الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
البيئات الثلاث للمصنف والشارح
الأولى: عصر المصنف والشارح:
ما بين ولادة المصنف في 2 رمضان 1007 هـ الموافق 29 مارس 1599 م إلى وفاة الشارح في 19 ربيع الثاني 1113 هـ الموافق 23 سبتمبر 1701 م زهاء قرن من الزمان. هو جملة القرن السابع عشر الميلادي والحادي عشر الهجري مع طرف من بداية الثاني عشر.
وقد شهد مطلع هذا القرن بقية من عهد الاستقرار والرخاء الذي عرفه المغرب أيام المنصور الذهبي. ثم استغرقت معظمه أي زهاء ثمانية عقود منه، فتن متلاحقة، ومخاض طويل. ولكننا لا نكاد نصل إلى العقود الأخيرة من هذا القرن حتى نشهد انتهاء ذلك العهد العصيب، وتوحيد مجموع التراب المغربي تحت راية الدولة العلوية.
ومن أوفى النصوص التاريخية التي تختصر أحداث هذا القرن ما جاء في رسالة السلطان المولى إسماعيل بن الشريف إلى علماء المشرق. حيث قال:
«وحين جاء الله بنا لهذا المغرب
(1)
، وولانا أمره، وأقامنا فيه بمحض فضله واختياره؛ جئناه على حين فترة من الملوك، ووجدناه فارغا من الجيش
(1)
هذه إشارة إلى قدوم جد المولى إسماعيل مولاي الحسن بن قاسم من بنبوع النخل بالحجاز إلى سجلماسة أوائل المائة السابعة بدعوة من أهلها وقد قسم الشيخ عبد القادر الفاسي شرفاء المغرب بحسب القوة والضعف إلى خمسة أقسام، الأول المتفق على صحته، ومثّله بجملة من الأسر في طليعتهم السادة السجلماسيون.
والعيش؛ وخفيف العمارة، بعيد العهد بالخلافة والإمارة. فبسبب تلك الفترة التي اعترته، ودامت فيه نحو الثمانين سنة، حتى تنوسي فيها أمور المملكة وسياستها، واضمحلت فيها الأوضاع الملكية وتوالت فتن وأوجاع وهرج كثير لا أعاد الله ذلك على المسلمين. فصرنا نحن - حيث أقامنا الله، ونصبنا لهذا المنصب المبارك، المحفوف بالخير المتدارك - نبتدئ السيرة والطريقة من أولها، ونعقدها من أصلها»
(1)
.
فقد توالدت الحروب بين أبناء أحمد المنصور الذهبي وأبنائهم حتى صار ملكهم الذي كان يمتد من البحر الأبيض المتوسط إلى أقاصي الصحراء الإفريقية الكبرى مجرد إمارة صغيرة في حدود أسوار مدينة مراكش.
وافتقد الناس الأمن على أنفسهم وأموالهم في الحواضر والبوادي.
وسقطت كثير من الثغور في أيدي الإمبريالية الأوربية. وتردت الأحوال الاقتصادية والاجتماعية إلى درك سحيق.
وقد تأثرت الحواضر والبوادي بحالة التمزق في السلطة، والحروب المستمرة بين طلابها من وجوه :
أحدها : فقد الأمن الذي كان في حد ذاته من أهم أسباب المعاناة التي عاشها الناس، فقد انتشرت أعمال السلب والنهب والقتل من غير رادع.
(1)
كتاب «الفقيه أبو علي اليوسي : نموذج من الفكر المغربي في فجر الدولة العلوية» للدكتور الوزير عبد الكبير العلوي المدغري : ص 42، عن مخطوط الرسالة بالخزانة الملكية برقم 3984.
ثانيها : ما يتولد عن فقد الأمن من انقطاع الطرق مما عاق الحركة التجارية وأنواع الصناعات التي تمدها. ومن أهم ذلك التجارة عبر الصحراء التي كانت إلى عهد قريب الشريان الأكبر للازدهار الاقتصادي في عهد المنصور. وقد تحولت هذه التجارة ذاتها عبر الطريق البحري لصالح الأوربيين، وساعدهم على انتظامها وتدفق خيراتها تمركزهم بالشواطئ المغربية، مما أمد سفنهم بمرافئ ومحطات للتزود باحتياجاتهم وتأمين رحلاتهم.
ثالثها : تعطل الفلاحة بسبب تجنيد الرجال في الحروب الدائرة، وإهمال المزارع. وهو من الأسباب التي أدت إلى مجاعات متكررة.
وقد نبتت في هذا المناخ نوابت لم يعد ما يمنع من ظهورها : كترؤس ابن مشعل اليهودي بتازة؛ وظهور طائفة العكاكزة
(1)
المارقة عن الدين؛ وادعاء ابن محلي المهدوية. . . .
وتحركت في المقابل جهود المصلحين ممن تأهل للرئاسة وتوفرت فيه شروطها : فنهض بجبال الأطلس محمد الحاج الدلائي؛ وبالجنوب سيدي محمد ابن الشريف؛ وبالغرب المجاهد أبو عبد الله العياشي؛ كل على حدته.
وإلى جوار هذه الزعامات الثلاث الكبرى كانت هنالك إمارات صغيرة متفرقة كبقايا دولة السعديين بمراكش، وإمارة أبي حسون السملالي
(1)
كتب بشأنهم الفقيه العلامة أبو الحسن اليوسي رسالة إلى المولى إسماعيل يستدل فيها على كفرهم، ومما جاء فيها :«. . . ومن ذلك ما ارتكبوه من رفض المأمورات من الصلاة والصيام والضحية ونحوها، واقتحام المنهيات كالزنا وأكل الميتة وقتل المسلمين ونهب أموالهم ونحو ذلك» (رسائل أبي علي الحسن اليوسي : 1/ 280).
في سوس، وأبي محمد عبد الله أعراس في الريف، وأحمد النقسيس في تطوان، والخضر غيلان بالفحص.
وظهر في خضم هذه الأحداث والصراعات أحد القواد البارزين في التاريخ المغربي، وهو المولى الرشيد الأخ الأصغر لمولاي الشريف. وقد انعقد النصر برايته حتى وحد الدولة المغربية تحت إمرته. وكان أبرز انتصاراته هو نصره على الدلائيين سنة 1079 هـ، ثم تداعت الإمارات الصغيرة المتعددة بأنحاء المغرب بعد ذلك أمام جيوشه. ولكن المنية لم تمهله حيث توفي سنة 1082 هـ وبويع بالخلافة من بعده لأخيه المولى إسماعيل.
وواجهت المولى إسماعيل مهام لا تقل شأنا عما مهده أخوه من أمر الملك. فقد تصور كثير ممن انهزم بين يدي أخيه المولى الرشيد أنهم قد ينالون منه ما لم يستطيعوا من أخيه. كما واجهته صراعات عائلية على السلطة عانى منها مثل ما عاناه من غيرها.
وواجهته في أثناء ذلك مهام كبرى أبلى فيها أحسن البلاء منها مهمة استرداد الثغور من يد الأجانب، ومهمة تأمين البلاد، ومهمة صياغة نظام مالي وإداري محكم للدولة، ومهمة تكوين جيش نظامي، وغيرها من المهام. . . .