الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
482 - " بَابُ خرْصِ التَّمرِ
"
568 -
عن أبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ رضي الله عنه قَالَ:
غزَوْنَا مَعَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم غَزْوَةَ تَبُوكٍ، فلمَّا جَاءَ وَادِي القُرَى إِذَا امْرَأة في حَدِيْقَةٍ لهَا، فقالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لأصْحَابِهِ: اخْرُصُوا وخَرَصَ رَسُولُ اللهِ
ــ
إلّا قليلاً من المال، لا يكفي لنفقته ونفقة عياله، وهو مع ذلك صابر متعفف يستر حاله عن الناس " ولا يُفطَنُ له " بالبناء للمجهول، أي لا يشعر به أحد من الناس، ولا يتنبهون لفقره بسبب عفته، وشدة حيائه، وتجمُّلِهِ.
" ولا يقوم فيسأل الناس " حتى يعلموا حاجته فيتصدقوا عليه، وفي رواية أخرى:" ولكن المسكين الذي ليس له غنى، ويستحي، ولا يسأل الناس إلحافاً ". الحديث: أخرجه الستة إلا الترمذي. والمطابقة: في قوله: " ولا يقوم فيسأل الناس ".
فقه الحديث: دل هذا الحديث على ما يأتي: أولاً: تحديد معنى الفقير الذي تحل له الزكاة بأنه هو الذي لا يجد غنى يغنيه، أي الذي لا يجد الكفاية من المال لنفقته ونفقة عياله، فإن وجد الكفاية فهو غني، لا يجوز له الأخذ من الزكاة، واختلفوا في الكفاية، فقالت المالكية والحنابلة كفاية السنة، وقالت الشافعية: كفاية العمر لأمثاله، وقالت الحنفية: امتلاك النصاب الشرعي للزكاة زائداً عن حاجته وحاجة عياله. ثانياًًً: الثناء على الفقير المتعفف، وكونه أحق بالصدقة من المتسول.
482 -
" باب خرص التمر "
568 -
معنى الحديث: يقول أبو حميد رضي الله عنه: " خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك " وهي تلك الغزوة التي خرج فيها النبي صلى الله عليه وسلم في شهر رجب من السنة التاسعة من الهجرة لقتال الروم، "فلما جاء
- صلى الله عليه وسلم عَشرَةَ أوْسُق، فَقَالَ لَهَا: أحْصِي مَا يَخْرُجُ مِنْهَا، فَلَمَّا أتيْنَا تَبُوكَ قَالَ: أمَا إِنَّهَا سَتَهُبُّ اللَّيْلَةَ ريحٌ شَدِيدَةٌ، فلا يَقُومَنَّ أَحدٌ، وَمَنْ كانَ مَعَهُ بَعِير فَلْيَعْقِلْهُ، فَعَقَلْنَاهَا وهَبَّتْ ريح شَدِيدَةٌ، فقامَ رَجُل فألْقَتهُ بِجَبَل طيَءٍ، وأهدَى مَلِكُ أْيلَةَ للنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَغَلَةً بَيضَاءَ، وكسَاهُ بُرْداً، وكَتَبَ لَهُ ببحرِهِمْ، فَلَمَّا أَتى وَادِيَ القُرَى قَالَ لِلْمَرْأةِ: كَمْ جَاءَ حَدِيقَتُكِ، قَالَتْ: عَشرَةَ أوْسُقٍ خَرْصَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: إنَّي مُتَعَجِّلٌ
ــ
وادي القُرى إذا امرأة في حديقة لها" أي: فلما وصلنا وادي القرى وجدنا امرأة في بستان لها يحتوي على بعض النخيل المثمرة، " فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: " اخرصوا " وخرص رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة أوسق " أي: وقدر النبي صلى الله عليه وسلم أن تلك الثمرة التي على النخل إذا جفت تبلغ عشرة أوسق، أي ستمائة صاع من التمر، لأن الوسق ستون صاعاً، " فقال لها أحصي ما يخرج منها " أي كيليها إذا جفت، واعرفي كم صاعاً بلغت، واضبطي عدد كيلها، " فلما أتينا تبوك قال: أما إنها ستهب الليلة ريح شديدة "، أي عاصفة قويّة " فلا يقومن أحدٌ، ومن كان معه بعير فليعقله "، أي فليربطه لئلا تحمله " العاصفة وتؤذيه " وهبت ريح شديدة فقام رجل فألقته بجبل طيء "(1) في ضواحي حائل. " وأهدى ملك أيلة " وهي العقبة " للنبي صلى الله عليه وسلم بغلة بيضاء " تُسمَّى دلدل، واسم الملك يوحنا بن رُوبَة " وكساه بُرْداً "، أي بعث إليه كسوة فاخرة " وكتب له صلى الله عليه وسلم ببحرهم " أي وأمره النبي صلى الله عليه وسلم على تلك المنطقة البحرية الواقعة على ساحل البحر الأحمر. " فلما أتى صلى الله عليه وسلم وادي القرى قال للمرأة: كم جاء حديقتك " أي: كم صاعاً أثمرت حديقتك " قالت: عشرة أوسق خرص رسول الله صلى الله عليه وسلم "، أي بلغت ثمرتها عشرة أوسق مثل
(1) بتشديد الياء وكسرها.
إلى الْمَدِينَةِ، فَمَنْ أراد مِنْكُمْ أنْ يَتَعَجَّلَ مَعِي فَلْيَتَعَجَّلَ، فلَمَّا - قَالَ ابْنُ بَكَّارٍ كَلِمَةً مَعْنَاهَا - أشْرَفَ علَى الْمَدِينَةِ قَالَ:" هَذِه طَابَةُ " فَلمَّا رَأَى أحُداً قَالَ: " هَذَا جُبَيْلٌ يُحبُنّاَ وَنُحِبَّهُ ألا أخْبِرُكُمْ بِخَيرِ دوُرِ الأنْصَارِ؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: دُورُ بَنِي النَّجَّارِ، ثُمَّ دُورُ بَنِي عَبْدِ الأشْهَلِ، ثُمَّ دُورُ بَنِي سَاعِدَةَ، أو دُورِ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرجِ، وفي كُلِّ دُورٍ الأنْصَارِ يَعْنِي خَيْراً.
ــ
خرص النبي صلى الله عليه وسلم تماماً، " فلما أشرف على المدينة " ورأى مبانيها " قال: هذهْ طابة " أي هذه هي المدينة الطيبة التي سماها الله طابة لطيبها " فلما رأى صلى الله عليه وسلم أحداً قال: هذا جُبَيْلٌ يحبنا " حقيقة لا مجازاً كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، ولا حاجة إلى تأويله " ألا أخبركم بخير دور الأنصار، قالوا: بلى، قال: دور بني النجار ": أي أفضلها قبائل بني النجار، كما أفاده العيني، " وفي كل دور الأنصار "، أي وجميع قبائل الأنصار لها مزية وشرف وفضل في الجاهلية والِإسلام.
فقه الحديث: دل الحديث على فوائد وأحكام كثيرة " منها " مشروعية الخرص (بفتح الخاء، وقد تكسر) وهو تقدير ما على النخل من الرطب تمراً، ليحصى على مالكه، فيتوصل به إلى تحديد فريضة الزكاة فيها، وهو مذهب الجمهور، عملاً بحديث الباب، وحديث عتاب بن أسيد " أنّه صلى الله عليه وسلم كان يبعث على الناس من يخرص عليهم كرومهم وثمارهم " أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجة. وفيه انقطاع، لأن ابن المسيب لم يسمع من عتّاب وعنه صلى الله عليه وسلم: " إذا خرصتم فخذوا (1) ودعوا الثلث، فإن لم تدعوا الثلث
(1) وفي نسخة لأبي داود: فجذوا، والجذاذ قطع ثمر النخل، وفي نسخة: فجدوا، بالدال بمعنى القطع أيضاً. (ع).