الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفيها، في رجب توفي الملك الصالح إسماعيل بن نور الدين محمود بن زنكي بن آقسنقر «1» صاحب حلب وعمره نحو تسع عشرة سنة، ولما اشتد به مرض القولنج وصف له الأطباء الخمر فمات ولم يستعمله، وكان حليما عفيف اليد والفرج واللسان، ملازما لأمور الدين، لا يعرف له [شيء]«2» مما يتعاطاه الشباب، وأوصى بملك حلب إلى [ابن]«3» عمه عز الدين مسعود بن مودود بن زنكي صاحب الموصل، فلما مات سار مسعود ومجاهد الدين قيماز من الموصل إلى حلب واستقر في ملكها، وكاتبه أخوه عماد الدين [زنكي]«4» بن مودود صاحب سنجار في أن يعطيه حلب ويأخذ منه سنجار، فأشار قيماز بذلك فلم يمكن مسعود إلا موافقته، وأجاب إلى ذلك فسار عماد الدين إلى حلب وتسلمها وسلم سنجار إلى أخيه مسعود، وعاد مسعود إلى الموصل.
وفي سنة ثمان وسبعين وخمس مئة
«13»
خامس المحرم، سار السلطان صلاح الدين من مصر إلى الشام ومن عجيب الاتفاق أنه لما برز من القاهرة وخرجت أعيان الناس لوداعه، أخذ كل [منهم]«5»
يقول شيئا في الوداع وفراقه، وفي الجماعة معلم لبعض أولاد السلطان، فأخرج رأسه من بين الحاضرين وأنشد «6» :(الوافر)
تمتع من شميم عرار نجد
…
فما بعد العشية من عرار
فنظر صلاح الدين وانقبض بعد انبساطه، وتنكد المجلس على الحاضرين (77) فلم يعد بعدها صلاح الدين إلى مصر مع طول المدة.
وسار السلطان وأغار في طريقه على بلاد الفرنج وغنم ووصل إلى دمشق في حادي عشر صفر، ولما سار السلطان إلى الشام اجتمعت الفرنج قرب الكرك ليكونوا على طريقه فانتهز فرّخشاه ابن أخي السلطان الفرصة وسار إلى الشّقيف بعساكر الشام وفتحه وغار على ما يجاوره من بلاد الفرنج وأرسل إلى السلطان وبشره بذلك.
وفيها سيّر السلطان أخاه سيف الإسلام طغتكين إلى بلاد اليمن ليملكها ويقطع الفتن عنها، وكان بها خطّاب بن منقذ الكناني وعز الدين عثمان الزّنجيلي [وقد عادا]«1» إلى ولايتهما، فإن الأمير الذي كان قد سيره السلطان نائبا إلى اليمن تولى وعزلهما ثم توفي «2» فعاد بين خطّاب وعثمان الفتن قائمة، فوصل سيف الإسلام إلى زبيد فتحصن خطّاب في بعض القلاع، فلم يزل سيف الإسلام يتلطف به حتى نزل إليه فأحسن صحبته. ثم إن [خطّابا]«3» طلب دستورا ليسير إلى الشام فلم يجبه إلا بعد جهد فجهز خطّاب أثقاله قدامه، ودخل خطّاب ليودع سيف الإسلام فقبض عليه وأرسل فاسترجع أثقاله وأخذ جميع ماله، وكان فيما أخذه سيف الإسلام من خطّاب [سبعون غلافا]«4» زردية مملوءة ذهبا عينا، ثم سجن [خطّابا]«2» في بعض قلاع اليمن فكان آخر العهد به «5» .
وأما عثمان (78) الزّنجيلي فإنه لما جرى لخطّاب ذلك خاف وسار نحو الشام وسير بأمواله في البحر فصادفها مراكب سيف الإسلام فأخذوا كل ما لعثمان الزّنجيلي، وصفت اليمن لسيف الإسلام.
وفيها سار السلطان صلاح الدين من دمشق في ربيع الأول ونزل قرب طبرية وشن الإغارة على بلاد الفرنج مثل بيسان «1» وجينين والغور فغنم وقتل، وعاد إلى دمشق ثم سار إلى بيروت وحصرها وأغار على بلادها ثم عاد إلى دمشق، ثم سار إلى البلاد الجزرية وعبر الفرات من البيرة فسار معه مظفر الدين كوكبوري بن زين الدين علي كوجك بن بكتكين «2» ، وكان حينئذ صاحب حران وكاتب السلطان صلاح الدين ملوك تلك الأطراف واستمالهم، فأجابه نور الدين محمد بن قرا أرسلان صاحب كيفا وصار معه، وحاصر السلطان الرّها وملكها وسلمها إلى مظفر الدين كوكبوري صاحب حران، ثم سار السلطان إلى الرقة وأخذها من صاحبها قطب الدين ينال بن حسان المنبجي فسار ينال إلى عز الدين مسعود صاحب الموصل، وسار السلطان إلى الخابور وملك فرقيسياء وماكسين وعربان واستولى على الخابور جميعه ثم سار إلى نصيبين وحاصرها وملك المدينة ثم ملك القلعة وأقطع نصيبين أميرا كان معه يقال له أبو الهيجاء السّمين «3» ، ثم
سار عن نصيبين وقصد الموصل، وقد استعد صاحبها عز الدين مسعود (79) ومجاهد الدين قيماز للحصار وشحنوها بالرجال والسلاح فحصر السلطان الموصل وأقام عليها منجنيقا، فأقاموا من داخل المدينة تسعة مناجيق وضايق الموصل فنزل السلطان محاذيا باب كندة، ونزل صاحب حصن كيفا [على]«1»
باب الجسر، ونزل تاج الملوك بوري «2» أخو صلاح الدين على باب العمادي، وجرى القتال بينهم وكان ذلك في شهر رجب، فلما رأى حصارها يطول رحل عن الموصل إلى سنجار وحاصرها وملكها واستناب بها سعد الدين بن معين الدين أنر «3» وكان من أكابر الأمراء وأحسنهم صورة ومعنى.
ثم سار السلطان إلى حران وعزل في طريقة أبا الهيجاء السمين عن نصيبين.
وفيها، عمل البرنس صاحب الكرك أصطولا في بحر أيلة وساروا في البحر فرقتين: فرقة أقامت على حصن أيلة يحصرونه، وفرقة سارت نحو عيذاب يفسدون في السواحل، وبغتوا المسلمين بتلك النواحي فإنهم لم يعهدوا بذلك البحر فرنجيا قط، وكان بمصر الملك العادل [أبو]«4» بكر نائبا عن أخيه السلطان صلاح الدين فعمل أصطولا في بحر عيذاب وأرسله مع حسام الدين لؤلؤ الحاجب «5» وهو متولي الأصطول، بمصر وكان مظفرا فيه شجاعة فسار حسام
الدين مجدا في طلبهم وأوقع بالذين يحاصرون أيلة فقتلهم وأسرهم، وسار في طلب الفرقة الثانية وكانوا قد عزموا على الدخول إلى الحجاز الشريف مكة والمدينة حرسهما الله تعالى، وسار لؤلؤ يقفو أثرهم فبلغ [رابغ]«1» فأدركهم (80) بساحل الحوراء «2» وتقاتلوا في البحر أشد قتال وظفر الله تعالى المسلمين بهم، وقتل لؤلؤ أكثرهم وأخذ الباقين أسرى، وأرسل منهم ألفي رجل إلى منى لينحروا بها «3» وعادوا بالباقين إلى مصر فقتلوا عن آخرهم.
وفيها، توفي عز الدين فرّخشاه بن شاهنشاه بن أيوب «4» صاحب بعلبك وكان ينوب عن صلاح الدين بدمشق وهو ثقته من بين أهله، وكان فرّخشاه شجاعا كريما فاضلا وله شعر جيد، ووصل خبر موته إلى صلاح الدين وهو في البلاد الجزرية فأرسل إلى دمشق [شمس الدين]«5» محمد بن عبد الملك (بن) المقدّم ليكون بها، وأقر بعلبك على بهرام شاه بن فرّخشاه «6» المذكور.