الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
683 - " بَابُ مَنْ بَاعَ مَالَ الْمُفْلِس أو الْمُعْدِمِ فقَسَّمَهُ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ وَأعْطَاهُ حَتَّى يُنْفِقَ عَلَى نفْسِهِ
"
783 -
عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ:
أعتَقَ رَجُلٌ غُلاماً لَهُ عنْ دُبُرٍ فَقَالَ النبي صلى الله عليه وسلم: "مَنْ يَشْتَرِيْهِ مِنِّي " فاشْتَرَاهُ نُعَيْمُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، فَأخذَ ثَمَنَهُ فَدَفَعَهُ إلَيْهِ.
ــ
عام في كل من له مال على آخر بقرض أو بيع إن وجد ما له بعينه فهو أحق به، ولا يلزم أن تكون أحاديث البيع مخصصة له كما أفاده الصنعاني. وذهب أبو حنيفة إلى أن من وجده ماله بعينه عند مفلس فهو أسوة بالغرماء مطلقاً.
وذهب الشافعية إلى أن الميت، كالمفلس، فمن وجد ماله بعينه عند ميت فهو أحقُّ به، وفرق المالكية بين الفلس والموت، فقالوا: لا حق في حال الموت.
الحديث: أخرجه الستة. والمطابقة: في كون الترجمة متضمنة لمعنى الحديث.
683 -
" باب من باع مال المفلس أو المعدم فقسمه بين الغرماء وأعطاه حتى ينفق على نفسه "
أي هذا باب في بيان حكم من باع من الحكام مال المفلس ليقسم ثمنه على غرمائه بنسبة ديونهم، وأعطاه منه ما يحتاج إليه يومياً من نفقته ونفقة عياله.
783 -
معنى الحديث: أن رجلاً من الأنصار أعتق عبداً له بعد وفاته، وهو معنى قوله:" عن دُبُر " ثم افتقر وأفلس، وركبته الديون، فعرض النبي صلى الله عليه وسلم غلامه للبيع في طريق المزايدة، حتى رسى على نعيم بن عبد الله، فاشتراه بثمانمائة درهم، كما في رواية أخرى للبخاري، قال جابر:" فأخذ صلى الله عليه وسلم ثمنه فدفعه إليه " أي سلمه إليه ليأخذ منه قدْر نفقته، ويقضي بالباقي
دينه ويقسمه على غرمائه، فقد جاء في رواية النسائي:" أن الرجل كان مديناً، وباع النبي صلى الله عليه وسلم الغلام الذي دبره، فدفعه إليه وقال له: اقض دينك " الحديث: أخرجه أيضاًً النسائي بألفاظ مختلفة.
فقه الحديث: دل هذا الحديث على أن المدين إذا أفلس فإن للحاكم الشرعي أن يبيع ماله، ويقسمه على غرمائه ويعطيه منه قدر نفقته اليومية، كما يفيد هذا الحديث برواياته المختلفة. قال الحافظ: وذهب (1) الجمهور إلى أن من ظهر فلسه فعلى الحاكم الحجر عليه في ماله حتى يبيعه عليه، ويقسمه بين غرمائه على نسبة ديونهم، وخالف الحنفية، واحتجوا بقصة جابر حيث قال في دين أبيه: فلم يعطهم الحائط، قال: ولا حجة فيه، لأنه أخّر القسمة ليحضر فتحصل البركة في الثمرة بحضوره. اهـ. " فإن قلت " ليس في هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قسم المال بنفسه بين الغرماء، وإنما المذكور في الحديث أنّه دفع إليه ماله، فالجواب كما قال العيني: أنه لما أمره صلى الله عليه وسلم بقضاء دينه من ثمنه، فكأنه هو الذي تولى قسمته بين غرمائه، لأن البيع لم يكن إلّا لأجلهم (2). اهـ. ومن الأحاديث الصحيحة الصريحة في الحجر على المفلس وتقسيم ماله على غرمائه ما روي عن كعب بن مالك " أن النبي صلى الله عليه وسلم حجر على معاذ ماله، وباعه في دين كان عليه " رواه الدارقطني (3) وصححه الحاكم وأخرجه أبو داود مرسلاً، ورجح إرساله، قال عبد الحق: المرسل أصح من المتصل، وقال ابن الصلاح: هو حديث ثابت كان ذلك سنة تسع، وجعل لغرمائه خمسة أسباع حقوقهم، فقالوا: يا رسول الله بعه لنا فقال: ليس لكم إليه سبيل. قال الصنعاني: والحديث دليل على أنه يحجر الحاكم على المدين التصرف في ماله ويبيعه عنه لقضاء غرمائه، والقول بأنه حكاية فعل
(1)" فتح الباري " ج 5.
(2)
" شرح العيني " ج 12.
(3)
" سبل السلام " ج 3.
غير صحيح. فإن هذا فعل لا يتم إلاّ بأقوالٍ تصدر عنه صلى الله عليه وسلم يحجر بها تصرفه، وألفاظ يباع بها ماله، وألفاظ يقضى بها غرماؤه، وما كان بهذه المثابة لا يقال إنه حكاية فعل: اهـ. واختلفوا هل يختص الحجر بالمدين المفلس أم أنه يشمل كل مدين لم يقض الدين الذي عليه عند حلول الأجل ولو كان غنياً، فقال الجمهور: يدخل في ذلك الغني إذا ماطل في تسديد الدين، فيبيع الحاكم عليه ماله لينصف منه غريمه أو غرماءه، ومما يدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم:" ليُّ الواجد يحل عرضه وعقوبتهِ " فإنْه يدل على أنه يحجر عليه، ويباع عنه ماله، لأنه داخل تحت مفهوم العقوبة. وقال بعضهم: لا يحجر على المدين إن كان غنياً وإنما يجب حبسه حتى يقضي دينه قالوا: وليس في حجره صلى الله عليه وسلم على معاذاً أي دليل على أنه يحجر - على الغني إذا لم يقض الدين الذي عليه، لأن معاذاً كان في الحقيقة مفلساً لما في رواية أبي داود عن عبد الرحمن بن كعب ابن مالك مرسلاً قال:" وكان معاذ بن جبل رجلاً سخياً، وكان لا يمسك شيئاً، فلم يزل يدان حتى أغرق ماله كله في الدين، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فكلمه ليكلم غرماءه، فباع رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم ماله حتى قام معاذ بغير شيء (1) " وأما قوله صلى الله عليه وسلم " ليُّ الواجد بحل عرضه وعقوبته " فمعناه أن الغني إذا ماطل في قضاء الدين حلت عقوبته بسجنه لا بالحجر عليه. أما كيف يقسم مال المفلس على الغرماء؟ فقد اتفق أهل العلم على أن المفلس الذي له مال لا يفي بديونه يَحْجُرُ الحاكم عليه إذا طلب غرماؤه أو بعضهم ذلك، ويكف يده عن التصرف فيه ويبيع عليه ماله " عند الجمهور "(2) ويقسمه بالحصص على غرمائه الحاضرين المطالبين بحقوقهم الذين حلّت آجالهم فقط، دون الحاضرين الذين لم يطالبوا بحقوقهم، أو الغائبين الذين لم يوكّلوا أحداً عنهم، أو الدائنين
(1)" فقه السنة " ج 2.
(2)
إذا منع عن بيعه بنفسه كما في " فقه السنة " ج 2.
الذين لم تحل آجالهم، كما ذهب إليه أحمد والشافعي، خلافاً لمالك حيث قال: يحل الدين بالحجر وإن لم يحضر أجله. أما الميت المفلس: فإنه يقضي من الموجود من ماله لكل حاضر أو غائب طلب أو لم يطلب، حل أجله أو لم يحل، بعد قضاء حق الله تعالى من زكاة أو كفارة لقوله صلى الله عليه وسلم " فإن دين الله أحقُّ أن يقضى " ولا بد أن يترك الحاكم للمفلس ما يقوم بمعيشته من مسكن يؤويه، ومال يتجر فيه، وآلة حرث، وأجرة خادم، وذهب مالك والشافعي إلى أنه تباع داره في هذه الحالة. وأما البالغ السفيه الذي يسيء التصرف في ماله، ويصرفه فيما لا مصلحة فيه، فقد قال ابن المنذر: أكثر العلماء على أن من بلغ عاقلاً لا يحجر عليه إلا أن يكون مفسداً لماله، فإذا كان كذلك حجر عليه حتى يبلغ خمساً وعشرين سنة، فإذا بلغها سلم المال إليه بكل (1) حال، واستدل الجمهور على أنه يحجر على السفيه بما في الحديث الصحيح من النهي عن إضاعة المال (2) والسفيه يضيعه بسوء تصرفه، أما الصغير فإنه يحجر عليه حتى يبلغ الحلم ويؤنس منه الرشد. والمطابقة: في كونه صلى الله عليه وسلم: دفع إليه ثمن العبد ليقسمه بين غرمائه.
…
(1) أيضاً " فقه السنة " ج 2.
(2)
" سبل السلام " ج 3.