الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في العشرين من جمادى الآخرة.
وكذلك اشترى تقي الدين عمر «1» ابن أخي صلاح الدين منازل العز «2»
وبناها مدرسة للشافعية.
وفي سنة سبع وستين وخمس مئة
«13»
ثاني جمعة من المحرم قطعت خطبة العاضد لدين الله أبي محمد عبد الله، وكان سبب الخطبة العباسية بمصر أنه لما تمكن صلاح الدين من مصر وحكم على القصر وأقام فيه قراقوش الأسدي وكان خصيا أبيض، وبلغ نور الدين ذلك، فأرسل إلى صلاح الدين يأمره بقطع الخطبة العلوية وإقامة الخطبة العباسية فراجعه صلاح الدين في ذلك خوف الفتنة، فلم يلتفت نور الدين إلى ذلك وأصر عليه، وكان العاضد قد مرض، فأمر صلاح الدين الخطباء أن يخطبوا للمستضيء ويقطعوا خطبة العاضد فامتثلوا ذلك، ولم تنتطح فيها عنزان، وكان العاضد قد اشتد مرضه فلم يعلمه أحد من أهله بقطع خطبته فتوفي العاضد يوم عاشوراء»
، ولم يعلم بقطع خطبته.
ولما توفي جلس صلاح الدين للعزاء واستولى على قصر الخلافة، وعلى جميع ما فيه، وكان [من]«4» كثرته يخرج عن الإحصاء، وكان فيه أشياء نفيسة من
الأعلاق والكتب والتحف (56) فمن ذلك الحبل الياقوت، وكان وزنه سبعة عشر درهما [أو سبعة عشر مثقالا]«1» ، قال ابن الأثير في «الكامل» :
أنا رأيته ووزنته، ومما حكي أنه كان بالقصر طبل للقولنج إذا ضرب به الإنسان ضرط فكسر ولم يعلموا به إلا بعد ذلك، ونقل [صلاح الدين أهل]«2»
العاضد إلى موضع من القصر، ووكل بهم من يحفظهم، وأخرج جميع من فيه من عبد وأمة فباع البعض وعتق البعض ووهب البعض، وخلا القصر من سكانه كأن لم يغن بالأمس، ولما اشتد مرض العاضد أرسل إلى صلاح الدين يستدعيه، فظن ذلك خديعة فلم يمض إليه، فلما توفي علم صدقه، وندم على تخلفه عنه، وجميع مدة خلافتهم من حين ظهر المهدي بسجلماسة في ذي الحجة سنة ست وتسعين ومئتين «3» إلى أن توفي العاضد في هذه السنة سنة سبع وستين وخمس مئة، مئتان واثنتان وسبعون سنة تقريبا، وهذا دأب الدنيا لم تعط إلا واستردت، ولم تحل إلا وتمررت، ولم تصف إلا وتكدرت، بل صفوها لا يخلو من الكدر.
ولما وصل خبر الخطبة العباسية بمصر إلى بغداد ضربت البشائر ستة أيام، وسيرت الخلع مع عماد الدين صندل «4» وهو من خواص الخدم المقتفوية إلى نور الدين وصلاح الدين والخطباء، وسيرت الأعلام السود «5» .
وكان العاضد قد رأى مناما أن عقربا خرجت من مسجد بمصر معروف ذلك
المسجد للعاضد ولرعيته فاستيقظ العاضد مرعوبا واستدعى ممن يعبر الرؤيا وقصه عليه فعبر له بوصول (57) أذى إليه من شخص بذلك المسجد، فتقدم العاضد إلى والي مصر بإحضار أهل ذلك المسجد فأحضر إليه شخصا صوفيا يقال له نجم الدين [الخبوشاني]«1» ، فاستخبره العاضد عن مقدمه وسبب مقامه بذلك المسجد وأخبره بالصحيح في ذلك، ورآه العاضد أضعف من أن يناله بمكروه فأمر له بمال، وقال: أدع لنا يا شيخ، وأمره بالانصراف، فلما أراد السلطان صلاح الدين إزالة الدولة العلوية استفتى الفقهاء [في ذلك، فأفتاه جماعة من الفقهاء]«2» ، وكان نجم الدين الخبوشاني المذكور من جملتهم فبالغ في الفتيا وصرح بتعديد مساوئهم، وسلب عنهم الإيمان وأطال الكلام فوق ذلك فصح به رؤيا العاضد.
وفيها، وقع بين نور الدين وصلاح الدين وحشة في الباطن، فإن صلاح الدين سار ونازل الشّوبك وهي للفرنج، ثم رحل عنه خوفا أن يأخذه ولم يبق ما يعوق نور الدين عن قصد مصر فتركه ولم يفتحه لذلك، وبلغ نور الدين ذلك فكتمه، وتوحش خاطره لذلك، ولما استقر صلاح الدين بمصر جمع أقاربه وكبراء دولته وقال: بلغني أن نور الدين يقصدنا فما الرأي؟ فقال تقي الدين عمر ابن أخيه نقاتله ونصده، وكان ذلك بحضرة أبيهم نجم الدين أيوب، فأنكر على تقي الدين ذلك، وقال: أنا والدكم لو رأيت نور الدين نزلت وقبلت الأرض بين يديه، بل اكتب وقل لنور الدين، لو جاءني إنسان واحد من عندك وربط المنديل في
عنقي وجرني إليك سارعت إليك (58) وانفضوا على ذلك، ثم اجتمع أيوب بابنه صلاح الدين خلوة، وقال: لو قصدنا نور الدين أنا كنت أول من يمنعه ويقاتله، ولكن إذا أظهرنا ذلك يترك نور الدين جميع ما هو فيه ويقصدنا ولا ندري ما يكون من ذلك فإن جميع عسكرنا إنما هم أمراء نور الدين وغلمانه، وإن أظهرنا الطاعة تمادى الوقت بما يحصل به الكفاية من عند الله تعالى فكان كما قال.
وفيها، توفي الأمير محمد بن مردنيش «1» صاحب شرقي بلاد الأندلس وهي مرسبة وبلنسية «2» وغيرهما، فقصد أولاده أبا يعقوب يوسف بن عبد المؤمن ملك المغرب وسلموا إليه بلادهم «3» ، فسرّ بذلك يوسف وتسلمها منهم، وتزوج أختهم وأكرمهم، ووصلهم بالأموال الجزيلة، وكان قد قصدهم يوسف المذكور في مئة ألف مقاتل فأجابوا بدون قتال كما ذكرنا.
وفيها، عبر الخطا نهر جيحون فجمع خوارزم شاه أرسلان بن أطسز بن محمد ابن أنوش تكين عساكره، وسار إلى لقائهم فمرض ورجع مريضا، وأرسل عسكرا مع بعض المقدمين فقاتلوا الخطا فانهزم عسكر خوارزم شاه، وأسر مقدمهم، ورجع الخطا إلى بلادهم بعد ذلك.
وفيها، اتخذ نور الدين بالشام الحمام الهوادي ويسمى المناسيب لنقل البطائق والأخبار. وفيها، عزل المستضيء وزيره عضد الدين بن رئيس الرؤساء مكرها لأن قطب الدين قيماز ألزمه بعزله فلم يمكنه مخالفته.