الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أشهر، ثم بعد ذلك أرسل الخليفة وشفع فيه عند الناصر يوسف، فقبل شفاعته وأذن له في العود إلى دمشق ورتب له مئة ألف درهم على بحيرة فامية وغيرها، فلم يحصل له من ذلك إلا دون الثلاثين ألف درهم.
وفيها، وصلت الأخبار من مكة أنّ نارا ظهرت من عدن وبعض جبالها بحيث كانت تظهر بالليل ويرتفع منها في النهار دخان عظيم.
[ثم دخلت سنة اثنتين وخمسين وست مئة
«13»
] «1»
ذكر أخبار الحفصيين ملوك تونس
(282)
وإنما ذكرناها في هذه السنة لأنها كانت كالمتوسطة لمدة ملكهم، قال «2» : والحفصيون أولهم أبو حفص عمر بن يحيى الهنتاتي «3» ، وهنتاتة بتائين مثناتين من فوقهما: قبيلة من المصامدة يزعمون أنهم قرشيون من بني عدي بن كعب رهط عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكان أبو حفص المذكور من أكبر أصحاب بن تومرت بعد عبد المؤمن، وتولى ولده عبد الواحد بن أبي حفص «4»
أفريقية نيابة عن بني عبد المؤمن في سنة ثلاث وست مئة، ومات سلخ (ذي) الحجة سنة ثماني عشرة وست مئة، فتولى أبو العلا من بني عبد المؤمن ثم توفي
فعادت أفريقية إلى ولاية الحفصيين، وتولى منهم عبد الله بن عبد الواحد بن أبي حفص «1» في سنة ثلاث وعشرين وست مئة، ولما تولى ولى أخاه [أبا]«2»
زكريا يحيى «3» قابس وأخاه أبا إبراهيم إسحاق «4» بلاد الجريد، ثم خرج على عبد الله وهو على قابس أصحابه ورجموه وطردوه وولوا موضعه أخاه أبا زكريا سنة خمس وعشرين وست مئة «5» ، فنقم بنو عبد المؤمن على أبي زكريا ذلك، فأسقط أبو زكريا اسم عبد المؤمن من الخطبة، وبقي اسم المهدي وخلع طاعة بني عبد المؤمن، وتملك أفريقية، وخطب لنفسه بالأمير المرتضى واتسعت مملكته وفتح تلمسان والغرب الأوسط وبلاد الجريد والزاب وبقي كذلك إلى أن توفي سنة سبع وأربعين وست مئة، وأنشأ في تونس بنايات عظيمة شامخة، وكان عالما بالأدب، وخلف أربع بنين وهم: أبو عبد الله محمد «6» ، وأبو إسحاق إبراهيم «7» ، وأبو حفص عمر «8» ، وأبو بكر وكنيته (283) أبو يحيى «9» ،
وخلف أخوين وهما أبو إبراهيم إسحاق ومحمد اللحياني «1» ابنا عبد الواحد بن أبي حفص، وكان محمد اللحياني صالحا منقطعا يتبرك به ثم تولى بعده «2» ابنه أبو عبد الله محمد بن أبي زكريا، ثم سعى عمه إبراهيم في خلعه فخلع، وبايع لأخيه محمد اللحياني الزاهد على كره منه لذلك فجمع أبو عبد الله محمد المخلوع أصحابه في يوم خلعه وشدّ على عمّيه فقهرهما وقتلهما، واستقر في ملكه وتلقب بالمستنصر بالله أمير المؤمنين أبي عبد الله محمد بن الأمراء الراشدين، وفي أيامه في سنة ثمان وستين وست مئة وصل الفرنسيس إلى أفريقية بجموع الفرنج، وأشرفت أفريقية على الذهاب، فقصمه الله ومات الفرنسيس وتفرقت جموعه «3» .
وفي أيامه خافه أخوه أبو إسحاق إبراهيم بن أبي زكريا فهرب ثم أقام بتلمسان وبقي المستنصر المذكور حتى توفي ليلة حادي عشر ذي الحجة سنة خمس وسبعين وست مئة، فملك ابنه يحيى بن محمد بن أبي زكريا وتلقب بالواثق بالله أمير المؤمنين «4» ، وكان ضعيف الرأي فتحرك عليه عمه أبو إسحاق الذي هرب وأقام بتلمسان وغلب على الواثق فخلع نفسه واستقر أبو إسحاق إبراهيم في المملكة في ربيع الأول سنة ثمان وسبعين وست مئة، وخطب لنفسه بالأمير المجاهد، وترك زيّ الحفصيين وأقام على زي زناتة وعكف على الشرب وفرق [المملكة]«5» على أولاده، فوثبت أولاده على الواثق المخلوع فذبحوه
وذبحوا معه ولديه الفضل والطيب، وسلم للواثق ابن صغير يلقب أبا عصيدة «1»
لأنهم (284) يصنعون للنفساء عصيدة فيها دواء ويهدونها للنسوان، وعملت أم الصبي ذلك فلقبوا ابنها [أبا]«2» عصيدة ثم ظهر إنسان ادعى أنه الفضل بن الواثق الذي ذبح مع ابيه واجتمعت عليه الناس، وقصدوا أبا إسحاق إبراهيم وقهره فهرب أبو إسحاق إلى بجاية وفيها ابنه أبو فارس عبد العزيز فترك [أبو]«3»
فارس أباه ببجاية وسار بإخوته «4» وجمعه إلى الدعي بتونس والتقى الجمعان فانهزم عسكر بجاية وقتل أبو فارس وثلاثة من إخوته ونجا له أخ اسمه يحيى «5»
وعمه أبو حفص عمر بن أبي زكريا، ولما هزم الدعي عسكر بجاية وقتل المذكورين أرسل إلى بجاية من قتل أبا إسحاق إبراهيم وجاء برأسه، ثم تحدث الناس بدعوة الدعي واجتمعت العرب على عمر بن [أبي]«6» زكريا بعد هروبه من المعركة، وقوي أمره وقصد الدعي بتونس وقهره وأسر الدعي في بيت بعض التجار بتونس ثم أحضر واعترف بنسبه فضربت عنقه، وكان الدعي المذكور من أهل بجاية واسمه أحمد بن مرزوق ابن أبي عمار «7» ، وكان أبوه يتجر إلى بلاد
السودان، وكان الدعي المذكور محارفا قصيفا وسار إلى ديار مصر، ونزل بدار الحديث الكاملية ثم عاد إلى الغرب فلما مرّ على طرابلس كان هناك شخص أسود يسمى نصيرا وكان خصيصا بالواثق المخلوع، وقد هرب لما جرى للواثق ما جرى، وكان في الدعي بعض الشبه من الفضل بن الواثق، فدبر مع نصير المذكور الأمر فشهد له أنه الفضل بن الواثق فاجتمعت عليه العرب، وكان منه ما ذكرناه (285) حتى قتل، وكان الدعي يخطب له بالخليفة المنصور بالله القائم بحق الله أمير المؤمنين بن أمير المؤمنين [أبي]«1» العباس الفضل، ولما استقر أبو حفص عمر في المملكة وقتل الدعي تلقب بالمستنصر بالله أمير المؤمنين، وهو المستنصر الثاني، ولما استقر في المملكة سار ابن أخيه يحيى بن إبراهيم بن أبي زكريا الذي سلم من المعركة إلى بجاية وملكها وتلقب بالمنتخب لإحياء دين الله أمير المؤمنين، واستمر المستنصر الثاني أبو حفص عمر بن أبي زكريا في مملكته حتى توفي في أوائل محرم سنة خمس وتسعين وست مئة، ولما اشتد مرضه بايع لابن له صغير واجتمع الفقهاء وقالوا أنت صائر إلى الله وتولية مثل هذا لا يحل فأبطل بيعته، وأخرج ولد الواثق المخلوع الذي كان صغيرا وسلم من الذبح الملقب بأبي عصيدة [وبويع صبيحة موت أبي حفص عمر الملقب بالمستنصر، وكان اسم أبي عصيدة المذكور]«2» أبا عبد الله محمد فلقب بالمستنصر أيضا وهو المستنصر الثالث، وتوفي في أيامه صاحب بجاية المنتخب يحيى بن إبراهيم بن أبي زكريا وملك بجاية بعده ولده خالد «3» ، وبقي أبو عصيدة كذلك حتى توفي سنة تسع
وسبع مئة فملك بعده شخص من الحفصيين يقال له أبو بكر بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن أبي زكريا بن عبد الواحد بن أبي حفص صاحب ابن تومرت وأقام في المملكة ثمانية عشر يوما، ثم وصل خالد بن المنتخب صاحب بجاية ودخل تونس وقتل أبا بكر المذكور سنة تسع وسبع مئة.
ولما جرى ذلك كان زكريا اللحياني «1» بمصر، فسار مع عسكر السلطان الملك الناصر إلى طرابلس الغرب وبايعه العرب، وسار إلى تونس (286) فخلع خالد بن المنتخب وحبس ثم قتل قصاصا بأبي بكر بن عبد الرحمن المقدم الذكر، واستقر اللحياني في ملك أفريقية، وهو أبو يحيى زكريا بن أحمد بن محمد الزاهد اللحياني بن عبد الواحد بن أبي حفص صاحب ابن تومرت، ثم تحرك على اللحياني أخو خالد بن المنتخب وهو أبو بكر بن يحيى المنتخب فهرب اللحياني إلى ديار مصر وأقام بالإسكندرية، وملك أبو بكر بن يحيى المنتخب «2» تونس وما معها خلا طرابلس والمهدية، فإنه بعد هروب اللحياني بايع ابنه محمد «2»
نفسه واقتتل مع أبي بكر فهزمه أبو بكر واستقر محمد بن اللحياني بالمهدية وله معها طرابلس، وكان استيلاء أبي بكر وهروب اللحياني إلى ديار مصر في سنة تسع عشرة وسبع مئة، وأقام اللحياني في الإسكندرية، ثم وردت عليه مكاتبات من تونس في ذي القعدة سنة إحدى وعشرين وسبع مئة إلى الإسكندرية يذكرون فيها أن أبا بكر متملك تونس المذكور قد هرب وترك البلاد، وأن الناس قد أجابوا إلى طاعة اللحياني وبايعوا نائبه وهو محمد بن أبي بكر «2» من الحفصيين وهو صهر زكريا اللحياني المذكور وهم في انتظار وصول اللحياني إلى
مملكته.
أقول «1» : وقد بقيت مملكة أفريقية مملكة يهرب «2» منها [لضعفها بسبب استيلاء العرب عليها]«3» .
و [في هذه السنة]«4» اغتال المعزّ أيبك المستولي على مصر خوشداشه الفارس آقطاي الجمدار «5» وأوقف له في بعض دهاليز الدور التي بقلعة الجبل ثلاثة مماليك وهم: قطز «6» وبهادر «7» وسنجر الغتمي «7» فلما مر بهم آقطاي ضربوه بسيوفهم فقتلوه، ولما علمت البحرية ذلك هربوا من الديار المصرية إلى الشام.