«2» بهما إذ ركبت جماعة من المماليك الأشرفية «3» ومقدمهم أيبك الأسمر «4» وأحاطوا بدهليز
الملك العادل أبي بكر بن الكامل وقبضوا عليه وجعلوه في خيمة صغيرة ووكلوا عليه من يحفظه، وأرسلوا إلى الصالح أيوب يستدعونه فأتاه فرج لم يسمع بمثله، وفي ذلك «1» يقول شيخ الشيوخ الحموي من أبيات:(البسيط)
فإن بعثنا فعقبى دعوة سبقت
…
ونحن في حاجم ضنك الأساليب
يا كاشف الضرّ عن أيوب حين دعا
…
قد مسّنا الضرّ فاكشفه بأيوب
وسار الملك الصالح أيوب والملك الناصر داود إلى مصر، وبقي الملك الصالح كل يوم يلتقي فوجا بعد فوج من الأمراء والعسكر، وكان القبض على الملك العادل ليلة الجمعة ثامن ذي القعدة هذه السنة، فكانت مدة ملكه نحو سنتين، ودخل الملك الصالح أيوب إلى قلعة الجبل بكرة الأحد لست بقين من الشهر المذكور، وزينت له البلاد وفرح الناس بمقدمه، وحصل للمظفر صاحب حماة من السرور والفرح بملك الملك الصالح مصر (250) ما لا يمكن شرحه، فإنه ما زال على ولائه حتى إنه لما أمسك بالكرك كان يخطب له بحماة وبلادها.
ولما استقر الملك الصالح أيوب في ملك مصر وعنده الناصر داود حصل عند كل واحد منهما استشعار من صاحبه، وخاف الناصر داود أن يقبض عليه، فطلب دستورا وتوجه إلى الكرك.
وفي هذه السنة، توفي ناصر الدين أرتق أرسلان بن إيلغازي بن ألبي بن تمرتاش ابن إلغازي بن أرتق صاحب ماردين «2» وكان يلقب بالملك المنصور، وملك المذكور ماردين بعد أخيه حسام الدين يولق أرسلان حسبما تقدم ذكره في سنة ثمانين وخمس مئة «3» ، وبقي أرتق أرسلان متغلبا عليه ألبقش مملوك