الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدليل الرابع:
أن مذهب ابن عمر الاعتداد بالطلاق في الحيض، وهو صاحب القصة، وأعلم الناس بها، ومن أشدهم اتباعاً للسنن، وتحرجاً من مخالفتها.
وإليك الأدلة على كون ابن عمر يرى أنها حسبت عليه بتطليقه. وأنه يرى وقوع طلاق الحائض.
(415)
منها ما رواه مسلم، قال: حدثنا محمد بن المثنى وابن بشار، قال ابن المثنى: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن قتادة، قال: سمعت يونس بن جبير، قال: سمعت ابن عمر يقول: طلقت امرأتي وهي حائض، فأتى عمر النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له. فقال صلى الله عليه وسلم: ليراجعها، فإذا طهرت، فإن شاء فليطلقها. قال: فقلت لابن عمر، احتسبْتَ بها؟ قال: ما يمنعه، أرأيت إن عجز واستحمق. وهو في البخاري وليس فيه قوله:"ما يمنعه" وإنما فيه: "أرأيت إن عجز واستحمق"
(1)
.
ورواه أحمد، من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة به.
وفيه: "فقلت لابن عمر: أبحسب طلاقه ذلك طلاقاً؟ قال: نعم. أرأيت إن عجز واستحمق"
(2)
.
[وسنده صحيح].
(416)
وفي رواية لمسلم، من طريق عبد الملك، عن أنس بن سيرين قال:
(1)
صحيح مسلم (10 - 1471) البخاري (5258)، ومسلم (5333).
(2)
المسند (2/ 43).
سألت ابن عمر عن امرأته التي طلق؟ فقال: طلقتها وهي حائض، فذكر ذلك لعمر، فذكره للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: مره فليراجعها، فإذا طهرت فليطلقها لطهرها. قال: فراجعتها ثم طلقتها لطهرها، قلت: فاعتددت بتلك التطليقة التي طلقت وهي حائض. قال: ما لي لا أعتد بها، وإن كنت عجزت واستحمقت
(1)
.
ورواه البخاري، ومسلم، من طريق شعبة، عن أنس بن سيرين به. وفيه: "قلت تحتسب قال: فمه؟.
وفي لفظ مسلم: "أفاحتسبت بتلك التطليقه؟ قال: فمه"
(2)
.
قال البغوي: "أرأيت إن عجز واستحمق" معناه: أرأيت إن عجز واستحمق أيسقط عنه الطلاق حمقه، أو يبطله عجزه؟ فهذا من باب المحذوف المدلول عليه بالفحوى. اهـ
(3)
.
قلت: قوله (عجز) أي عن الصبر عن الطلاق حتى تطهر فيوقع الطلاق في زمن الطهر، ودفعه عجزه عن الصبر إلى وقوع الطلاق في زمن الحيض.
وقوله: (واستحمق) أي فعل فعل الأحمق بمخالفة المشروع فعجزه واستحماقه لا يمنع وقوع طلاقه.
وقال ابن حجر: "قوله: فمه؟ أصله: "فما" وهو استفهام فيه اكتفاء: أي فما يكون إن لم تحتسب، ويحتمل أن تكون الهاء أصلية، وهي كلمة تقال للزجر:
(1)
صحيح مسلم (11 - 1471).
(2)
صحيح البخاري (5252) ومسلم (12 - 1471).
(3)
شرح السنة (9/ 204).
أي كف عن هذا الكلام فإنه لا بد من وقوع الطلاق بذلك.
قال ابن عبد البر: قول ابن عمر (فمه) معناه فأي شيء يكون إذا لم يعتد بها؟ إنكاراً لقول السائل: أيعتد بها، فكأنه قال: وهل من ذلك بد
(1)
.
وقوله: (أرأيت إن عجز واستحمق) أي إن عجز عن فرض فلم يقمه، أو استحمق فلم يأت به أيكون ذلك عذراً له؟.
وقال الخطابي: في الكلام حذف: أي أرأيت إن عجز واستحمق أيسقط عنه الطلاق حمقه أو يبطله عجزه؟ وحذف الجواب لدلالة الكلام عليه". اهـ.
وقد روى مسلم، من طريق الزبيدي، عن الزهري، عن سالم بن عبد الله، عن عبد الله بن عمر، وفيه: قال ابن عمر: فراجعتها.
وحسبت لها التطليقة التي طلقتها"
(2)
.
وقد كان نافع وسالم وهما أحفظ من روى عن ابن عمر وأثبت من روى عنه، كانا إذا سئلا عن التطليقة التي فعلها ابن عمر هل اعتد بها قالا: نعم.
فقد روى مسلم، قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير، حدثنا عبيد الله عن نافع، عن ابن عمر قال: طلقت امرأتي على عهد رسول الله وهي حائض فذكر الحديث وفي آخره: قال عبيد الله قلت لنافع: ما صنعت تلك التطليقة؟ قال: واحدة اعتد بها
(3)
.
(1)
الفتح (5253).
(2)
صحيح مسلم (1471).
(3)
صحيح مسلم (2 - 1471).
ورواه مسلم من طريق محمد (وهو ابن أخي الزهري)، عن عمه (ابن شهاب)، عن سالم بن عبد الله، أن عبد الله بن عمر قال: طلقت امرأتي وهي حائض. فذكر ذلك عمر للنبي صلى الله عليه وسلم فتغيظ رسول الله صلى الله عليه وسلم .. وذكر الحديث وفي آخره: وكان عبد الله طلقها تطليقه واحدة فحسبت من طلاقها، وراجعها عبد الله كما أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1)
.
ومن الأدلة على أن ابن عمر يرى وقوع طلاق الحائض، أنه كان يفتي أنه من طلق امرأته ثلاثاً في الحيض لم تحل له، ولو جاز أن تكون الطلقة الواحدة في الحيض لا يعتد بها لكانت الثلاث أيضاً لا يعتد بها قاله ابن عبد البر في التمهيد، وقال: وهذا مما لا إشكال فيه عند كل ذي فهم. اهـ
(2)
.
قلت: والدليل على ما قاله ابن عبد البر
(417)
ما رواه مسلم، قال: حدثني زهير بن حرب، حدثنا إسماعيل، عن أيوب، عن نافع،
أن ابن عمر طلق امرأته وهي حائض، فسأل عمر النبي صلى الله عليه وسلم فأمره أن يراجعها، ثم يمهلها حتى تحيض حيضة أخرى، ثم يمهلها حتى تطهر، ثم يطلقها قبل أن يمسها، فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء، فكان ابن عمر إذا سئل عن الرجل يطلق امرأته وهي حائض يقول: أما أنت طلقتها واحدة أو اثنتين إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن يراجعها، ثم يمهلها حتى تحيض حيضة
(1)
صحيح مسلم (4 - 1471).
(2)
التمهيد كما في فتح البر (10/ 472).