الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الرابع: هل للحائض أن تسعى بين الصفا والمروة
لا يوجد دليل يمنع الحائض من السعي بين الصفا والمروة، بل هناك دليل إيجابي على أن للحائض أن تسعى بين الصفا والمروة.
(347)
فقد روى البخاري رحمه الله، قال: حدثنا أبو نعيم، قال: حدثنا عبد العزيز بن أبي سلمة، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن القاسم بن محمد،
عن عائشة، قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نذكر إلا الحج، فلما جئنا سرف طمثت، فدخلت علي النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي. فقال: ما يبكيك؟ قلت: لوددت والله أني لم أحج العام. قال: لعلك نُفست؟ قلت: نعم. قال: فإن ذلك شيء كتبه الله على بنات آدم، فافعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت حتى تطهري". ورواه مسلم
(1)
.
فالحديث لم يستثن من أفعال المناسك شيئاً إلا الطواف، ولا يقال: إن السعي بين الصفا والمروة طوافا بينهما، لأن الطواف إذا أطلق لا ينصرف إلا إلى الطواف بالبيت، وكما يقال: الاستثناء معيار العموم، فلما استثنى الطواف بقى ما عداه جائزاً.
قال ابن حزم: "ولها - يعني الحائض - أن تطوف بين الصفا والمروة، لأنها لم تنه إلا عن الطواف بالبيت فقط" اهـ
(2)
.
(1)
صحيح البخاري (305)، وصحيح مسلم (120 - 1211).
(2)
المحلى (7/ 180).
(348)
ويشكل على هذا ما رواه مالك: عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه،
عن عائشة أنها قالت: قدمت مكة وأنا حائض، فلم أطف بالبيت، ولا بين الصفا والمروة، فشكوت ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:"افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت ولا بين الصفا والمروة حتى تطهري"
(1)
.
[الحديث ظاهره منع الحائض من السعي بين الصفا والمروة، لكن زيادة: (ولا بين الصفا والمروة) زيادة شاذة].
قال ابن عبد البر: "هكذا قال يحيى عن مالك في هذا الحديث غير ألا تطوفي بالبيت، ولا بين الصفا والمروة حتى تطهري، وقال غيره من رواة الموطأ: غير ألا تطوفي بالبيت حتى تطهري لم يذكروا "ولا بين الصفا والمروة" ولا ذكر أحد من رواة الموطأ في هذا الحديث "ولا بين الصفا والمروة" غير يحيى فيما علمت، وهو عندي وهم منه. والله أعلم"
(2)
.
(1)
الموطأ (1/ 411) ح 224.
(2)
التمهيد كما في فتح البر (8/ 488). قلت: خالف يحيى بن يحيى جماعة رووه عن مالك بدونها، وإليك بعض من وقفت عليه منهم:
الأول: عبد الله بن يوسف، عند البخاري (1650).
الثاني: خالد بن مخلد كما عند الدارمي (1846).
الثالث: الشافعي كما في مسنده (1/ 369).
الرابع: أحمد بن أبي بكر أبو مصعب الزهري. الموطأ بروايته (1325) وابن حبان (3824)، والبغوي في شرح السنة (1914).
الخامس: محمد بن الحسن الشيباني. الموطأ بروايته (465).
(349)
وأما ما جاء عن ابن عمر عند ابن أبي شيبة: حدثنا أبو معاوية، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع،
عن ابن عمر قال: تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف بالبيت، وبين الصفا والمروة
(1)
.
[وسنده صحيح] وصحح إسناده الحافظ ابن حجر
(2)
.
فهذا مع كونه موقوفاً على ابن عمر إلا أنه محمول على الرأي الذي يقول: إن السعي لا بد أن يتقدمه طواف، فلا يصح السعي من الحائض إذا لم تكن قد طافت بالبيت، والذي يجعلني أحمله على هذا المحمل
(350)
ما رواه ابن أبي شيبة، قال: حدثنا عبد الوهاب الثقفي، عن عبيد الله ابن عمر، عن نافع،
فهؤلاء خمسة رواة رووا الحديث عن مالك بدون هذه الزيادة، كما روى الحديث جماعة عن شيخ مالك بدون هذه الزيادة، مما يجعل الباحث يجزم بوهم يحيى بن يحيى، وإليك بعضهم:
الأول: عبد العزيز بن أبي سلمة عند البخاري (305)، ومسلم (120/ 1211) وغيرهما.
الثاني: سفيان بن عيينة كما عند البخاري (294، 5548، 5549، 5559)، ومسلم (119 - 1211). وغيرهما.
الثالث: حماد بن سلمة، كما عند الطيالسي (1413)، وأحمد 6 - 219)، ومسلم (121 - 1211)، وأبو داود (1782).
فهؤلاء رووه عن عبد الرحمن بن القاسم شيخ مالك، عن القاسم، عن عائشة بدون زيادة:"ولا بين الصفا والمروة".
(1)
المصنف (3/ 284)14361.
(2)
الفتح في شرحه لحديث (1650).
عن ابن عمر، قال: إذا طافت بالبيت ثم حاضت قبل أن تسعى بين الصفا والمروة فلتسع بين الصفا والمروة.
[وسنده صحيح]
(1)
.
وتقدم السعي على الطواف فيه تفصيل، أما في العمرة فهو إجماع لا يصح أن يتقدم السعي على الطواف.
قال ابن عبد البر: "أجمع العلماء على أن المعتمر لا يسعى بين الصفا والمروة حتى يطوف بالبيت، وعليه يحمل فعل عائشة رضي الله عنها لما حاضت، فإنها لم تسع بين الصفا والمروة، لأنها كانت قد أحرمت بالعمرة"
(2)
.
وأما تقديم سعي الحج على طواف الحج ففيه خلاف بين العلماء، ليس هذا موضع بحثه لأنه من مباحث الحج الخاصة، لا تعلق له بالحيض، والراجح، والله أعلم جواز تقديم السعي على طواف الحج
(351)
لما رواه البخاري، قال: حدثنا عبد الله بن يوسف، أخبرنا مالك، عن ابن شهاب، عن عيسى بن طليحة،
عن عبد الله بن عمرو، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف في حجة الوداع وجعلوا يسألونه، فقال رجل: لم أشعر حلقت قبل أن أذبح قال: اذبح ولا حرج، وجاء آخر فقال: لم أشعر فنحرت قبل أن أرمي. قال: ارم ولا حرج فما سئل النبي صلى الله عليه وسلم
(1)
المصنف (1/ 287)14394.
(2)
التمهيد، كما في فتح البر (8/ 282)
يوماً إذْ عن شيء قدم ولا أخر، إلا قال: افعل ولا حرج. ورواه مسلم
(1)
وجه الاستدلال:
قوله: فما سئل النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ - يعني يوم النحر - عن شيء قدم ولا أخر إلا قال: "افعل ولا حرج"، ويدخل في ذلك الطواف والسعي، لأنهما من الأعمال التي تعمل يوم النحر، والله أعلم.
وقد رأى جماعة من التابعين جواز السعي بدون طهارة.
(352)
فقد روى ابن أبي شيبة، قال: حدثنا حفص بن غياث، عن حجاج، قال: سألت عطاء عن امرأة طافت بالبيت ثم حاضت. قال: تسعى بين الصفا والمروة
(2)
.
[والإسناد حسن لغيره، فيه حجاج بن أرطأة، فيه ضعف، ولكن له متابع].
(353)
فقد روى ابن أبي شيبة، قال: حدثنا عبد الأعلى، عن هشام، عن الحسن وعطاء، قالا: تسعى بين الصفا والمروة
(3)
.
[وهذا الإسناد وإن كان رجاله كللهم ثقات إلا أن هشام بن حسان في روايته عن الحسن وعطاء مقال. فالإسناد بمجموع الطريقين يصبح حسناً لغيره]
وهو مذهب إبراهيم النخعي، والحكم، وحماد
(4)
، بأن للحائض أن تسعى بين الصفا والمروة.
(1)
صحيح البخاري (1736)، ومسلم (327 - 1306).
(2)
المصنف (3/ 287)14395.
(3)
المصنف (3/ 287)14396.
(4)
رواه ابن أبي شيبة بسند صحيح عنهم. انظر المصنف (3/ 287).