الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثانيا: أن المدرسة العلمية للزاوية قد امتد أثرها العلمي في عصرها إلى سائر أنحاء المغرب. قال القادري: «قلما تجد عالما أو متعلما بإفريقية والمغرب إلا من تلامذته [أي الشيخ عبد القادر الفاسي]، أو من تلامذتهم، أو يروم التمسك في الانتساب إليه بأي وجه أمكنه»
(1)
.
ثالثا: العناية الخاصة بالسنة المشرفة وعلومها قال أبو محمد عبد السلام ابن الخياط القادري في معرض الترجمة للشيخ عبد القادر الفاسي: «. . . اعتنى [يعني الشيخ عبد القادر الفاسي] بتدريس علوم الحديث، والمغازي والسير، فإن أهل فاس كانوا اشتغلوا بطلب علم الفقه والعلوم العقلية وتركوا علوم الحديث، فاعتنى المترجم بها حتى أحياها»
(2)
.
الثالثة: الأسرة الفاسية:
نسب هذه الأسرة «فهري» باتفاق النسابين والمؤرخين في المغرب والأندلس. يقول في ذلك الملك المغربي العلامة مولاي سليمان العلوي (ت 1238 هـ): «. . . ولم يزل وصفهم الذاتي من النسب إلى فهر ملازما لهم فيما استوطنوه بالعدوة [يعني المغرب الأقصى] من حاضرة فاس والقصر، يحوزونه بما تحاز به الأنساب، في السؤال والجواب، والكتابة والخطاب؛ والرسوم والظواهر، والكراسي والمنابر؛ حتى تواتر فيهم هنا [يعني بالمغرب] تواتره في أسلافهم هناك [يعني بالأندلس]»
(3)
.
(1)
نشر المثاني: 2/ 271.
(2)
عن فهرس الفهارس للشيخ عبد الحي الكتاني: 2/ 767.
(3)
عناية أولي المجد بذكر آل الفاسي ابن الجد: ص: 6. وقال النسابة الشريف مولاي -
وقد عرفوا في الأندلس بلقب «ابن الجد» مع النسبة الفهرية. قال المقري (ت 1041 هـ) : «وفي الأندلس (. . .) كثير من قريش المعروفون بالفهريين من بني محارب بن فهر، وهم من قريش الظواهر، ومنهم عبد الملك بن قطن سلطان الأندلس، ومن ولده بنو القاسم الأمراء الفضلاء، وبنو الجد الأعيان العلماء»
(1)
.
وقد انتقل عبد الرحمن وأحمد ابنا أبي بكر ابن الجد الملقب ب «الحفيد» عن مالقة بالأندلس في حدود سنة ثمانين وثمانمائة بسبب الفتنة الناشئة بها
(2)
. واستقرا بمدينة فاس.
وأبو الحجاج يوسف بن عبد الرحمن المذكور هو أول من لقب ب «الفاسي» من هذه الأسرة : كان يتردد من فاس إلى مدينة القصر الكبير بقصد التجارة، ثم تزوج بالقصر واستوطنه. فعرف هناك لقدومه من مدينة فاس بلقب «الفاسي»
(3)
. وقد اشتهرت أسرته في المغرب بهذا اللقب إلى
= إدريس الفضيلي : «. . . وأما نسبهم فإلى فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بلا خلاف» (الدرر البهية : 2/ 252).
(1)
نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب : 1/ 290 - 291. وقد وقع خلاف قديم في الفرع الذي ينتسب إليه بنو الجد من فروع فهر بن مالك بن النضر بن كنانة. وليس هنا متسع لتفصيله.
(2)
نشأت تلك الفتنة عن ثورة القائد القرسوطي، وكانت آخر النزاعات على الحكم بالأندلس، حيث سقطت مالقة بيد النصارى أواخر شعبان سنة 892 هـ. ثم أجلي المسلمون عن غرناطة آخر معاقلهم بالأندلس بعد مالقة بخمس سنين. ولله الأمر من قبل ومن بعد، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
(3)
عن «مرآة المحاسن من أخبار الشيخ أبي المحاسن» ، للعلامة المجتهد أبي حامد محمد العربي الفاسي الفهري (ت 1052 هـ) : ص 202.
الآن، واكتفى رجالاتها به في توقيعاتهم غالبا استغناء بما اشتهر
(1)
.
وولد لمحمد بن أبي الحجاج يوسف (912 - 974 هـ) بمدينة القصر أبو المحاسن يوسف (937 - 1013 هـ)
(2)
الذي انتقل إلى فاس وأسس بها زاويته، وبقي بها إلى حين وفاته، وانتشر منها علمه وأثره، وبها مدفنه. وهو الذي تشعبت منه فروع هذه الأسرة بالمغرب، فكان - رحمه الله تعالى - قعددها المبارك : نسبا، وعلما، وسلوكا. قال المولى سليمان :«هذا الشيخ هو قطب رحى بني الفاسي، وطود مجدهم الراسي، وبيت عددهم، وأصل مددهم»
(3)
.
(1)
(2)
خصصت لترجمته مؤلفات منها : «مرآة المحاسن من أخبار الشيخ أبي المحاسن» المذكور في هامش سابق. وكتاب «ابتهاج القلوب بخبر الشيخ أبي المحاسن وشيخه المجذوب» لحفيد ولده أبي زيد عبد الرحمن بن عبد القادر بن علي، اعتنت بتحقيقه الباحثة حفيظة الدازي ضمن رسالة جامعية تحت إشراف الدكتور محمد حجي نوقشت بكلية الآداب بجامعة محمد الخامس بالرباط خلال السنة الجامعية 1991 - 1992 م. وكتاب «روضة المحاسن الزهية بمآثر أبي المحاسن البهية» لحفيد ولده أبي عيسى المهدي بن أحمد بن علي (ت 1109 هـ) واختصره في نحو كراستين بعنوان «الجواهر الصفية من المحاسن اليوسفية» ، وله عدة نسخ خطية بمختلف الخزانات المغربية، وبيدي منها نسختان.
(3)
عناية أولي المجد : ص.16.
والشيخ عبد القادر صاحب الخلاصة هو حفيده من ولده الفقيه العلامة الشيخ المربي سيدي علي (960 - 1030 هـ).
وقد أعقب الشيخ عبد القادر ابنين عالمين جليلين حافظين هما : سيدي عبد الرحمن (1040 - 1096 هـ)، وشيخ الجماعة الحافظ سيدي محمد - بفتح الميم - (1042 - 1116 هـ).
وأعقب سيدي محمد ثلاثة أبناء، هم : محمد الطيب وهو صاحب الشرح، وأبو مدين، وقد توفاهما الله تعالى في حياة والدهما عن غير عقب
(1)
، وأحمد ومنه جميع عقب الشيخ عبد القادر الموجودين اليوم
(2)
. ومنهم كاتب هذه الكلمات أصلح الله حاله.
والمجال هنا ضيق عن ذكر أسماء علماء الأسرة الفاسية المتعاصرين في ذلك العهد، فبالأحرى عن التعريف بمكانتهم العلمية التي كان لها من غير شك أثر كبير على كل من المصنف والشارح. وأجتزئ من ذلك بطرف من الخاتمة التي كتبها السلطان مولاي سليمان في مؤلفه الذي كتبه للتعريف بأعلام هذه الأسرة. حيث قال : «فلله كم في هذا البيت من العلماء العاملين، وأولياء الله الصالحين! قد ساق
(3)
الله بهم، منذ نزلوا
(1)
يعني عن غير عقب ذكر، وإلا فقد خلف سيدي محمد الطيب بنتا اسمها «منانة» تزوجت وخلفت بنين وبنات، كما يعلم من رسم إراثتها، وهو بيدي.
(2)
توفي مؤخرا آخر من بقي من ذرية سيدي عبد الرحمن بن عبد القادر وهو سيدي عبد المالك عن غير عقب مطلقا.
(3)
في المطبوع منها (سبق) بتوسط الباء، ولا يستقيم سياق الكلام بسببه، والمثبت من نسخة خطية خاصة منقولة عن خط المؤلف.
بهذه العدوة المغربية، ما كان لهم من الفضل في الجزيرة الأندلسية؛ بل زادوا مزية أخرى، بتكرير الولاية الكبرى؛ حتى انتشرت في الأولياء مناقبهم، وارتفعت بين العلماء مناصبهم. فمزيتهم في العلم والصلاح شائعة، وأحوالهم في الخيرات بين الناس ذائعة. منذ قدموا على فاس، وهم يبثون العلوم في صدور الناس؛ وذلك نحو ثلاثمائة سنة أو أكثر؛ والأول لمن بعده كالصبح إذا أسفر. فما منهم إلا من قرأ العلم فحققه، وأحكم قياسه وحرر طرقه؛ وعم الانتفاع به في العباد، وشاعت فضائله في البلاد. وقلما تجد في المغرب من أحد، عالما أو صالحا، إلا ومنهم صار له المدد؛ وعليهم عول في طريقه واعتمد»
(1)
.
(1)
عناية أولي المجد : ص.80.