الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والأسود، وغيرهم، فلم يذكر أحد منهم هذه اللفظ"
(1)
.
قلت: لم ينفرد بها عروة، فقد تابعه القاسم في الموطأ،
[الدليل الرابع]
(*)
(357)
قال مالك: عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه،
عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع، فأهللنا بعمرة، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كان معه هدى فليهلل بالحج مع العمرة، ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعاً، قالت: فقدمت مكة، وأنا حائض، فلم أطف بالبيت ولا بين الصفا والمروة فشكوت ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: انقضي رأسك، وامتشطي، وأهلي بالحج، ودعي العمرة. قالت: ففعلت فلما قضينا الحج أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم مع عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق إلى التنعيم، فاعتمرت، فقال: هذا مكان عمرتك، فطاف الذين أهلوا بالعمرة بالبيت وبين الصفا والمروة ثم حلوا منها، ثم طافوا طوافا آخر بعد أن رجعوا من منى لحجهم وأما الذين كانوا أهلوا بالحج أو جمعوا الحج والعمرة فإنما طافوا طوافاً واحداً.
وحدثني ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة بمثل ذلك
(2)
.
(1)
زاد المعاد (2/ 169).
(2)
الموطأ (1/ 410).
(*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: ما بين المعكوفين ليس في المطبوع
ففي هذه الرواية تابع فيها القاسم بن محمَّد عروة بن الزبير بقوله: "دعي عمرتك".
[لكن هذه المتابعة خطأ قطعاً، التبس على يحيى الراوي عن مالك حديث مالك، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة، بحديث عبد الرحمن ابن القاسم، عن القاسم، عن عائشة، وكل من رواه عن عبد الرحمن بن القاسم على كثرتهم لم يذكروا هذا عنه]
(1)
.
(1)
قال ابن عبد البر في التمهيد (19/ 263): "روى يحيى عن مالك بهذا الإسناد، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة، ولم يتابعه عليه أحد فيما علمت من رواة الموطأ، وإنما هذا الحديث في الموطأ عند جماعة الرواة عن مالك، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة - هكذا بهذا الإسناد، وهو عند يحيى بهذا الإسناد كذلك أيضاً، وبإسناد آخر، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة، فانفرد يحيى لهذا الحديث بهذا الإسناد، وحمل عنه هذا الحديث بهذين الإسنادين، عن مالك في الموطأ، وليس ذلك عند غيره في الموطأ - والله أعلم.
ثم قال: "وأما قوله: "انقضي رأسك وامتشطي
…
فهذا لم يقله أحد عن عائشة غير عروة، لا القاسم، ولا غيره".
وقال أيضاً في التمهيد (8/ 199): "وهذا شيء لم يتابع يحيى عليه أحد من رواة الموطأ فيما علمت، ولا غيرهم عن مالك، أعني إسناد عبد الرحمن بن القاسم في هذا المتن، وإنما رواه أصحاب مالك كلهم كما ذكرنا عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة".
وقال أيضاً (8/ 100): "فحصل ليحيى حديث هذا الباب بإسنادين، ولم يفعل ذلك أحد غيره، وإنما هو عند جميعهم، عن مالك بإسناد واحد، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة، وهو المحفوظ المعروف عن مالك، وسائر رواة ابن شهاب".
وقال أيضاً (8/ 202): "كل من رواه عن مالك بتمامه أو مختصراً لم يروه عنه إلا بإسناد واحد، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة، إلا يحيى صاحبنا، فإنه رواه بإسنادين، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة، وعن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة
الجواب الثاني:
قال ابن عبد البر: "جماعة من أصحابنا تأولوا قوله: "ودعي العمرة" دعي عمل العمرة، يعني الطواف بالبيت، والسعي بين الصفا والمروة، وكذلك تأولوا من روى: "واسكتي عن العمرة" ورواية من روى: "وأمسكي عن العمرة": أي أمسكي عن عمل العمرة، لا أنه أمر برفضها، وابتداء الحج وإنشائه كما زعم العراقيون"
(1)
.
وقال ابن القيم: قوله "دعي العمرة" أي دعيها بحالها، لا تخرجي منها، وليس المراد تركها، قالوا: ويدل عليه وجهان:
أحدهما: قوله: "يسعك طوافك لحجك وعمرتك"
الثاني: قوله: "كوني في عمرتك" قالوا: وهذا أولى من حمله على رفضها لسلامته من التناقض"
(2)
.
الجواب الثالث:
قالوا: كانت عائشة يومئذ مهلة بالحج، ولم تكن مهلة بعمرة، وإذا كانت
فأعضل. اهـ
وانظر الموطأ برواية أبي مصعب الزهري ح (1325، 1324) والموطأ برواية الشيباني ح (466، 456) تجد صحة ما ذكره ابن عبد البر في التمهيد.
فرجع اللفظ إلى عروة، وصحت دعوى تفرد عروة بقوله:"دعي عمرتك" عن سائر الرواة. والله أعلم.
(1)
التمهيد (8/ 216، 215).
(2)
زاد المعاد (2/ 169).
مهلة بالحج سقط القول عنا في رفض العمرة؛ لأنها لم تكن مهلة بعمرة
(1)
.
(358)
فقد روى البخاري رحمه الله، قال: حدثنا خالد بن مخلد، حدثنا سليمان، قال: حدثني يحيى، قال: حدثتني عمرة، قالت: سمعت عائشة رضي الله تعالى عنها تقول:
خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لخمس بقين من ذي القعدة، ولا نرى إلا الحج، حتى إذا دنونا من مكة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من لم يكن معه هدي إذا طاف بالبيت أن يحل. قالت عائشة رضي الله تعالى عنها: فدخل علينا يوم النحر بلحم بقر، فقلت: ما هذا؟ فقيل: ذبح النبي صلى الله عليه وسلم عن أزواجه. قال يحيى: فذكرت هذا الحديث للقاسم، فقال: أتتك بالحديث على وجهه. ورواه مسلم
(2)
.
وتابع الأسود بن يزيد النخعي عمرة على قولها: "لا نرى إلا الحج".
(359)
فقد روى البخاري رحمه الله، قال: حدثنا أبو النعمان، حدثنا أبو عوانة، عن منصور، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ولا نرى إلا الحج، فقدم النبي صلى الله عليه وسلم، فطاف بالبيت وبين الصفا والمروة، ولم يحل، وكان معه الهدي فطاف من كان معه من نسائه وأصحابه، وحل منهم من لم يكن معه الهدي، فحاضت هي فنسكنا مناسكنا من حجنا، فلما كان ليلة الحصبة ليلة النفر، قالت: يا رسول الله كل أصحابك يرجع بحج وعمرة غيري. قال: ما كنت تطوفين بالبيت ليالي قدمنا؟
(1)
التمهيد (8/ 217).
(2)
صحيح البخاري (1720)، ومسلم (125 - 1211).
قلت: لا. قال: فاخرجي مع أخيك إلى التنعيم، فأهلي بعمرة، وموعدك مكان كذا وكذا، فخرجت مع عبد الرحمن إلى التنعيم، فأهللت بعمرة وحاضت صفية بنت حيي فقال النبي صلى الله عليه وسلم: عقرى حلقى إنك لحابستنا أما كنت طفت يوم النحر. قالت: بلى. قال: فلا بأس انفري، فلقيته مصعداً على أهل مكة، وأنا منهبطة، أو أنا مصعدة وهو منهبط
(1)
.
كما تابعهما القاسم بن محمَّد، عن عائشة.
(360)
فقد روى البخاري رحمه الله، قال: حدثنا علي بن عبد الله، قال: حدثنا سفيان، قال: سمعت عبد الرحمن بن القاسم، قال: سمعت القاسم يقول:
سمعت عائشة تقول: خرجنا لا نرى إلا الحج، فلما كنا بسرف حضت، فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي، قال: مالك أنفست؟ قلت: نعم. قال: إن هذا أمر كتبه الله علي بنات آدم، فاقضي ما يقضيى الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت. قالت: وضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نسائه بالبقر. ورواه مسلم
(2)
.
بل قالت عائشة في رواية مسلم: "لبينا بالحج".
(361)
قال مسلم: وحدثني أبو أيوب الغيلاني، حدثنا بهز، حدثنا حماد، عن عبد الرحمن، عن، أبيه، عن عائشة رضي الله تعالى عنها، قالت:
لبينا بالحج، حتى إذا كنا بسرف حضت، فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي وساق الحديث بنحو حديث الماجشون
…
(3)
.
(1)
صحيح البخاري (1762)، ومسلم (128 - 1211).
(2)
البخاري (294)، ومسلم (119 - 1211).
(3)
رواه مسلم (121 - 1211).
فهذه عمرة، والأسود، والقاسم يتابع بعضهم بعضاً أن عائشة قالت: خرجنا لا نرى إلا الحج، وقالت: لبينا بالحج. وإذا كانت عائشة حاجة سقط القول برفض العمرة كما يقول الحنفية.
وهذا القول مع أنه قد قيل به
(1)
إلا أنه ضعيف عندي، ومن تأمل الأحاديث تبين أن عائشة أحرمت بالعمرة، وأنها لم ترفض العمرة بل أدخلت الحج على العمرة.
فقد روى البخاري ومسلم من طريق مالك، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة، أنها قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع، فأهللنا بعمرة
…
الحديث من حديث طويل لهما
(2)
.
وقولها: "فأهللنا بعمرة" تقصد نفسها رضي الله عنها.
ولهما من طريق عقيل، عن ابن شهاب به، وفيه:"خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمنا من أهل بعمرة، ومنا من أهل بحج" حتى قالت: "ولم أهلل إلا بعمرة"
(3)
.
وتابع هشام بن عروة ابن شهاب. فرواه البخاري من طريق أبي معاوية
(4)
(1)
ساقه ابن عبد البر في التمهيد (8/ 217) وضعفه.
(2)
صحيح البخاري (4395)، ومسلم (111 - 1211).
(3)
صحيح البخاري (319)، ومسلم (112 - 1211).
(4)
صحيح البخاري (1783) ولفظه: قال البخاري: حدثنا محمَّد بن سلام، أخبرنا أبو معاوية، حدثنا هشام، عن أبيه، عن عائشة رضي الله تعالى عنها خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم موافين لهلال ذي الحجة، فقال لنا: من أحب منكم أن يهل بالحج فليهل، ومن أحب أن يهل
ومن طريق أبي أسامة
(1)
، ومن طريق يحيى بن سعيد
(2)
.
ورواه مسلم، من طريق عبدة بن سليمان
(3)
، ومن طريق ابن نمير
(4)
، ومن طريق وكيع
(5)
، كلهم، عن هشام بن عروة، عن عروة، عن عائشة، وفيه: فأهل
بعمرة فليهل بعمرة، فلولا أني أهديت لأهللت بعمرة. قالت: فمنا من أهل بعمرة، ومنا من أهل بحج، وكنت ممن أهل بعمرة الحديث.
(1)
صحيح البخاري (317)، ولفظه، قال البخاري: حدثنا عبيد بن إسماعيل، قال: حدثنا أبو أسامة، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة، قالت: خرجنا موافين لهلال ذي الحجة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أحب أن يهل بعمرة فليهلل؛ فإني لولا أني أهديت لأهللت بعمرة، فأهل بعضهم بعمرة، وأهل بعضهم بحج، وكنت أنا ممن أهل بعمرة، فأدركني يوم عرفة وأنا حائض، فشكوت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: دعي عمرتك وانقضي رأسك، وامتشطي وأهلي بحج، ففعلت حتى إذا كان ليلة الحصبة أرسل معي أخي عبد الرحمن بن أبي بكر، فخرجت إلى التنعيم ن فأهللت بعمرة مكان عمرتي.
(2)
صحيح البخاري (1786)، قال البخاري: حدثنا محمَّد بن المثنى، حدثنا يحيى، حدثنا هشام، قال: أخبرني أبي، قال: أخبرتني عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم موافين لهلال ذي الحجة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أحب أن يهل بعمرة فليهل، ومن أحب أن يهل بحجة فليهل، ولولا أني أهديت لأهللت بعمرة، فمنهم من أهل بعمرة، ومنهم من أهل بحجة وكنت ممن أهل بعمرة. الحديث.
(3)
صحيح مسلم (115 - 1211). ولفظه، قال مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا عبدة بن سليمان، عن هشام عن أبيه، عن عائشة رضي الله تعالى عنها، قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في ححة الوداع موافين لهلال ذي الحجة، قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أراد منكم أن يهل بعمرة فليهل، فلولا أني أهديت لأهللت بعمرة، قالت: فكان من القوم من أهل بعمرة ومنهم من أهل بالحج، قالت: فكنت أنا ممن أهل بعمرة. الحديث.
(4)
صحيح مسلم (116 - 1211) قال مسلم: وساق الحديث. بمثل حديث عبدة. اهـ وقد سقت لك حديث عبدة.
(5)
صحيح مسلم (117 - 1211)، ولفظه، قال مسلم: حدثنا أبو كريب، حدثنا وكيع
بعضهم بعمرة، وبعضهم بحج، وكنت أنا ممن أهل بعمرة.
وجاء أيضاً من غير حديث عائشة أنها كانت ممن أحرم بعمرة.
(362)
فقد روى مسلم رضي الله عنه، قال: حدثنا قتيبة بن سعيد ومحمد ابن رمح جميعا، عن الليث بن سعد، قال قتيبة: حدثنا ليث، عن أبي الزبير،
عن جابر رضي الله تعالى عنه أنه قال: أقبلنا مهلين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بحج مفرد وأقبلت عائشة رضي الله تعالى عنها بعمرة حتى إذا كنا بسرف عركت، حتى إذا قدمنا طفنا بالكعبة والصفا والمروة، فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحل منا من لم يكن معه هدي، قال فقلنا: حل ماذا؟ قال: الحل كله، فواقعنا النساء وتطيبنا بالطيب، ولبسنا ثيابنا وليس بيننا وبين عرفة إلا أربع ليال، ثم أهللنا يوم التروية ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على عائشة رضي الله تعالى عنها، فوجدها تبكي، فقال: ما شأنك؟ قالت: شأني أني قد حضت وقد حل الناس ولم أحلل، ولم أطف بالبيت، والناس يذهبون إلى الحج الآن، فقال: إن هذا أمر كتبه الله علي بنات آدم، فاغتسلي، ثم أهلي بالحج، ففعلت، ووقفت المواقف حتى إذا طهرت طافت بالكعبة والصفا والمروة، ثم قال: قد حللت من حجك وعمرتك جميعا. فقالت: يا رسول الله إني أجد في نفسي أني لم أطف بالبيت حتى حججت، قال: فاذهب بها يا عبد الرحمن، فأعمرها من التنعيم وذلك ليلة الحصبة
(1)
.
حدثنا هشام، عن أبيه، عن عائشة، رضي الله تعالى عنها، قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم موافين لهلال ذي الحجة، منا من أهل بعمرة، ومنا من أهل بحجة وعمرة، ومنا من أهل بحجة، فكنت فيمن أهل بعمرة.
(1)
صحيح مسلم (1213).
وجابر من أكثر الناس عناية بحجة النبي صلى الله عليه وسلم، وقد صرح رضي الله عنه أن عائشة كانت ممن أهل بالعمرة، وأنها حاضت، وأنها قالت للرسول صلى الله عليه وسلم: حل الناس ولم أحلل، ولم أطف بالبيت، والناس يذهبون إلى الحج الآن: أي لم تحلل من عمرتها، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لها: قد حللت من حجك وعمرتك جميعاً، وأن طوافها للعمرة بعد نسكها لم يكن إلا من باب تطييب خاطرها، حيث قالت للرسول صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله إني أجد في نفسي أني لم أطف بالبيت حتى حججت. فهذا الحديث يوضح ما أجمل من الروايات الأخرى.
بقي الجواب على الروايات التي سقناها، والتي فيها:"خرجنا لا نرى إلا الحج"
الجواب على ذلك أن يقال:
قول عائشة رضي الله عنها: خرجنا لا نرى إلا الحج، أو قالت: لبينا بالحج. فهذا والله أعلم أنه كان منهم نية قبل أن يدخلوا في النسك خاصة أنهم كانوا لا يرون العمرة في أشهر الحج، وعليه فيكون معنى خرجنا لا نرى: أي لا نعتقد. كما تقول: أرى كذا: أي أعتقده وأظنه، وحين قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أحب أن يهل بالحج فليهلل، ومن أحب أن يهل بالعمرة فليهلل، فأحرمت عائشة بالعمرة، خاصة أنها روت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله:"لولا أن أهديت لأهللت بعمرة". والذي يؤيد ذلك ما سقناه من الروايات أن عائشة أحرمت بالعمرة، ولأن قولها خرجنا لا نرى إلا الحج، كونها ربطت ذلك بالخروج دليل على أن ذلك كان نية لها عند خروجها.
وقال ابن القيم: غاية من زعم أنها كانت مفردة قولها: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نرى إلا الحج. فيا لله العجب!! أيظن بالمتمتع أنه خرج لغير الحج، بل خرج للحج متمتعاً، كما أن المغتسل للجنابة إذا بدأ فتوضأ لا يمتنع أن يقول: خرجت لغسل الجنابة، وصدقت أم المؤمنين رضي الله عنها إذ كانت لا ترى إلا أنه الحج حتى أحرمت بعمرة بأمره صلى الله عليه وسلم، وكلامها يصدق بعضه بعضاً
(1)
.
ووجه آخر ذكره ابن عبد البر، قال:"ليس في رواية من روى عن عائشة: كنا مهلين بالحج، وخرجنا لا نرى إلا الحج، بيان انها كانت مهلة بالحج، وإنما هو استدلال؛ لأنه يحتمل أن تكون أرادت بقولها: خرجنا، تعني خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه مهلين بالحج، تريد بعض أصحابه، أو أكثر أصحابه، والله أعلم، وليس الاستدلال المحتمل للتأويل كالصريح، وقد صرح جابر بأنها كانت مهلة يومئذ بعمرة، كما قال عروة عنها، قالوا: والوهم الذي دخل على عروة، والله أعلم، وإنما كان في قوله: انقضي رأسك، وامتشطي، ودعي العمرة، وأهلي بالحج" اهـ
(2)
.
والذي ذكرته أرجح، ولا يحتمل الحذف والتقدير.
وجه ثالث: أن عائشة أحرمت أولا بالحج، ثم أحرمت بالعمرة حين أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بفسخ الحج إلى العمرة. ثم لما حاضت وتعذر عليها إتمام العمرة والتحلل منها وأدركت الإحرام بالحج أمرها النبي صلى الله عليه وسلم بالإحرام بالحج
(1)
زاد المعاد (2/ 170).
(2)
التمهيد (8/ 221).
فأحرمت به فصارت مدخلة للحج على العمرة وقارنة.
وهذا ضعيف؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أمر الصحابة أن يحلوا بعد طوافهم وسعيهم، ولو كانت عائشة قد طافت لم تحتج إلى إدخال العمرة على الحج. والله أعلم.
الجواب عن قوله صلى الله عليه وسلم هذه مكان عمرتك.
أجابوا بعدة وجوه:
أحدها: قال ابن القيم: قوله: "هذه مكان عمرتك" فعائشة أحبت أن تأتي بعمرة مفردة، فأخبرها النبي صلى الله عليه وسلم أن طوافها وقع عن حجتها وعمرتها، وأن عمرتها قد دخلت في حجها، فصارت قارنة، فأبت إلا عمرة مفردة كما قصدت أولاً فلما حصل لها ذلك، قال: هذه مكان عمرتك"
(1)
.
فهذه عمرة مفردة مكان عمرتك المفردة التي لم تتم لك منفردة، كما تمت لسائر أمهات المؤمنين، وكما تمت للناس الذين فسخوا الحج إلى العمرة وأتموا العمرة وتحللوا منها قبل يوم التروية ثم أحرموا بالحج من مكة يوم التروية فحصلت لهم عمرة منفردة.
وقيل: أحرمت أولا بالحج كما صح عنها في رواية الأكثرين، وكما هو الأصح من فعل النبي صلى الله عليه وسلم وأكثر أصحابه، ثم أحرمت بالعمرة حين أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بفسخ الحج إلى العمرة. ثم لما حاضت وتعذر عليها إتمام العمرة والتحلل منها وأدركت الإحرام بالحج أمرها النبي صلى الله عليه وسلم بالإحرام بالحج فأحرمت
(1)
زاد المعاد (2/ 170، 169).
به فصارت مدخلة للحج على العمرة وقارنة
(1)
.
وهذا ضعيف لأنه مبنى على أن عائشة رضي الله عنها كانت محرمة بالحج أولا وقد بينت بالأحاديث الصحيحة أن عائشة أهلت بالعمرة، ولم تهل بالحج.
وقيل: بضعف رواية: "هذه مكان عمرتك"
قال مالك: ليس العمل على حديث عروة عن عائشة عندنا قديما ولا حديثا
(2)
.
فقيل تفرد عروة، عن عائشة بقوله:"هذه مكان عمرتك"، وهي غير محفوظة، فكما قيل: بشذوذ "دعي عمرتك" يقال: هنا. وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: يسعك طوافك لحجك وعمرتك.
(363)
فقد روى مسلم، قال: حدثني محمَّد بن حاتم، حدثنا بهز، حدثنا وهيب، حدثنا عبد الله بن طاوس، عن أبيه،
عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها أهلت بعمرة، فقدمت، ولم تطف بالبيت حتى حاضت، فنسكت المناسك كلها وقد أهلت بالحج، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم يوم النفر: يسعك طوافك لحجك وعمرتك، فأبت. فبعث بها مع عبد الرحمن إلى التنعيم فاعتمرت بعد الحج
(3)
.
(1)
الديباج على صحيح مسلم (3/ 309).
(2)
المفهم لما أشكل من تلخيص مسلم (3/ 301)، الديباج على صحيح مسلم (3/ 309).
(3)
صحيح مسلم (132 - 1211). وهو في مسند أحمد (6/ 124).
وفي رواية جابر عند مسلم، وفيه:"حتى إذا طهرت طافت بالكعبة والصفا والمروة، ثم قال رسول الله: قد حللت من حجك وعمرتك جميعا. فقالت: يا رسول الله إني أجد في نفسي أني لم أطف بالبيت حتى حججت، قال: فاذهب بها يا عبد الرحمن، فأعمرها من التنعيم"
(1)
.
الجواب عن قوله صلى الله عليه وسلم انقضي رأسك وامتشطي.
أجابوا عدة إجابات، منها.
أولاً: شذوذ هذه اللفظة، كما قدمنا النقل عن ابن قدامة، وابن عبد البر، وابن القيم، وغيرهم.
ثانياً: على فرض أن اللفظ محفوظ، فهو دليل على أنه يجوز للمحرم أن يمشط رأسه، ولا دليل من كتاب، ولا سنة، ولا إجماع على منع المحرم من تمشيط رأسه، وهذا قول ابن حزم
(2)
.
ثالثاً: أنها كانت مضطرة إلى ذلك، فرخص لها كما رخص لكعب بن عجرة
(3)
.
وهذا ضعيف؛ لأنها لو كانت مضطرة لجاء ذكر ذلك في الحديث، وقوله صلى الله عليه وسلم لها:"انقضي رأسك" لم يكن بناء على طلب منها في نقض رأسها أو بسبب ألم برأسها. ولو كان محرماً تمشيط شعرها، وكانت مضطرة لنقضه لوجب
(1)
صحيح مسلم (1213)، وقد سقته بتمامه قريباً انظر رقم (233).
(2)
زاد المعاد (2/ 169).
(3)
المفهم (3/ 300).