الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وزوجه بابنة أخيه الملك العادل وعاد معز الدين إلى ملطية في ذي القعدة وقد انقطعت أطماع أخيه منه.
قال ابن الأثير: لما ركب السلطان صلاح الدين ليودع (106) معز الدين قيصر شاه المذكور ترجل معز الدين له فترجل السلطان، فلما ركب السلطان عضده معز الدولة وركّبه، وكان علاء الدين بن عز الدين مسعود «1» صاحب الموصل مع السلطان إذ ذاك فسوى ثياب السلطان، فقال بعض الحاضرين:
أما بقيت تبالي يا ابن أيوب بأي موتة تموت، يركبك ملك سلجوقي، ويصلح ثيابك ابن أتابك زنكي «2» !
وفي سنة ثمان وثمانين وخمس مئة
«13»
سار الفرنج إلى عسقلان وشرعوا في عمارتها والسلطان في القدس.
وفيها، قتل المركيس «3» صاحب صور قتله الباطنية، وكان قد دخلوا في زيّ الرهبان إلى صور.
وفيها، عقدت الهدنة مع الفرنج، وعاد السلطان إلى دمشق، وكان سبب ذلك أن ملك الانكتار مرض فطال عليه البيكار «4» فكاتب الملك العادل يسأله الدخول على السلطان في الصلح، فلم يجب السلطان إلى الصلح، ثم اتفق
الأمراء عليه لطول البيكار وضجر العسكر فأجاب السلطان واستقر أمر الهدنة يوم السبت ثامن عشر شعبان، وتحالفوا على ذلك يوم الأربعاء الثاني والعشرين من شعبان، ولم يحلف ملك الانكتار بل أخذوا يده وعاهدوه واعتذر بأن الملوك لا يحلفون، وقنع بذلك السلطان، وحلف الكندهري «1» ابن أخيه وخليفته في الساحل، وكذلك حلف غيره من عظماء الفرنج (107) ووصل ابن الهنفري وباليان «2» إلى خدمة السلطان ومعهما جماعة من مقدمي الفرنج فأخذوا يد السلطان على الصلح واستحلفوا الملك العادل أخا السلطان، والأفضل والظاهر ابني السلطان، والملك المنصور محمد بن تقي الدين عمر صاحب حماة، والملك المجاهد شير كوه صاحب حمص، والأمجد بهرام شاه ابن فرّخشاه صاحب بعلبك، والأمير بدر الدين دلدرم «3» الياروقي صاحب تل باشر، والأمير سابق الدين عثمان بن الداية صاحب شيزر، والأمير سيف الدين علي بن أحمد المشطوب وغيرهم من المقدمين الكبار، وعقدت هدنة عامة في البر والبحر وجعلت مدتها ثلاث سنين وثلاثة أشهر «4» أولها [يوافق أول]«5» أيلول الموافق لحادي عشري شعبان وكانت الهدنة على أن تستقر بيد الفرنج يافا وعملها وقيساريّة وأرسوف وحيفا وعكّا بأعمالهم، وأن تكون عسقلان خرابا، وشرط السلطان دخول
صاحب أنطاكية وطرابلس في عقد هدنتهم وأن تكون لد والرّملة مناصفة بينهم وبين المسلمين، فاستقرت القاعدة على ذلك.
ورحل السلطان إلى القدس في رابع شهر رمضان، وتفقد أحواله، وأمر بتشييد أسواره، وزاد في وقف المدرسة التي عملها بالقدس، وهذه المدرسة كانت قبل الإسلام تعرف بصندحنة يذكرون أن فيها قبر حنة أم مريم، ثم صارت في الإسلام دار علم قبل أن يملك الفرنج القدس (108) ، ثم لما ملك الفرنج القدس سنة اثنتين وتسعين وأربع مئة أعادوها كنيسة كما كانت قبل الإسلام، فلما فتح السلطان القدس أعادها مدرسة وفوض تدريسها إلى القاضي بهاء الدين بن شداد «1» .
ولما استقر أمر الهدنة أرسل السلطان مئة حجار لتخريب عسقلان، وأن يخرج من بها من الفرنج، وعزم على الحج والإحرام من القدس، وكتب إلى أخيه سيف الإسلام صاحب اليمن بذلك.
ثم فنده الأمراء، وقالوا: لا نعتمد على هدنة الفرنج خوفا من غدرهم، فانتقض عزمه، ورحل عن القدس لخمس مضين من شوال إلى نابلس، ثم إلى بيسان، ثم إلى كوكب وبات بقلعتها، ثم رحل إلى طبرية، ولقيه بهاء الدين قراقوش الأسدي، وقد خلص من الأسر، وكان قد أسر بعكّا لما أخذها الفرنج مع من أسر «2» فسار قراقوش مع السلطان إلى دمشق ثم [سار منها قراقوش]«3» إلى مصر، ثم سار [السلطان]«3» إلى بيروت، ووصل إلى خدمته بيمند صاحب أنطاكية يوم السبت حادي عشري شوال، فأكرمه السلطان وفارقه غد ذلك اليوم،
وسار السلطان إلى دمشق، ودخلها يوم الأربعاء لخمس بقين من شوال، وفرح الناس به لأن غيبته عنهم كانت أربع سنين، وأقام العدل والإحسان بدمشق، وأعطى العساكر دستورا فودعه الملك الظاهر وداعا لا لقاء بعده، وسار إلى حلب وبقي مع السلطان (109) بدمشق ولده الملك الأفضل والقاضي الفاضل، وكان الملك العادل قد استأذن السلطان، وسار من القدس إلى الكرك لينظر في مصالحه، ثم عاد الملك العادل إلى دمشق طالبا الديار الشرقية التي صارت له بعد تقي الدين عمر، فوصل إلى دمشق حادي عشري [ذي]«1» القعدة، وخرج السلطان إلى لقائه.
وفيها، وقف السلطان ثلث نابلس على مصالح القدس، وأقطع الباقي الأمير عماد الدين أحمد بن سيف الدين علي بن المشطوب «2» [وأميرين معه]«1» .
وفيها، توفي السلطان عز الدين قليج أرسلان بن مسعود بن قليج أرسلان بن سليمان بن قطلومش بن أرسلان يبغو بن سلجوق «3» ، وكان ملكه في سنة إحدى وخمسين وخمس مئة، وكان ذا سياسة حسنة وهيبة عظيمة وعدل وافر وغزوات كثيرة، وكان له عشرة بنين قد ولى كل واحد منهم قطرا من بلاد الروم، وأكبرهم قطب الدين ملكشاه «4» ، وكان أعطاه أبوه سيواس، فسولت له نفسه القبض على أبيه وإخوته والانفراد بالسلطنة، وساعده على ذلك صاحب أرزنكان، فسار قطب الدين ملكشاه وهجم على والده قليج أرسلان بمدينة
قونية وقبض عليه، وقال لوالده وهو في قبضته أنا بين يديك أنفذ أوامرك، ثم إنه أشهد على والده أنه قد جعله ولي عهده، ثم مضى ملكشاه إلى حرب أخيه (110) نور الدين سلطان شاه «1» صاحب قيساريّة ووالده في القبضة معه وهو يظهر أن ما يفعله إنما هو بأمر والده، فخرج عسكر قيساريّة لقتاله، فوجد أبوه عز الدين قليج أرسلان عند اشتغال العسكر بالقتال فرصة فهرب إلى ابنه سلطان شاه صاحب قيساريّة فأكرمه وعظمه كما يجب عليه فرجع قطب الدين ملكشاه إلى قونية، وخطب لنفسه بالسلطنة، وبقي أبوه قليج أرسلان يتردد في بلاده بين أولاده كلما ضجر منه واحد منهم تنقل إلى آخر حتى حصل عند ولده غياث الدين كيخسرو «2» صاحب برجلو فقوى أباه قليج أرسلان وأعطاه وجمع له وجيّشه وسار [معه]«3» إلى قونيه وملكها وأخذها من ابنه ملكشاه، ثم سار إلى أقصرا فاتفق أن عز الدين قليج أرسلان مات في التاريخ المذكور فأخذه ولده كيخسرو وعاد به إلى قونية فدفنه بها، [واتفق موت ملكشاه بعد موت أبيه قليج أرسلان بقليل فاستقر كيخسرو في ملك قونية]«3» وأثبت أنه ولي عهد أبيه قليج أرسلان.
ثم إن ركن الدين سليمان «4» أخا غياث الدين كيخسرو قوي على أخيه كيخسرو وأخذ منه قونية فهرب كيخسرو إلى الشام مستجيرا بالملك الظاهر صاحب حلب، ثم مات ركن الدين سليمان سنة ست مئة وملك بعده ولده
قليج أرسلان «1» فرجع غياث الدين كيخسرو إلى بلاد الروم، وأزال ملك قليج أرسلان بن سليمان، وملك بلاد الروم جميعها واستقرت سلطته ببلاد الروم، وبقي كذلك إلى أن قتل وملك بعده ابنه عز الدين كيكاوس «2» ثم توفي كيكاوس (111) وملك بعده أخوه علاء الدين كيقباذ، وتوفي علاء الدين كيقباذ سنة أربع وثلاثين وست مئة «3» ، وملك بعده ولده غياث الدين كيخسرو بن كيقباذ «4» ، وكسره التتر سنة أربع وأربعين وست مئة، وتضعضع حينئذ ملك السلاجقة ببلاد الروم، ثم مات كيخسرو بن كيقباذ بن كيخسرو بن قليج أرسلان بن مسعود بن قليج أرسلان بن سليمان بن قطلومش بن أرسلان سلجوق، وانقضى بموت كيخسرو المذكور ملك سلاطين بلاد الروم في الحقيقة لأن من صار بعده لم يكن له في السلطنة غير مجرد الاسم، وخلف كيخسرو المذكور صبيين «5» هما ركن الدين «6» وعز الدين «7» فملكا بعده معا