الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدين «1» من بيت كبير يقال لهم بيت الأحدب [فأخذها منه الملك المظفر غازي المذكور، وعوضه عن أرزن بمدينة حاني]«2» ، وأرزن لم تزل بأيديهم من أيام السلطان ملكشاه السلجوقي وإلى الآن، فسبحان من لا يزول ملكه.
وفيها، جمعت الفرنج من حصن الأكراد، وقصدوا حماة، فخرج إليهم الملك المظفر محمود بن الملك المنصور صاحب حماة، والتقاهم عند قرية بين حماة وبارين يقال لها أفيون «3» وكسرهم كسرة عظيمة، ودخل الملك المظفر حماة مظفرا مؤيدا.
وفيها، ولد الملك الناصر يوسف بن الملك العزيز صاحب حلب «4» .
[ثم دخلت سنة ثمان وعشرين وست مئة
«13» ] «5»
واستقر السلطان الملك الكامل بديار مصر، وأخوه الأشرف بدمشق في ملاذه وقد تخلى عن البلاد الشرقية، فإن حران (217) وما معها صارت لأخيه الملك الكامل، وخلاط قد خربت، ولم يكن للأشرف ولد ذكر فاقتنع بدمشق واشتغل باللهو والملاذ والأوقات الطيبة.
وفي هذه السنة، عاودت التتر قصد بلاد الإسلام وسفكوا وخربوا، وكان قد ضعف جلال الدين لقبح سيرته وسوء تدبيره، ولم يترك له صديقا من ملوك
الأطراف، وعادى الجميع، وانضاف إلى ذلك اختلاف عسكره عليه لما حصل له من فساد عقله، وسببه أنه كان له مملوك يحبه محبة شديدة، واتفق موت ذلك المملوك فحزن عليه حزنا شديدا، وأمر أهل توريز بالخروج والنواح عليه، ثم إنه لم يدفنه وبقي يستصحبه معه حيث سار وهو يلطم عليه، وكان إذا قدم إليه الطعام يرسل منه إلى المملوك الميت، ولا يتجاسر أحد أن يتفوه بأنه ميت، وكانوا يحملون إليه الطعام، ويقولون إنه يقبل الأرض ويقول إنه الآن أصلح مما كان، فأنف أمراؤه من ذلك، وخرج بعضهم عن طاعته، فضعف أمر جلال الدين لذلك، ولكسرته من الأشرف، وتمكنت التتر من البلاد، واستولوا على مراغة، وهو استيلاؤهم الثاني «1» ، ولما تمكن التتر من البلاد سار جلال الدين يريد ديار بكر ليسير إلى الخليفة ويعتضد به وبملوك الأطراف على التتر ويخوفوهم عاقبة أمرهم فنزل بالقرب من آمد، فلم يشعر إلا والتتر قد كبسوه ليلا وخالطوا (218) مخيمه، فهرب جلال الدين وقتل على ما سنشرحه «2» .
ولما قتل تمكنت التتر من البلاد، وساقوا إلى الفرات فاضطرب الشام بسبب وصولهم إلى الفرات، ثم شنوا الغارات في ديار بكر والجزيرة وفعلوا من القتل والتخريب كما تقدم، قال النسوي كاتب إنشاء جلال الدين:
إن خوارزم شاه محمد بن تكش كان قد عظم شأنه واتسع ملكه، وكان له أربعة أولاد قسم البلاد بينهم أكبرهم جلال الدين منكبرتي، وفوض إليه أمر غزنة، وباميان والغوروبست و [بكراباذ]«3» و [زمنداور]«4» وما يليها من
الهند، وفوض خوارزم وخراسان ومازندران إلى ولده قطب الدين أزلاغ شاه وجعله ولي عهده، ثم في آخر وقت عزله عن ولاية العهد وفوضها إلى جلال الدين، وفوض كرمان وكيش ومكران إلى ولده غياث الدين تيزشاه وقد تقدمت أخباره «1» وفوض العراق إلى ولده [ركن الدين]«2» غور شاه يحيى وكان أحسن أولاده خلقا وخلقا، وقتل المذكور التتر بعد موت أبيه، وضرب لكل واحد منهم النوب الخمس في أوقات الصلوات على عادة الملوك السلجوقية وانفرد أبوهم خوارزم شاه بنوبة ذي القرنين فإنها تضرب وقت طلوع الشمس وغروبها، وكانت دبادبه «3» سبعا وعشرين دبدبة من الذهب مرصعة بالجواهر وكذا باقي آلات النّوبتية وجعل سبعة وعشرين ملكا يضربونها في أول يوم قرعت (219) وكانوا من أكابر الملوك أولاد السلاطين منهم [طغريل]«4» أرسلان السلجوقي و [أولاد]«5» غياث الدين صاحب الغور، والملك علاء الدين صاحب باميان، والملك تاج الدين صاحب بلخ، وولده الملك الأعظم صاحب ترمذ، والملك سنجر صاحب بخارى وأشباههم، وكانت أم خوارزم شاه محمد تركان خاتون من قبائل [بباووت]«6» وهي فرع من فروع يمسك وكانت بنت ملك من ملوكهم، تزوج بها تكش بن أرسلان بن أطسز بن محمد بن أنوش تكين غرشه، فلما صار الملك إلى ولده محمد بن تكش قدم إلى والدته تركان
خاتون قبائل يمسك من الترك فعظم شأن ابنها محمد بهم، وتحكمت أيضا بسببهم تركان خاتون في الملك، فلم يملك ابنها إقليما إلا وأفرد لخاصتها منه ناحية جليلة، وكانت ذات مهابة ورأي، وكانت تنصف المظلوم من الظالم، وكانت جسورة على القتل فعظم شأنها بحيث إذا ورد توقيعات عنها وعن ابنها السلطان ينظر في تاريخهما فيعمل بالأخير منهما، وكانت طرر تواقيعها:
عصمة الدنيا والدين الغ تركان خاتون ملكة نساء العالمين، وعلامتها: اعتصمت بالله وحده، وكانت كتبها بقلم غليظ، وتحرر الكتابة.
قال المؤلف المذكور: ثم إن خوارزم شاه لما هرب من التتر بما وراء [النهر وعبر]«1» نهر جيحون ثم سار إلى خراسان والتتر تتبعه، ثم هرب من خراسان إلى (220) عراق العجم، ونزل عند بسطام، وأحضر عشرة صناديق ثم قال إنها كلها جواهر لا يعلم قيمتها إلا الله، ثم أشار إلى صندوقين منها، وقال: إن فيها من الجواهر ما يساوي خراج الأرض، ثم حملها إلى قلعة أزدهن وهي [من]«1» أحصن قلاع الأرض، وأخذ خط النائب بها بوصول الصناديق المذكورة مختومة، فلما استولى جنكزخان على تلك البلاد حملت إليه الصناديق المذكورة بختومها، ثم إن التتر أدركوا السلطان محمد المذكور، فركب في مركب وهرب ولحقه التتر ورموه بالنشاب فنجا منهم، وقد حصل له مرض ذات الجنب، قال:
ووصل إلى جزيرة في البحر «2» وأقام بها فريدا طريدا لا يملك طارفا ولا تليدا، والمرض به يزداد، وكان في أهل مازندران أناس يتقربون إليه بالمأكول وما
يشتهيه، فقال في بعض الأيام: أشتهي أن يكون حول خيمتي فرس يرعى وقد ضربت له خيمة صغيرة، فأهدي إليه فرس أصفر، وكان للسلطان محمد المذكور ثلاثون ألف جشار من الخيل، وكان إذا أهدي إليه شيء وهو على تلك الحالة من مأكول أو غيره يطلق لذلك الشخص شيئا، ولم يكن عنده من كتب التواقيع فيتولى ذلك الرجل كتابة توقيعه بنفسه، وكان يعطى مثل السكين والمنديل علامة بإطلاق البلاد والأموال، فلما تولى جلال الدين أمضى جميع ما أطلقه والده بالتواقيع والعلائم، ثم أدركت السلطان محمد المنية وهو بالجزيرة (221) على تلك الحالة فغسله شمس بن محمد بلاغ «1» الجاويش ومقرب الدين مقدم الفراشين، ولم يكن عنده ما يكفن فيه فكفن في قميصه ودفن بالجزيرة في سنة سبع عشرة وست مئة بعد أن كان بابه يزدحم بملوك الأرض وعظمائها يستندون بجنابه ويتفاخرون بلثم ترابه، ورقي إلى درجة الملوكية جماعة من مماليكه وحاشيته فصار طشتداره وركبداره وسلحداره وجمداره وغيرهم من أرباب الوظائف كلهم ملوكا، وكان في أعلامهم علامات سود يعرفون بها. فعلامة الدّوادار: الدواة، والسّلحدار: القوس، والطّشتدار المسينة والجمدار: البقجة «2» وأمير آخور «3» البغل «4» ، والجاويشية: قبة ذهب، وكان يمد السماط بين يديه ويأكل الناس، ويرفع من الطعام الذي في صدر المجلس إلى يد الأكابر إذا قعدوا على السماط للأكل، وكانت الزبادي كلها ذهب وفضة، وكان السلطان محمد يختص بأمور لا يشاركه فيها أحد منها: الجتر منشورا على رأسه إذا ركب،
ومنها: الكح كح «1» وهي أنبوبة من الذهب الأحمر بين أذني مركوب السلطان تخرج منها المغرفة وتشد إلى أطراف اللجام، ومنها: الأعلام السذج السود [والسروج السود]«2» والبقج السود محمولة على أكتاف الجمدارية ولا تحمل لغيره على الكتف ومنها: أن جنائبه تجر قدامه وجنائب غيره من الملوك تجر خلفه، (222) ومنها: أن أذناب خيله تلف من أوساطها مقدار شبرين، ومنها:
الجلوس على الركبتين بين يديه لمن يريد مخاطبته.
قال المؤلف المذكور: ثم سار جلال الدين بعد موت أبيه السلطان محمد من الجزيرة إلى خوارزم، ثم هرب من التتر ولحق بغزنة وجرى بينه وبينهم من القتال ما تقدم ذكره «3» ، وسار إليه جنكز خان فهرب جلال الدين إلى الهند فلحقه جنكز خان على ماء السند، وتصاففا صبيحة يوم الأربعاء لثمان خلون من شوال سنة ثماني عشرة وست مئة، وكانت الكرة أولا على جنكز خان ثم صارت على جلال الدين وحال بينهما الليل وهرب جلال الدين وأسر ابنه وهو ابن سبع سنين فقتله جنكز خان بين يديه صبرا، ولما عاد جلال الدين إلى حافة ماء السند كسيرا رأى والدته وأم ولده وجماعة من حرمه فقالوا له بالله [عليك]«4» اقتلنا وخلّصنا «5» من الأسر فأمر بهن فغرقن وهذه من عجائب البلايا ونوادر المصائب والرزايا، ثم اقتحم جلال الدين وعسكره ذلك النهر العظيم فنجا منهم إلى ذلك البر تقدير
أربعة آلاف حفاة عراة، وأرمى الموج جلال الدين مع ثلاثة من خواصه إلى موضع بعيد وفقده أصحابه ثلاثة أيام وبقي أصحابه لفقده حائرين، وفي تيه الفكر سائرين إلى أن قدم عليهم جلال الدين فاعتدوا بمقدمه عيدا، وظنوا أنهم أنشئوا خلقا جديدا، ثم جرى بين جلال الدين وبين أهل تلك البلاد (223) وقائع انتصر فيها جلال الدين، ووصل إلى لهاوور من الهند، ولما عزم جلال الدين على العود إلى جهة العراق استناب بهلوان أزبك على ما كان يملكه من الهند، واستناب معه حسن قراق ولقبه وفا ملك، وفي سنة سبع وعشرين وست مئة طرد وفا ملك بهلوان أزبك، واستولى وفا ملك على ما كان يليه البهلوان من بلاد الهند.
ثم إن جلال الدين عاد من الهند ووصل إلى كرمان في سنة إحدى وعشرين وست مئة وقاسى هو وعسكره في البراري القاطعة بين كرمان والهند شدائد، ووصل معه أربعة آلاف رجل بعضهم ركاب بقر وبعضهم ركاب حمير، ثم سار جلال الدين إلى خوزستان واستولى عليها، ثم استولى على أذربيجان ثم على كنجة وسائر بلاد أرّان، ثم إن جلال الدين نقل أباه من الجزيرة إلى قلعة أزدهن ودفنه بها، ولما استولى التتر على القلعة نبشوه وأحرقوه، وكان هذا فعلهم في كل ملك عرفوا قبره فإنهم نبشوا محمد بن سبكتكين من غزنة وحرقوا عظامه.
ثم ذكر نزوله على جسر قريب آمد وإرساله يستنجد الملك الأشرف بن العادل فلم ينجده، وعزم جلال الدين على المسير إلى أصفهان، ثم انثنى عزمه وبات بمنزله وشرب تلك الليلة وسكر سكرا خماره دوار الرأس، وتقطّع الأنفاس، وأحاط التتر بعسكره مصبحين «1» :(الوافر)
(224)
فمسّاهم وبسطهم حرير
…
وصبّحهم وبسطهم تراب
ومن في كفّه منهم قناة
…
كمن في كفّه منهم خضاب
وأحاطت أطلاب التتر بخركاه جلال الدين وهو نائم سكران، فحمله بعض أمراء عسكره وكان اسمه أرخان، وكشف التتر عن الخركاه ودخل بعض الخواص وأخذ بيد جلال الدين وأخرجه وعليه طاقية بيضاء فأركبه الفرس وساق أرخان مع جلال الدين وتبعه التتر فقال جلال الدين لأرخان: انفرد عني بحيث تشتغل التتر بتتبع سوادك، وكان ذلك خطأ منه، فإن أرخان تبعه قريب أربعة آلاف فارس من العسكر الجلالي وقصد أصفهان واستولى عليها مدة، ولما انفرد جلال الدين عن أرخان وساق إلى باسورة آمد فلم يمكن من الدخول إلى آمد، فسار إلى قرية من قرى ميّافارقين طالبا شهاب الدين غازي بن الملك العادل صاحب ميّافارقين، ثم لحقه التتر في تلك القرية فهرب جلال الدين إلى جبل هناك وفيه أكراد يتخطفون الناس فأخذوه وشلحوه وأرادوا قتله، فقال جلال الدين لأحدهم: أنا السلطان استبقني أجعلك ملكا، فأخذ الكردي وأتى به إلى امرأته وجعله عندها، ومضى الكردي إلى الجبل لإحضار ما له هناك فحضر شخص كردي وبيده حربة، قال للمرأة: لم لا تقتلون هذا الخوارزمي؟ (225) فقالت المرأة: لا سبيل إلى ذلك وقد أمنه زوجي: فقال الكردي إنه السلطان، وقد قتل أخا لي بخلاط خيرا منه وضربه بحربته فقتله «1» .
وكان جلال الدين أسمر قصيرا، تركي الشارة والعبارة، وكان يتكلم بالفارسية [أيضا]«2» ، وكان يكاتب الخليفة على مبدأ الأمر على ما يكاتب به