الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
"
كتَابُ الْحَوَالَاتِ
"
661 - " بَابُ الْحَوَالَةِ وَهَلْ يَرْجِعُ في الْحَوَالَةِ
"
761 -
عن أبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه:
أنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: " مَطل الْغَنِيِّ ظُلْمٌ، فَإِذَا أُتْبعَ أحَدُكُمْ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَتْبَعْ ".
ــ
661 -
"
كتاب الحوالات "
الحوالة لغة: النقل من محل إلى محل آخر، سواء كان المنقول عيناً أو شيئاً في الذمة، كنقل الدين من شخص لآخر. وشرعاً: نقل الدين من ذمة شخص إلى ذمة شخص آخر نظير دين مماثل له عليه، فتبرأ الذمة الأولى وتشغل الذمة الثانية. وأركانها أربعة: محيل، ومحال به، وهو الدين، ومحال عليه، وصيغة، في لا تنحصر في الإحالة بل تصح بكل ما يدل على نقل الدين، كقوله:" خذ حقك من فلان " فإن كان أخرس أجزأته الإِشارة. هذا وقد اتفقوا على صحة الحوالة وبراءة الذمة الأولى بها إذا كان للمحيل دين على المحال عليه.
661 -
" باب الحوالة وهل يرجع في الحوالة "
761 -
معنى الحديث: أنه يحرم على المدين أن يتهرّب عن تسديد
الدين الذي عليه عند حلول الأجل إذا كان قادراً على الدفع في حينه، فإذا تأخر عن التسديد مع قدرته عليه كان ظالماً للدائن، متعدياً عليه، مستحقاً للعقوبة في الدنيا بالسجن (1) ونحوه، وفي الآخرة بعقوبة الله التي تنال الظالمين من أمثاله، سواء توفر لديه المال بالفعل، أو استطاع الحصول عليه من تجارة أو صناعة أو نحوها. وهو معنى قوله صلى الله عليه وسلم:"مطل الغني ظلم " فإن المطل في اللغة المدافعة، والمراد به هنا: تأخير ما وجب أداؤه لغير عذر من قادر على الأداء، قال الصنعاني: والمعنى على تقدير أنه من إضافة المصدر إلى الفاعل أنه يحرم على الغني القادر أن يمطل بالدين بعد استحقاقه، بخلاف العاجز. اهـ.
فإذا جاء الدائن لاستلام حقه فأحاله المدين على شخص غني فعليه أن يقبل هذه الإحالة لما في ذلك من مصلحة الطرفين، وهو معنى قوله صلى الله عليه وسلم:" فإذا اتبع على مليء " أي إذا أحيل الدائن على شخص غني قادر على الدفع " فليتبع " أي فليقبل الحوالة لما فيه من السماحة وحسن المعاملة.
فقه الحديث: دل هذا الحديث على ما يأتي: أولاً: أنه يحرم تأخير تسديد الدين عند حلول أجله على من كان قادراً عليه، بأن كان المال المطلوب موجوداً لديه بالفعل، أو كان قادراً على تحصيله من جهة ما وذلك إذا طلبه الدائن بلفظ صريح أو إشارة أو تلميح أو قرينة ظاهرة، فلا يحرم التأخير إلّا بهذين الشرطين: القدرة على الدفع ومطالبة الدائن بالسداد فإذا تأخر في هذه الحالة، جاز الحجر عليه وبيع أملاكه لتسديد دينه. ثانياًًً: مشروعية الحوالة بمعناها الشرعي الصحيح، وأن على الدائن إذا أحاله المدين على شخص غني يسهل عليه أخذ حقه (2) منه أن يقبل هذه الحوالة، ولا يعارض فيها، وأنه
(1) وأجاز الجمهور الحجر عليه، وبيع الحاكم عنه ماله، وفي الحديث دليل على أنه يفسق بذلك، ولو كان الدين يسيراً، وهو مذهب المالكية والشافعية، وقال الجمهور: يفسق بمطل عشرة دراهم. اهـ. كما أفاده في " سبل السلام ".
(2)
" تيسير العلام " ج 2.
لا ينبغي له أن يرفضها لقوله صلى الله عليه وسلم: " إذا أحيل أحدكم على مليء فليتبع " أي فليقبل هذه الحوالة، هو أمر بقبول الحوالة، والأمر للوجوب عند الظاهرية، وحمله الجمهور على الندب والاستحباب، فقالوا: لا يجب على المحال قبول الحوالة، وإنما يستحب له ذلك فقط خلافاً للظاهرية، ومن ثم اختلفوا هل يعتبر في الحوالة رضا الشخص المحال أو لا يعتبر، قال في " الإِفصاح "(1) اختلفوا إذا لم يرض المحال، فقال أبو حنيفة ومالك والشافعي: يعتبر رضاه، عن أحمد روايتان، والحديث بظاهره حجة لمن يقول لا يعتبر رضاه، وهو مذهب الظاهرية وأبي ثور وابن جرير وأحمد في رواية، حيث إن الأصل في الأمر الوجوب. ثالثاً: أن المحال إذا لم يتمكن من أخذ حقه من المحال عليه لسبب ما كالفلس مثلاً، فإنه لا يرجع على المحيل، وهو مذهب أكثر أهل العلم، لأن قوله " فليتبع " معناه قبول الحوالة ندباً، أو وجوباً، والحوالة عقد لازم يجب الالتزام به مهما تغيرت الظروف والأحوال فليس من حق المحال أن يرجع على المحيل بحال من الأحوال. قال ابن رشد: فإن جمهور العلماء أنه إذا أفلس المحال عليه لم يرجع صاحب الدين على المحيل بشيء (2). اهـ. وهو ما ترجم له البخاري بقوله: " وهل يرجع في الحوالة. الحديث: أخرجه الستة. والمطابقة: في كون الحديث دليلاً عليها.
(1)" الإفصاح " ج 1.
(2)
وقال أحمد: يرجع عليه إذا لم يعلم بإفلاس المحال عليه، وقال مالك: يرجع عليه إذا علم المحيل بإفلاس المحال عليه أو لم يعلمه، كما أفاده في " فتح الباري ". وقال ابن قدامة: متى رضي بها المحال ولم يشترط اليسار لم يعد الحق إلى المحيل أبداً، سواء أمكن استيفاء الحق أو تعذر لمطل أو مفلس، وهذا ظاهر كلام الخرقي وبه قال الليث والشافعي وأبو عبيد، وعن أحمد ما يدل على أنّه إذا كان المحال عليه مفلساً ولم يعلم المحال بذلك، فله الرجوع إلاّ أن يرضى بعد العلم. اهـ.