الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
"
كتابُ الشُّفْعَةِ
"
656 - " بَابُ عَرْض الشُّفْعَةِ عَلَى صَاحِبِهَا قَبلَ الْبيْعِ
"
756 -
عَنْ أبِي رَافِع مَوْلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:
أنَّهُ جَاءَ إِلِى سَعْد بْنِ أبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه فَقالَ لَهُ: ابْتَعْ مِنِّي بَيْتَيَّ في دَارِكَ، فَقَالَ سَعْدُ: وَاللهِ لا أزِيدُكَ على أرْبَعَةِ آلافٍ مُنَجَّمَةٍ أو
ــ
656 -
" باب عرض الشفعة على صاحبها قبل البيع "
الشفعة: مأخوذة من شفع الشيء إذا ضمَّه إليه، لأن صاحبها يضم مال غيره إلى ماله. وهي شرعاً كما قال ابن قدامة: استحقاق الشريك انتزاع حصة شريكه المنتقلة عنه إلى غيره من يد من انتقلت إليه بثمنها، فإذا أراد أحد الشريكين أن يبيع نصيبه، فالذي يقتضيه حسن العشرة أن يبيعه لشريكه، فإذا باعه لأجنبي فقد سلط الشريك على صرف ذلك لنفسه.
756 -
معنى الحديث: أن البخاري يروي بسنده عن أبي رافع " أنه جاء إلى سعد بن أبي وقاص فقال له ابتع مني بيتي في دارك "، أي أن أبا رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم كان يملك غرفتين. في دار سعد بن أبي وقاص، فأراد بيعهما لحاجة عرضت له، فعرضهما على سعد، لأن له حق الشفعة " فقال سعد: والله لا أزيدك على أربعة آلاف منجمة " أي فسامهما منه سعد بأربعة آلاف
مَقَطَّعَةٍ، فَقالَ أبُو رَافِعٍ: لَقَدْ أعْطِيْتُ بِهَا خَمْسَمِائَةِ دينَار ولَوْلا أنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُول: " الْجَارُ أحقُّ بسَقَبِهِ، ما أعطَيْتُكَهَا بأرْبَعَةِ آلافٍ، وَأنا أُعْطى بِهَا خمْسمِائَةِ دينَارٍ، فأَعطَاهَا أيَّاهُ.
ــ
درهم فقط مقسمة على أقساط معينة، وأقسم أن لا يزيده على ذلك " فقال أبو رافع: لقد أُعطيت بها خمسمائة دينار " أي لقد سيمت منّي بأكثر من هذا الثمن حيث أعطيت فيها خمسمائة دينار " ولولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الجار أحق بسقبه " بفتح السين والقاف، ويجوز إبدال السين صاداً وهو القُرب " ما أعطيتكها بأربعة آلاف " يريد أبو رافع أن يقول: لا بد لي من أن أبيعهما لك، ولو بسعر أقل، وإن الذي يدفعني إلى بيعهما لك بأربعة آلاف مع أنني أعطيت فيهما أكثر هو هذا الحديث الذي سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم والذي قرّر فيه حق الجار في شراء نصيب جاره، وتفضيله في البيع على غيره، وتقديمه على سواه، لما بينهما من علاقة قوية وقرابة وثيقة، ولولا ذلك لما بعتها لك بهذا الثمن الأقل.
فقه الحديث: دل هذا الحديث على ما يأتي: أولاً: أنه ينبغي للجار إذا أراد أن يبيع ما يخصه من الأرض أو الدار أن يعرضها على جاره كما فعل أبو رافع، وكذلك الشريك، وهو أولى لقوله صلى الله عليه وسلم " من كان له شريك في حائط فلا يبيع نصيبه من ذلك حتى يعرضه على شريكه " أخرجه الترمذي وقال: هذا حديث ليس إسناده بمتصل، لكن يؤيده ما رواه مسلم في صحيحه حيث قال فيه:" لا يحل له أن يبيع حتى يؤذن شريكه، فإن شاء أخذ، وإن شاء ترك، فإذا باع ولم يؤذنه فهو أحق به ". قال النووي: وهذا محمول عندنا على الندب على إعلامه، وكراهة بيعه قبل إعلامه كراهة تنزيه (1) وليس
(1) أما بالنسبة إلى الجار فيحتمل أن يكون إعلامه بالبيع مستحباً ومندوباً وأن ترك اعلامه مكروه فقط: أما =
بحرام، ويصدق على المكروه أنّه ليس بحلال ويكون الحلال بمعنى المباح، وهو مستوى الطرفين والمكروه ليس بمستوى الطرفين، بل هو راجح الترك. ثانياًًً: إثبات حق الشفعة للجار لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث الباب " الجار أحق بسقبه " وبهذا قال أبو حنيفة ومن وافقه من أهل العلم، وقد وردت في ذلك أحاديث كثيرة، منها حديث الباب، ومنها حديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" جار الدار أحق بالدار " أخرجه النسائي وصححه ابن حبان. وذهب الجمهور إلى أنه لا شفعة للجار، وإنما الشفعة للشريك فقط، قالوا: والمراد بالجار في هذه الأحاديث الشريك (1) ويدل على ذلك حديث أبي رافع، لأنه سمّى الخليط جاراً، والقول بأنه لا يعرف في اللغة تسمية الشريك جاراً غير صحيح. وأجيب بأن أبا رافع لم يكن شريكاً لسعد، وإنما كان جاراً له، لأنه كان يملك بيتين في دار سعد. واستدل الجمهور على أن الجار لا شفعة له بما جاء في حديث جابر رضي الله عنه حيث قال:" قضى رسول الله بالشفعة في كل ما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود، وصرفت الطرق فلا شفعة " متفق عليه، وفي رواية مسلم " الشفعة في كل شرك في أرض أو رَبع " قالوا: وهذه الأحاديث تدل على حصر الشفعة فيما لم يقسم ولم تحدَّد حدوده، ومفهومه أن كل ما قسم وحددت حدوده لا شفعة فيه، والجار داخل في ذلك كما يقول الجمهور. الحديث: أخرجه أيضاًً أبو داود وابن ماجة. والمطابقة: في قوله: " ابتع مني بيتي في دارك ".
…
= بالنسبة إلى الشريك فظاهر الأحاديث يدل على وجوب إعلامه، وأن له حق الشفعة، وأنه أولى من غيره بشراء الحصة التي يراد بيعها، والله أعلم.
(1)
" سبل السلام شرح بلوغ المرام " ج 3.