الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
648 - " بَابُ إِذَا بَاعَ الثِّمَارَ قَبْلَ أنْ يبدُوَ صَلَاحُهَا ثُمَّ أصَابَتْهَا عَاهَةٌ فَهُوَ مِنَ الْبَائِعِ
"
748 -
عَنْ أنَس رضي الله عنه قَالَ:
" نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْع الثِّمَارِ حتَّى تُزْهِيَ، قِيلَ: وَمَا تُزْهِي، قَالَ: حَتَّى تَحْمَرَّ، أرَأيْتَ إِنْ مَنَعَ اللهُ الثَّمَرَةَ بِمَ يَأخُذُ أحَدُكُمْ مَالَ أخِيهِ؟ ".
ــ
الحديث على ظاهره فأجازوا بيع الرطب على النخل بالرطب على الأرض، قال القسطلاني: وهو وجه عند الشافعية وقد روى النسائي والطبراني من طريق الأوزاعي عن الزهري ما يؤيّد أن " أو" للتمييز لا للشك حيث قال: بالرطب أو بالتمر. والمطابقة: في قوله: " ولا تبيعوا الثَّمرَ بالتمر " أي الرطب بالتمر.
648 -
" باب إذا باع الثمار قبل أن يبدو صلاحها ثم أصابته عاهة فهو مِنَ البائع "
748 -
معنى الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهانا عن بيع الثمار التي على رؤوس النخل منفردة وحدها عن النخل حتى تنضج، ويظهر صلاحه صلى الله عليه وسلم، وهو معنى قوله:" حتى تُزْهي " قال الخليل: أزهى النخل بدا صلاحه، وفي رواية تزهو، وصوّبها بعضهم، وأنكر الياء، وصوب الخطابي الياء، ونفى تزهو بالواو، وقال ابن الأثير: والصواب الروايتان على اللغتين، يقال: زها يزهو إذا ظهرت ثمرته وأزهى يزهي إذا احمرّ واصفرّ كما جاء تفسيره بذلك في حديث الباب حيث قال: " فقيل لى: يا رسول الله وما تزهي؟ فقال:
حتى تحمرّ " وفي رواية " أو تصفَرّ "، لأنه إذا احمرت أو اصفرت كان ذلك علامة على تمام نضوجها ثم بين أن العلة الشرعية في تحريم بيع الثمار قبل نضوجها
هي ما يحتوي عليه هذا البيع من الضرر والمخاطرة، لأنها قد تتلف الثمرة فيخسر المشتري، فيؤدي ذلك إلي أكل أموال الناس بالباطل لاحتمال حدوث العاهة قبل أخذها " فقال صلى الله عليه وسلم: أرأيت إذا منع الله الثمرة بم يأخذ أحدكم مال أخيه " " والمعنى " أنه إنما نهى صلى الله عليه وسلم عن هذا البيع لأنه لا ينبغي لأحد أن يأخذ مال أخيه باطلاً، وبيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها قد يؤدي إلى ذلك، لأنه إذا تلفت الثمرة لا يبقى للمشتري في مقابل ما دفعه شيء. قال القسطلاني: واختلف في هذه الجملة هل هي مرفوعة (1) أو موقوفة فصرح مالك بالرفع، حيث قال في " الموطأ ": وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أرأيت إذا منع الله الثمرة فبم يأخذ أحدكم مال أخيه " وقال الدارقطني: خالف مالكاً جماعة، منهم ابن المبارك يعني فقالوا إنها موقوفة على أنس رضي الله عنه، قال الحافظ: وليس في رواية الذي وقفه ما ينفي قولَ من رفعه. الحديث: أخرجه الشيخان.
فقه الحديث: دل هذا الحديث على ما يأتي: أولاً: تحريم بيع الثمر قبل أن يبدو صلاحه والحديث صريح في ثمار النخل، حيث نهى عن بيعها حتى تزهي أي حتى تحمرّ أو تصفرّ، ويتم نضجها، ويظهر صلاحها، وكذلك الحكم في بيع العنب والحبوب، لما جاء في حديث أنس " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع العنب حتى يسودّ، وعن بيع الحب حتى يشتد " أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجة. ويعرف صلاح البلح بالاحمرار والاصفرار وصلاح العنب بظهور الماء الحلو اللين والسواد في بعضه والاصفرار في البعض الآخر، وصلاح الحبوب ببياضها واشتدادها وصلاح الفواكه بطيب الأكل، قال الترمذي: والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم، كرهوا بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها، قال الزرقاني: وبه قال الجمهور:
(1) أي اختلفوا هل هي مرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو أنها موقوفة على أنس رضي الله عنه.
أما حكم هذا البيع من حيث الصحة والفساد فقد قال ابن قدامة: لا يخلو بيع الثمرة قبل بدو صلاحها من ثلاثة أقسام. أحدها: أن يشتريها بشرط التبقية فلا يصح البيع إجماعاً، لأنّ النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها والنهى يقتضي فساد المنهي عنه. الثاني: أن يبيعها بشرط القطع في الحال، فيصح بالإِجماع، لأن المنع إنما كان خوفاً من تلف الثمرة، وحدوث العاهة عليها قبل أخذها. والثالث: أن يبيعها مطلقاً ولم يشترطا قطعاً ولا تبقية فالبيع باطل عند الحنابلة وبه قال مالك والشافعي، وأجازه أبو حنيفة، لأن إطلاق العقد يقتضي القطع، فهو كما لو اشترطه. اهـ. والمراد ببيع الثمار قبل بدو صلاحها الذي تجري فيه هذه الأحكام هو بيعها لغير مالك الأصل، أما بيعها مع الأصل فإنه يجوز في جميع الأحوال إجماعاً. فإن اشترى ثمرة قبل بدو صلاحها: بشرط القطع، ثم أبقاها حتى بدا صلاحها فالبيع صحيح عند أكثر الفقهاء، وهو رواية عن أحمد. ثانياًًً: استدل ابن شهاب الزهري بهذا الحديث على أنه إذا باع البائع الثمرة منفردة عن الأصل قبل أن يبدو صلاحها، فأصابتها جائحة يعني عاهة (1) فأهلكتها كانت في ضمان البائع، فعليه أن يعوّض المشتري عما تلف من الثمرة، وفي هذا يقول الزهري كما رواه عنه البخاري:" ولو أن رجلاً ابتاع تمراً قبل أن يبدو صلاحه ثم أصابته عاهة كان ما أصابه على ربه " أي كان ذلك التلف محسوباً على مالك الثمرة " وهو البائع، والظاهر أن هذا هو مذهب البخاري. أمّا مذهب الفقهاء في هذه المسألة فقد قال ابن قدامة: " ما تهلكه الجائحة من الثمار من ضمان البائع " وبهذا قال أكثر أهل المدينة، منهم يحيى بن سعيد الأنصاري، ومالك وأبو عبيد وجماعة من أهل الحديث. وقال أبو حنيفة والشافعي في الجديد: هو من ضمان المشتري لما روي أنّ امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت:
(1) أي من ضمانه مطلقاً، سواء كان المبيع قبل نضوج الثمرة أو بعده.