الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني: في هل يستحب للحائض أن تتوضأ وقت الصلاة، وتجلس في مصلاها تذكر الله وتسبحه مقدار الصلاة
.
قال النووي: مذهبنا ومذهب جمهور العلماء من السلف والخلف، أنه ليس على الحائض وضوء ولا تسبيح، ولا ذكر في أوقات الصلوات، ولا في غيرها، وممن قال بهذا الأوزاعي ومالك، والثوري، وأبو حنيفة وأصحابه وأبو ثور، حكاه عنهم ابن جرير
(1)
.
وقال ابن نجيم من الحنفية: وأما أئمتنا فقالوا: إنه يستحب لها أن تتوضأ لوقت كل صلاة، وتقعد على مصلاها تسبح، وتهلل، وتكبر
(2)
.
وقال أيضاً: وصحح في الظهيرية أنها تجلس مقدار أداء فرض الصلاة كيلا تنسى العبادة.
دليل من استحب لها الذكر وقت الصلاة
.
(266)
واستدل من استحب ذلك بما رواه الطبراني، قال: حدثنا جعفر بن محمّد الفريابي، ثنا محمّد بن سماعة الرملي. (ح) وحدثنا محمّد بن جابر، ثنا محمّد بن أبان البلخي، قالا: ثنا أيوب بن سويد الرملي، عن عتبة بن أبي حكيم، عن أبي سفيان طلحة بن نافع،
حدثني عبد الله بن عباس، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم وعد العباس ذوداً من إبل،
(1)
في المجموع (2/ 380)
(2)
البحر الرائق (1/ 203)
فبعثني إليه، فبت عنده، وكانت ليلة ميمونة بنت الحارث، فنام النبي صلى الله عليه وسلم غير كثير، فتوسدت التي توسدها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قام عليه السلام فتوضأ، فأسبغ الوضوء، وأقل هراقة الماء، ثم قام فافتتح الصلاة، وكانت ميمونة حائضاً فقامت فتوضأت، ثم قعدت خلفه تذكر الله أنه بات عند النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة ميمونة بنت الحارث، فقام النبي صلى الله عليه وسلم فاسبغ الوضوء، وقل هراقه لماء، وقام فافتتح الصلاة، فقمت فتوضأت، وقمت عن يساره، فأخذ بأذني فأقامني عن يمينه، وكانت ميمونة حائضاً فقامت فتوضأت ثم قعدت خلفه تذكر الله عز وجل
(1)
.
[ضعيف]
(2)
.
(1)
مسند الشاميين (737، 734)
(2)
في إسناده: أيوب بن سويد الرملي.
قال أحمد: ضعيف.
وقال ابن معين: ليس بشيء، كان يسرق. الكامل (1/ 359)، الضعفاء للعقيلي (1/ 113).
وقال مرة: كان يدعي أحاديث الناس. الكامل (1/ 359).
وقال البخاري: يتكلمون فيه.
وفال النسائي: ليس بثقة.
وذكر الترمذى أن ابن المبارك ترك حديثه. تهذيب التهذيب (1/ 354).
وقال أيضاً: ارم به. ضعفاء العقيلي. (1/ 113).
وقال أبو حاتم: لين الحديث. الجرح والتعديل (2/ 249).
وفيه أيضاً: عتبة بن أبي حكيم.
وثقه يحيى بن معين، كما في رواية الدوري. تهذيب التهذيب (6/ 87). الكامل (5/ 357).
وقال ابن رجب: وقد استحب طائفة من السلف أن تتوضأ في وقت كل، صلاة مفروضة، وتستقبل القبلة، وتذكر الله عز وجل بمقدار تلك الصلاة، منهم الحسن، وعطاء، وأبو جعفر محمّد بن علي، وهو قول إسحاق، وروي عن عقبة بن عامر أنه كان يأمر الحائض بذلك وأن تجلس بفناء مسجدها. خرجه الجوزجاني. وقال مكحول: كان ذلك من هدي نساء المسلمين في أيام حيضهن
(1)
.
(267)
أما قول عطاء: فأخرجه ابن أبي شيبة، قال رحمه الله: حدثنا حفص بن غياث، عن عبد الملك، عن عطاء أنه كان يقول في الحائض: تتنظف وتتخذ مكاناً في مواقيت الصلاة تذكر الله فيه
(2)
.
وعبد الملك لم ينسبه الراوي، ويحتمل أن يكون ابن جريح، ويحتمل أن يكون عبد الملك بن أبي سليمان العرزمي، فإن كان الأول فإنه، وإن كان ثقة إلا
وقال مرة: ضعيف الحديث. كما في رواية ابن أبي خيثمة. الجرح والتعديل (6/ 370).
وقال أيضاً: والله الذي لا إله إلا هو إنه لمنكر الحديث. كما في رواية أبي داود عنه تهذيب الكمال (19/ 300).
وضعفه النسائي. وقال مرة: ليس بالقوي. تهذيب التهذيب (6/ 87).
وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به. الكامل (5/ 357).
وقال أبو حاتم: كان أحمد يوهنه قليلاً.
وقال أبو حاتم أيضاً: صالح، لا بأس به.
(1)
شرح ابن رجب للبخاري (2/ 130)
(2)
المصنف (2/ 128)7265.
أنه مدلس وقد عنعن. إلا أني أرى أنه مكثر عن عطاء، فلا تؤثر عنعنته.
وإن كان الثاني وهو الراجح، فإن الإسناد صحيح، لأن عبد الملك ابن عبد العزيز بن جريح قد غلبت عليه كنيته، فأكثر المصنفين يذكرونه بكنيته، وإذا ذكروا اسمه ذكروا معه كنيته بخلاف الثاني.
وأما قول الحسن فقد ثبت عنه بسند صحيح
(268)
فقد روى ابن أبي شيبة: حدثنا يزيد بن هارون، عن يزيد ابن إبراهيم، عن الحسن قال: سمعته يقول في الحائض:
توضأ عند كل صلاة وتذكر الله.
[إسناده صحيح]
(1)
.
وأما قول أبي جعفر:
(269)
فرواه ابن أبي شيبة: حدثنا وكيع، عن إسرائيل، عن جابر، عن أبي جعفر قال:
إنا لنأمر نساءنا في الحيض أن يتوضأن في وقت كل صلاة، ثم يجلسن ويسبحن ويذكرن الله
(2)
.
[إسناده ضعيف جداً]
(3)
.
(1)
المصنف (1/ 129) رقم 7271
(2)
المصنف (1/ 128) رقم 7270
(3)
فيه جابر بن يزيد الجعفي اتهمه بالكذب، زائدة.
وقال أبو حنيفة: ما أتيته بشيء من رأيي إلا جاءني فيه بأثر.
وقال النسائي: متروك الحديث، وقال الحاكم: أبو أحمد ذاهب الحديث.
وأما قول عقبة بن عامر
(270)
فرواه ابن أبي شيبة، قال: حدثنا أبو عبد الرحمن المقري، عن سعيد ابن أبي أيوب، قال: حدثني خالد بن يزيد الصدفي، عن أبيه عن عقبة بن عامر
أنه كان يأمر المرأة الحائض وقت الصلاة أن تتوضأ وتجلس بفناء المسجد، وتذكر الله وتهلل وتسبح
(1)
.
ولم أقف على ترجمة خالد بن يزيد الصدفي، ولا ترجمة أبيه، وباقي رجاله ثقات
(2)
. والله أعلم.
والحق أن استحباب ذلك بدعة.
قال ابن رجب: "وأنكر ذلك أكثر العلماء، وقال أبو قلابة: قد سألنا عن هذا فما وجدنا له أصلاً.
وقال سعيد بن عبد العزيز: ما نعرف هذا ولكننا نكرهه.
وقال ابن عبد البر: على هذا القول جماعة الفقهاء، وعامة العلماء في الأمصار"
(3)
.
(1)
المصنف (1/ 128) رقم 7269
(2)
إلا أن يكون خالد بن يزيد الجمحي، فإنه مصري، يروي عنه سعيد بن أبي أيوب، خاصة أن النسبة إلى الصدف: قال عنها السمعاني في الأنساب (3/ 528): "هي قبيلة من حمير نزلت مصر". فإن كان هو فإنه ثقة، من رجال الجماعة.
(3)
شرح ابن رجب للبخاري (2/ 130).
وقول أبي قلابة الذي أشار إليه الحافظ ابن رجب. قد رواه ابن أبي شيبة، قال رحمه الله:
(271)
حدثنا معتمر، عن أبيه، قال: قيل لأبي قلابة: الحائض تسمع الأذان فتوضأ، وتكبر، وتسبح، قال: قد سألنا عن ذلك فما وجدنا له أصلاً.
[سنده صحيح]
(1)
.
(272)
وروى ابن أبي شيبة، قال رحمه الله: حدثنا ابن مهدي، عن شعبة، قال: سألت الحكم وحماداً فكرهاه
(2)
.
ولسنا نمنع الحائض من ذكر الله تعالى، فإن ذكر الله مستحب في كل حين، لكن استحبابه على هذه الصفة بدعة.
فأولاً: أين الدليل على مشروعية الوضوء للحائض؟
قال النووي: إذا قصدت الطهارة تعبداً مع علمها بأنها لا تصح فتأثم بهذا، لأنها متلاعبة بالعبادة، فأما إمرار الماء عليها بغير قصد العبادة فلا تأثم به بلا خلاف. وهذا كما أن الحائض إذا أمسكت عن الطعام بقصد الصوم أثمت، وإن أمسكت بلا قصد لم تأثم. اهـ
(3)
.
ثانياً: لا يكفي أن يكون أصل العبادة مشروعاً، حتى يكون فعلها مشروعاً في وقت مخصوص. فكل من تحرى وقتاً معيناً في أداء عبادة معينة، فإن كان هناك
(1)
المصنف - ابن أبي شيبة (1/ 128) رقم 7266.
(2)
المصنف (1/ 128) رقم 7268.
(3)
المجموع (2/ 382)
دليل على تحريه هذا الوقت وإلا كان تحريه لها بدعة، ولا يشفع له أن أصلها مشروع. فنقول في مسألتنا هذه:
أين الدليل على تحريها للذكر أوقات الصلاة؟
بل تذكر الله في غير أوقات الصلوات من الذكر المطلق والمقيد، ولا يكون ذلك بسبب الحيض، بل لأن ذكر الله مشروع في كل وقت.
(273)
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة حين حاضت: "افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت حتى تطهري"
(1)
.
وقوله: "افعلي ما يفعل الحاج" دخل فيه جميع ما يفعله الحجاج من ذكر الله فإنها تقف بعرفة وتدعو هناك وتذكر الله، وتقف في المشعر الحرام وتذكر الله هناك، وترمي الجمارات، وتذكر الله بعد رمي الجمرة الأولى والوسطى، فهي ليست ممنوعة من ذكر الله، لكن استحبابه على صفة مخصوصة يحتاج إلى دليل.
نعم جاء لها ذكر معين من الممكن أن يكون من الذكر المقيد.
(274)
فقد روى البخاري، قال رحمه الله: حدثنا محمّد، حدثنا عمر ابن حفص، قال: حدثنا أبي، عن عاصم، عن حفصة، عن أم عطية قالت: كنا نؤمر أن نخرج يوم العيد، حتى تخرج البكر من خدرها، حتى تخرج الحيض، فيكن خلف الناس، فيكبرن بتكبيرهم، ويدعون بدعائهم، يرجون بركة ذلك اليوم وطهرته. وهو في مسلم، دون قوله: ويدعون بدعائهم يرجون بركة ذلك اليوم وطهرته
(2)
.
(1)
رواه البخاري (305) ومسلم أيضاً.
(2)
صحيح البخاري (971)، مسلم (890).