الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
478 - " بَابُ الاسْتِعْفَافِ عن الْمَسْألَةِ
"
562 -
عَنْ أبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه:
أنَّ ناساً من الأنْصَارِ سَألوا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فأعْطَاهُمْ، ثمَّ سَألوهُ فأعْطَاهُمْ، ثُمَّ سَألوهُ فَأعْطَاهُمْ حَتَّى نَفِدَ مَا عِنْدَهُ، فَقَالَ: " مَا يَكُونُ عِنْدِي من خَيْرٍ فَلَنْ أدَّخِرَهُ عَنْكُمْ، ومن يَسْتَعْفِفُ يعفَّهُ اللهُ، ومن يَستَغْن
ــ
فقه الحديث: دل هذا الحديث على ما يأتي: أولاً: قال الحافظ: واسْتُدل بهذا الحديث على جواز دفع المرأة زكاتها إلى زوجها، وهو قول الشافعي والثوري وصاحبي أبي حنيفة وإحدى الروايتين عن مالك وعن أحمد. اهـ.
وقال مالك: إن كان يستعين بما يأخذه على نفقتها فلا يجوز. ثانياًً: جواز إعطاء الصدقة للأيتام في الحجر لما فيه من أجر القرابة، وأجر الصدقة كما جاء في الحديث. ثالثاً: جواز الزكاة على الأقارب الذين لا تلزمه نفقتهم، واستحباب ذلك شرعاً لما فيه من الصدقة والصلة معاً، ولهذا ترجم البخاري في باب آخر بقوله:" باب الزكاة على الأقارب ". الحديث: أخرجه الشيخان والنسائي. والمطابقة: في كون امرأة ابن مسعود لما قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: أتجزىء عنّي أن أنفق على زوجي وأيتام في حجري قال: نعم " إلخ.
478 -
" باب الاستعفاف في المسألة "
562 -
معنى الحديث: يحدثنا أبو سعيد رضي الله عنه: " أن ناساً من الأنصار سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاهم، ثم سألوه فأعطاهم، ثم سألوه فأعطاهم حتى نفد ما عنده " بكسر الفاء أي حتى انتهى ما عنده من المال، " فقال: ما يكون عندي من خير فلن أدخره عنكم " أي إنّي لا أمنع عنكم شيئاً من المال يكون عندي فأحتفظ به لغيركم، ثم حثهم على القناعة والتعفف
يُغْنِهِ اللهُ، ومَنْ يَتَصَبَّرَ يُصَبِّرهْ اللهُ، وَمَا أُعْطِيَ أحَدٌ عَطَاءً خَيْرَاً وأوْسَعَ من الصَّبْرِ".
ــ
عن السؤال وطرق الأسباب المشروعة لكسب المال، فقال:" ومن يستعفف يعفه الله " أي ومن يكف نفسه عن السؤال مرة بعد أخرى يمنحه الله العفة، ويجعلها طبيعة له راسخة في نفسه، فيأنف السؤال، ويكرهه بطبيعته، "ومن يستغن يغنه الله " أي ومن يعمل ويسعى ويطرق أسباب الكسب الشريف يهيىء الله تعالى له أسباب الغنى ويغنيه عن الناس "ومن يتصبّر يصبره الله" أي ومن يعود نفسه على الصبر مرة بعد أخرى يمنحه الله إياه حتى يصبح طبيعة له " وما أعطي أحدٌ عطاءً خيراً وأوْسَعَ من الصبر " أي ما أعطى الله أحداً نعمة ولا خلقاً كريماً أفضل ولا أوسع من الصبر، لأنه يتسع لكل الفضائل، فكلها تصدر عنه، وتعتمد عليه من عفة، وشجاعة، وعزيمة، وإرادة، وإباء، وغيرها. الحديث: أخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي.
فقه الحديث: دل هذا الحديث على ما يأتي: أولاً: الترغيب في التعفف عن السؤال، لما فيه من إراقة ماء الوجه، وإهدار كرامة الإِنسان، فلا يجوز إلّا لحاجة ماسّة على قدر الكفاية عند العجز عن السعي، قال صلى الله عليه وسلم:" لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مِرَّةٍ سَوِي ". ثانياًً: أن الأخلاق الكريمة يمكن اكتسابها والوصول إليها عن طريق التعود عليها كما قال صلى الله عليه وسلم: " ومن يستعف يعفه الله ". والمطابقة: في قوله: " ومن يستعف يعفه الله ".
***
563 -
عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه:
أنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لأنْ يأخُذَ أحدُكُمْ حَبْلَهُ فَيَحْتَطِبَ عَلَى ظَهْرِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أنْ يَأتِيَ رَجُلاً فَيَسْألهُ أعْطَاهُ أو مَنَعَهُ ".
ــ
563 -
معنى الحديث: يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده" أي يقسم النبي صلى الله عليه وسلم بالله الذي روحه بيده على أن العمل مهما يكن نوعه فهو أفضل من سؤال الناس وإراقة ماء الوجه لهم، وأنه مهما يكن شاقّاً عنيفاً فهو أرحم من مذلّة السؤال " لأن يأخذ أحدكم حبله فيحتطب خير له من أن يأتي رجلاً فيسأله أعطاه أو منعه " أي لأن يذهب إلى الغابة فيقتطع الحطب من أشجاره، ويجمعه ويحمله على ظهره حتى يأتي السوق فيبيعه فيه، " خير له "، أي أشرف وأكرم وأرحم له من أن يمد يده لغيره، سواء أعطاه أو منعه، فإن منعه فقد كسر نفسه، وإن أعطاه فقد منّ عليه، وقد قال الشاعر:
لَحَمْل الصَخْرِ مِنْ قِمَمِ الجِبَالِ
…
أحبُّ إِلَيَّ مِنْ مِنَنِ الرجَالِ
فقه الحديث: دل هذا الحديث على ما يأتي: أولاً: الترغيب في السعي والعمل وطرق الأسباب المشروعة لكسب الرزق بشرف وكرامة وعزّة نفسٍ، وليس في الإِسلام مهنة وضيعة إلَّا فيما حرمه الشرع كالمخدرات والقمار، والتسول إلَّا لضرورة. ثانياًًً: محاربة الإِسلام للتسول والبطالة، ولذلك أوجب السعي والعمل، ولو كان شاقاً " كالاحتطاب " مثلاً. ثالثاً: أن الفقير القادر على الكسب لا تحل له الزكاة، لأنّ النبي صلى الله عليه وسلم دعاه في هذا الحديث إلى العمل، ولقوله تعالى:(فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ) وهو مذهب الجمهور وقد نص الشافعية والحنابلة على أنّه لا تجوز الزكاة لقادر على الكسب، وكذلك المالكية، واستثنى الفقهاء من ذلك "القادر على العمل
564 -
عَنْ حكيم بْنِ حِزَامٍ رضي الله عنه قَالَ: سَألتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فأعْطَانِي، ثُمَّ سَألتُهُ فأعْطَانِي، ثُمَّ سَألتُهُ فَأعطَانِي، ثُمَّ قَالَ:" يَا حَكِيمُ إنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ، فَمَنْ أخَذَهُ بسَخَاوَةِ نَفْسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ، وَمَنْ أَخَذَهُ بِإِشْرَافِ نَفْسٍ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ، وَكَانَ كَالَّذِي يأكُلُ وَلَا يَشْبَعُ، واليَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى " قَالَ حَكِيمُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ والَّذِي بَعَثَكَ بالْحَقِّ لا أرزَأُ احَداً بَعْدَكَ شَيْئَاً حَتَّى أفَارِقَ
ــ
إذا لم يجد من يستعمله" أو طالب العلم إذا تفرغ له. الحديث: أخرجه الشيخان والترمذي والنسائي. والمطابقة: في قوله: " يأخذ أحدكم حبله فيحتطب على ظهره خير له ".
564 -
معنى الحديث: يقول حكيم رضي الله عنه: " سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاني ثم سألته فأعطاني، ثم سألته فأعطاني، ثم قال: يا حكيم إن هذا المال خضرة " بفتح الخاء وكسر الضاد " حلوة " أي شيء محبوب مرغوب ترغبه النفس وتحرص عليه بطبيعتها، كما تُحَبُّ الفاكهة النضرة، الشهية المنظر، الحلوة المذاق " فمن أخذه بسخاوة نفس " أي فمن حصل عليه عن طيب نفس، وبدون إلحاح وشره " بورك له فيه " أي وضع الله له فيه البركة فينمو ويتكاثر، وإن كان قليلاً، ورزق صاحبه القناعة، فأصبح غنيَّ النفس، مرتاح القلب، وعاش به سعيداً، " ومن أخذه بإشرافِ نفس " أي بإلحاح وشره وبدون طيب نفس " لم يبارك له فيه " أي نزع الله منه البركة، وسلب صاحبه القناعة، فأصبح فقير النفس دائماً ولو أعطي كنوز الأرض، " وكان كالذي يأكل ولا يشبع "، أي كالملهوف الذي لا يشبع من الطعام مهما يأكل منه. " اليد العليا خير من اليد السفلى " أي: اليد المتعففة خير من اليد السائلة لأنّها قد تعالت وترفعت بنفسها عن ذل السؤال، على عكس الأخرى
الدُّنْيَا، فَكَانَ أبُو بكرٍ رضي الله عنه يَدْعُو حَكِيماً إلى الْعَطَاءِ، فَيَأبَى أنْ يَقبَلَهُ مِنْهُ، ثُمَّ إِنَّ عُمَرَ رضي الله عنه دَعَاهُ لِيُعْطِيَهُ فأبَى أنْ يَقْبَلَ مِنْهُ شَيْئَاً، فَقَالَ عُمَرُ: إِنِّي أُشْهِدُكُمْ يا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ على حَكِيمٍ أَنِّي أَعْرِضُ عَلَيْه حَقَّهُ مِنْ هَذَا الفَيْءِ فَيَأبَى أنْ يَأخُذَهُ، فَلَمْ يَرْزَأ حَكِيم أحَداً مِنَ النَّاسِ بَعْدَ رَسُولَ اللهَ صلى الله عليه وسلم حَتَّى تُوُفِّيَ ".
ــ
التي حطت من قدر نفسها وكرامتها بما عرضت له نفسها من المذلة. " فقلت لا أرزأ أحداً بعدك " أي لا أسأل أحداً شيئاً بعدك " فكان أبو بكر يدعوه إلى العطاء فيأبى أن يقبل منه " فلا يأخذ منه شيئاً، ثم إن عمر دعاه ليعطيه فأبى أن يقبل منه شيئاً، فقال عمر:" إني أشهدكم يا معشر المسلمين على حكيم: أني أعرض عليه حقه من هذا الفيء فيأبى أن يأخذه " قال العيني: وإنما أشهد عمر على حكيم لأنه خشي سوء التأويل فأراد تبرئة ساحته بالإِشهاد عليه. الحديث: أخرجه الشيخان والترمذي والنسائي.
فقه الحديث: دل هذا الحديث على ما يأتي: أولاً: الترغيب في الاستعفاف عن السؤال والقناعة والرضا بالقليل، وأن اليد العفيفة المتعففة خير عند الله من اليد السائلة، لأنّها يد عليا صانت نفسها عن ذل السؤال. وهو ما ترجم له البخاري. ثانياًًً: أن من أخذ المال من طرقه المشروعة عن سماحة نفس وقنع بما أعطاه الله منه بارك الله له فيه، وجعل له القليل كثيراً، والعكس بالعكس. ثالثاً: أن سؤال السلطان لا عار فيه كما قال المهلب. والمطابقة: في قوله: " اليد العليا خير من اليد السفلى " لأن المراد باليد العليا اليد المتعففة.
***