الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المنصور محمد صاحب حماة وهو مستشعر خائف من غدرهم، ثم رحلوا من حماة إلى حمص، فلما قارب التتر حماة خرج منها الملك المنصور وبعده أخوه الملك الأفضل [إلى أن خرجت هذه السنة]«1» والأمير مبارز الدين وباقي العسكر واجتمعوا بحمص.
فلما كان يوم الجمعة خامس محرم سنة تسع وخمسين وست مئة
«13»
وصل التتر إلى حمص، ووقع الاتفاق على لقائهم، فالتقوا بظاهر حمص في نهار الجمعة المذكور، وكانت التتر ثلاثة عشر ألفا بهادرية والمسلمون أقل من ألفي فارس، ففتح الله تعالى على المسلمين النصر وانهزمت التتر وتبعهم المسلمون يقتلون ويأسرون كيف شاؤوا، ووصل المنصور إلى حماة بعد هذه الوقعة وانضم من سلم من التتر إلى باقي جماعتهم وكانوا نازلين قرب سلميّة، واجتمعوا ونزلوا على حماة وبها صاحبها المنصور وأخوه الأفضل والعسكر، وأقام التتر على حماة يوما واحدا ثم رحلوا عن حماة، وأراد المنصور (317) بعد رحيل التتر السير إلى دمشق فمنعوه العامة حتى استوثقوا منه أن يعود عن قريب، فسار هو وأخوه الأفضل في جماعة قليلة، وبقي الطواشي مرشد مع باقي الجماعة بحماة، ووصل المنصور إلى دمشق، وكذلك توجه الأشرف صاحب حمص إلى دمشق، وأما حسام الدين الجوكندار العزيزي فتوجه بمن معه ولم يدخل دمشق ونزل بالمرج ثم سار إلى مصر، وأقام صاحب حماة وصاحب حمص في دورهما بدمشق والحاكم بها يومئذ سنجر الحلبي الملقب بالملك المجاهد وقد اضطرب أمره، فلم يدخلا في طاعته لضعفه وتلاشي أمره.
وأما التتر فساروا عن حماة إلى فامية، وكان قد وصل إلى فامية سيف الدين الدنبلي «1» الأشرفي ومعه جماعة، فأقام بقلعة فامية وقد بقي يغير على التتر فرحلوا عن فامية وتوجهوا إلى الشرق.
وفي هذه السنة أعني (سنة) تسع وخمسين جهز الظاهر بيبرس عسكرا مع علاء الدين البندقدار «2» لقتال علم الدين سنجر الحلبي المستولي على دمشق، فوصلوا إلى دمشق في ثالث عشر صفر، فخرج الخلق لقتالهم، وكان صاحب حماة وصاحب حمص بدمشق فلم يخرجا معه واقتتل معهم بظاهر دمشق فولى الحلبي وأصحابه منهزمين ودخل إلى قلعة دمشق، ثم هرب بالليل إلى بعلبك فتبعه العسكر وقبضوا عليه وحمل إلى الديار المصرية فاعتقل ثم أطلق، واستقرت دمشق في ملك الظاهر، وأقيمت له الخطبة بها وبغيرها من الشام مثل حماة وحلب وحمص وغيرها (318) ، واستقر أيدكين البندقدار الصالحي في دمشق لتدبير أمورها.
ولما استقر الحال على ذلك رحل المنصور والأشرف وعادا إلى بلديهما حماة وحمص.
وفي هذه السنة، ورد مرسوم الظاهر بالقبض على بهاء الدين بغدي الأشرفي «3» ، وعلى شمس الدين آقوش البرلي وغيرهما من العزيزية والناصرية، فبقي علاء الدين أيدكين البندقدار متوقعا ذلك، فتوجه بغدي إلى علاء الدين
أيدكين فحال دخوله عليه قبضه فاجتمعت العزيزية والناصرية إلى آقوش البرلي وخرجوا من دمشق ليلا على حمية ونزلوا بالمرج، وكان البرلي قد ولاه المظفر قطز غزّة والسواحل، فلما جهز الظاهر البندقدار لقتال الحلبي أمر البرلي أن ينضم إليه، فسار البرلي مع البندقدار وأقام بدمشق، فلما قبض على بغدي خرج البرلي إلى المرج فأرسل البندقدار إلى البرلي يطيب قلبه ويحلف له فلم يلتفت إلى ذلك [وسار البرلي إلى حمص وطلب من صاحبها الأشرف موسى أن يوافقه على العصيان فلم يجبه إلى ذلك]«1» ثم توجه إلى حماة وأرسل يقول للمنصور صاحب حماة إنه لم يبق من البيت الأيوبي غيرك فقم لنصير معك ونملكك البلاد، فلم يلتفت المنصور إلى ذلك، ورد ردا قبيحا، فاغتاظ البرلي ونزل على حماة وأحرق زرع بيدر العشر، وسار إلى شيزر ثم إلى جهة حلب، وكان أيدكين البندقدار لما استقر بدمشق قد جهز عسكرا مع فخر الدين الحمصي «2» للكشف عن البيرة، فإن التتر كانوا قد نازلوها فلما قدم البرلي إلى حلب كان بها فخر الدين الحمصي المذكور فقال البرلي نحن في طاعة الظاهر [فتمضي إلى السلطان وتسأله أن يتركني ومن في صحبتي مقيمين بهذا الطرف ونكون تحت طاعته]«1» من غير أن تكلفنا (319) وطء بساطه، فسار الحمصي إلى مصر ليؤدي هذه الرسالة، فلما سار إلى مصر وخرج عن حلب تمكن البرلي في حلب، واحتاط على ما بها من الحواصل، واستبدّ بالأمر، وجمع العرب والتركمان واستعد لقتال عسكر مصر.
ولما توجه الحمصي لذلك التقى في الرّمل «3» جمال الدين المحمدي
الصالحي «1» متوجها بمن معه من عسكر مصر لقتال البرلي فأرسل الحمصي عرف الظاهر برسالة البرلي، فأرسل الظاهر ينكر على فخر الدين الحمصي ويأمره بالانضمام إلى المحمدي والمسير لقتال البرلي فعاد من وقته، ثم رضي الظاهر عن علم الدين سنجر الحلبي وجهزه وراء المحمدي في جمع من العسكر، ثم أردفه بعز الدين الدّمياطي «2» في جمع آخر، وسار الجميع إلى جهة البرلي إلى حلب وطردوه عنها، وانقضت السنة والأمر على ذلك.
وفي هذه السنة لما بلغ هولاكو كسرة عسكره على عين جالوت ثم كسرته ثانيا على حمص غضب من ذلك، وأحضر الناصر يوسف وأخاه الظاهر غازي، وقال: أنت قلت إن عسكر الشام في طاعتك فغرّرت بي، وقتلت المغل، فقال الناصر: لو كنت بالشام ما ضرب أحد في وجه عسكرك بسيف، ومن يكون ببلاد توزير كيف يحكم على بلاد الشام، فاستوفى هولاكو ناصجا ورماه به، فقال الناصر: يا خوند! الصنيعة، فنهاه أخوه الظاهر غازي، وقال: قد حصرت، ثم رماه بآخر فقتله، وأمر بضرب رقاب الباقين، فقتل الظاهر «3» أخو الناصر، والصالح «4» بن صاحب حمص، والجماعة الذين كانوا معهم (320) واستبقوا العزيز بن الناصر «5» لصغره، فبقي عندهم مدة طويلة وأحسنوا إليه ثم مات،
ووصل الخبر بذلك وعقد العزاء بجامع دمشق في سابع جمادى الأولى.
وكان هذا الناصر قد تولى مملكة حلب بعد موت أبيه العزيز وعمره سبع سنين «1» ، وأقامت جدته ضيفة خاتون بنت العادل بتدبير مملكته، واستقل بملك حران والرّها والرقّة ورأس عين وما مع ذلك من البلاد، ثم ملك حمص ودمشق وبعلبك والأغوار والسواحل إلى غزّة، وعظم شأنه، وكسر عساكر مصر، وخطب له بمصر وقلعة الجبل، وكان يذبح في مطبخه كل يوم أربع مئة رأس غنم، وكانت سماطاته وتجمله إلى الغاية القصوى، وكان حليما، وتجاوز به الحلم إلى حد أضرّ بالمملكة، فإنه لما أمنت قطاع الطريق في مملكته من القتل والقطع تجاوزوا الحد في الفساد، وانقطعت الطرق في أيامه وبقي لا يقدر المسافر على السفر من دمشق إلى حماة وغيرها إلا برفقة من العسكر، وكثر طمع العرب والتركمان في أيامه، [وكثرت الحرامية]«2» وكانوا يكبسون الزروع، ومع ذلك إذا حضر القاتل بين يدي الناصر المذكور يقول: الحي خير من الميت ويطلقه، فأدى ذلك إلى انقطاع الطرقات والسبل بالحراميّة، وكان هذا على ذهن الناصر المذكور شيء كثير من الأدب والشعر، وتروى له أشعار كثيرة، منها:(الطويل)
فوالله لو قطّعت قلبي تأسفا
…
وجرّعتني كاسات دمعي دما صرفا
لما زادني إلّا هوى ومحبة
…
ولا اتخذت روحي سواك لها إلفا
(321)
وبنى بدمشق مدرسة قريبة من الجامع تعرف بالناصرية «3» ، وأوقف عليها وقفا جليلا، ووقف بالصالحية تربة غرّم عليها جملا مستكثرة فدفن فيها