الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
«نار تظهر بالحجاز تضيء منها أعناق الإبل ببصرى»
ثم اتفق أن الخدام بحرم النبي صلى الله عليه وسلم وقع منهم في بعض الليالي تفريط، فاشتعلت النار في المسجد الشريف فاحترقت سقوفه ومنبر النبي صلى الله عليه وسلم وتألم الناس لذلك.
وفي سنة ست وخمسين وست مئة
«13»
كان استيلاء التتر على بغداد وانقراض الدولة العباسية، وسبب ذلك أن وزير الخليفة مؤيد الدين بن العلقمي «1» كان رافضيا، وكان أهل الكرخ روافض، فجرت فتنة بين السنة والرافضة، فأمر أبو بكر بن الخليفة «2» (و) ركن الدين الدّوادار العسكر فنهبوا الكرخ وهتكوا النساء وركبوا منهن الفواحش، فعظم ذلك على الوزير بن العلقمي فكاتب التتر وأطمعهم في ملك بغداد، وكان عسكر (293) بغداد يبلغ مئة ألف فارس فقطعهم المستعصم ليحمل إلى التتر متحصل إقطاعاتهم، وصار عسكر بغداد دون عشرين ألف فارس، وأرسل ابن العلقمي إلى التتر أخاه بطلبهم، فساروا قاصدين بغداد في جحفل عظيم وخرج عسكر الخليفة لقتالهم ومقدمهم ركن الدين الدّوادار والتقوا على مرحلتين من بغداد واقتتلوا قتالا شديدا، فانهزم عسكر الخليفة ودخل بعضهم بغداد وسار بعضهم إلى جهة الشام، ونزل هولاكو على بغداد من الجانب الشرقي، ونزل
باجوا وهو مقدم كبير بالجانب الغربي على القرية قبالة دار الخليفة، وخرج مؤيد الدين بن العلقمي إلى هولاكو فتوثق منه لنفسه وعاد إلى الخليفة وقال: إن هولاكو يبقيك بدار الخلافة كما فعل بسلطان الروم، ويريد أن يزوج ابنته بابنك أبي بكر وحسن له الخروج إلى هولاكو، فخرج المستعصم في جمع من أكابر أصحابه فأنزل في خيمة، ثم استدعى الوزير الفقهاء والأماثل فاجتمع هناك جميع سادات بغداد والمدرسون وكان منهم محيي الدين بن الجوزي وأولاده، وبقي كذلك يخرج إلى التتر طائفة بعد طائفة فلما تكاملوا قتلهم التتر عن آخرهم، ثم مدوا الجسر وعدى باجو ومن معه وبذلوا السيف في بغداد، وهجموا دار الخلافة وقتلوا كل من كان فيها من الأشراف ولم يسلم منهم إلا من كان صغيرا فأخذ أسيرا، ودام القتل والنهب في بغداد نحو أربعين يوما (294) ثم نودي بالأمان.
وأما الخليفة فإنهم قتلوه، ولم يقع اطلاع على كيفية قتله، فقيل: خنق، وقيل: وضعوه في عدل ورفسوه حتى مات، وقيل: غرّق في دجلة والله أعلم «1» .
وكان هذا المستعصم أبو أحمد عبد الله بن المستنصر أبي جعفر منصور ابن محمد الظاهر بن الإمام الناصر أحمد وقد تقدم ذكر باقي نسبه عند وفاة الإمام الناصر «2» ، ضعيف الرأي، قد غلب عليه أمراء دولته لسوء تدبيره، تولى الخلافة بعد موت أبيه المستنصر في سنة أربعين وست مئة، وكانت مدة خلافته نحو ستّ عشرة سنة تقريبا، وهو آخر خلفاء بني العباس، وكان ابتداء دولتهم في سنة اثنتين وثلاثين ومئة، وهي السنة التي بويع فيها السفاح بالخلافة، وقتل فيها
مروان الحمار آخر خلفاء بني أمية، فكانت مدة ملكهم خمس مئة وأربعا وعشرين سنة تقريبا، وعدة خلفائهم سبعة وثلاثون خليفة.
حكى القاضي جمال الدين بن واصل، قال: لقد أخبرني من أثق به أنه وقف على كتاب عتيق فيه ما صورته: أن علي بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بلغ خلفاء بني أمية عنه أنه يقول: إن الخلافة تصير إلى ولده فأمر الأموي بعلي بن عبد الله فحمل على جمل بعد أن ضرب وطيف به ونودي عليه عند ضربه: هذا جزاء من يفتري ويقول إن الخلافة تكون في ولده، فكان علي بن عبد الله يقول: إي والله لتكوننّ الخلافة في ولدي، لا تزال فيهم حتى يأتيهم العلج من خراسان فينتزعها منهم فوقع (295) مصداق ذلك وهو ورود هولاكو وإزالته ملك بني العباس «1» .
وفي هذه السنة، كانت الوقعة بين المغيث صاحب الكرك وعسكر مصر، كان قد انضمت البحرية إلى المغيث بن العادل بن الكامل بن العادل بن أيوب ونزل من الكرك وخيم بغزة، وجمع الجموع وسار إلى مصر في دست السلطنة، وخرجت عساكر مصر مع مماليك الملك المعزّ أيبك وأكبرهم سيف الدين قطز والغتمي وبهادر، والتقى الفريقان وانكسر المغيث ومن معه وسار منهزما إلى الكرك في أسوأ حال، ونهب ثقله ودهليزه.
وفي هذه السنة أعني سنة ست وخمسين، توفي الملك الناصر داود «2» بظاهر دمشق في قرية يقال لها البويضاء، ومولده سنة ثلاث وست مئة، وكان عمره ثلاثا وخمسين سنة، وكنا قد ذكرنا أخباره في سنة خمس وخمسين، وأنه توجه
إلى تيه بني إسرائيل وصار مع عرب تلك البلاد «1» ، وبلغ المغيث صاحب الكرك وصوله إلى تلك الجهة فخشي منه وأرسل إليه وقبض عليه وحمله إلى الشّوبك وأمر بحفر مطمورة ليحبسه فيها [وبقي الناصر ممسوكا والمطمورة تحفر قدامه ليحبس فيها]«2» ، فبينما هو على تلك الحال إذ ورد رسول الخليفة المستعصم من بغداد يطلبه لما قصده التتر ليقدمه على بعض العساكر [لملتقى التتر]«3» ، فلما ورد رسول الخليفة إلى دمشق جهز (هـ) الناصر يوسف إلى المغيث ووصل الرسول إلى الناصر داود قبل فراغ المطمورة فأخذه وعاد به إلى دمشق فبلغ الرسول باستيلاء التتر على بغداد وقتل الخليفة، فتركه الرسول ومضى (296) لشأنه، فسار الناصر داود إلى البويضاء من قرى دمشق وأقام بها، ولحق الناس بالشام في تلك المدة طاعون مات فيه الناصر داود، وخرج الناصر يوسف صاحب دمشق إلى البويضاء، وأظهر عليه الحزن والتأسف، ونقله إلى الصالحية فدفنه بتربة والده المعظم.
وكان الناصر داود فاضلا ناظما ناثرا وقرأ [العلوم]«3» العقلية على الشيخ شمس الدين عبد الحميد الخسرو شاهي «4» تلميذ الإمام فخر الدين الرازي، وللناصر داود المذكور أشعار جيدة، وقد تقدم ذكر بعضها «5» ، ومن شعره أيضا «6» :(الطويل)
عيون عن السّحر المبين يبين
…
لها عند تحريك القلوب سكون
تصول ببيض وهي سود حديدها «1»
…
ذبول فتور والجفون جفون
إذا ما رأت قلبا خليّا من الهوى
…
تقول له: كن مغرما فيكون
وله «2» : (الكامل)
طرفي وقلبي قاتل وشهيد
…
ودمي على خدّيك منه شهود
أمّا وحبّك لست أضمر سلوة
…
عن صبوتي [ودعي]«3» الفؤاد يبيد
منّي بطيفك بعد ما منع الكرى
…
عن ناظريّ البعد والتّسهيد
ومن العجائب أن قلبك لم يلن
…
لي، والحديد ألانه داود
ومما كتبه في أثناء مكاتبته إلى الشيخ عز الدين بن عبد السلام، وكان قد أغارت الفرنج على نابلس في أيام الصالح أيوب صاحب مصر:(الطويل)
(297)
ألا «4» ليت أمي أيّم طول عمرها
…
فلم يقضها ربي لمولى ولا بعل
ويا ليته لما قضاها لسيّد
…
لبيب أريب طيب الفرع والأصل
قضاها من اللاتي خلقن عواقرا
…
فما بشّرت يوما بأنثى ولا فحل
ويا ليتها لما غدت بي حاملا
…
أصيبت بما احتقّت عليه من الحمل
ويا ليتني لما ولدت وأصبحت
…
تشدّ إزاري كنت أرمحت بالرّحل «5»
لحقت بأسلافي فكنت ضجيعهم
…
ولم أر في الإسلام بالله «6» من خلّ
وفي هذه السنة، قصدت التتر ميّافارقين بعد ملكهم بغداد، وكان صاحب ميّافارقين حينئذ الملك الكامل محمد بن الملك المظفر شهاب الدين غازي بن العادل أبي بكر بن أيوب، وكان قد ملكها بعد وفاة أبيه سنة اثنتين وأربعين وست مئة، فحاصره التتر وضايقوا ميّافارقين مضايقة شديدة، وصبر أهل ميّافارقين مع الكامل المذكور على الجوع الشديد، ودام ذلك حتى كان منه ما سنذكره «1» إن شاء الله تعالى.
وفيها، اشتد الوباء بالشام خصوصا دمشق حتى لم يوجد مغسّل للموتى.
وفيها، أرسل الملك الناصر يوسف صاحب الشام ولده الملك العزيز محمد وصحبته زين الدين المعروف بالحافظي «2» ، وهو من أهل قرية عقرباء «3» من بلاد دمشق بتحف وتقدّم إلى هولاكو ملك التتر، وصانعه لعلمه بعجزه عن مقاومته.
وفيها، كان بين البحرية بعد هزيمتهم من المصريين وبين عسكر الناصر يوسف صاحب دمشق ومقدمهم الأمير (298) مجير الدين بن أبي زكرى «4» مصاف بظاهر غزة انهزم فيه عسكر الناصر يوسف وأسر مجير الدين، وقوي أمر البحرية بعد هذه الكسرة وأكثروا العبث والفساد.