الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفرخان وبردي خان، فلما مات كيقباذ وتولى ابنه كيخسرو قبض على بركة خان وهو أكبر مقدميهم، ففارقت الخوارزمية حينئذ خدمته وساروا عن الروم ونهبوا ما كان في طريقهم، واستمالهم الملك الصالح نجم الدين أيوب بن الكامل واستأذن أباه في استخدامهم فأذن له واستخدمهم.
وفي سنة خمس وثلاثين وست مئة
«13»
استحكمت الوحشة بين الأخوين الكامل والأشرف، وقد لحق الملك الأشرف الذّرب «1» وضعف بسببه، وعهد بالملك إلى أخيه الملك الصالح إسماعيل بن العادل صاحب بصرى، ثم توفي في المحرم هذه السنة «2» .
وهو الملك الأشرف مظفر الدين موسى بن الملك العادل أبي بكر بن أيوب، وتملك دمشق بعده أخوه الصالح بعهد منه وكان مدة ملك الأشرف دمشق ثماني سنين وشهورا وعمره نحو ستين سنة، وكان مفرط السخاء يطلق الأموال الكثيرة الجليلة، وكان ميمون النقيبة لم تنهزم له راية، وكان سعيدا وتتفق له أشياء خارقة للعقل، وكان حسن العقيدة وبنى بدمشق قصورا ومتنزهات حسنة، وكان منهمكا في اللذات وسماع الأغاني، فلما (238) مرض أقلع عن ذلك وأقبل على الاستغفار إلى أن توفي ودفن بتربته شمالي الجامع «3» ، ولم يخلف من الأولاد إلا بنتا واحدة تزوجها الملك الجواد يونس بن مودود بن الملك العادل «4» ، وكان سبب الوحشة بينه وبين أخيه الكامل بعد ما كان بينهما من
المصافاة أن الملك الأشرف لم يبق بيده غير دمشق وبلادها وكانت لا تفي بما يحتاجه وما يبذله وقت قدوم أخيه الملك الكامل دمشق، وأيضا لما فتح الملك الكامل آمد وبلادها لم يزده منها شيئا، وأيضا بلغه أن الملك الكامل يريد أن ينفرد بمصر والشام وينتزع دمشق منه فتغير بسبب ذلك.
ولما استقر الملك الصالح إسماعيل في ملك دمشق كتب إلى الملوك من أهله وإلى كيخسرو صاحب الروم في اتفاقهم معه على أخيه الكامل، فوافقوه على ذلك إلا المظفّر صاحب حماة، وأرسل الملك المظفّر رسولا إلى الملك الكامل يعرفه انتماءه إليه، وأنه إنما وافق الأشرف خوفا منه، فقبل الملك الكامل عذره وتحقق صدقه ووعده بانتزاع سلميّة من شير كوه صاحب حمص وتسليمها إليه، ولما بلغ الملك الكامل وفاة أخيه الأشرف توجه إلى دمشق ومعه الناصر داود صاحب الكرك وهو لا يشك في أن الملك الكامل يسلم إليه دمشق لما كان تقرر بينهما، وأما الملك الصالح إسماعيل فإنه استعد للحصار ووصلت إليه نجدة الحلبيين وصاحب حمص ونازل الملك الكامل دمشق، (239) وخرج الصالح بالنفّاطين فأحرق العقيبة بما بها من خانات وأسواق، وفي مدة الحصار وصل من عند صاحب حمص رجّالة يزيدون عن خمسين راجلا نجدة للصالح إسماعيل فظفر بهم الملك الكامل فشنقهم بين البساتين عن آخرهم، وحال نزول الملك الكامل على دمشق أرسل توقيعا للملك المظفّر صاحب حماة بسلميّة فتسلمها الملك المظفّر واستقرت نوابه بها، وكان نزول الملك الكامل على دمشق في جمادى الأولى هذه السنة في قوة الشتاء، ثم سلم الصالح إسماعيل دمشق إلى أخيه
الملك الكامل وتعوض عنها بعلبك والبقاع مضافا إلى بصرى، وكان قد ورد من الخليفة المستنصر محيي الدين يوسف ابن جمال الدين بن الجوزي «1» للتوفيق بين الملوك، فتسلم الملك الكامل دمشق لإحدى عشرة ليلة بقيت من جمادى الأولى، وكان الملك الكامل شديد الحنق على شير كوه صاحب حمص فأمر العسكر فبرزوا لقصد حمص، وأرسل إلى صاحب حماة وأمره بالمسير إليها، فبرز الملك المظفّر من حماة ونزل على الرّستن، واشتد خوف شير كوه صاحب حمص، وتخضع للملك الكامل وأرسل نساءه إليه، ودخلن على الملك الكامل فلم يلتفت إلى ذلك، ثم بعد استمرار الملك الكامل في دمشق لم يلبث إلا [أياما]«2» حتى مرض واشتد مرضه، وكان سببه أنه لما دخل قلعة دمشق أصابه زكام ودخل الحمام وسكب عليه ماء شديد الحرارة فاندفعت النزلة إلى معدته (240) وتورمت منها، وحصلت له حمى فنهاه الأطباء عن القيء وخوفوه منه فلم يقبل وتقيّأ فمات لوقته وعمره نحو ستين سنة، وكانت وفاته لتسع بقين من رجب من سنة خمس وثلاثين وست مئة «3» وكان بين موته وموت أخيه الأشرف ستة أشهر، وكانت مدة ملكه لمصر من حين مات أبوه عشرين سنة، وكان نائبا بها قبل ذلك عشرين سنة فتحكّم في مصر نائبا وملكا أربعين سنة، وأشبه حاله حال معاوية بن أبي سفيان أنه تحكم في الشام نائبا نحو عشرين سنة وملكا نحو عشرين سنة.
وكان الملك الكامل ملكا جليلا مهيبا حازما، حسن التدبير، أمنت الطرق في أيامه وكان يباشر تدبير المملكة بنفسه، واستوزر في أول ملكه وزير أبيه صفي الدين بن شكر فلما مات ابن شكر لم يستوزر أحدا بعده، وكان يخرج الكامل بنفسه فينظر في أمور الجسور عند زيادة النيل وإصلاحها، فعمرت في أيامه ديار مصر أتم العمارة، وكان محبا للعلماء ومجالستهم، وكان عنده مسائل غريبة في الفقه والنحو يمتحن بها الفضلاء إذا حضروا في خدمته، وكان كثير السماع للأحاديث النبوية تقدم عنده بسببها الشيخ عمر بن دحية «1» ، وبنى له دار الحديث بين القصرين في الجانب الغربي، وكانت سوق الآداب والعلوم عنده نافقة، رحمه الله تعالى، وكان أولاد الشيخ صدر الدين بن حمّوية «2» من أكابر أمراء دولته وهم: الأمير فخر الدين بن الشيخ وإخوته (241) عماد الدين «3» وكمال الدين «4» ومعين الدين «5» أولاد الشيخ المذكور، وكان كل من أولاد الشيخ المذكورين حاز فضلي السيف والقلم، يباشرون التدريس، ويتقدمون على الجيوش، ولما مات الكامل بدمشق كان معه بها الناصر داود صاحب الكرك فاتفقت آراء الأمراء على تحليف العسكر للملك العادل أبي بكر بن الملك
[الكامل]«1» وهو حينئذ نائب أبيه بمصر فحلف له جميع العسكر وأقاموا في دمشق الملك الجواد يونس بن ممدود بن الملك العادل أبي بكر أيوب نائبا عن العادل أبي بكر بن الكامل، وتقدمت الأمراء إلى الناصر داود صاحب الكرك بالرحيل عن دمشق وتهددوه إن أقام فرحل إلى الكرك وتفرقت العساكر، فسار أكثرهم إلى مصر وتأخر مع الجواد يونس بعضهم ومقدمهم عماد الدين بن الشيخ وتبقى يباشر الأمور مع الملك الجواد.
ولما بلغ شير كوه صاحب حمص وفاة الملك الكامل فرح فرحا عظيما [وأتاه فرج]«2» ما كان يطمع نفسه به وأظهر [سرورا عظيما و]«2» لعب الكرة خلاف العادة وهو في عشر السبعين.
وأما المظفّر صاحب حماة فإنه حزن لذلك ورحل من الرّستن إلى حماة فأقام فيها العزاء، وأرسل شير كوه حينئذ ارتجع سلميّة من نواب الملك المظفّر، وقطع القناة الواصلة من سلميّة إلى حماة فيبست بساتينها، ثم عزم على قطع نهر العاصي عن حماة فسدّ مخرجه من بحيرة قدس التي بظاهر حمص، فبطلت نواعير حماة وطواحينها، وذهب ماء العاصي في [واد]«3» (242) إلى جانب البحيرة ثم لما لم يجد الماء له مسلكا عاد فهدم ما كان قد عمله صاحب حمص وجرى كما كان [أولا]«2» ، وكذلك كان قد حصل لصاحب حلب ولعسكرها الخوف من الملك الكامل فلما بلغهم موته فرحوا، ولما بلغ الحلبيين موت الكامل اتفقت آراؤهم على أخذ المعرة [ثم أخذ حماة من الملك المظفر صاحب حماة
لموافقته الملك الكامل على قصدهم ووصل عسكر حلب إلى المعرة] «1» وانتزعوها من يد المظفّر، وحاصروا قلعتها وملكوها، وخرجت المعرة حينئذ عن المظفّر صاحب حماة، ثم سار عسكر حلب ومقدمهم المعظم توران شاه بن صلاح الدين إلى حماة بعد استيلائهم على المعرة ونازلوا حماة وبها صاحبها الملك المظفّر، ونهب الحلبيون بلاد حماة، واستمر الحصار على حماة حتى خرجت هذه السنة.
وفيها، عقد سلطان الروم غياث الدين كيخسرو بن كيقباذ العقد على غازية خاتون بنت الملك العزيز محمد صاحب حلب، وهي صغيرة حينئذ، تولى القبول عن ملك بلاد الروم قاضي دوقات ثم عقد الملك الناصر يوسف بن الملك العزيز صاحب حلب العقد على أخت كيخسرو ملكة خاتون بنت كيقباذ وأم ملكة خاتون المذكورة بنت الملك العادل أبي بكر بن أيوب كان قد زوجها المعظم عيسى صاحب دمشق كيقباذ المذكور، وخطب لغياث الدين كيخسرو بحلب.
وفيها، خرجت الخوارزمية عن طاعة الملك الصالح أيوب بعد موت أبيه الكامل ونهبوا البلاد.
وفيها، سار لؤلؤ صاحب الموصل وحاصر الملك الصالح بسنجار، فأرسل الصالح استرضى الخوارزمية وبذل لهم حران والرّها (243) فعادوا إلى طاعته، واتقع مع بدر الدين لؤلؤ فانهزم بدر الدين وعسكره هزيمة قبيحة، وغنم عسكر الملك الصالح منهم شيئا كثيرا.
وفيها جرى بين الناصر داود صاحب الكرك وبين الملك الجواد يونس المستولي