الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
"
كتابُ الْحَجِّ
"
492 - " بَاب وجُوبِ الْحَجِّ وَفضلِهِ
"
579 -
عَنْ ابْنِ عَبَّاس رضي الله عنهما قَالَ:
كَانَ الْفَضْلُ بْن الْعَبَّاس رَدِيفَ رسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَجَاءَتْ امْرَأةٍ من خَثْعَمَ، فَجَعَلَ الْفَضْلُ يَنْظرٌ إليهَا وتَنْطر إليْهِ، وَجَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَصْرِفُ
ــ
492 -
" باب وجوب الحج وفضله "
أي هذا باب يذكر فيه الأحاديث الدالة على وجوب الحج
…
إلخ. والحج لغة: كما قال الخليل هو " كثرة القصد إلى من تعظمه ". وشرعاً: قصد البلد الحرام لأداء عبادة الطواف والسعي والوقوف بعرفة، وسائر المناسك استجابة لأمر الله تعالى محرِماً بنيّة الحج. والمختار عند الجمهور أنّه شرع في السنة السادسة من الهجرة لأنها هي السنة التي نزل فيها قوله تعالى:(وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) بناءً على أن المراد بالإِتمام " إقامة الحج " ويؤيده قراءة علقمة، ومسروق والنخعي:"وأقيموا الحج والعمرة لله " رواه الطبراني بسند صحيح، ورجح ابن القيم افتراض الحج في السنة التاسعة أو العاشرة (1). أما حكمه وشروطه فسيأتي بيانها.
579 -
معنى الحديث: يقول ابن عباس رضي الله عنهما: "كان
(1) انظر " زاد المعاد " لابن القيم (2/ 101).
وَجْهَ الْفَضْلِ إلى الشِّقِّ الآخَرِ، فَقَالَتْ: يا رَسُولَ اللهِ إنَّ فَرِيضَةَ اللهِ على عِبَادِهِ في الْحَجِّ قَدْ أدْرَكَتْ أبي شَيْخاً كبيراً لا يَثْبُتُ على الرَّاحِلَةِ، أفأحُجُّ عَنْهُ، قَالَ:" نَعَمْ "، وذلِكَ في حَجَّةِ الْوَدَاعِ.
ــ
الفضل بن العباس رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم" أي راكباً خلفه على الدابّة " فجاءت امرأة من خثعم " أي: فجاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم امرأة جميلة من خثعم وهي قبيلة يمنية تسأل رسول الله عن الحج، " فجعل الفضل ينظر إليها " أي ينظر إلى جمالها وحسن صورتها " وتنظر إليه " أي وكانت هي أيضاً تبادله نظرة بنظرة، وتكرر النظر إلى وجهه لوسامته وملاحته وحسن صورته، لأنه رضي الله عنه كان شاباً وسيماً مليح الصورة كما في الرواية الأخرى حيث قال: وكان الفضل رجلاً وضيئاً " وجعل النبي صلى الله عليه وسلم يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر " أي فلما لاحظ النبي صلى الله عليه وسلم عليهما تبادل النظرات صار يدير وجه الفضل إلى الجهة الأخرى، ليكف بصره عن النظر إليها، ولتقلع هي أيضاً عن النظر إليه " فقالت: يا رسول الله إنّ فريضة الله على عباده في الحج قد أدركت أبي شيخاً كبيراً " أي أن الله قد شرع الحج وفرضه على عباده عندما أصبح أبي شيخاً هرماً طاعناً في السن، أو أنه لم تتوفر فيه شروط الحج إلاّ في هذه السن المتأخرة من عمره التي أصبح فيها عاجزاً ضعيف الجسم منهوك القوى، حتى أنه " لا يثبت على الراحلة " أي لا يستقر جسمه على الدابة التي يركبها، ولهذا فقد أصبح عاجزاً عن الحج، " أفأحج عنه؟ " أي هل يجوز أن أنوب عنه في الحج، وهل يجزىء عنه ذلك في حج الفريضة.
وتسقط عنه حجة الإِسلام وتبرأ ذمته منها. " قال: نعم " حُجِّي عنه، فإنه تصح النيابة عنه فِي الفريضة ما دام عاجزاً عنها.
فقه الحديث: دل هذا الحديث على ما يأتي: أولاً: وجوب الحج وكونه
ركناً من أركان الإِسلام لقولها: " إن فريضة الله على عباده " حيث سمّت الحج فريضة وأقرها النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، ولأن الحديث دل على تأكيد الأمر بالحج حتى إن العاجز عنه لعارض بدني من شيخوخة، أو غيرها لا يعذر في تركه، ولا يسقط عنه، كما قال العيني، بل يحج عنه بدليل أن الخثعمية لما قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: أفأحج عنه؟ قال: "نعم " والحج واجب بالكتاب والسنة والإِجماع بشروطه المجمع عليها عند الفقهاء، وهي الإِسلام والبلوغ والعقل والحرية والاستطاعة. وتتحقق الاستطاعة عند الجمهور بثلاثة أمور:
أمن الطريق، والزاد، والراحلة، ومعنى الزاد أن يملك المسلم ما يكفيه ويكفي من يعوله كفاية فاضلة عن حوائجه الأصلية من مسكن وملبس ومركب، أمّا الراحلة فمعناها في عصرنا هذا أن يجد أجرة الطائرة أو السيارة أو الباخرة التي تمكنه من الوصول والعودة. وقال مالك: لا يشترط في الحج الزاد والراحلة، وإنما معنى الاستطاعة عنده القدرة على الوصول راكباً أو ماشياً والتمكن من الحصول على الزاد ولو بالسؤال. والحج واجب في العمر مرة واحدة، لحديث الأقرع بن حابس رضي الله عنه أنه قال: يا رسول الله الحج في كل سنة أو مرّة واحدة؟ قال: " بل مرة واحدة، فمن زاد فهو تطوع " أخرجه أبو داود وابن ماجة والدراقطني والحاكم. ثانياًً: دل الحديث على جواز الاستنابة في حج الفريضة لعجز ميئوس من زواله وهو قول الجمهور وابن حبيب من المالكية، سواء وجب الحج حال صحته أو حال عذره، خلافاً لأبي حنيفة حيث قال: لا تجزىء النيابة عنه إلاّ إذا لزمه الحج حال عذره.
وقال مالك والليث: لا يحج أحد عن أحدٍ إلاّ عن ميت لم يحج حجة الإِسلام (1) لقوله تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ
(1) قال العثماني في " رحمة الأمة ": وتجوز النيابة في حج الفرض عن الميت بالاتفاق، وفي حج التطوع عند أبي حنيفة وأحمد، وللشافعي قولان أصحهما المنع.