الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفيها، قتل مظفر بن حماد «1» صاحب البطيحة «2» في الحمام، وتولى بعده ابنه.
وفي سنة اثنتين وخمسين وخمس مئة
«13»
في رجب كان بالشام زلازل قوية، فخربت بها حماه وشيزر وحمص وحصن الأكراد وطرابلس وأنطاكية وغيرها من البلاد المجاورة لها حتى وقعت الأسوار والقلاع، فقام نور الدين بن زنكي في ذلك القيام الرضيّ من تداركها بالعمارة وإغارته على الفرنج ليشغلهم عن قصد البلاد، وهلك تحت الروم ما لا يحصى، ويكفي أن معلم كتّاب كان بمدينة حماه فارق المكتب، وجاءت الزلزلة (25) فسقط المكتب على الصبيان كلّهم فلم يحضر أحد يسأل عن صبيّ هناك لهلاكهم.
ولما خربت [قلعة]«3» شيزر بهذه الزلزلة وسقط سورها بادر إليها «4» [نور الدين محمود بن زنكي، وكان بالقرب منها فصعد إليها وتسلمها وتملكها]«5» ، وعمّر أسوارها.
وكانت «6» شيزر لبني منقذ الكنانيين يتوارثونها من أيام صالح بن مرداس «7»
هكذا ذكر ابن الأثير في «الكامل» «1» أن بني منقذ المذكورين ملكوا شيزر من أيام صالح بن مرداس، فكان ملك صالح بن مرداس حلب في سنة أربع عشرة وأربع مئة، وانقضى ملكه سنة عشرين وأربع مئة، وقد ذكر «2» القاضي شمس الدين بن خلّكان «3» ، والقاضي شهاب الدين بن أبي الدم الحموي «4» وغيرهما ما يخالف ذلك، ونحن نذكر ما قالوه مختصرا ثم نرجع إلى ما ذكره ابن الأثير، قالوا:
وفي سنة أربع وسبعين وأربع مئة استولى بنو منقذ على شيزر وأخذوها من الروم، قال ابن أبي الدم: وكان فتحها منهم علي بن مقلّد بن نصر بن منقذ «5» ،
قال: وورد كتاب إلى بغداد يشرح قصته، فمنه بعد البسملة «1» :
«كتابي من حضرة شيزر حماها الله تعالى، وقد رزقني الله عز وجل من الاستيلاء على هذا المعقل العظيم ما لم يأت لمخلوق في هذا الزمان، وإذا عرف الأمر على حقيقته علم أني هاروت هذه الأمة، وسليمان الجنّ والمردة، ولأني أفرق بين المرء وزوجه، وأستنزل القمر من محلّه، أنا أبو النجم وشعرى «2» [هذه الأمة]«3» نظرت إلى هذا الحصن فرأيت (26) أمرا يذهل الألباب، يسع ثلاثة آلاف بالأهل والمال، وتمسكه خمس نسوة، فعمدت إلى تل بينه وبين حصن الروم يعرف بالخراص «4» ، ويسمى هذا التلّ تلّ الجسر، فعمرته حصنا، وجمعت فيه أهلي وعشيرتي وقفزت قفزة على حصن [الروم]«5» فأخذته بالسيف من الروم، ومع ذلك فلما أخذت من به من الروم أحسنت إليهم وأكرمتهم ومزجتهم بأهلي وعشيرتي، وخلطت خنازيرهم بغنمي، ونواقيسهم بصوت الأذان، فرأى أهل شيزر فعلي ذلك، وأنسوا بي، ووصل إليهم من الإكرام والإتحاف، فوصل إليّ منهم نصفهم، فبالغت في إكرامهم، ووصل إليّ مسلم بن قريش «6» فقتل منهم
من أهل شيزر نحو عشرين رجلا، فلما انصرف عنهم مسلم سلّموا الحصن إليّ» .
هذا خلاصة ما ذكره القاضي شهاب الدين المذكور وبين ما ذكره وما ذكر ابن الأثير من التفاوت أكثر من خمسين سنة.
قال الملك عماد الدين «1» : والذي يخطر لي أن ما ذكره ابن الأثير أولى، لأنّ حماة وشيزر فتحتا مع الشام على يد أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه، واستمرّ الشام للمسلمين إلى سنة تسعين وأربع مئة، فسار الفرنج إلى الشام، وملكوا غالبه بسبب اشتغال ملوك المسلمين بقتال بعضهم بعضا، ولم يذكر ملكهم لشيزر.
قال ابن الأثير: فلما انتهى ملك شيزر إلى نصر بن علي بن منقذ استمرّ فيها إلى أن مات سنة إحدى وتسعين وأربع مئة «2» ، فلما حضره الموت استخلف (27) أخاه مرشد بن عليّ «3» على حصن شيزر، فقال مرشد: والله لا وليته ولأخرجنّ من الدنيا كما دخلتها، ومرشد هو والد مؤيد الدولة أسامة بن منقذ، فلما امتنع
مرشد من الولاية ولاها نصر أخاه الصغير سلطان الدولة بن عليّ «1» ، واستمر مرشد مع أخيه سلطان على أجمل صحبة مدة من الزمان، وكان لمرشد عدة أولاد نجباء ولم يكن لسلطان ولد، ثم جاء لسلطان الأولاد فخشي عليهم من أولاد أخيه مرشد، وسعى المفسدون بين مرشد وسلطان فتغير كلّ منهما على صاحبه، فكتب سلطان إلى أخيه مرشد أبياتا يعاتبه، وكان مرشد عالما بالأدب والشعر، فأجابه مرشد بقصيدة طويلة منها «2» :(الطويل)
شكت هجرنا والذنب في ذاك ذنبها
…
فيا عجبا من ظالم جاء شاكيا
وطاوعت الواشين فيّ وطالما
…
عصيت عذولا في هواها وواشيا
ومال بها تيه الجمال إلى القلى
…
وهيهات أن أمسي لها الدهر قاليا
ولما أتاني من قريضك جوهر
…
جمعت المعالي فيه [لي]«3» والمعانيا
وكنت هجرت الشعر حينا لأنّه
…
تولى برغمي حين ولى شبابيا
وقلت: أخي يرعى بنيّ وأسرتي
…
ويحفظ عهدي فيهم وذماميا
فمالك لما أن حنى الدهر صعدتي
…
وثلّم مني صارما كان ماضيا
تنكرت حتى صار برّك قسوة
…
وقربك مني «4» جفوة وتنائيا
(28)
على أنني ما حلت عما عهدته
…
ولا غيرت هذي السنون وداديا
وكان الأمر بين مرشد وأخيه سلطان فيه تماسك إلى أن توفي مرشد سنة إحدى وثلاثين وخمس مئة، فأظهر سلطان التغير على أولاد أخيه مرشد،
وجاهرهم بالعداوة، ففارقوا شيزر، وقصد أكثرهم نور الدين محمود بن زنكي، وشكوا إليه من عمّهم سلطان، فغاظه ذلك ولم يمكنه قصده لانشغاله بجهاد الفرنج، وبقي سلطان كذلك إلى أن توفي وولي بعده أولاده، فلما خربت القلعة هذه السنة بالزلزلة لم ينج من بني منقذ الذين كانوا بها أحد، فإنّ صاحبها «1»
كان قد ختن ولده، وعمل دعوة للناس، وأحضر جميع بني منقذ في داره، وجاءت الزلزلة فسقطت القلعة والدار عليهم فهلكوا عن آخرهم، وكان لصاحب شيزر ابن منقذ حصان يحبّه، ولا يزال على باب داره، فلما سقطت الدار سلم من بني منقذ واحد وهرب يطلب باب الدار فلما خرج [من الباب]«2» رفسه الحصان المذكور فقتله، وتسلم نور الدين القلعة والمدينة. «3»
وفي هذه السنة توفي السلطان سنجر بن ملك شاه بن ألب أرسلان بن داود بن ميكائيل بن سلجوق «4» ، وأصابه قولنج ثم إسهال فمات منه، ومولده بسنجار في رجب سنة تسع وسبعين وأربع مئة، استوطن مدينة مرو من خراسان، وقدم بغداد مع أخيه السلطان محمد (29) واجتمع بالخليفة المستظهر «5» ، فلما مات محمد خوطب سنجر بالسلطان، واستقام أمره، وأطاعته السلاطين، وخطب له على منابر الإسلام بالسلطنة نحو أربعين سنة،