المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الأولى: عصر المصنف والشارح: - مفتاح الوصول إلى علم الأصول في شرح خلاصة الأصول

[محمد الطيب الفاسي]

فهرس الكتاب

- ‌ التعريف بالمصنف والشارح

- ‌البيئات الثلاث للمصنف والشارح

- ‌الأولى: عصر المصنف والشارح:

- ‌الثانية: الزاوية الفاسية:

- ‌أولا: مفهوم الزاوية:

- ‌ثانيا: الزوايا المغربية في القرن الحادي عشر:

- ‌ثالثا: الزوايا الفاسية:

- ‌رابعا: ملامح من أحوال مشايخ الزوايا الفاسية:

- ‌خامسا: ملامح من سلوك مشايخ الزاوية الفاسية:

- ‌سادسا: المدرسة العلمية بزاوية الشيخ عبد القادر الفاسي:

- ‌الثالثة: الأسرة الفاسية:

- ‌2 - المصنف: الشيخ عبد القادر الفاسي

- ‌تقديم:

- ‌أ - الاسم والنسب واللقب والحلى:

- ‌ب - ولادته ونشأته ودراسته بالقصر الكبير:

- ‌ج - إجازاته العامة عن شيوخه الثلاثة:

- ‌د - بقية شيوخه وما أخذه عن كل واحد منهم:

- ‌هـ - بقية أطوار حياته:

- ‌و - من أخباره وأخلاقه:

- ‌ز - دروسه وتلاميذه:

- ‌ح - آثار الشيخ عبد القادر:

- ‌ظ - وفاته وكرامته:

- ‌3 - الشيخ محمد الطيب الفاسي:

- ‌حياته ومكانته:

- ‌آثاره العلمية:

- ‌كلمة في التعريف بكتاب مفتاح الوصول

- ‌1 - ظاهرة التلخيص في العلوم الشرعية:

- ‌2 - ملخصات أصول الفقه:

- ‌3 - الخلاصة الحالية:

- ‌4 - شرح الخلاصة:

- ‌ورقة وصفية لعملية التحقيق

- ‌1 - النسخ المعتمدة في التحقيق:

- ‌2 - منهج التحقيق:

- ‌أ - تصحيح النص:

- ‌ب - توثيق النصوص:

- ‌ج - تيسير تناول النص:

- ‌اصطلاحات التحقيق:

- ‌أولا: اصطلاحات التوثيق

- ‌ثانيا: اصطلاحات التحديد

- ‌ثالثا: اصطلاحات الإحالات

- ‌تقديم الكتاب:

- ‌غايته وموضوعه وتسميته

- ‌مقدمةمبادئ أصول الفقه

- ‌1 - لقب «أصول الفقه»:

- ‌2 - مبادئ أصول الفقه:

- ‌3 - تحليل حد أصول الفقه:

- ‌4 - أبحاث في حد أصول الفقه:

- ‌5 - تحليل حد الفقه ومناقشته:

- ‌القسم الأول الحكم الشرعي

- ‌الفصل الأول:مصطلحات الحكم الشرعي

- ‌1 - تعريف الحكم:

- ‌أ - تحليل تعريف الحكم:

- ‌ب - مناقشة تعريف الحكم:

- ‌2 - خطاب التكليف:

- ‌أ - معنى خطاب التكليف:

- ‌ب - الشرط الأول في التكليف: علم المكلف:

- ‌ج - الشرط الثاني في التكليف: استطاعة المكلف:

- ‌3 - خطاب الوضع وأقسامه:

- ‌أ - معنى خطاب الوضع:

- ‌ب - أقسام خطاب الوضع:

- ‌الأول: السبب:

- ‌الثاني: الشرط:

- ‌الثالث: المانع:

- ‌الرابع والخامس: الصحة والفساد:

- ‌4 - أقسام خطاب التكليف:

- ‌الأول: (هو الإيجاب)

- ‌والثاني: التحريم

- ‌والثالث: الندب

- ‌والرابع: (الإباحة)

- ‌والخامس: (الكراهة)

- ‌والسادس: (خلاف الأولى)

- ‌5 - تعريف الرخصة والعزيمة:

- ‌أ - تعريف الرخصة:

- ‌ب - تعريف العزيمة:

- ‌ج - مناقشة في تعريف الرخصة والعزيمة:

- ‌6 - الخطاب:

- ‌أ - تعريف الخطاب:

- ‌ب - خطاب المعدوم:

- ‌7 - عبارات أخرى عن أقسام الحكم التكليفي:

- ‌أ - الفرض والواجب:

- ‌ب - عبارات عن المندوب:

- ‌8 - تعريف الأداء والقضاء والإعادة:

- ‌أ - تعريف الأداء:

- ‌ب - تعريف القضاء:

- ‌ج - تعريف الإعادة:

- ‌9 - تعريف الواجب المضيق والواجب الموسع:

- ‌أ - تعريف الواجب المضيق:

- ‌ب - تعريف الواجب الموسع:

- ‌10 - المطلوب العيني والمطلوب الكفائي:

- ‌أ - المطلوب العيني:

- ‌ب - المطلوب الكفائي:

- ‌11 - الواجب بالتبع وبالقصد، والواجب المعين والمخير:

- ‌أ - الواجب بالتبع والواجب بالقصد:

- ‌ب - الواجب المعين والواجب المخير:

- ‌الفصل الثانيقواعد الحكم الشرعي

- ‌1 - قاعدة:[وجوب الشيء يستلزم حرمة نقيضه]

- ‌2 - قاعدة:[يجوز التكليف بالمحال مطلقا]:

- ‌3 - قاعدة:[ولا يشترط في التكليف حصول الشرط الشرعي.وعليه: هل يصح تكليف الكافر بالفروع

- ‌4 - قاعدة:[لا تكليف إلا بفعل]

- ‌5 - قاعدة:[يصح التكليف مع علم انتفاء شرط الوقوع]

- ‌6 - قاعدة:[ويعلم التكليف قبل دخول الوقت، وإن لم يعلم وجود الشرط فيه]

- ‌القسم الثاني الكتاب وطرق دلالته على الأحكام

- ‌[الأصل الأول: الكتاب]

- ‌1 - تعريف الكتاب:

- ‌2 - تعريف اللغة:

- ‌3 - الوضع:

- ‌أ - تعريف الوضع:

- ‌ب - الموضوع:

- ‌ج - الواضع:

- ‌4 - تقسيمات اللفظ:

- ‌أ - انقسام اللفظ: الإفراد والتركيب:

- ‌ب - انقسام المفرد:

- ‌ج - انقسام الاسم:

- ‌د - انقسام الكلي:

- ‌هـ - انقسام الجزئي:

- ‌و- انقسام العلم:

- ‌5 - علاقة اللفظ بالمعنى:

- ‌أ - التباين:

- ‌ب - الانفراد:

- ‌ج - الترادف:

- ‌د - الاشتراك:

- ‌6 - الحقيقة والمجاز:

- ‌7 - اللفظ المستعمل واللفظ المهمل:

- ‌8 - الكلام وأقسامه:

- ‌أ - تعريف الكلام:

- ‌ب - الاستفهام:

- ‌ج - الأمر والنهي:

- ‌د - التنبيه والإنشاء:

- ‌هـ - الخبر:

- ‌9 - المنطوق والمفهوم:

- ‌أ - تعريف المنطوق والمفهوم:

- ‌ب - تقسيمات المنطوق:

- ‌المنطوق الصريح: مطابقة وتضمن:

- ‌المنطوق غير الصريح: اقتضاء وإيماء وإشارة:

- ‌الفرق بين دلالة الإشارة ودلالة الالتزام:

- ‌ج - دلالة المفهوم:

- ‌اختلاف المثبتين للمفهوم:

- ‌1).1) مفهوم الموافقة:

- ‌2) مفهوم المخالفة:

- ‌1 - أحدها: (صفة)

- ‌2 - (وشرط)

- ‌3).3 -(وغاية):

- ‌4 - (وعدد):

- ‌5 - (وحصر) بإنما ونحوها

- ‌6 - (واستثناء)

- ‌7 و 8 - (و) ظرف: وهو (زمان ومكان)

- ‌9 - (ولقب):

- ‌10 - (وعلة)

- ‌10 - العموم والخصوص:

- ‌أ - تعريف العام:

- ‌ب - طرق إفادة العموم:

- ‌1) اللغة:

- ‌2) العرف:

- ‌3) العقل:

- ‌ج - دلالة العموم:

- ‌1) العموم من عوارض الألفاظ:

- ‌2) مدلول العام كلية لا كلي ولا كل:

- ‌3) دلالة العام قطعية أم ظنية

- ‌4) لازم دلالة العموم:

- ‌د - التخصيص:

- ‌1) معنى التخصيص:

- ‌2) منتهى ما يجوز من التخصيص:

- ‌هـ - دلالة العام المخصوص:

- ‌و- دلالة العام الذي أريد به الخصوص:

- ‌ز - المخصص:

- ‌1) معنى المخصص:

- ‌2) المخصص المتصل:

- ‌3) المخصص المنفصل:

- ‌11 - المطلق والمقيد:

- ‌أ - تعريف المطلق:

- ‌ب - الفرق بين المطلق والنكرة في سياق الإثبات:

- ‌ج - تعريف المقيد:

- ‌12 - مراتب الدلالة:

- ‌أ - النص:

- ‌ب - الظاهر:

- ‌ج - التأويل:

- ‌1) تعريف التأويل:

- ‌2) التأويل: صحيح وفاسد ولعب:

- ‌3) التأويل الصحيح: قريب وبعيد:

- ‌د - المجمل:

- ‌هـ - البيان:

- ‌13 - النسخ:

- ‌أ - تعريف النسخ:

- ‌ب - أنواع النسخ:

- ‌القسم الثالث بقية الأدلة

- ‌الأصل الثاني(1):السنة

- ‌‌‌1 - تعريف السنة

- ‌1 - تعريف السنة

- ‌2 - السنة التقريرية:

- ‌3).3 -السنة الفعلية:

- ‌أ - الأصل في السنة الفعلية:

- ‌ب - فعله الجبلي صلى الله عليه وسلم:

- ‌ج - الفعل الخاص به صلى الله عليه وسلم:

- ‌د - فعله المبين صلى الله عليه وسلم:

- ‌هـ - فعله المتكرر صلى الله عليه وسلم:

- ‌4 - ما سوى الأنواع المتقدمة:

- ‌2 - أنواع العلم بالأخبار:

- ‌أ - الخبر المقطوع بكذبه أو بصدقه:

- ‌1) الخبر المقطوع بكذبه:

- ‌2) الخبر المقطوع بصدقه، ومنه المتواتر:

- ‌ب - الخبر المظنون الصدق:

- ‌1) تعريفه:

- ‌2) من أنواعه: الخبر المستفيض:

- ‌3) هل يفيد خبر الواحد العلم

- ‌4) حكم العمل بخبر الواحد:

- ‌الأصل الثالثالإجماع

- ‌1 - تعريف الإجماع:

- ‌2 - مستند الإجماع:

- ‌3 - حجية الإجماع وحكمه:

- ‌4 - حجية الإجماع السكوتي:

- ‌5 - التمسك بأقل ما قيل:

- ‌الأصل الرابعالقياس

- ‌1 - تعريف القياس وتحديد أركانه:

- ‌2 - الركن الأول:الأصل، وشروطه

- ‌الشرط الأول: ثبوت حكمه:

- ‌الشرط الثاني: أن لا يكون منسوخا:

- ‌الشرط الثالث: أن لا يكون مخصوصا:

- ‌الشرط الرابع: أن يكون معقول المعنى:

- ‌الشرط الخامس: أن يكون مما له نظائر:

- ‌الشرط السادس: أن لا يكون فرعا عن أصل آخر:

- ‌الشرط السابع: أن لا يكون مركبا:

- ‌3 - الركن الثاني:العلةشروطها، ومسالكها

- ‌أ - تعريف العلة:

- ‌ب - شروط العلة:

- ‌الشرط الأول: الاطراد:

- ‌الشرط الثاني: الانعكاس:

- ‌الشرط الثالث: التعدية:

- ‌الشرط الرابع: تعليل الوجودي بالوجودي:

- ‌الشرط الخامس: تعليل العدمي بالعدمي:

- ‌الشرط السادس: تعليل الوجودي بالعدمي:

- ‌الشرط السابع: تعليل العدمي بالوجودي:

- ‌الشرط الثامن: وجود المقتضي:

- ‌ج - مسالك العلة:

- ‌المسلك الأول: النص:

- ‌1) النص الصريح:

- ‌2) الإيماء ومراتبه:

- ‌أحدها:

- ‌(و) ثانيها: (الاستنطاق):

- ‌(و) ثالثها:

- ‌(و) رابعها:

- ‌المسلك الثاني: الإجماع:

- ‌المسلك الثالث: المناسبة أو الإخالة أو تخريج المناط:

- ‌1) المناسب المؤثر:

- ‌2) المناسب الملائم:

- ‌3) المناسب الغريب:

- ‌4) المناسب المرسل:

- ‌المسلك الرابع: الدوران:

- ‌المسلك الخامس: الشبه:

- ‌المسلك السادس: الطرد:

- ‌4 - الركن الثالث:الفرع، وشروطه:

- ‌الشرط الأول:[وشرطه: وجود العلة فيه بتمامها]

- ‌الشرط الثاني:[وأن لا يتقدم حكمه على الأصل]

- ‌الشرط الثالث:[وأن لا يباينه في الأحكام، كالبيع مع النكاح]

- ‌الشرط الرابع:[وأن لا يكون منصوصا بعموم أو خصوص]

- ‌5 - الركن الرابع:الحكم، وشرطه

- ‌الأصل الخامسالاستدلال

- ‌1]1 -تعريف الاستدلال:

- ‌2 - القياس المنطقي:

- ‌أ - القياس الاقتراني:

- ‌ب - القياس الاستثنائي:

- ‌3 - الاستقراء:

- ‌أ - الاستقراء التام:

- ‌ب - الاستقراء الناقص:

- ‌4 - القياس في معنى الأصل، أو نفي الفارق:

- ‌5 - التلازم، أو قياس الدلالة:

- ‌6 - وجود السبب، أو المانع، أو فقد الشرط:

- ‌7 - الاستصحاب:

- ‌8 - شرع من قبلنا:

- ‌9 - مذهب الصحابي:

- ‌1).10 -الاستحسان:

- ‌11 - المصالح المرسلة:

- ‌ختم الكتاب:

- ‌مراجع التقديم والتحقيق

- ‌1 - القرآن العظيم وعلومه وتفسيره

- ‌2 - كتب السنة المشرفة وعلومها وشروحها:

- ‌3 - أصول الفقه:

- ‌4 - الفقه:

- ‌5 - العقائد والفرق:

- ‌6 - اللغة والنحو والأدبيات والموسوعات:

- ‌7 - السيرة والتاريخ والتراجم والفهرسات:

الفصل: ‌الأولى: عصر المصنف والشارح:

‌البيئات الثلاث للمصنف والشارح

‌الأولى: عصر المصنف والشارح:

ما بين ولادة المصنف في 2 رمضان 1007 هـ الموافق 29 مارس 1599 م إلى وفاة الشارح في 19 ربيع الثاني 1113 هـ الموافق 23 سبتمبر 1701 م زهاء قرن من الزمان. هو جملة القرن السابع عشر الميلادي والحادي عشر الهجري مع طرف من بداية الثاني عشر.

وقد شهد مطلع هذا القرن بقية من عهد الاستقرار والرخاء الذي عرفه المغرب أيام المنصور الذهبي. ثم استغرقت معظمه أي زهاء ثمانية عقود منه، فتن متلاحقة، ومخاض طويل. ولكننا لا نكاد نصل إلى العقود الأخيرة من هذا القرن حتى نشهد انتهاء ذلك العهد العصيب، وتوحيد مجموع التراب المغربي تحت راية الدولة العلوية.

ومن أوفى النصوص التاريخية التي تختصر أحداث هذا القرن ما جاء في رسالة السلطان المولى إسماعيل بن الشريف إلى علماء المشرق. حيث قال:

«وحين جاء الله بنا لهذا المغرب

(1)

، وولانا أمره، وأقامنا فيه بمحض فضله واختياره؛ جئناه على حين فترة من الملوك، ووجدناه فارغا من الجيش

(1)

هذه إشارة إلى قدوم جد المولى إسماعيل مولاي الحسن بن قاسم من بنبوع النخل بالحجاز إلى سجلماسة أوائل المائة السابعة بدعوة من أهلها وقد قسم الشيخ عبد القادر الفاسي شرفاء المغرب بحسب القوة والضعف إلى خمسة أقسام، الأول المتفق على صحته، ومثّله بجملة من الأسر في طليعتهم السادة السجلماسيون.

ص: 10

والعيش؛ وخفيف العمارة، بعيد العهد بالخلافة والإمارة. فبسبب تلك الفترة التي اعترته، ودامت فيه نحو الثمانين سنة، حتى تنوسي فيها أمور المملكة وسياستها، واضمحلت فيها الأوضاع الملكية وتوالت فتن وأوجاع وهرج كثير لا أعاد الله ذلك على المسلمين. فصرنا نحن - حيث أقامنا الله، ونصبنا لهذا المنصب المبارك، المحفوف بالخير المتدارك - نبتدئ السيرة والطريقة من أولها، ونعقدها من أصلها»

(1)

.

فقد توالدت الحروب بين أبناء أحمد المنصور الذهبي وأبنائهم حتى صار ملكهم الذي كان يمتد من البحر الأبيض المتوسط إلى أقاصي الصحراء الإفريقية الكبرى مجرد إمارة صغيرة في حدود أسوار مدينة مراكش.

وافتقد الناس الأمن على أنفسهم وأموالهم في الحواضر والبوادي.

وسقطت كثير من الثغور في أيدي الإمبريالية الأوربية. وتردت الأحوال الاقتصادية والاجتماعية إلى درك سحيق.

وقد تأثرت الحواضر والبوادي بحالة التمزق في السلطة، والحروب المستمرة بين طلابها من وجوه :

أحدها : فقد الأمن الذي كان في حد ذاته من أهم أسباب المعاناة التي عاشها الناس، فقد انتشرت أعمال السلب والنهب والقتل من غير رادع.

(1)

كتاب «الفقيه أبو علي اليوسي : نموذج من الفكر المغربي في فجر الدولة العلوية» للدكتور الوزير عبد الكبير العلوي المدغري : ص 42، عن مخطوط الرسالة بالخزانة الملكية برقم 3984.

ص: 11

ثانيها : ما يتولد عن فقد الأمن من انقطاع الطرق مما عاق الحركة التجارية وأنواع الصناعات التي تمدها. ومن أهم ذلك التجارة عبر الصحراء التي كانت إلى عهد قريب الشريان الأكبر للازدهار الاقتصادي في عهد المنصور. وقد تحولت هذه التجارة ذاتها عبر الطريق البحري لصالح الأوربيين، وساعدهم على انتظامها وتدفق خيراتها تمركزهم بالشواطئ المغربية، مما أمد سفنهم بمرافئ ومحطات للتزود باحتياجاتهم وتأمين رحلاتهم.

ثالثها : تعطل الفلاحة بسبب تجنيد الرجال في الحروب الدائرة، وإهمال المزارع. وهو من الأسباب التي أدت إلى مجاعات متكررة.

وقد نبتت في هذا المناخ نوابت لم يعد ما يمنع من ظهورها : كترؤس ابن مشعل اليهودي بتازة؛ وظهور طائفة العكاكزة

(1)

المارقة عن الدين؛ وادعاء ابن محلي المهدوية. . . .

وتحركت في المقابل جهود المصلحين ممن تأهل للرئاسة وتوفرت فيه شروطها : فنهض بجبال الأطلس محمد الحاج الدلائي؛ وبالجنوب سيدي محمد ابن الشريف؛ وبالغرب المجاهد أبو عبد الله العياشي؛ كل على حدته.

وإلى جوار هذه الزعامات الثلاث الكبرى كانت هنالك إمارات صغيرة متفرقة كبقايا دولة السعديين بمراكش، وإمارة أبي حسون السملالي

(1)

كتب بشأنهم الفقيه العلامة أبو الحسن اليوسي رسالة إلى المولى إسماعيل يستدل فيها على كفرهم، ومما جاء فيها :«. . . ومن ذلك ما ارتكبوه من رفض المأمورات من الصلاة والصيام والضحية ونحوها، واقتحام المنهيات كالزنا وأكل الميتة وقتل المسلمين ونهب أموالهم ونحو ذلك» (رسائل أبي علي الحسن اليوسي : 1/ 280).

ص: 12

في سوس، وأبي محمد عبد الله أعراس في الريف، وأحمد النقسيس في تطوان، والخضر غيلان بالفحص.

وظهر في خضم هذه الأحداث والصراعات أحد القواد البارزين في التاريخ المغربي، وهو المولى الرشيد الأخ الأصغر لمولاي الشريف. وقد انعقد النصر برايته حتى وحد الدولة المغربية تحت إمرته. وكان أبرز انتصاراته هو نصره على الدلائيين سنة 1079 هـ، ثم تداعت الإمارات الصغيرة المتعددة بأنحاء المغرب بعد ذلك أمام جيوشه. ولكن المنية لم تمهله حيث توفي سنة 1082 هـ وبويع بالخلافة من بعده لأخيه المولى إسماعيل.

وواجهت المولى إسماعيل مهام لا تقل شأنا عما مهده أخوه من أمر الملك. فقد تصور كثير ممن انهزم بين يدي أخيه المولى الرشيد أنهم قد ينالون منه ما لم يستطيعوا من أخيه. كما واجهته صراعات عائلية على السلطة عانى منها مثل ما عاناه من غيرها.

وواجهته في أثناء ذلك مهام كبرى أبلى فيها أحسن البلاء منها مهمة استرداد الثغور من يد الأجانب، ومهمة تأمين البلاد، ومهمة صياغة نظام مالي وإداري محكم للدولة، ومهمة تكوين جيش نظامي، وغيرها من المهام. . . .

ص: 13