الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
670 - " بَابٌ إِذَا قَالَ: اكْفِنِي مَؤُونةَ النَّخلِ أو غَيْرِهِ، وتُشْرِكُنِي في الثَّمَرِ
"
770 -
عنْ أَبِي هُرَيرَة رضي الله عنه قَالَ:
"قَالَتِ الأَنْصَارُ للنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: اقسِمْ بَيْنَنَا وبَيْنَ إخْوَانِنَا النَّخِيلَ، قَالَ:
ــ
فقه الحديث: دل هذا الحديث على ما يأتي: أولاً: أن الدواب لا تستعمل إلاّ فيما جرت العادة باستعمالها فيه -كما قال القاري- لأن الله قد هيأ هذه الكائنات وسخّرها لما خلقت له، فإذا استعملت في غير ما خلقت له، كان ذلك ظلماً لها، وقد قالت البقرة: لم أخلق لهذا -يعني الركوب-، وأقر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، فأصبح حجة لما ذكرنا. ثانياًً: أن من الإِيمان التصديق بكل ما أخبر به صلى الله عليه وسلم مطلقاً، ولذلك آمن الصديق والفاروق بهاتين الحادثتين رغم غرابتهما لأنه أخبر عنهما النبي صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق. ثالثاً: أن البقر للحرث لا للركوب. والمطابقة: في قولها: " خلقت للحراثة ".
670 -
" باب إذا قال أكفني مؤونة النخل أو غيره وتشركني في الثمر "
أي إذا أعطى المالك للفلاح أرضاً مغروسة بالنخل أو الشجر، وقال له: اكفني سقيها وخدمتها والإِشراف عليها، ولك جزءٌ من الثمرة، ولي الباقي، فتكون شريكاً في في ثمارها مقابل عملك فيها، فإن ذلك يجوز شرعاً وهو ما يسمى عند الفقهاء بالمساقاة.
770 -
معنى الحديث: أن الأنصار كانوا يملكون البساتين التي في المدينة فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إليها عرضوا عليه صلى الله عليه وسلم أن يقسم النخيل التي
لا، فَقَالُوا: تُكْفُونَنَا المَؤونَةَ ونُشْرِكُكُمْ فِي الثَّمَرَةِ، قَالُوا: سَمِعْنَا وأَطَعْنَا".
ــ
يملكونها بينهم وبين المهاجرين. فقالوا: يا رسول الله هذه نخيلنا بين يديك، اقسمها بيننا وبين إخواننا من المهاجرين، فأبى النبي صلى الله عليه وسلم أن يفعل ذلك. فاقترحوا شيئاً آخر " فقالوا: تكفوننا المؤونة، ونشرككم في الثمرة، قالوا: سمعنا وأطعنا " أي فقالوا: ما دام رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يوافق على مشاركتكم لنا في هذه النخيل، فإنا نعرض عليكم مشاركتكم لنا في ثمارها مقابل أن تكفونا مؤونتها، وتقوموا بسقيها وخدمتها، وكل ما تحتاج إليه، فتكون منا النخيل ومنكم العمل فيها، ونشترك معاً في ثمرتها، فوافق النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، وقال المهاجرون: سمعنا وأطعنا. وهكذا تمت بينهم هذه المعاملة التي تعرف عند الفقهاء بالمساقاة. الحديث: أخرجه أيضاًً النسائي.
فقه الحديث: دل هذا الحديث على مشروعية " المساقاة " لقول الأنصار: " تكفوننا المؤونة ونشرككم في الثمر " قال القسطلاني: أي ويكون الحصيل من الثمر بيننا وبينكم، وهو ما يعرف عند الفقهاء بالمساقاة. قال في " تيسير العلام ": وهي دفع شجر لمن يسقيه ويعمل عليه بجزء معلوم من ثمره، قال: والمساقاة والمزارعة من عقود المشاركات التي مبناها العدل بين الشريكين فإن صاحب الشجر والأرض كصاحب النقود التي يدفعها للمضارب (1) في التجارة، فالغنم بينهما، والغرم عليهما، وبهذا يعلم أنّها أبعد عن الضرر والجهالة من الإِجارة. وأقرب إلى القياس والعدل. اهـ. وقد أجازها مالك والشافعي وأحمد والظاهرية وأكثر أهل العلم. وذهب أبو حنيفة إلى أنّها لا تجوز بحال، لأنها إجارة بثمره لم تخلق، أو بثمرة مجهولة فهي راجعة إلى التصرف بالثمرة قبل بدو صلاحها، أو راجعة إلى جهالة العوض -أي
(1)" تيسير العلام " ج 2.
المبيع وكلاهما ممنوع شرعاً. وقد اتفق الجمهور على جوازها إجمالاً لما جاء في حديث الباب من اتفاق المهاجرين والأنصار عليها. قال العيني: ثم ظاهر الحديث يقتضي عملهم على النصف مما يخرج من الثمرة. لأن الشركة إذا أبهمت ولم يكن فيها حد معلوم كانت نصفين، والحديث حجة للجمهور على جواز المساقاة شرعاً. وأما قول من قال: إنها لا تجوز لأنها إجارة بثمرة لم تخلق ولما فيها من جهالة العوض، فالجواب عنه من وجهين الأول: أنه لا اجتهاد مع النص، والنص موجود، وهو حديث الباب. الثاني: أن المساقاة ليست إجارة حتى تطبق عليها أحكامها، وإنما هي شركة مضاربة والشريكان يشتركان في الغرم والغنم معاً. واختلفوا هل تختص بالنخيل التي ورد الحديث فيها فقط، أو تقاس عليها الأشجار الأخرى، فذهب الظاهرية إلى أنها لا تجوز إلّا في النخيل خاصة وقال الشافعي: تجوز في النخل والكرم خاصة، وقال: أحمد تجوز في كل ما له ثمر مأكول (1)، بل ألحق كثير من أصحابه كل ما له ورق أو زهر ينتفع به. وقال مالك: تجوز في كل ما له أصل ثابت فهي رخصة عامة، قال مالك في " الموطأ ": السّنة في المساقاة عندنا أنها تكون في أصل كل نخل أو كرم أو زيتون أو رمان أو فرسك (بكسر الفاء) وهو الخوخ، أو الخوخ الأحمر الأجرد " أو ما أشبه ذلك من الأصول جائز لا بأس به، على أن لرب المال نصف الثمر أو ثلثه أو ربعه أو أكثر من ذلك أو أقل، وقال مالك: والمساقاة أيضاًً تجوز في الزرع إذا خرج واستقل، فعجز صاحبه عن سقيه وعمله وعلاجه. والمطابقة: في قولهم: " تكفوننا المؤونة ونشرككم في الثمر " وإقراره صلى الله عليه وسلم ذلك.
(1) لأن النبي صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر بالشطر.