الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
"
كتابُ السَّلَمِ
"
655 - " بَابُ بَيْعِ السَّلَمِ في كَيْل مَعْلُومٍ
"
755 -
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ:
قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ والنَّاسُ يُسْلِفُونَ في التَّمْرِ السَنّتيْنِ والثَّلَاثَ فَقَالَ: " مَنْ أسْلَفَ في شَيْءٍ ففِي كيْل مَعْلُومٍ، وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إلى أجَلِ مَعْلُوم ".
ــ
" كتاب السلم "
السلم بفتح السين واللام معناه لغة: تسليم رأس المال في مجلس البيع، ويسمى سلفاً أيضاًً، إلاّ أن السلف لغة أهل العراق، والسلم لغة أهل الحجاز، أما السلم شرعاً فهو بيع شيء مؤجل موصوف في الذمة بثمن معجّل مقبوض في مجلس العقد كبيع عشرين أردباً من القمح مؤجلة، إلى عام أو عامين بأربعة آلاف معجلة نقداً في مجلس العقد، وهو بيع شرعه الإِسلام لمنفعة البائع بتوسعه في الثمن ومنفعة المشتري بشراء السلعة بأقل من قيمتها الحاضرة.
655 -
" باب بيع السلم في كَيْل معلوم "
755 -
معنى الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة وجد الأنصار يتعاملون بالسلم، فيبيعون التمر مؤجلاً إلى عام أو عامين أو ثلاثة أعوام بثمن معجل مقبوض حالاً في مجلس العقد، فأقرهم صلى الله عليه وسلم على بيع السلم
-هذا- لما فيه للمتبايعين من مصلحة ظاهرة، ولكنه ضبطه بشروط معينة فقال صلى الله عليه وسلم:" من أسلف في شيء " أي من اشترى شيئاً من تمر أو بُرّ أو شعير مؤجلاً إلى عام أو عامين بثمن حاضر مقبوض في مجلس العقد، " فيسلف في كيل معلوم، ووزن معلوم، إلى أجل معلوم "، أي فليكن الشيء الذي اشتراه شيئاً معيناً، معلوم المقدار، محدود الكمية كيلاً ووزناً، مضبوطاً بأجل معلوم، ومدة معينة معروفة محددة كسنة أو سنتين مثلاً، لا بأجل مجهول المدة غير محدد الزمن.
فقه الحديث: دل هذا الحديث على ما يأتي: أولاً: جواز بيع السلم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقر أهل المدينة عليه، وضبطه لهم بشروط معينة، وهو ما ترجم له البخاري. ثانياًً: أنه يشترط في صحة السلم شروطاً لا بد منها:
الأول: أن يكون المبيع محدود الكمية، معلوم المقدار كيلاً أو وزناً أو ذرعاً أو عدداً، فلا يصح السلم في مجهول القدر، لما فيه من الغرر والضرر، وفتح باب النزاع والشقاق. الثاني: أن يكون المبيع مؤجلاً أجلاً معلوماً مؤقتاً بفترة معينة وزمن محدود لا يختلف، لقوله صلى الله عليه وسلم " إلى أجل معلوم " فإذا كان مما يختلف كالجذاذ والحصاد، فلا يجوز، وهو قول أحمد والشافعي وأبي حنيفة، وقال أحمد في رواية: أرجو أن لا يكون به بأس، وهو مذهب مالك وأبي ثور. قال ابن قدامة:(1) ولنا ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنّه قال: لا تبايعوا إلى الحصاد والدياس، ولا تبايعوا إلاّ إِلى شهر معلوم، واستدل المالكية بما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت:" إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلى يهودي أن ابعث إليَّ بثوبين إلى الميسرة " ولكن قال أحمد: رواه (حربي) بن عمارة وفيه (غفلة) وهو صدوق. الثالث: أن يقبض الثمن فوراً في مجلس العقد لقوله صلى الله عليه وسلم: " فليسلف " والإِسلاف تسليم الثمن مقدماً، وإعطاءه حالاً في مجلس العقد، فإن تفرقا قبل قبض الثمن فالعقد باطل عند
(1)" المغني " ج 4.
أبي حنيفة والشافعي، وقال مالك: يجوز أن يتأخر يومين أو ثلاثاً أو أكثر ما لم يكن ذلك شرطاً. والرابع: أن يكون السلف في الذمة لا في الأعيان، فلا يجوز في ثمرة بستان بعينه، لأنه لا يؤمن من تلفه، قال ابن المنذر: إبطال السلف في ذلك كالإِجماع من أهل العلم. الخامس: أن يكون المبيع مستوفياً لشروط البيع كلها، لأنّ السلم نوع من أنواعه. السادس: أن يكون المبيع مما ينضبط بالصفات التي يختلف الثمن باختلافها، فيصح في الحبوب والثمار والدقيق والثياب والحديد والرصاص والكبريت، وكل مكيل أو موزون أو مزروع أو معدود، قال ابن قدامة: واختلفت الرواية في السلف في الحيوان، فروي: لا يصح السلم فيه، وهو قول الثوري وأصحاب الرأي، قال: وظاهر المذهب يصح السلم فيه، قال ابن المنذر (1): وممن روينا عنه أنه لا بأس بالسلم في الحيوان ابن مسعود وابن عباس وسعيد بن المسيب والأوزاعي والشافعي، وروى عبد الله بن عمرو بن العاص قال:" أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أبتاع البعير بالبعيرين وبالأبعرة إلى مجيء الصدقة ". اهـ. واستدل الحنفية وأهل الكوفة على عدم جوازه بما أخرجه الحاكم في " المستدرك " أنّ (2) النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن السلف في الحيوان "، قال الزيلعي في " نصب الراية ": قال الحاكم: حديث صحيح الإِسناد ولم يخرجاه. إلاّ أن من رواته إسحاق بن إبراهيم، وقد قال فيه ابن حبان: منكر الحديث جداً يأتي عن الثقات بالموضوعات. السابع: أن يضبط المبيع بصفاته التي يختلف الثمن بها ظاهراً من جنس ونوع وجودة ورداءة ولون وبلد، قال ابن قدامة: ولا يجب استقصاء كل الصفات، لأن ذلك متعذر، فيجب الاكتفاء بالأوصاف الظاهرة التي يختلف الثمن بها ظاهراً، فيصف التمر بأربعة أوصاف: النوع برني أو معقلي، والبلد إن كان يختلف، فيقال: بغدادي أو بصري، فإنّ البغدادي أحلى لعذوبة
(1)" المغني " ج 4.
(2)
" تحفة الأحوذي " ج 4.
الماء، وأقل بقاءً، والبصري بخلاف ذلك، والقدر " يعني الحجم " كبار أو صغار، وحديث أو عتيق، فأما اللون، فإن كان النوع الواحد مختلفاً كالطبرز يكون أحمر ويكون أسود ذكره: ثم ذكر أن البُرَّ يوصف بأربعة أوصاف النوع والبلد والحجم وحديث أو عتيق. اهـ. الثامن: قال الصنعاني: واختلفوا أيضاًً في شرطية المكان الذي يسلم فيه فأثبته جماعة، وذهب آخرون إلى عدم اشتراطه، وفصلت الحنفية فقالت: إن كان لحمله مؤونة فيشترط، وإلّا فلا، وقالت الشافعية: إن عقد حيث لا يصح التسليم كالطريق يشترط وإلا فقولان.
هذا وقد اختلفوا هل يشترط في المبيع أن يكون موجوداً عند بائعه حال العقد، فذهب الشافعي ومالك إلى أنّه لا يشترط، واستدلوا بحديث عبد الرحمن بن أبزى " بفتح الهمزة وسكون الباء " قال:" كنا نصيب الغنائم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يأتينا أنباط من أنباط الشام فنستلفهم في الحنطة والشعير والزبيب قيل: أكان لهم زرع؟ قال: ما كنا نسألهم عن ذلك " أخرجه البخاري، قال الصنعاني وهو استدلال بفعل الصحابي أو تركه ولا دليل على أنه صلى الله عليه وسلم علم بذلك، وأقره. قال الصنعاني:(1) ويعارض ذلك حديث ابن عمر عند أبي داود: " ولا تسلفوا في النخل حتى يبدو صلاحه " فإن صح ذلك كان مقيداً لتقريره لأهل المدينة "على سلم السنة والسنتين، وأنه صلى الله عليه وسلم أمرهم أن لا يسلفوا حتى يبدو صلاح النخل، وهذا يؤيد ما ذهب إليه أبو حنيفة من أنه يشترط في المسلم فيه أن يكون موجوداً عند العقد إلى الحلول (2).
الحديث: أخرجه الشيخان وأبو داود والترمذي والنسائي. والمطابقة: في قوله: " فليسلف في كيل معلوم ".
(1)" سبل السلام شرح بلوغ المرام " الصنعاني.
(2)
ولكن هذا الشرط يتنافى مع الغرض الشرعي المقصود من السلم بالنسبة إلى البائع، لأن الشارع إنما شرع السلم لمنفعة مقصودة للبائع، وهي أن يتوسع في الثمن، فإذا كان المبيع موجوداً فلا معنى لتأخير تسليمه ولا فائدة في ذلك، بل المنفعة في أن يبيعه بثمنه الحالي في الأسواق التجارية بدل أن يبيعه بثمن أقل من سعره، والله أعلم.