الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفي سنة خمس وتسعين وخمس مئة
«13»
منتصف ليلة السابع والعشرين من المحرم توفي الملك العزيز عماد الدين عثمان بن الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب «1» ، وكان قد طلع إلى الصيد، فركض خلف ذئب، وتقنطر وحمّ في سابع المحرم بجهة الفيوم، فعاد إلى الأهرام وقد اشتدت حمّاه، ودخل القاهرة يوم عاشوراء، وحدث به يرقان وقرحة في الأمعاء، واحتبس طبعه فمات في التاريخ المذكور، وكانت مدة ملكه ست سنين إلا شهرا، [وكان]«2» عمره سبعا وعشرين سنة وأشهرا، وكان في غاية السماحة والكرم والعدل والرفق بالرعية والإحسان إليهم ففجعت الرعية بموته فجعة عظيمة، وكان الغالب على دولة الملك العزيز فخر الدين جهاركس «3» فأقام في الملك الملك المنصور محمد بن الملك العزيز واتفقت الأمراء على إحضار أحد من بني أيوب وعملوا مشورة بحضور القاضي الفاضل فأشار بالملك الأفضل، وهو حينئذ بصرخد فأرسلوا إليه، فسار (130) محثا ووصل القاهرة على أنه أتابك الملك المنصور بن الملك العزيز، وكان عمر الملك المنصور حينئذ تسع سنين وشهورا، وكان مسير الملك الأفضل من صرخد لليلتين بقيتا من صفر في تسعة
عشر نفرا متنكرا خوفا من أصحاب عمه العادل فإن غالب تلك البلاد كانت له، فوصل بلبيس خامس ربيع الآخر، ثم سار الملك الأفضل إلى القاهرة فخرج الملك المنصور بن العزيز للقائه فترجل عمه الملك الأفضل ودخل بين يديه إلى دار الوزارة وهي كانت مقر السلطنة، ولما وصل الملك الأفضل إلى بلبيس التقاه العسكر فتنكر منه فخر الدين جهاركس وفارقه فتبعه عدة من العسكر وساروا إلى الشام وكاتبوا الملك العادل وهو محاصر ماردين، وأرسل الملك الظاهر إلى أخيه الملك الأفضل يشير [عليه]«1» بقصد دمشق وأخذها من عمه الملك العادل وأن ينتهز الفرصة لاشتغال العادل بحصار ماردين، فبرز الملك الأفضل من مصر وسار إلى دمشق، وبلغ الملك العادل [مسيره]«2» إلى دمشق فترك على ماردين ولده الملك الكامل «3» ، وسار الملك العادل وسبق الأفضل إلى دمشق فدخلها قبل نزول الأفضل على دمشق ثالث عشر شعبان هذه السنة، وزحف من الغد على البلد، وجرى بينهم قتال، وهجم بعض عسكره إلى المدينة حتى وصلوا إلى باب البريد ولم يمدهم العسكر، فتكاثر أصحاب الملك العادل وأخرجوهم من البلد ثم (131) تخاذل العسكر فتأخر الأفضل إلى ذيل عقبة الكسوة، ثم وصل إلى الملك الأفضل أخوه الظاهر صاحب حلب، فعاد إلى مضايقة دمشق ودام الحصار عليها وقلت الأقوات عند الملك العادل وعلى أهل دمشق وأشرف الأفضل والظاهر على أخذ دمشق وعزم العادل على تسليم البلد لولا ما حصل بين الأخوين الأفضل والظاهر من الخلف، وخرجت السنة وهم على ذلك، وكان منهم ما سنذكره «4» إن شاء الله تعالى.
وفيها، قصد الملك المنصور محمد بن الملك المظفر تقي الدين عمر صاحب حماة بارين، وبها نواب عز الدين إبراهيم بن شمس الدين محمد بن المقدم وحاصرها، وكان الأمير عز الدين مع الملك العادل محصورا بدمشق، ونصب الملك المنصور عليها المناجيق وجرح حال الزحف، ثم فتحها تاسع عشري ذي القعدة، وأقام ببارين مدة حتى أصلح أمورها.
وفيها، في جمادى الآخرة «1» ، توفي أبو يوسف يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن صاحب المغرب والأندلس بمدينة سلا، وكانت ولايته خمس عشرة سنة «2» ، وكان يتظاهر بمذهب الظاهرية، وأعرض عن مذهب مالك، وعمره ثمان وأربعون سنة، وتلقب بالمنصور، ولما مات يعقوب ملك ابنه محمد «3» ، وتلقب بالناصر، ومولد محمد سنة ست وسبعين وخمس مئة، وعبد المؤمن وبنوه جميعهم كانوا يسمون بأمير المؤمنين.
وفيها، رحل عسكر (132) الملك العادل مع ابنه الملك الكامل عن حصار ماردين.
وفيها، كانت فتنة عظيمة في عسكر غياث الدين محمد ملك الغورية وهو بفيروز كوه، وسببها أن الإمام فخر الدين الرازي محمد بن عمر «4» كان قد قدم
إلى غياث الدين فبالغ غياث الدين في إكرامه، وبنى له مدرسة بغرب جامع هراة فعظم ذلك على الكرامية وهم كثيرون بهراة ومذهبهم التجسيم والتشبيه وكان الغورية كلهم كرامية، فكرهوا الإمام فخر الدين لكونه [شافعيا]«1» وهو يناقض مذهبهم، فاتفق أن فقهاء الكرامية والحنفية والشفعوية حضروا بفيروز كوه عند غياث الدين للمناظرة، وحضر الإمام فخر الدين الرازي والقاضي عبد المجيد بن عمر المعروف بابن القدوة «2» وهو من الكرامية الهيصمية وله عندهم محل كبير لزهده وعلمه، فتكلم الرازي فاعترض عليه ابن القدوة وطال الكلام فقام غياث الدين فاستطال فخر الدين الرازي على ابن القدوة وشتمه وبالغ في أذاه وابن القدوة لا يزيده على أن يقول: لا يفعل مولانا [إلا]«3» وأخذك الله، فصعب على الملك ضياء الدين «2» وهو ابن عم غياث الدين وزوج ابنته، وشكا إلى غياث الدين فخر الدين الرازي ونسبه إلى الزندقة ومذهب الفلاسفة فلم يصغ إليه غياث الدين، فلما كان الغد وعظ الناس [ابن عم المجد]«4» بن القدوة بالجامع، وقال بعد (133) حمد الله والصلاة على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم: رَبَّنا آمَنَّا بِما أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ
«5» .
أيها الناس: إننا لا نقول إلا ما صحّ عندنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما علم أرسطو وكفريات ابن سينا وفلسفة الفارابي فلا نعلمها فلأيّ حال يشتم بالأمس شيخ من شيوخ الإسلام يذبّ عن دين الله وسنة نبيه، وبكى وبكى الكرامية معه واستغاثوا وثار الناس من كل جانب، وامتلأ البلد فتنة وبلغ