الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لو كان من مات يفدى مثلها لفدى
…
أمّ المظفر آلاف من البشر
وفيها، توفي الملك الغالب عز الدين كيكاوس بن كيخسرو بن قليج أرسلان ابن مسعود بن قليج أرسلان السلجوقي «1» صاحب بلاد الروم، وقد تقدم ذكر ولايته سنة سبع وست مئة «2» ، وكان قد تعلق به مرض السّل واشتدّ به ومات، فملك بعده أخوه كيقباذ، وكان كيكاوس قد حبس كيقباذ (177) المذكور «3»
فأخرجه الجند وملكوه.
وفي سنة سبع عشرة وست مئة
«13»
كان الفرنج [متملكين]«4» دمياط، والسلطان الملك الكامل مستقر في المنصورة مرابطا للجهاد، والملك الأشرف في حرّان، وكان الملك الأشرف قد أقطع عماد الدين أحمد بن سيف الدين علي بن أحمد بن المشطوب رأس عين، فخرج ابن المشطوب على الملك الأشرف، وجمع جيشا وحسّن لمحمود بن قطب الدين صاحب سنجار الخروج عن طاعة الأشرف أيضا، فخرج بدر الدين لؤلؤ من الموصل وحصر ابن المشطوب بتل أعفر وأخذه بالأمان وقبض عليه، وأعلم الملك الأشرف بذلك فسرّ به غاية السرور، واستمر ابن المشطوب في الحبس.
وسار الملك الأشرف من حرّان واستولى على دنيسر وقصد سنجار فأتته رسل صاحبها محمود بن قطب الدين تسأل أن يعطى الرقّة عوض سنجار ليسلم سنجار إلى الملك الأشرف، فأجاب الملك الأشرف إلى ذلك، وتسلم سنجار في
مستهل جمادى الأولى وسلم إليه الرقّة، وهذا كان من سعادة الأشرف فإن أباه الملك العادل نازل سنجار في جموع عظيمة وطال عليها مقامه فلم يملكها وملكها ابنه الأشرف بأهون سعي.
وبعد أن فرغ الأشرف من سنجار سار إلى الموصل، ووصل إليها تاسع عشر جمادى الأولى، وكان يوم وصوله إليها يوما مشهودا، وكتب إلى مظفر الدين صاحب إربل يأمره أن يعيد صهره عماد الدين زنكي بن أرسلان شاه بن مسعود ابن (178) مودود على بدر الدين لؤلؤ القلاع التي استولى عليها فأعادها جميعها وترك في يده منها العمادية، واستقر الصلح بين الأشرف وبين مظفر الدين كوكبوري صاحب إربل وعماد الدين زنكي بن أرسلان صاحب العقر وشوش والعمادية، وكذلك استقر الصلح بينهما وبين بدر الدين صاحب الموصل، ولما استقر ذلك رحل الملك الأشرف عن الموصل ثاني شهر رمضان هذه السنة وعاد إلى سنجار وسلم بدر الدين صاحب الموصل تلعفر إلى الملك الأشرف ونقل الملك الأشرف ابن المشطوب من حبس الموصل وحطه مقيدا في جب بمدينة سنجار «1» حتى مات سنة تسع عشرة وست مئة «2» .
وفي هذه السنة، توفي الملك المنصور ناصر الدين محمد بن الملك المظفر تقي الدين عمر بن شاهنشاه بن أيوب «3» صاحب حماة بقلعة حماة في ذي القعدة، وكانت مدة مرضه واحدا وعشرين يوما بحمى حادة، وورم دماغه.
وكان شجاعا عالما يحب العلماء، ورد إليه منهم جماعة منهم الشيخ سيف
الدين علي الآمدي «1» وكان في خدمة الملك المنصور قريبا من مئتي متعمم من النحاة والفقهاء والمشتغلين بغير ذلك، وصنف الملك المنصور عدة مصنفات مثل «المضمار في التاريخ» «2» ، و «طبقات الشعراء» «3» ، وكان معتنيا بعمارة بلده والنظر في صالحه، وهو بنى الجسر الذي ظاهر حماة خارج باب حمص، واستقر له بعد وفاة والده من البلاد حماة والمعرة وسلميّة ومنبج وقلعة نجم، فلما فتح (179) بارين وكانت بيد إبراهيم بن المقدم ألزمه عمه الملك العادل أن يردها إليه فأجاب إلى تسليم منبج وقلعة نجم عوضا عنها وهما خير من بارين بكثير، اختار ذلك لقرب بارين من بلده، وجرت له حروب مع الفرنج وانتصر فيها، وكان ينظم الشعر، ولما توفي الملك المنصور كان ولده الملك المظفر محمود المعهود إليه بالسلطنة عند خاله الملك الكامل بمصر في مقابلة الفرنج، وكان ولده الآخر الملك الناصر صلاح الدين قليج أرسلان «4» عند خاله الآخر الملك المعظم صاحب دمشق وهو في الساحل في الجهاد، وقد فتح قيساريّة وهدمها وعاد إلى عتليث ونازلها، وكان الوزير بحماة زين الدين بن فريج «5» فاتفق هو والكبراء على استدعاء الملك الناصر لعلمهم بلين عريكته وشدة بأس الملك المظفر، فأرسلوا إلى الملك الناصر وهو مع الملك المعظم كما ذكرنا فمنعه الملك المعظم من التوجه إلا
بتقرير مال عليه يحمله إلى الملك المعظم في كل سنة، قيل: إن مبلغه أربع مئة ألف درهم، فلما أجاب الناصر إلى ذلك وحلف عليه أطلقه الملك المعظم فقدم الملك الناصر إلى حماة واجتمع بالوزير زين الدين والجماعة الذين كاتبوه واستحلفوه على ما أرادوا وأصعدوه القلعة، ثم ركب من القلعة بالسناجق السلطانية، وكان عمره إذ ذاك سبع عشرة سنة لأن مولده سنة ست مئة.
ولما استقر الملك الناصر بملك حماة وبلغ أخاه الملك (180) المظفر ذلك استأذن الملك الكامل في المضي إلى حماة ظنا منه أنه إذا وصل إليها يسلمونها إليه بحكم الأيمان التي كانت له في أعناقهم، فأعطاه الملك الكامل الدستور، وسار الملك المظفر حتى وصل إلى الغور وجد خاله الملك المعظم صاحب دمشق هناك فأخبره أن أخاه الملك الناصر قد ملك حماة ويخشى عليك أنك إذا وصلت إلى حماة يعتقلك فسار الملك المظفر إلى دمشق وأقام بداره المعروفة بالزّنجيلي وكتب الملك المعظم والملك المظفر إلى أكابر حماة في تسليم حماة إلى الملك المظفر فلم يحصل منهم إجابة، فعاد الملك المظفر إلى مصر، وأقام في خدمة الملك الكامل فأقطعه إقطاعا بمصر إلى أن كان ما سنذكره»
إن شاء الله تعالى.
وكان قد استقر بيد الملك المظفر شهاب الدين غازي بن الملك العادل الرّها وسروج وميّافارقين، وخلاط بيد الملك الأشرف، ولم يكن للملك الأشرف ولد فجعل أخاه الملك المظفر غازي ولي عهده، وأعطاه ميّافارقين وخلاط وبلادهما وهما [إقليمان عظيمان]«2» يضاهيان ديار مصر، وأخذ منه الملك الأشرف الرّها وسروج.
وفي هذه السنة، أرسل جنكز خان عشرين ألف فارس في أثر خوارزم شاه
محمد بن تكش بعد أن ملك سمرقند، وهذه الطائفة تسمى التتر المغربة لأنها سارت نحو غرب خراسان فوصلوا إلى موضع يقال له (181) بنج آوو وعبروا هناك نهر جيحون وصار (وا) مع خوارزم شاه في بر واحد، فلم يشعر خوارزم شاه وعسكره إلا والتتر معه فتفرق عسكره أيدى سبأ، ورحل خوارزم شاه لا يلوي على شيء في نفر من خواصّه، ووصل إلى نيسابور والتتر في أثره، فلما قربوا منه رحل إلى مازندران والتتر في أثره لا يلتفتون إلى شيء من البلاد ولا إلى غير ذلك بل قصدهم إدراك خوارزم شاه، فسار من مازندران إلى مرسى بحر طبرستان يعرف بالسكون، وله هناك قلعة في البحر فعبر هو وأصحابه إليها «1» ، ووقف التتار على ساحل البحر وأيسوا من لحاق خوارزم شاه، ولما استقر خوارزم شاه بهذه القلعة توفي فيها.
وهو علاء الدين محمد بن علاء الدين تكش بن أرسلان بن أطسز بن محمد بن أنوشتكين غرشه، وكانت مدة ملكه إحدى وعشرين سنة وشهورا «2» واتسع ملكه فملك من حد العراق إلى تركستان وملك بلاد غزنة وبعض الهند وسجستان وكرمان وطبرستان وجرجان وبلاد الجبال وخراسان وبعض فارس وكان عالما بالفقه والأصول وغيرهما، وكان صبورا على التعب وإدمان السير وسنذكر شيئا من أخباره عند مقتل ولده جلال الدين «3» .
ولما أيس التتر من إدراك خوارزم شاه عادوا إلى مازندران ففتحوها وقتلوا أهلها، ثم ساروا إلى الري وهمذان ففعلوا كذلك من القتل والسبي، ثم ملكوا مراغة في صفر سنة ثماني عشرة وست مئة، ثم ساروا إلى خراسان «4» (182)
واستولوا عليها، ونازلوا خوارزم وقاتلهم أهلها مدة أشد قتال، ثم فتحوها وكان لها سد في نهر جيحون ففتحوه وركب الماء بخوارزم وغرقها، وفعلوا في هذه البلاد جميعها من قتل أهلها وسبي ذراريهم، وقتل العلماء والصلحاء والزهاد والعباد، وتخريب الجوامع، وتحريق المصاحف ما لم يسمع بمثله في تاريخ قبل الإسلام ولا بعده، فإن واقعة بخت نصر مع بني إسرائيل كانت لا تنسب إلى بعض بعض ما فعله هؤلاء، فإن كل مدينة من المدن التي أخربوها أعظم من القدس بكثير، وكل أمة قتلوهم من المسلمين أعظم من بني إسرائيل الذين قتلهم بخت نصر، ولما فرغ التتر من خراسان عادوا إلى ملكهم فأرسل جيشا كثيفا إلى غزنة وبها جلال الدين منكبرتي بن علاء الدين محمد خوارزم شاه بن تكش المذكور مالكا لها، وقد اجتمع [إليه] «1» كثير من عسكر أبيه قيل: كانوا ستين ألف فارس، وكان [الجيش]«2» الذي سار إليهم من التتر اثني عشر ألفا فاقتتلوا مع جلال الدين قتالا شديدا وأنزل الله نصره على المسلمين، وانهزمت التتر وتبعهم المسلمون يقتلونهم كيف شاؤوا، ثم أرسل جنكز خان سبعين ألفا من المقاتلة التتر مع بعض أولاده ووصلوا إلى كابل وتصاف معهم المسلمون فانهزم التتر ثانيا: وقتل المسلمون منهم وأسروا خلقا كثيرا، وكان في عسكر جلال الدين أمير كبير مقدام هو الذي كسر التتر على الحقيقة يقال له: بغراق (183) فوقع بينه وبين أمير كبير يقال له ملك خان وهو صاحب هراة وله نسب إلى خوارزم شاه [فتنة]«3» بسبب الكسب، فقتل في الفتنة أخو بغراق فغضب بغراق وفارق جلال الدين وسار إلى الهند وتبعه ثلاثون ألف فارس من العسكر، ولحقه جلال الدين وترضّاه فلم يرجع فضعف عسكر جلال الدين لذلك، ثم