الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفي صفر سنة أربع وثمانين وست مئة
«13»
كان ركوب الملك المظفر صاحب حماة بشعار السلطنة بدمشق المحروسة، وذلك أن السلطان الملك المنصور قلاوون وصل في أواخر المحرم إلى دمشق، وسار الملك المظفر صاحب حماة وعمه الأفضل ووصلا إليه إلى دمشق فأكرمهما السلطان إكراما كثيرا، وأرسل إلى الملك المظفر في اليوم الثالث من وصوله التقليد بسلطنة حماة والمعرة وبارين والتشريف وهو أطلس أحمر فوقاني بطراز زركش وسنجاب ودائره قندس، وقباء أطلس أصفر تحتاني وشاش تساعي وكلوتة بزرگش وحياصة ذهب وسيف محلى بالذهب وتلكش وعنبريتا وثوب بطرز مذهبة ولباس، وأرسل شعار السلطنة وهو سنجق بعصائب سلطانية «1» وفرس بسرج مذهب ورقبة وكنبوش، وأرسل الغاشية السلطانية، فركب المظفر ولبس شعار السلطنة، وحضرت أم السلطان ومقدمو عساكره، وساروا معه من الموضع الذي (358) كان فيه وهو داره المعروفة بالحافظية داخل باب الفراديس بدمشق المحروسة إلى أن وصل إلى قلعة دمشق، ومشت الأمراء في خدمته، ودخل الملك المظفر إلى عند السلطان وأكرمه وأجلسه إلى جانبه على الطراحة «2» وطيب خاطره، وقال له: أنت ولدي وأعز من الملك الصالح عندي، فتوجه إلى بلادك وتأهب لهذه الغزاة المباركة فأنتم من بيت مبارك ما حضرتم مكانا إلا وكان النصر معكم، فعاد الملك المظفر وعمه الأفضل إلى حماة وعملا أشغالهما وتأهبا للمسير إلى خدمة السلطان ثانيا، ثم سار السلطان بعد وصوله إلى دمشق
بالعساكر المصرية والشامية، ونازل حصن المرقب في أوائل ربيع الأول هذه السنة «1» ، وهو حصن الإسبتار في غاية العلو والحصانة لم يطمع أحد من الملوك الماضين في فتحه، ولما زحف العسكر عليه أخذت الحجارون فيه النقوب، ونصبت عليه عدة مجانيق [كبار وصغار]«2» ، ولما تمكنت النقوب من أسوار القلعة طلب أهلها الأمان، فأجابهم السلطان إلى ذلك رغبة في بقاء عمارته، فإنه لو هدمه وأخذه بالسيف كان حصل التعب في [إعادة]«3» عمارته، فأعطاهم الأمان على أن يتوجهوا بما يقدرون على حمله غير السلاح، وصعّدت السناجق الصناجق على حصن المرقب المذكور، وتسلمه في الساعة الثامنة من يوم الجمعة تاسع عشر ربيع الأول من سنة أربع وثمانين، وكان يوما مشهودا أخذ فيه الثأر من بيت الإسبتار، ومحيت آية الليل بآية النهار، ومن كتاب كتبه شيخنا أبو الثناء «4» في فتح المرقب «5» :
«وقد علم المجلس أمر هذا الحصن، فإنه [طالما] «6» بخلت الأحلام أن تخيله
لمن سلف من الملوك في المنام، فكم قصده ذو جنود..... «1» وقاتلته دونه الغمائم، فلولا سرعة عوده أدركه الغرق، قد سما في السماء مناكبه (359) ونازع فلك علوي الرياح، ولا يخاف الجناح في العجز عن نسيمها ذات الجناح، وحوله من الأودية خنادق لا تعلم منها الشهور إلا بأنصافها، ولا تعرف فيها الأهلة إلّا بأوصافها، و [هو مع ذلك]«2» قد تقطر بالنجوم، وتقرطق بالغيوم، وسما فرعه إلى السماء، ورسا أصله في النجوم، يرد عليه الحوجيب غمامه، ويفترّ ثغره كلما جرّد عنه البرق فاضل لثامه، فحين نزلته الجيوش المنصورة [ذللت]«3» صعابه، وأسهلت عقابه، فتبادرت إليه تختال من دروعها في أبهى الحلل، وتسارعت نحوه تسبق سهامها التي هي أبرى وأسرع من الأجل، ففي الحال ضربت عليه من الخبويات سورا (لَهُ بابٌ) باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ
«4» ، وتصدت حوله من الأسنة خوذ براقة المنايا، ولكنها غير عذاب، وأرسلت من القلعة من سهامها ما [أربى]«5» على الغمائم «فكان بها مثل الجنون فأصبحت ومن جثث القتلى عليها تمائم» «6» ، ونصبت عليها المجانيق [المنصورة فلم ترع حتى حبسها، وسطت على نظرائها فصار غدها]«7» أبعد من أمسها، وو استنهضتها العدا فأعلمتهم أنها لا تطيق الدفاع عن غيرها فكيف عن
نفسها، وبسطت أكفّها أمارة على الإذعان، ورفعت أصابعها إما إجابة إلى التشهد وإما إنابة إلى طلب الأمان، فخاف الفرنج من ظفر هذا الاستظهار، وعلموا أن المجانيق المنصورة فحول لا تثبت لها الإناث التي [عريت من النفع] »
بأيديهم، فاستعانوا عليهن مع العدى «2» بطول الحذار، [فعند ذلك غدت تكمن كمون]«3» الأراقم [و] »
وثبت [وثبات]«4» الضّراغم هذا [و]«5» النقوب [قد] »
دبّت في هذا الحصن دبيب السقام، وتمشت في مفاصله كما تتمشى في مفاصل شاربها المدام، وحشت أضالعه نارا تشبه نار النوى تحرق الأحشاء ولا يبدو لها ضرام، وهجمت عليه الجيوش [المنصورة] »
هجوم الحتوف، وأسرعت المضاء والانتضاء (360) فلم [يدر]«6» العدا أهم أم [الذي] »
بأيديهم السيوف، [فلجأوا إلى الأمان]«7» ، [وتمسك ذلّ كفرهم بعزّ الإيمان] »
وتشبثوا بساحل العفو حين ظنوا أنهم أحيط بهم وَجاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ
«8» ، وساعة نظرها علت الأعلام المنصورة على ذلك المرقب الذي لا تتطاول إليه...... «9» الله لفتحه الأيام، فنصر أهل الجمعة يوم الجمعة على أهل الأحد» .