الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صيدا وكانت مناصفة بين المسلمين وبينه، وسورها خراب، فعمره الفرنج، والإمبراطور معناه ملك الأمراء بالفرنجية، وإنما اسمه فردريك، وكان صاحب جزيرة صقلّية ومن البر الطويل جزيرة أنبولة «1» والأنبردية.
قال (207) القاضي جمال الدين بن واصل: ولقد رأيت تلك البلاد لما توجهت رسولا من الملك الظاهر بيبرس الصالحي إلى الإمبراطور ملك تلك البلاد، قال: وكان ملك الفرنج الإمبراطور من بين قرنائه من ملوك الفرنج محبا للحكمة والمنطق والطب، مائلا إلى المسلمين، لأن منشأه بجزيرة صقلّية وغالب أهلها مسلمون «2» .
وترددت الرسل بين الملك الكامل والإمبراطور إلى أن خرجت هذه السنة.
وفيها، بعد فراغ جلال الدين من التتر قصد بلاد خلاط، ونهب القرى وقتل وخرب البلاد، وفعل الأفعال القبيحة.
وفي سنة ست وعشرين وست مئة
«13»
لما جرى بين السلطان الكامل والأشرف الاتفاق الذي ذكرناه بلغ الناصر داود ذلك وهو بنابلس، فلحق بدمشق وكان قد لحقه بالفور عمه الأشرف وعرفه ما أمر به الكامل، وأنه لا يمكن الخروج عن مرسومه، فلم يلتفت الناصر داود إلى ذلك، وسار إلى دمشق، وسار الأشرف في أثره، وحصره بدمشق والكامل [مشتغل]«3» بمراسلة الإمبراطور، ولما طال الأمر ولم يجد الكامل بدا من المهادنة
أجاب الإمبراطور إلى تسليم القدس إليه على أن تستمر أسواره خرابا ولا [يعمرها]«1» الفرنج، ولا [يتعرضوا]«2» إلى قبة الصخرة ولا إلى الجامع الأقصى ويكون الحكم في الرساتيق إلى والي المسلمين، ويكون لهم من القرايا ما هو على الطريق من عكّا إلى القدس فقط، ووقع الأمر على ذلك (208) وتحالفا عليه، وتسلم الإمبراطور القدس في هذه السنة في ربيع الآخر على القاعدة المذكورة «3» .
وكان ذلك والملك الناصر داود [محصور]«4» بدمشق، وعمه الأشرف يحاصره بأمر الملك الكامل، فأخذ الناصر داود في التشنيع على عمه بذلك، وكان بدمشق الشيخ شمس الدين يوسف سبط أبي الفرج بن الجوزي «5» ، وكان واعظا وله قبول عند الناس، فأمره الناصر داود بعمل مجلس وعظ يذكر فيه فضائل بيت المقدس، وما حل بالمسلمين من تسليمه إلى الفرنج، ففعل ذلك، وكان مجلسا عظيما، ومن جملة ما أنشده قصيدة تائيّة ضمّنها بيت دعبل بن علي الخزاعي الشاعر، وهو «6» :(الطويل)
مدارس آيات خلت من تلاوة
…
ومنزل وحي مقفر العرصات
فارتفع بكاء الناس وضجيجهم «1» .
ولما عقد الملك الكامل الهدنة مع الإمبراطور، وخلا شره من جهة الفرنج سار إلى دمشق ووصل إليها في جمادى الأولى من هذه السنة، واشتد الحصار على دمشق، ووصل إلى الملك الكامل رسول الملك العزيز صاحب حلب وخطب بنت الكامل فزوجه بنته فاطمة خاتون التي هي من الست السوداء أم ولده أبي بكر العادل بن الكامل «2» ، ثم استولى الملك [الكامل]«3» على دمشق وعوض [الناصر] »
عنها بالكرك والبلقاء والصّلت والأغوار والشّوبك، وأخذ الكامل لنفسه البلاد الشرقية التي كانت عينت للناصر داود وهي حران والرّها، وكانت (209) بيد الأشرف ثم نزل الناصر داود عن الشّوبك، وسأل عمه الكامل في قبولها فقبلها، وتسلم الأشرف دمشق، وتسلم الكامل من الأشرف البلاد الشرقية المذكورة، وفي «5» تسليم الأشرف دمشق وتملكها يقول ابن المسجف «6» :(الطويل)
وكنا نرجى بعد عيسى محمدا
…
لينقذنا من فترة الظلم والبلوى
فأوقعنا في تيه موسى كما ترى
…
حيارى ولا منّ لديه ولا سلوى
وفي هذه السنة، توفي الملك المسعود يوسف الملقب أطسز المعروف بآقسيس بن الملك الكامل بن الملك العادل بن أيوب «1» ، وكان قد مرض باليمن فكره المقام بها وسار إلى مكة وهي له كما تقدم ذكره «2» ، فتوفي بمكة ودفن بالمعلى وعمره ست وعشرون سنة، وكان مدة ملكه لليمن أربع عشرة سنة.
وكان الملك المسعود لما سار من اليمن قد استخلف عليها علي بن رسول «3» ، وسنذكر بقية أخباره إن شاء الله تعالى، ووصل الخبر بوفاة الملك المسعود إلى أبيه الكامل وهو على حصار دمشق فجلس للعزاء، وخلّف الملك المسعود ولدا صغيرا اسمه أيضا يوسف، وبقي يوسف المذكور حتى مات في سلطنة عمه الملك الصالح أيوب «4» صاحب مصر، وخلف يوسف ولدا صغيرا اسمه موسى ولقب الملك الأشرف، وهو الذي أقامه الترك في مملكة مصر بعد قتل المعظّم بن الصالح ابن الكامل «5» على ما سنذكره «6» .
وفي هذه السنة (210) أرسل الملك الأشرف مملوكه عز الدين أيبك الأشرفيّ «1» ، وهو أكبر أمير عنده إلى خلاط، فقبض على الحاجب حسام الدين علي الموصلي وحبسه ثم قتله «2» .
وكان حسام الدين المذكور من أهل الموصل، وخدم الملك الأشرف فجعله نائبا بخلاط فأحسن إلى الرعية، وحفظ البلد، واستولى على عدة بلاد من أذربيجان مثل نقجوان وغيرها على ما تقدم ذكره «3» ، فقبض عليه الأشرف وقتله، قيل: إنه لذنب بدا منه لم يطلع عليه الناس واطلع عليه الملك الكامل والملك الأشرف، وهذا حسام الدين الحاجب كان كثير الخير والمعروف، بنى الخان الذي بين حران ونصيبين، وبنى الخان الذي بين حمص ودمشق وهو المعروف بخان برج العطش، وهرب مملوك حسام الدين لما قتل أستاذه ولحق بجلال الدين منكبرتي فلما ملك جلال الدين خلاط كما سنذكره «4» قبض على أيبك الأشرفي وسلمه إلى مملوك حسام الدين فقتله وأخذ بثأر أستاذه.
ولما سلّم الكامل دمشق إلى أخيه الأشرف سار من دمشق ونزل مجمع المروج «5» ، ثم نزل سلميّة، وأرسل عسكرا نازلوا حماة وبها صاحبها الناصر قليج أرسلان وكان فيه جبن فإنه لو عصى بحماة وطلب عنها عوضا لأجابه الملك الكامل ولكنه خاف، وكان في العسكر الذين نازلوه الملك المجاهد شير كوه
صاحب حمص، فأرسل الناصر صاحب حماة يقول لشير كوه: إني أريد أخرج إليك بالليل لتحضرني عند السلطان الملك الكامل، وخرج (211) الملك الناصر قليج أرسلان بن الملك المنصور محمد بن الملك المظفّر تقي الدين عمر بن شاهنشاه بن أيوب إلى شير كوه في العشر الأخير من رمضان هذه السنة، فأخذه شير كوه ومضى إلى الملك الكامل وهو نازل على سلميّة فحين رأى الملك الكامل قليج أرسلان المذكور شتمه وأمر باعتقاله، وأن يتقدم إلى نوابه بحماة [بتسليمها]«1» إلى الملك الكامل، فأرسل الناصر قليج أرسلان علامته إلى نوابه بحماة أن يسلموها إلى عسكر الملك الكامل فامتنع من ذلك الطواشيان بشير «2» ومرشد «3» المنصوريان، وكان بقلعة حماة أخ للملك الناصر يلقب الملك العزيز «4» بن الملك المنصور صاحب حماة فملكوه حماة، وقالوا للملك الكامل:
لا نسلم حماة لغير أحد من أولاد تقي الدين، فأرسل الملك الكامل يقول للملك المظفر محمود بن المنصور صاحب حماة اتفق مع غلمان أبيك وتسلّم حماة، وكان الملك المظفر نازلا على حماة من جملة العسكر الكاملي، فراسل الملك المظفر حكام حماة فحلّفوه لهم وحلفوا له، وواعدوا الملك المظفر أن يحضر بجماعته خاصة وقت السحر إلى باب النصر ليفتحوه له، فحضر الملك المظفر سحر الليلة التي عينوها ففتحوا له باب النصر، ودخل الملك المظفر ومضى إلى دار الوزير المعروفة بدار الإكرام داخل باب المغار وهي الآن مدرسة تعرف
بالخاتونية وقفتها عمتي مؤنسة خاتون «1» بنت الملك المظفر المذكور، وحضر أهل حماة وهنؤوا المظفر ملك حماة، وكان ذلك في العشر الآخر من رمضان هذه السنة، وكانت مدة ملك الناصر (212) قليج أرسلان حماة تسع سنين إلا نحو شهرين، وأقام الملك المظفّر في دار الإكرام يومين، وصعد في اليوم الثالث إلى القلعة، وتسلمها، وجاء عيد الفطر من هذه السنة والملك المظفر مالك حماة وعمره يومئذ سبع وعشرون سنة لأن مولده سنة تسع وتسعين وخمس مئة، وكان أخوه الملك الناصر قليج أرسلان أصغر منه بسنة.
ولما ملك المظفر حماة فوض أمور تدبيرها صغيرها وكبيرها إلى الأمير علي ابن أبي علي الهذباني «2» ، وكان سيف الدين علي خدم الملك المظفر بعد ابن عمه حسام الدين بن أبي علي «3» [الذي كان نائب الملك المظفر بسلميّة لما سلمت إليه وهو بمصر عند الملك الكامل، ثم حصل بين الملك المظفر وبين حسام الدين بن أبي علي] وحشة ففارقه حسام الدين، واتصل بخدمة الملك الصالح نجم الدين أيوب بن الكامل، وحظي عنده وصار أستاذ داره، وخدم ابن عمه سيف الدين علي المذكور الملك المظفر، وكان يقول له:
أشتهي أراك صاحب حماة وأكون بعين واحدة، فأصيبت عين سيف الدين علي على حصار حماة لما نازلها عسكر الكامل، وبقي بفرد عين فحظي عند المظفّر بذلك ولكفاءته وحسن تدبيره.
ولما استقر الملك المظفر في ملك حماة انتزع الملك الكامل سلميّة منه وسلمها إلى شير كوه صاحب حمص على ما كان وقع عليه الاتفاق قبل ذلك،
ثم إن الملك الكامل رسم للملك المظفر أن يعطي أخاه الناصر قليج أرسلان بارين بكاملها فسلمها إليه، ولم يبق بيد المظفر غير حماة والمعرة، وكان بحماة تقدير أربع مئة ألف درهم للملك الناصر، وكان قد (213) رسم الملك الكامل للمظفر أن يعطي المال لأخيه الناصر فماطل المظفر في ذلك ولم يعطه شيئا.
ولما استقر المظفر بحماة مدحه الشيخ شرف الدين عبد العزيز بن محمد ابن عبد المحسن الأنصاري الدمشقي بقصيدة منها «1» : (الطويل)
تناهى إليك الملك واشتدّ كاهله
…
وحلّ بك الراجي فحطّت رواحله
ترحّلت عن مصر فأمحل ربعها
…
ولما حللت الشام روّض ما حلّه
وعزّت حماة في حمى أنت غابه
…
بصولته يحمى كليب ووائله
وقد طالما ظلّت بتدبير أهوج
…
يخيّب مرجيه ويحرم سائله
فلما استقر الملك المظفر في ملك حماة، رحل الملك الكامل عن سلميّة إلى البلاد الشرقية التي أخذها من أخيه الأشرف عوضا عن دمشق، فنظر في مصالحها، ثم سافر الملك المظفر من حماة ولحق الملك الكامل وهو بالشرق، وعقد له الملك الكامل العقد هناك على ابنته غازية خاتون بنت الملك الكامل «2» ، وهي شقيقة الملك المسعود صاحب اليمن، وهي والدة الملك المنصور صاحب حماة وأخيه الملك الأفضل نور الدين علي ابني المظفر محمود، ثم عاد الملك المظفر إلى حماة وقد قضيت أمانيه بملك حماة ووصلته بخاله الملك الكامل، وكان يتمنى ذلك لما كان بالديار المصرية وكان يصحبه بمصر رجل من