الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وصل جنكز خان بنفسه ومعه جيوشه وقد ضعف جلال الدين بما نقص من جيشه بسبب بغراق فلم يكن له بجنكز خان قدرة، فترك جلال الدين البلاد وسار إلى الهند، وتبعه جنكز خان فأدركه على نهر السند ولم يلحق جلال الدين ومن معه أن يعبروا النهر فاضطروا إلى القتال وقاتلوا قتالا عظيما لم يسمع بمثله، وصبر الفريقان ثم تأخر كل منهما عن صاحبه فعبر جلال الدين ذلك النهر إلى جهة الهند وعاد جنكز خان فاستولى على غزنة وقتل أهلها ونهب أموالهم، وكان قد سار من التتر فرقة عظيمة إلى جهة القفجاق واقتتلوا معهم فانتصر التتر واستولوا على مدينة القفجاق العظمى وتسمى السوداق «1» ، وكذلك فعلوا بقوم يقال لهم اللكزى بلادهم قرب دربند شروان، ثم سار التتر إلى الروس وانضم إلى الروس القفجاق وجرى بينهم وبين التتر قتال عظيم، فانتصر التتر وشردوهم في البلاد.
وفي سنة ثماني عشرة وست مئة
«13»
قوي طمع الفرنج المتملكين لدمياط في الديار المصرية (184) وتقدموا عن دمياط إلى جهة مصر ووصلوا إلى المنصورة، واشتد القتال بين الفريقين برا وبحرا، وكتب السلطان الملك الكامل متواترة إلى إخوته وأهل بيته يستحثهم على إنجاده، فسار الملك المعظم عيسى بن العادل صاحب دمشق إلى أخيه الملك الأشرف وهو بالبلاد الشرقية وطلب منه السير إلى أخيهما الملك الكامل، فجمع الأشرف عساكره واستصحب عسكر حلب، واستصحب الملك الناصر قليج أرسلان بن الملك المنصور صاحب حماة، وكان الملك الناصر خائفا من خاله
الكامل لا ينتزع حماة منه ويعطيها للملك المظفر، فحلف الملك الأشرف للملك الناصر صاحب حماة أنه لا يمكن أخاه الملك الكامل من التعرض إليه فسار معه بعسكر حماة، وكذلك سار مع الملك الأشرف [كل من صاحب بعلبك]«1»
الملك الأمجد بهرام شاه بن فرّخشاه و [صاحب حمص]«1» الملك المجاهد شير كوه بعساكرهما، وسارت هذه العساكر كلها إلى الملك الكامل بالديار المصرية، فوجدوه وهو في قتال الفرنج على المنصورة فركب والتقى إخوته ومن في صحبتهم من الملوك وأكرمهم فقويت قلوب المسلمين وضعفت قلوب الفرنج بما شاهدوا من كثرة عساكر الإسلام، فاشتد القتال على الفريقين، ورسل الملك الكامل وإخوته مترددة إلى الفرنج في الصلح وبذل المسلمون لهم تسليم القدس وعسقلان وطبرية واللاذقية وجبلة وجميع ما فتحه السلطان (185) صلاح الدين من الساحل خلا الكرك والشّوبك والأمر متردد بينهم [على أن يجيبوا إلى الصلح وأن يسلموا دمياط إلى المسلمين فلم يرض الفرنج بذلك، وطلبوا ثلاث مئة ألف دينار عوضا عن تخريب الأسوار التي للقدس فإن الملك المعظم عيسى خربها كما ذكرنا، وقالوا لابد من تسليم الكرك والشّوبك]«2» فبينا هم كذلك إذ عبر جماعة من المسلمين في بحر المحلة إلى الأرض التي فيها الفرنج من بر دمياط ففجروا فجرة عظيمة من النيل، والنيل إذ ذاك في زمن قوته، والفرنج لا خبرة لهم بأمر النيل، فركب الماء تلك الأرض، وصار حائلا بين الفرنج وبين دمياط فهلكوا جوعا، وبعثوا يطلبون الأمان على أن ينزلوا عن جميع ما بذله لهم المسلمون ويسلموا دمياط ويقيدوا مدة الصلح، وكان فيهم عشرون ملكا من الملوك الكبار، فاختلفت الآراء بين يدي السلطان الملك الكامل، فبعضهم قال: لا
نعطيهم أمانا ونأخذهم ونتسلّم منهم ما بأيديهم من الساحل مثل عكّا وصور، ثم اتفقت آراؤهم على إجابتهم إلى الأمان لطول مدة البيكار وتضجر العساكر لأنهم كان لهم ثلاث سنين و [شهور]«1» في القتال فأجابهم الملك الكامل إلى ذلك وطلب الفرنج رهينة من الملك الكامل فبعث ابنه الملك الصالح أيوب وعمره يومئذ خمس عشرة سنة إلى الفرنج، وحضر من الفرنج على ذلك رهينة وهو ملك عكّا ونائب البابا صاحب رومية الكبرى وكندريس صاحب صور وغيرهم من الملوك وكان ذلك سابع رجب هذه السنة، واستحضر الملك الكامل ملوك الفرنج المذكورين وجلس لهم مجلسا عظيما، ووقف بين يديه الملوك من إخوته وأهل بيته وسلمت دمياط إلى المسلمين تاسع عشر هذه السنة، وقد حصنها (186) الفرنج إلى غاية ما يكون، وولاها السلطان الملك الكامل للأمير شجاع الدين جلدك التقوي «2» أحد مماليك المظفر تقي الدين عمر بن شاهنشاه بن أيوب، وهنأت الشعراء الملك الكامل بهذا الفتح العظيم، «3» وفي جلوس الملك الكامل ووقوف أخويه المعظم عيسى والأشرف موسى لديه بحضور ملوك الفرنج والخيالة، والرعب يريهم الموت خياله، قال راجح الحلّي «4» :(الطويل)
«5» هنيئا فإنّ السعد راح مخلدا
…
وقد أنجز الرحمن بالنصر موعدا
حبانا إله الخلق فتحا بدا لنا
…
مبينا وإنعاما وعزا مؤيّدا
تهلّل وجه الدهر بعد قطوبه
…
وأصبح وجه الشرك بالظلم أربدا
ولما طغى البحر الخضمّ بأهله ال
…
طغاة وأضحى بالمراكب مزبدا
أقام لهذا الدين من سلّ عزمه
…
فكان كما سلّ الحسام مجرّدا
فلم ينج إلا كلّ شلو مخذل
…
ثوى منهم أو من تراه مقيّدا
ونادى لسان الموت في الأرض رافعا
…
عقيرته في الخانقين ومنشدا
أعبّاد عيسى إنّ عيسى برغمكم
…
وموسى جميعا يخدمان محمّدا
فبهت الذي كفر، وكان ذلك طرار ذلك الظفر، وأحازه الملك الكامل بكل بيت ألفا، وكذلك فعل المعظم والأشرف.
ثم سار الملك الكامل ودخل دمياط ومعه إخوته وأهل بيته، وكان يوما مشهودا، ثم توجه إلى القاهرة (187) وأذن للملوك من إخوته وأهل بيته بالرجوع إلى بلادهم، فتوجه الملك الأشرف وانتزع الرّقّة من محمود [وقيل اسمه عمر]«1» بن قطب الدين محمد بن عماد الدين زنكي بن مودود بن زنكي بن آقسنقر، ولقي بغيه على أخيه، فإنا ذكرنا كيف وثب على أخيه فقتله وأخذ سنجار «2» ثم أقام الملك الأشرف بالرّقّة وورد إليه الملك الناصر صاحب حماة فأقام عنده مدة ثم عاد إلى بلده.
وفيها، توفي الملك الصالح ناصر الدين محمود بن محمد بن قرا أرسلان بن سقمان بن أرتق «3» صاحب آمد وحصن كيفا بالقولنج، وقام في الملك بعده
ولده الملك المسعود «1» وهو الذي انتزع منه الملك الكامل آمد «2» ، وكان الملك الصالح المذكور قبيح السيرة وقد أورد ابن الأثير وفاته سنة تسع عشرة «3» .
وفيها، في جمادى الآخرة خنق قتادة بن إدريس العلوي الحسني «4» أمير مكة وعمره نحو تسعين سنة، وكانت ولايته قد اتسعت إلى نواحي اليمن، وكان حسن السيرة في مبدأ أمره، ثم أساءها وجدد المظالم والمكوس وصورة ما جرى له أنه كان مريضا فأرسل عسكرا مع أخيه ومع ابنه الحسن بن قتادة للاستيلاء على مدينة النبي صلى الله عليه وسلم وأخذها من صاحبها فوثب الحسن بن قتادة في أثناء الطريق على عمه فقتله وعاد إلى أبيه قتادة بمكة فخنقه، وكان له أخ نائب بقلعة ينبع عن أبيه فأرسل إليه الحسن فحضر إلى مكة فقتله أيضا، وارتكب الحسن أمرا عظيما قتل عمه وأباه وأخاه في أيام يسيرة واستقر في ملك مكة، وكان قتادة (188) يقول الشعر، وطولب أن يحضر إلى أمير الحاج العراقي فامتنع، وعوتب من بغداد فأجاب بأبيات منها «5» :(الطويل)
ولي كفّ ضرغام أصول ببطشها
…
وأشري بها بين الورى وأبيع
تظلّ ملوك الأرض تلثم ظهرها
…
وباطنها للمجدبين ربيع
أأجعلها تحت الرحا ثم ابتغي
…
خلاصا لها؟ إني إذا لرقيع
وما أنا إلا المسك في كلّ بلدة
…
أضوع، وأما عندكم فأضيع