الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكبير» .
وفي سنة سبع وأربعين وست مئة
«13»
سار ريد إفرنس «2» وهو من أعظم ملوك الفرنج وريد بلغتهم هو الملك أي ملك إفرنس وإفرنس أمة عظيمة من أمم الفرنج، وكان قد جمع ريد إفرنس نحو خمسين ألف مقاتل وشتى في جزيرة قبرس ثم سار ووصل في هذه السنة إلى دمياط وكان شحنها الملك الصالح أيوب بآلات عظيمة (268) وذخائر وافرة، وجعل فيها بني كنانة «3» وهم مشهورون بالشجاعة، وكان قد أرسل الملك الصالح فخر الدين بن الشيخ بجماعة كثيرة من العسكر ليكونوا قبالة الفرنج على ظاهر دمياط، ولما وصلت الفرنج عبر فخر الدين بن الشيخ من الجانب الغربي إلى البر الشرقي، ووصل الفرنج إلى البر الغربي لتسع بقين من صفر في هذه السنة.
ولما جرى ذلك هربت بنو كنانة وأهل دمياط، وأخلوا دمياط وتركوا أبوابها مفتحة فتملكها الفرنج بغير قتال واستولوا على ما بها من الذخائر والأسلحة وكان هذا من أعظم المصائب، وعظم ذلك على الملك الصالح وأمر بشنق بني
كنانة فشنقوا عن آخرهم، ووصل الملك الصالح إلى المنصورة ونزل بها يوم الثلاثاء لخمس بقين من صفر من هذه السنة، وقد اشتد مرضه وهو السّل والقرحة التي كانت به.
وفي هذه السنة، سار الناصر داود بن الملك المعظم من الكرك إلى حلب لما ضاقت به الأمور مستجيرا بالملك الناصر يوسف صاحب حلب، وكان قد بقي عند الناصر داود من الجوهر مقدار كثير قيل كان يساوي مئة ألف دينار إذا بيع بالهوان، فلما وصل إلى حلب سير الجوهر المذكور إلى بغداد واستودعه عند الخليفة المستعصم، ووصل إليه خط الخليفة بتسلمه، فلم تقع عينه عليه بعد ذلك.
ولما سار الناصر داود عن الكرك استناب بها ابنه عيسى «1» ولقبه (269) الملك المعظم، وكان له ولدان آخران أكبر من عيسى هما: الأمجد حسن «2»
والظاهر شاذي «3» ، فغضب الأخوان المذكوران من تقديم أخيهما عيسى عليهما، وبعد سفر أبيهما [قبضا على أخيهما عيسى]«4» (و) سارا إلى مصر، وأطمعا الملك الصالح في الكرك، فأحسن الصالح إليهما، وأقطعهما إقطاعا أرضاهما به، وأرسل إلى الكرك وتسلمها يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة بقين من جمادى الآخرة من هذه السنة، وفرح الملك الصالح أيوب بالكرك فرحا عظيما مع ما هو
فيه من المرض لما كان في خاطره من صاحبها.
وفي هذه السنة، توفي الملك الصالح نجم الدين أيوب «1» ليلة الأحد لأربع عشرة ليلة مضت من شعبان من هذه السنة، وكانت مدة مملكته للديار المصرية تسع سنين وثمانية أشهر وعشرين يوما، وكان عمره نحو أربع وأربعين سنة، وكان مهيبا عالي الهمة، شجاعا، عفيفا، طاهر اللسان والذيل، شديد الوقار، كثير الصمت، وجمع من المماليك الترك ما لم يجمعه غيره من أهل بيته حتى كان أكثر أمراء العسكر مماليكه، ورتب جماعة من المماليك الترك حول دهليزه وسماهم البحرية، وكان لا يجسر أحد أن يخاطبه إلا جوابا، ولا يتكلم بحضرته ابتداء، وكانت القصص توضع من يديه مع الخدم فيكتب بيده عليها، وتخرج للموقعين، وكان لا يستقبل [أحدا]«2» من أهل [دولته]«3» بأمر من الأمور إلا بعد مشاورته بالقصص، وكان غاويا للعمارة، بنى قلعة [الجزيرة]«4» بمصر، والصالحية «5» وهي بلدة بالسانح (270) وبنى بها قصورا للتصيد، وبنى قصرا عظيما بين مصر والقاهرة يسمى بالكبش «6» ، وكانت أم الصالح المذكور جارية سوداء تسمى ورد المنى غشيها الملك الكامل فحملت بالملك الصالح، وكان للملك الصالح ثلاثة أولاد أحدهم فتح الدين عمر توفي في حبس الصالح
إسماعيل «1» ، وكان قد توفي ولده الآخر قبله، ولم يكن بقي له غير المعظم توران شاه بحصن كيفا.
ومات الملك الصالح ولم يوص بالملك إلى أحد، فلما توفي أحضرت شجر الدّر «2» جاريته فخر الدين بن الشيخ والطواشي جمال الدين [محسنا]«3»
وعرفتهما بموت السلطان فكتموا ذلك خوفا من الفرنج، وجمعت شجر الدّر الأمراء وقالت لهم: السلطان يأمركم أن تحلفوا له ثم من بعده لولده الملك المعظم توران شاه المقيم بحصن كيفا وللأمير فخر الدين بن الشيخ بأتابكية العسكر، وكتبت إلى حسام الدين بن أبي علي وهو النائب بمصر بمثل ذلك، فحلفت الأمراء والأجناد بالعسكر بمصر والقاهرة على ذلك في العشر الأوسط من شعبان هذه السنة، وكان بعد ذلك تخرج الكتب والمراسيم وعليها علامة الملك الصالح، وكان يكتبها خادم يقال له السهيلي (؟) فلا يشك أحد في أنه خط السلطان، وأرسل فخر الدين بن الشيخ قاصدا لإحضار الملك المعظم من حصن كيفا، ولما جرى ذلك شاع بين الناس موت السلطان، وكان أرباب الدولة [لا يجسرون]«4»
أن يتفوهوا به، وتقدم الفرنج عن دمياط للمنصورة وجرى بينهم وبين المسلمين (271) في رمضان هذه السنة وقعة عظيمة استشهد فيها جماعة كبار من المسلمين، ونزلت الفرنج بشرمساح «5» ثم قربوا من المسلمين، ثم إن الفرنج كبسوا المسلمين على المنصورة بكرة الثلاثاء لخمس مضين من ذي القعدة، وكان فخر
الدين يوسف بن الشيخ صدر الدين بن حمّوية بالحمّام في المنصورة، فركب مسرعا وصادفه جماعة من الفرنج فقتلوه «1» ، وكان سعيدا في الدنيا، ومات شهيدا، ثم حملت المسلمون والترك البحرية على الفرنج فردوهم على أعقابهم، واستمرت بهم الهزيمة.
وأما الملك المعظم توران شاه فإنه سار من حصن كيفا إلى دمشق في رمضان هذه السنة وعيد بها عيد الفطر، ووصل إلى المنصورة يوم الخميس لتسع بقين من ذي القعدة، ثم اشتد القتال بين المسلمين والفرنج برا وبحرا، ووقعت مراكب المسلمين على الفرنج فأخذوا منهم اثنين وثلاثين [مركبا]«2» منها تسع [شوان]«3» فضعفت الفرنج لذلك، وأرسلوا يطلبون القدس وبعض السواحل و [أن]«4» يسلموا دمياط، فلم تقع الإجابة إلى ذلك.
وفيها، وقع الحرب بين بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل وبين الناصر صاحب حلب، فأرسل الملك الناصر عسكرا التقوا مع المواصلة بظاهر نصيبين فانهزمت المواصلة هزيمة قبيحة، واستولى الحلبيون على أثقال لؤلؤ صاحب الموصل وخيمه وتسلموا نصيبين من صاحب الموصل، ثم ساروا إلى دارا فتسلموها وخربوها بعد قتال (272) وحصار ثلاثة أشهر، ثم تسلموا قرقيسياء «5» وعادوا إلى حلب.