الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفي سنة ثمان وأربعين وست مئة
«13»
انهزم الفرنج لأنهم لما أقاموا قبالة المسلمين بالمنصورة فنيت أزوادهم وانقطع عنهم المدد من دمياط وأن المسلمين قطعوا الطريق الواصل من دمياط إليهم، ولم يبق لهم صبر على المقام فرحلوا ليلة الأربعاء لثلاث مضين من المحرم متوجهين إلى دمياط، وركبت [المسلمون]«1» أكتافهم، ولما أسفر صباح الأربعاء خالطهم المسلمون وبذلوا فيهم السيف فلم يسلم منهم إلا القليل، وبلغت عدة الأسرى «2» من الفرنج ثلاثين ألفا على ما قيل، وانحاز ريد إفرنس ومن معه من الملوك إلى بلد هناك وطلبوا الأمان فأمنهم الطواشي محسن الصالحي، ثم احتيط عليهم وأحضروا إلى المنصورة وقيد ريد إفرنس وجعل في الدار التي كان ينزلها كاتب الإنشاء فخر الدين بن لقمان «3» ، ووكل به الطواشي صبيح المعظّمي.
ولما جرى ذلك رحل الملك المعظم بالعساكر من المنصورة ونزل بفارسكور «4» ، ونصب بها برج خشب للملك المعظم (كذا) .
وفي هذه السنة يوم الاثنين لليلة بقيت من المحرم قتل الملك المعظم توران شاه ابن الملك الصالح نجم الدين أيوب بن الكامل «5» ، وسبب ذلك أن المذكور اطرح جانب [أمراء أبيه ومماليكه]«6» وكلّ منهم بلغه عنه من التهديد والوعيد ما نفر
قلبه منه، واعتمد على بطانة وصلت معه من حصن كيفا، وكانوا أطرافا أراذل، فاجتمعت البحرية على قتله بعد (273) نزوله بفارسكور وهجموا عليه بالسيوف، وكان أول من ضربه ركن الدين بيبرس الذي صار سلطانا فيما بعد على ما سنذكره «1» ، فهرب الملك المعظم منهم إلى البرج الخشب الذي نصب له فأطلقوا فيه النار ليركب في حرّاقته فحالوا بينه وبينها بالنشّاب فطرح نفسه في البحر فأدركوه وأتموا قتله في نهار الاثنين، وكان مدة إقامته في المملكة [من]«2» حين وصوله إلى الديار المصرية شهرين وأياما.
ولما جرى ذلك اتفق الأمراء على إقامة شجر الدّر زوجة الملك الصالح في المملكة وأن يكون عز الدين أيبك الجاشنكير الصالحي المعروف بالتركماني «3»
أتابك العسكر وحلفوا على ذلك، وخطب لشجر الدّر على المنابر، وضربت السكة باسمها، وكان نقش السكة: المستعصمية الصالحية ملكة المسلمين ووالدة الملك المنصور خليل، وكان الملك الصالح قد ولد له من شجر الدّر [ولد]«4» ومات صغيرا واسمه خليل فتسمت شجر الدّر والدة خليل، وكانت صورة علامتها على المناشير والتواقيع: والدة خليل.
ولما جرى ذلك وقع الحديث مع ريد إفرنس في تسليم دمياط بالإفراج عنه، فتقدم ريد إفرنس إلى من بها من نوابه بتسليمها فسلموها وصعد إليهم العلم السلطاني يوم الجمعة لثلاث بقين من صفر من هذه السنة، وأطلق ريد إفرنس فركب البحر بمن سلم معه (274) نهار السبت غداة الجمعة المذكورة، وأقلعوا
إلى عكّا، ووردت البشرى بهذا الفتح العظيم إلى سائر الأقطار، وفي واقعة [ريد] «1» إفرنس المذكورة يقول جمال الدين يحيى بن مطروح أبياتا منها «2» :
(السريع)
قل للفرنسيس إذا جئته
…
مقال صدق عن قؤول نصيح
أتيت مصرا تبتغي ملكها
…
تحسب أنّ الزمر [بالطبل]«3» ريح
وكل أصحابك أوردتهم
…
بحسن تدبيرك بطن الضريح
خمسون ألفا لا ترى منهمو
…
غير قتيل أو أسير جريح
وقل لهم إن أضمروا عودة
…
لأخذ ثار أو لقصد صحيح
دار ابن لقمان على حالها
…
والقيد باق والطواشي صبيح
ثم عادت العساكر ودخلت القاهرة يوم الجمعة تاسع صفر، وأرسل المصريون رسولا إلى أمراء دمشق في موافقتهم على ذلك فلم يجيبوا إليه.
وكان الملك السعيد بن العزيز عثمان بن الملك العادل «4» صاحب الصّبيبة قد سلمها إلى الملك الصالح أيوب، فلما جرى ذلك قصد قلعة الصّبيبة فسلمت إليه.
وكان الملك المغيث فتح الدين عمر بن الملك العادل بن الكامل قد أرسله المعظم لما وصل إلى الشّوبك واعتقله، وكان النائب بالكرك والشّوبك لؤلؤ الصالحي «1» فلما جرى ما ذكرناه من قتل المعظم، وما استقر عليه الحال بادر بدر الدين لؤلؤ (275) فأفرج عن المغيث وملكه قلعتي الكرك والشّوبك، وقام في خدمته أتم قيام.
ولما لم يجب أمراء دمشق إلى ما دعاهم إليه المصريون كاتب الأمراء القيمرية الذين بدمشق الملك الناصر صاحب حلب، فسار إليهم وملك دمشق ودخلها يوم السبت لثمان بقين «2» من ربيع الآخر هذه السنة.
ولما استقر الناصر المذكور في ملك دمشق خلع على جمال الدين [بن]«3»
يغمور وعلى أمراء دمشق وأحسن إليهم، واعتقل جماعة من مماليك الصالح أيوب، وعصت عليه بعلبك وعجلون وسميمس [مدة]«3» مديدة، ثم سلمت إليه جميعها.
ولما بلغ الخبر بذلك إلى مصر قبضوا على من عندهم من القيمرية وعلى كل من اتهم بالميل إلى الحلبيين.
ثم إنّ أمراء الدولة وأكابرها اتفقوا على إقامة عز الدين أيبك الجاشنكير الصالحي في السلطنة، وأقاموا أيبك المذكور، وركب بالسناجق السلطانية وحملت الغاشية بين يديه يوم السبت آخر ربيع الآخر هذه السنة ولقب الملك العزيز، وأبطلت السكة والخطبة التي كانت باسم شجر الدّر.
ثم اجتمعت الأمراء واتفقوا على أنه لابد من إقامة شخص من بني أيوب في
السلطنة، واجتمعوا على إقامة موسى المذكور «1» ولقبوه الأشرف وأن يكون أيبك التركماني [أتابكا]«2» .
وجلس الأشرف موسى بن يوسف بن الملك المسعود- صاحب اليمن الملقب أطسز المعروف بأقسيس- بن الملك الكامل بن العادل بن أيوب في دست (276) السلطنة، وحضرت الأمراء في خدمته يوم الخميس لخمس مضين من جمادى الأولى هذه السنة.
وكان بغزّة حينئذ جماعة من عسكر مصر مقدمهم خاص ترك «3» فسار إليهم عسكر دمشق فاندفعوا من غزة إلى الصالحية بالسّانح، واتفقوا على طاعة المغيث صاحب الكرك، وخطبوا له بالصالحية [يوم الجمعة]«4» لأربع مضين من جمادى الآخرة هذه السنة.
ولما جرى ذلك اتفق كبراء الدولة بمصر ونادوا بالقاهرة ومصر أن البلاد للخليفة المستعصم، ثم جدّدت الأيمان للملك الأشرف بالسلطنة ولأيبك التركماني بالأتابكية.
وفي يوم الأحد لخمس مضين من رجب رحل فارس الدين آقطاي الجمدار الصالحي «5» متوجها إلى جهة غزة ومعه [تقدير]«4» ألفي فارس، وكان آقطاي
المذكور مقدم البحرية، فلما وصل إلى غزة اندفع من كان بها من جهة الملك الناصر بين يديه.
وفي هذه السنة، اتفق كبراء الدولة وهدموا سور دمياط في العشر الأخير من شعبان هذه السنة لما حصل للمسلمين عليها من الشدة مرة بعد أخرى، وبنوا مدينة بالقرب منها بالبر وسموها المنشية، وأسوار دمياط التي هدمت من عمارة المتوكل العباسي.
وفي مستهل شعبان، قبض الناصر يوسف صاحب دمشق وحلب على الناصر داود بن المعظم بن العادل الذي كان صاحب الكرك وبعث به إلى حمص فاعتقل بها، وذلك (277) لأشياء بلغته عنه خاف منها.
وفي هذه السنة، سار الملك الناصر يوسف بعساكره من دمشق إلى الديار المصرية وصحبته من ملوك أهل بيته الصالح إسماعيل بن العادل بن أيوب، والأشرف موسى صاحب حمص وهو حينئذ صاحب تل باشر والرحبة وتدمر، والمعظم توران شاه بن السلطان صلاح الدين، وأخوه نصرة الدين «1» ، والأمجد حسن والظاهر شاذي ابنا الناصر داود بن المعظم عيسى بن العادل ابن أيوب، وتقي الدين عباس بن الملك العادل بن أيوب «2» ، ومقدم الجيش شمس الدين لؤلؤ الأرمني وإليه تدبير المملكة، فرحلوا من دمشق يوم الأحد منتصف رمضان هذه السنة، ولما بلغ المصريين ذلك اهتموا لقتاله ودفعه، وبرزوا إلى السّانح وتركوا الأشرف المسمى بالسلطان بقلعة الجبل، وأفرج أيبك عن ولدي الصالح إسماعيل
وهما المنصور إبراهيم «1» والسعيد عبد الملك «2» ، وكانا معتقلين من حين استيلاء الصالح أيوب على بعلبك «3» ، وخلع عليهما ليوهم الناصر يوسف صاحب الشام من أبيهما الصالح إسماعيل، والتقى العسكران المصري والشامي بالقرب من العباسة «4» يوم الخميس عاشر ذي القعدة هذه السنة، وكانت الكسرة أولا على عسكر مصر فخامر جماعة من مماليك الترك العزيزية على الملك الناصر صاحب الشام، وثبت المعز أيبك التركماني في جماعة يسيرة من البحرية، فانضاف جماعة من العزيزية مماليك والد الناصر إلى المعز (278) ، ولما انكسرت المصريون وتبعتهم العساكر الشامية ولم يشكوا في النصر بقي الملك الناصر تحت السناجق السلطانية في جماعة يسيرة من المتعممين لا يتحرك من موضعه، فحمل المعزّ التركماني بمن معه عليه فولى الناصر منهزما طالبا جهة الشام، ثم حمل المعزّ على طلب شمس الدين لؤلؤ فهزمهم وأخذ لؤلؤ أسيرا فضربت عنقه صبرا «5» ، وكذلك أسر الأمير ضياء الدين القيمري فضربت عنقه «6» ، وأسر يومئذ الصالح إسماعيل والأشرف موسى صاحب حمص والمعظم توران شاه بن السلطان صلاح الدين وأخوه نصرة الدين، ووصل عسكر الناصر في أثر المنهزمين
إلى العباسية وضربوا دهليز الملك الناصر وهم لا يشكون أن الهزيمة [تمت]«1»
على المصريين، فلما بلغهم هروب الملك الناصر اختلفت آراؤهم فمنهم من أشار بالدخول إلى القاهرة وتملكها ولو فعلوه لما كان بقي مع المعزّ من يقابلهم به فإن غالب المصريين المنهزمين وصلوا إلى الصعيد، ومنهم من أشار بالرجوع إلى الشام وكان منهم تاج الملوك بن المعظم وهو مجروح «2» ، وكانت الوقعة يوم الخميس، ووصل المنهزمون من المصريين إلى القاهرة في غداة الوقعة نهار الجمعة فلم يشك أهل مصر في تملك الملك الناصر ديار مصر، وخطب له في الجمعة المذكورة بقلعة الجبل بمصر.
وأما القاهرة فلم تقم فيها في ذلك اليوم خطبة لأحد، ثم وردت البشرى بانتصار البحرية، ودخل أيبك التركماني والبحرية إلى القاهرة يوم السبت ثاني عشر ذي القعدة، ومعه الصالح إسماعيل تحت الاحتياط وغيره من المعتقلين فحبسوا بالقلعة (279) وعقب ذلك أخرج أيبك التركماني أمين الدولة وزير الصالح إسماعيل وأستاذ داره [ابن]«1» يغمور [وكانا معتقلين]«3» من حين [استيلاء]«1» الصالح أيوب على بعلبك «4» فشنقهما على باب قلعة الجبل رابع عشر ذي القعدة.
وفي ليلة الأحد سابع عشري ذي القعدة هجم جماعة على الملك الصالح عماد الدين إسماعيل بن الملك العادل بن أيوب وهو يمص قصب سكر وأخرجوه إلى ظاهر قلعة الجبل من جهة القرافة وقتلوه فدفن هناك وعمره نحو خمسين
سنة «1» ، وكانت أمه رومية من حظايا الملك العادل.
وفيها، بعد هزيمة الملك الناصر صاحب الشام سار فارس الدين آقطاي بثلاثة آلاف فارس إلى غزة فاستولى عليها، ثم عاد إلى الديار المصرية.
وفي هذه السنة، وثب على الملك المنصور عمر صاحب اليمن جماعة [من مماليكه]«2» فقتلوه، وهو عمر بن علي [بن]«2» رسول «3» ، [وكان «4» والده علي بن رسول أستاذ دار الملك المسعود بن السلطان الملك الكامل، فلما سار الملك المسعود من اليمن قاصد (ا) الشام وتوفي [بمكة]«2» استناب أستاذ داره علي بن رسول المذكور على اليمن فاستقر نائبا بها لبني أيوب] ، [وكان»
لعلي المذكور إخوة فأحضروا إلى مصر وأخذوا رهائن خوفا من استيلاء علي بن رسول على اليمن، واستمر علي المذكور نائبا حتى مات، قيل سنة ثلاثين وست مئة واستولى على اليمن بعده ولده عمر على ما كان عليه أبوه من النيابة، فأرسل من مصر أعمامه ليعزلوه ويكونوا نوابا موضعه، فلما وصلوا إلى اليمن قبض عمر