الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أن الحاج يمكث في المسجد، ولو كان لا يحل لها لنهاه النبي صلى الله عليه وسلم عنه. وبهذا الاستدلال قال ابن حزم، فقد قال:"لو كان دخول المسجد لا يجوز للحائض لأخبر بذلك عليه السلام عائشة إذ حاضت فلم ينهها إلا عن الطواف في البيت، ومن الباطل المتيقن أن يكون لا يحل لها دخول المسجد فلا ينهاها عليه السلام عن ذلك، ويقتصر على منعها من الطواف"
(1)
.
وهذا الاستدلال فيه نظر، لأن استثناء الطواف من العموم السابق:"افعلي ما يفعل الحاج" فكأنه قال: افعلي جميع المناسك ما عدا الطواف، والمكث في المسجد ليس من الأعمال الخاصة بالمناسك، والله أعلم.
الدليل الرابع:
القياس على الجنب. فإذا كان الجنب ممنوعاً من المكث في المسجد كانت الحائض أولى؛ لأن حدث الحيض أغلظ؛ حيث تمنع من الصيام ولا يمنع الجنب من ذلك ولا تقضي الحائض الصلاة، والجنب مأمور بفعلها إذا تطهر.
والدليل على منع الجنب قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إلا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا}
(2)
.
(305)
فقد روى عبد الرزاق
(3)
، قال: عن معمر، عن عبد الكريم
(1)
المحلى مسألة (262).
(2)
سورة النساء: 43.
(3)
المصنف (1613).
الجزري، عن أبي عبيدة بن عبد الله، عن ابن مسعود أنه كان يرخص للجنب أن يمر في المسجد مجتازاً ولا أعلمه إلا قال:{وَلَا جُنُبًا إلا عَابِرِي سَبِيلٍ}
(1)
.
[وسنده منقطع أبو عبيدة لم يسمع من أبيه]
(2)
.
(306)
وروى ابن المنذر، قال: حدثنا علي بن عبد العزيز، ثنا أبو نعيم، ثنا أبو جعفر الرازي، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن ابن عباس قال:{وَلَا جُنُبًا إلا عَابِرِي سَبِيل} قال: إلا وأنت مار فيه"
(3)
.
[سنده ضعيف]
(4)
، وقد ثبت عن ابن عباس في تفسير الآية خلاف هذا
(1)
سورة النساء: 43.
(2)
ومن طريق عبد الرزاق أخرجه ابن جرير الطبري (9554) وابن المنذر في الأوسط (2/ 107) والبيهقي (2/ 443).
ورواه ابن أبي شيبة (1/ 135) رقم 1552: حدثنا شريك بن عبد الله، عن عبد الكريم عن أبي عبيدة من قوله
…
ولم يذكر عن ابن مسعود، وهذا من سوء حفظ شريك.
(3)
الأوسط (2/ 106) ورواه الطبري في تفسيره (9555) من طريق عبد الله بن موسى، عن أبي جعفر الرازي به.
(4)
فيه أبو جعفر وثقه بعضهم وتكلم فيه بعضهم من قبل حفظه، قال فيه أحمد: ليس بقوي في الحديث وقال مرة: صالح الحديث.
وقال ابن معين: يكتب حديثه ولكنه يخطئ. وقال مرة: صالح. وقال أخرى: ثقة، وهو يغلط فيما يروي عن مغيرة.
وقال عمرو بن علي: فيه ضعف، وهو من أهل الصدق سيئ الحفظ.
وقال أبو زرعة: شيخ يهم كثيراً. وفي التقريب: صدوق سيئ الحفظ خصوصاً عن مغيرة.
وأخرجه ابن أبي حاتم كما في تفسير ابن كثير (1/ 502) حدثنا محمد بن عمار، حدثنا عبد الرحمن الدشتكي، أخبرنا أبو جعفر به.
بسند صحيح عنه.
(307)
فقد روى ابن جرير: حدثنا محمد بن بشار، ومحمد بن المثني، قالا: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة عن قتادة، عن أبي مجلز عن ابن عباس في قوله:{وَلَا جُنُبًا إلا عَابِرِي سَبِيلٍ} قال: المسافر. وقال ابن المثنى: السفر
(1)
.
فهذا سند في غاية الصحة، ولا تضر عنعنة قتادة وقد جاء حديثه من طريق شعبة
(2)
.
وله شاهد من قول علي رضي الله عنه.
(308)
فقد روى ابن أبي شيبة، قال: حدثنا علي بن هاشم، عن ابن أبي ليلى، عن المنهال، عن عباد بن عبد الله وزر عن علي {وَلَا جُنُبًا إلا عَابِرِي سَبِيلٍ}
(3)
، قال: المار الذي لا يجد الماء يتيمم ويصلي
(4)
.
(1)
تفسير الطبري (9537).
(2)
والأثر رواه ابن جرير الطبري في تفسيره (9541) من طريق هشام عن قتادة به. ورواه ابن أبى شيبة (1/ 144) رقم 1665، حدثنا وكيع، عن ابن أبي عروبة عن قتادة به. ومن طريق ابن أبي عروبة أخرجه ابن المنذر في الأوسط (2/ 108). وقال السيوطي في تفسيره (2/ 547): "وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن ابن عباس به.
(3)
سورة النساء: 43.
(4)
المصنف (1/ 144) رقم 1663.
ورواه ابن جرير الطبري
(1)
، وابن المنذر
(2)
، من طريق ابن أبي ليلى إلا أن ابن المنذر لم يذكر عباد بن عبد الله، وابن جرير رواه عن عباد أو عن زر.
[وهذا الإسناد فيه ضعف منجبر]
(3)
.
وقد فسر قوله تعالى: {عَابِرِي سَبِيلٍ} بالمسافرين جماعة من التابعين، منهم مجاهد
(4)
، وعمرو بن دينار
(5)
، وسعيد بن جبير
(6)
، وسليمان بن موسى
(7)
، والحكم بن عتيبة
(8)
،
(1)
تفسير الطبري (9539).
(2)
الأوسط (2/ 108).
(3)
لأن محمد بن عبد الرحمن ابن أبي ليلى فيه ضعف من قبل حفظه، لكنه توبع، فقد أخرجه البيهقي (1/ 216) من طريق عبد الرحمن بن عبد الله وليس هو المسعودي، عن المنهال ابن عمرو، عن زر ابن حبش، عن علي قال: أنزلت هذه الآية في المسافر {وَلَا جُنُبًا إلا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} قال: إذا أجنب فلم يجد الماء تيمم وصلى حتى يدرك الماء، فإذا أدرك الماء اغتسل. وقال السيوطي في تفسيره (2/ 546): "أخرج الفريابي، وابن أبي شيبة في المصنف، وعبد بن حميد وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي في سننه عن علي في قوله {وَلَا جُنُبًا إلا عَابِرِي سَبِيلٍ} قال: نزلت هذه الآية في المسافر تصيبه الجنابة فيتيمم ويصلي.
(4)
رواه عبد الرزاق (1615)، وابن جرير الطبري في تفسيره (9543)، (9544)، (9545)، (9546) من طرق عن مجاهد.
(5)
رواه عبد الرزاق (1614) بسند صحيح عنه.
(6)
رواه ابن جرير الطبرى في تفسيره (9540) بسند صحيح عنه.
(7)
رواه ابن أبي شيبة (1/ 145) رقم 1666 بسند صحيح عنه.
(8)
رواه ابن جرير الطبري في تفسيره (9551) بسند صحيح عنه.
والحسن بن مسلم
(1)
.
وذهب عطاء
(2)
، والحسن
(3)
، وإبراهيم النخعي
(4)
، إلى أن معنى قوله:{وَلَا جُنُبًا إلا عَابِرِي سَبِيلٍ} الجنب يمر في المسجد.
وقد حكي عن ابن مسعود بسند منقطع، وعن ابن عباس بسند ضعيف، وسبق الكلام عليهما فتحصل في معنى الآية قولان:
الأول: أن معنى قوله: {وَلَا جُنُبًا إلا عَابِرِي سَبِيلٍ} أي لا يقرب الصلاة الجنب إلا أن يكون مسافراً فيتيمم ويصلي وهذا التفسير هو الثابت عن ابن عباس وعلي وجماعة من التابعين.
الثاني: أن معنى قوله: {وَلَا جُنُبًا إلا عَابِرِي سَبِيلٍ} أي: لا تقرب موضع الصلاة وأنت جنب إلا أن تكون ماراً في المسجد غير ماكث فيه.
وعليه فيكون معنى قوله: {لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ} أي لا تقربوا مواضع الصلاة
(5)
. ولكل قول عندي مرجح.
(1)
رواه ابن أبي شيبة (1/ 144) رقم 1664 بسند صحيح، ورواه ابن جرير الطبري في تفسيره (9547) من طريق شيخ ابن أبي شيبة.
(2)
رواه ابن أبي شيبة (1/ 135) بسند رجاله ثقات وفيه عنعنة ابن جريج عن عطاء لكنه مكثر عن عطاء فلعلها تغتفر.
(3)
رواه ابن جرير الطبري (9559) بسند رجاله ثقات وفيه عنعنة قتادة، وهو مدلس مكثر.
(4)
رواه ابن أبي شيبة (1/ 135) رقم 1554 بسند صحيح.
(5)
انظر تفسير القرطبي (5/ 100)، تفسير مجاهد (1/ 158)، زاد المسير (2/ 90)، فتح القدير (1/ 469)، مشكل إعراب القرآن (1/ 198)، تفسير ابن كثير (1/ 503) ورجح أن
فأما ترجيح أن المراد به المجتاز، وليس المسافر، فيرجحه أن الله سبحانه وتعالى قد بين حكم المسافر إذا عدم الماء وهو جنب في قوله تعالى {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا
…
} الآية. فلو كان يقصد بقوله: إلا عابري سبيل هو المسافر، لم يكن لإعادة ذكره معنى.
وأما ترجيح تفسير {عَابِرِي سَبِيلٍ} بالمسافر، فيكفي أنه تفسير اثنين من الصحابة رضي الله عنهما، ابن عباس، وعلي بن أبي طالب، ولأنه لا يحتاج إلى تقدير في الآية، فمعنى {لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ} على حقيقته وليس مواضع الصلاة كما فسرها أصحاب القول الأول
…
وتفسير الصحابة أحب إلى نفسي وإن كان
المراد بقوله "إلا عابري سبيل" أي المجتاز مراً. قال ابن كثير: "لو كان معنياً به المسافر لم يكن لإعادة ذكره في قوله {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ} معنى مفهوم". وانظر أحكام الجصاص (3/ 169) ورجح أن المراد به المسافر، قال:"وما رري عن علي وابن عباس في تأويله أن المراد المسافر الذى لا يجد الماء فيتيمم أولى من تأويل من تأوله على الاجتياز في المسجد؛ وذلك لأن قوله تعالى {لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} نهى عن فعل الصلاة في هذه الحال، لا عن المسجد؛ لأن ذلك حقيقة اللفظ، ومفهوم الخطاب، وحمله على المسجد عدول بالكلام عن حقيقته إلى المجاز بأن تجعل الصلاة عبارة عن موضعها، كما يسمى الشيء باسم غيره للمجاورة أو لأنه تسبب منه كقوله تعالى {لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ} يعني به مواضع الصلاة ومتى أمكننا استعمال اللفظ على حقيقته لم يجز صرف ذلك عن الحقيقة، وفي نسق التلاوة ما يدل على أن المراد حقيقة الصلاة وهو قوله تعالى {حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} ".