الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفي سنة تسع وتسعين وخمس مئة
«13»
في المحرم توفي فلك الدين [سليمان]«1» أخو الملك العادل لأمه وهو الذي تنسب إليه المدرسة الفلكية بدمشق.
ذكر الحوادث باليمن
كان قد تملك اليمن الملك المعز إسماعيل بن سيف الإسلام طغتكين بن أيوب «2» ، وكان فيه هوج وخبط فادعى أنه قرشي، وأنه من بني أمية، ولبس الخضرة، وخطب لنفسه [ولبس ثياب الخلافة في ذلك الزمان]«3» ، وكان طول الكم [نحو عشرين]«4» ذراعا، وخرج عن طاعته جماعة من مماليك أبيه، واقتتلوا معه، وانتصر عليهم، ثم اتفق معهم جماعة من الأمراء الأكراد وقتلوا المعز إسماعيل «5» ، وأقاموا في مملكة اليمن أخا له صغيرا وسموه الناصر «6» ، وبقي مدة وأقام بأتابكيته مملوك والده وهو سيف الدين سنقر ثم مات سنقر بعد أربع سنين «7» ، وتزوج أم الناصر أمير من أمراء الدولة يقال له غازي بن
جبريل «1» وقام بأتابكية الناصر ثم سم الناصر في كوز فقاع على ما قيل، وبقي غازي متملكا للبلاد، ثم قتله جماعة من العرب (142) بسبب قتله للناصر بن طغتكين، وبقيت اليمن خالية بغير سلطان فتغلبت أم الناصر على زبيد وأحرزت عندها الأموال، وكانت تنتظر وصول أحد من بني أيوب لتتزوج به وتملكه البلاد، وكان للملك المظفر تقي الدين عمر بن شاهنشاه ولد اسمه سعد الدين شاهنشاه «2» وكان له ابن اسمه سليمان «3» فخرج بن شاهنشاه بن تقي الدين عمر فقيرا يحمل الركوة على كتفه ويتنقل مع الفقراء من مكان إلى مكان، وكان قد أرسلت أم الناصر بعض غلمانها إلى مكة حرسها الله تعالى في موسم الحجاج ليأتيها بأخبار مصر والشام، فوجد غلمانها سليمان المذكور فأحضروه إلى اليمن فاستحضرته أم الناصر وخلعت عليه وملكته اليمن، فملأ الأرض ظلما وجورا واطّرح زوجته التي ملكته اليمن، وأرسل إلى السلطان الملك العادل وهو عم جده كتابا جعل [في أوله]«4» إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
«5»
فاستقل العادل عقله، ثم كان من سليمان المذكور ما نذكره «6» إن شاء الله
تعالى.
وفيها، أرسل العادل إلى ولده الأشرف وأمره بحصار ماردين فحصرها وضايقها، ثم سعى الملك الظاهر إلى العادل في الصلح فأجاب على أن يحمل صاحب ماردين مئة ألف وخمسين ألف دينار، ويخطب له ببلاده، ويضرب السّكّة باسمه، ويكون بخدمته متى طلبه، فأجيب إلى ذلك واستقر الصلح عليه.
وفيها، أخرج الملك العادل الملك المنصور محمد بن (143) الملك العزيز من مصر إلى الشام، فسار بوالدته وأقام بحلب عند عمه الملك الظاهر.
وفيها، سار الملك المنصور صاحب حماة إلى بعرين مرابطا للفرنج وأقام بها، وكتب الملك العادل إلى صاحب بعلبك وإلى صاحب حمص بإنجاده، واجتمعت الفرنج من حصن الأكراد وطرابلس وغيرها وقصدوا الملك المنصور ببعرين، واتقعوا معه في ثالث شهر رمضان هذه السنة واقتتلوا فانهزم الفرنج، وقتل وأسر من خيالتهم جماعة، وكان يوما مشهودا، وفي ذلك يقول بهاء الدين أسعد بن يحيى السّنجاري «1» قصيدة منها:(البسيط)
ما لذة العيش إلّا صوت معمعة
…
تنال فيها المنى بالبيض والأسل
يأيها الملك المنصور نصح فتى
…
لم يلوه عن وفاء كثرة العذل
اعزم ولا تترك الدنيا بلا ملك
…
وجدّ والملك محتاج إلى رجل
يا أوحد العصر يا خير الملوك ومن
…
فاق البرية من حاف ومنتعل
ثم خرج من حصن الأكراد والمرقب الإسبتار، وانضم إليهم جموع من
السواحل، واتقعوا مع الملك المنصور صاحب حماة وهو نازل ببارين حادي وعشري شهر رمضان هذه السنة بعد الوقعة الأولى بثمانية عشر يوما فانتصر ثانيا، وانهزمت الفرنج هزيمة قبيحة وأسر الملك المنصور وقتل منهم عدة كثيرة، ومدح الملك المنصور بسبب هذه الوقعة سالم بن سعاد «1» الحمصي بقصيدة منها:(الكامل)
أمر اللواحظ أن تفوق الأسهما «2»
…
ريم برامة مارنا حتى رمى
(144)
ومنها:
فتّانة بالسّحر بل فتّاكة
…
ما جار قاضيهن حتى حكّما «3»
أصبحت فيها مغرما كمحمد
…
لما غدا بالأريحيّة مغرما
وشننت منتقما بساحل بحرها
…
جيشا حكى البحر الخضمّ عرمرما
أسدلت في الآفاق من هبواته
…
ليلا وأطلقت الأسنة أنجما
وفيها، ولد الملك المظفر تقي الدين محمود بن المنصور محمد «4» صاحب حماة من ملكة خاتون بنت السلطان الملك العادل «5» وسمي عمر، وإنما سمي [محمودا]«6» بعد ذلك، وكانت ولادته بقلعة حماة ظهر يوم الأربعاء «7» رابع عشر رمضان هذه السنة.
وفيها، أرسل الملك العادل وانتزع ما كان بيد الملك الأفضل وهي رأس عين «1» وسروج وقلعة نجم «2» ، ولم يترك بيده غير سميساط فقط، فأرسل الملك الأفضل والدته، ودخلت على الملك المنصور صاحب حماة ليرسل معها من يشفع في الملك الأفضل عند الملك العادل في إبقاء ما كان بيده وتوجهت أم الأفضل وتوجه معها من حماة القاضي زين الدين بن هندي «3» إلى الملك فلم يجبها ورجعت خائبة، قال عز الدين بن الأثير في «الكامل» :
وقد عوقب البيت الصلاحي بمثل ما فعله والدهم صلاح الدين لما خرجت إليه نساء بيت الأتابك ومن جملتهن بنت نور الدين الشهيد يتشفعن في إبقاء الموصل على عز الدين مسعود فردهن ولم يجب سؤالهن، ثم ندم رحمه الله على ردهن، فجرى للملك الأفضل بن السلطان صلاح الدين (145) مع عمه مثل ذلك «4» .
ولما جرى ذلك أقام الملك الأفضل بسميساط وقطع خطبة الملك العادل، وخطب للسلطان ركن الدين سليمان بن قليج أرسلان بن مسعود السلجوقي صاحب بلاد الروم.