الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
متابعة الشعبي عن ابن عمر مرفوعاً عند الدارقطني بسند حسن، ورواية سعيد ابن جبير عن ابن عمر (حسبت عليه) بتطليقه تبعد احتمال شذوذ رواية ابن أبي ذئب، والله أعلم
(1)
.
الدليل الثامن:
(422)
ما رواه البيهقي: من طريق عبد الملك بن محمد الرقاشي، ثنا بشر ابن عمر، نا شعبة، عن أنس بن سيرين، عن ابن عمر، وذكر الحديث.
(1)
وعكس العلامة أحمد شاكر فاستدل بالحديث على عدم وقوع الطلاق، فقال في كتابه (نظام الطلاق في الإسلام) (ص: 30): "ومن الغريب أن هذه الروايات ذكرت في معرض الاستدلال على وقوع الطلقة التي كانت في الحيض! وفهموا من قوله: (وهي واحدة) أن الضمير يعود إلى تلك الطلقة!! حتى إن ابن حزم وابن القيم لم يجدا لهما مخلصاً من هذه الحجة إلا أن يزعما أن الكلمة في السياق محتملة أن لا تكون من كلام النبي صلى الله عليه وسلم: أي كأنها مدرجة من الرواي، أو يتأولاها بتأول غير جيد، مع أن سياق الكلام صريح في أنها من الحديث المرفوع، وخاصة رواية الدارقطني من طريق يزيد بن هارون. والصحيح الواضح أن قوله: هي واحدة إنما يراد به الطلقة التي ستكون في الطهر الثاني في قبل العدة؛ لأنه أقرب مذكور إلى الضمير، بل إنه لم يذكر غيرها في اللفظ النبوي الكريم، وطلقة الحيض أشير إليها فيه فقط، وفهمت من سياق الكلام، فلا يمكن أن يعود الضمير إليها، ويكون معنى قوله: (هي واحدة) إن طلق كما أمر كانت طلقة واحدة، ولا تكون طلقة ثانية، لعدم الاعتداد بالأولى التي كانت لغير العدة، فتكون هذه الرواية مؤيدة لرواية أبي الزبير، ودليل على بطلان الطلاق في الحيض" اهـ.
وهذا الذي ذكره أحمد شاكر لا يؤيد عليه؛ لأن الطلقة الثانية لم تقع، وقد أشار الرسول إلى أنها غير لازمة بقوله: إن شاء أمسك وإن شاء طلق، فكون الرسول يعتبرها واحدة لطلقة لم يعلم وقوعها بعد، ويترك طلقة قد وقعت في الحيض بعيد جداً، بل إن اللفظ عند أبي داود الطيالسي لم يتعرض للطلقة الثانية، ولفظه: عن ابن عمر أنه طلق امرأته وهي حائض، فأتى عمر النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فجعلها واحدة. اهـ فلم يشر في الحديث إلى الطلقة الثانية.
وفيه: "فقال عمر: يا رسول الله أفتحتسب بتلك التطليقة؟ قال: نعم"
(1)
.
[إسنادها ضعيف].
فتبين من هذه الأدلة أن الاستدلال على وقوع الطلاق كالآتي:
1 -
قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: "مره فليراجعها" وحمله على الرد الحسي أي إرجاعها إلى بيته لا يقبل.
أولاً: أن اللفظ إذا جاء عن الشارع وكان له حقيقة شرعية، فإنها مقدمة على الحقيقة اللغوية والعرفية.
ثانياً: لم يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم هل أخرجها ابن عمر من بيته حتى يطلب منه إرجاعها إلى البيت.
ثالثاً: أن وقوع الطلاق من ابن عمر بعد نزول سورة الطلاق، وبعد النهي الصريح عن إخراج المطلقة من بيت الزوجية {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ}
(2)
. ولا نظن بابن عمر مخالفة السنة، ولو ثبت أن ابن عمر أخرجها من بيتها منعنا هذا الاحتمال لأن ابن عمر غير معصوم، ولكنه لم يثبت، فكيف يحمل اللفظ على أمر لم يتعرض له في الحديث البتة وعلى التنزل أن يقال: إن لفظ: "مره فليراجعها" يحتمل المراجعة الشرعية ويحتمل المراجعة الحسية، فإذا حملنا هذا اللفظ المتشابه، على بقية الألفاظ، وهو كون ابن عمر روى عنه مرفوعاً وموقوفاً، أنها حسبت عليه طلقة، تَعَيْن أن قولها "مره فليراجعها" المراد به
(1)
سنن البيهقي (7/ 326).
(2)
الطلاق، الآية الأولى.
المراجعة الشرعية لا غير، مع أنه من المسلم إنه إذا ورد لفظ له حقيقتان: شرعية ولغوية، قدمت الحقيقة الشرعية؛ لأن لكلام ورد على لسان الشارع، ومثله الصلاة والصيام وغيرهما مما له حقيقتان.
2 -
ما رواه سعيد بن جبير عن ابن عمر قال: حسبت على بتطليقة، وهو في البخاري في بعض النسخ معلقاً، وفي بعضها مسنداً
(1)
، والمعلق بالنظر إلى من أسنده فهو صحيح.
وأما قولهم: لم يصرح بمن حسبها عليه، ولا حجة في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقد أجبت عليه فيما سبق، وأن قوله:"حسبت علي بتطليقة" أبلغ من قوله: "أمرنا، ونهينا". قال الحافظ: "لا ينبغي أن يجيء فيه الخلاف الذي في قول الصحابي: (أمرنا بكذا) فإن ذلك محله حيث يكون اطلاع النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك ليس صريحاً، وليس كذلك في قصة ابن عمر، فإن النبي صلى الله عليه وسلم هو الآمر بالمراجعة، وهو المرشد لابن عمر فيما يفعل إذا أراد طلاقها بعد ذلك، وإذا أخبر ابن عمر أن الذي وقع منه حسبت عليه بتطليقة كان احتمال أن يكون الذي حسبها عليه غير النبي صلى الله عليه وسلم بعيداً جداً مع احتفاف القرائن في هذه القصة بذلك، وكيف يتخيل أن ابن عمر يفعل في القصة شيئاً برأيه وهو ينقل أن النبي صلى الله عليه وسلم تغيظ من صنيعه، كيف لم يشاوره فيما يفعل"
(2)
.
3 -
ثبت عن ابن عمر مرفوعاً أن النبي صلى الله عليه وسلم عدها واحدة منها رواية
(1)
صحيح البخاري (5253).
(2)
فتح الباري (9/ 442) ح 5253
الشعبي عن ابن عمر بسند حسن وقد تقدم ذكرها.
ومنها رواية أبي داود الطيالسي بسند رجاله رجال الشيخين، عن ابن أبي ذئب، عن نافع، عن ابن عمر مرفوعاً
…
وتابع أبا داود الطيالسي يزيد بن هارون وابن وهب.
ومنها رواية ابن جريج، عن نافع، عن ابن عمر، عند الدارقطني، ولا يضعفها إلا عنعنة ابن جريج، وقد توبع من ابن أبي ذئب، كما تقدم.
4 -
ما ثبت عن ابن عمر موقوفاً عليه من طرق أنه عدها طلقة، وراوي القصة قوله مقدم على قول غيره، وقد أنكر على من سأله هل احتسبت عليه طلقة كيف لا تحتسب.
ومنها: رواية يونس بن جبير، عن ابن عمر في الصحيحين.
ومنها: رواية أنس بن سيرين في الصحيحين.
ومنها: رواية سالم عن أبيه عند مسلم، قال ابن عمر:"فراجعتها وحُسِبَت لها التطليقة التي طلقتها".
وكان نافع وسالم يرون أن الطلقة التي وقعت من ابن عمر حسبت عليه، وهما من أجل من روى عن ابن عمر، وقولهما ثابت في صحيح مسلم.
5 -
ذكرت أن عمر يرى وقوع طلاق الحائض، وقد كان هو الذي راجع رسول الله صلى الله عليه وسلم بطلاق ابن عمر لزوجته، وعلم انكار الرسول صلى الله عليه وسلم على ابن عمر فعله، ونقل كلام الرسول صلى الله عليه وسلم لابنه عبد الله، فهل يظن من عمر وابنه أن يفهما خلاف ما يريد الرسول صلى الله عليه وسلم.