الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدليل الرابع:
(336)
ما رواه الترمذي، قال رحمه الله: حدثنا قتيبة، حدثنا، جرير عن عطاء بن السائب، عن طاوس،
عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الطواف حول البيت مثل الصلاة إلا أنكم تتكلمون فيه فمن تكلم فيه فلا يتكلمن إلا بخير.
قال أبو عيسى وقد روي هذا الحديث عن ابن طاوس وغيره عن طاوس عن ابن عباس موقوفاً، ولا نعرفه مرفوعاً إلا من حديث عطاء بن السائب.
[إسناده ضعيف، والراجح وقفه على ابن عباس]
(1)
.
(1)
إسناده ضعيف؛ لأن جريراً متأخر السماع من عطاء بن السائب، وهو قد اختلط، إلا أنه لم ينفرد به، فقد تابعه الثوري، وقد اتفقوا على أنه سمع منه قبل الاختلاط.
وقد اختلف على عطاء في هذا الحديث. فرواه عنه الثوري، وابن عيينة، وجرير، والفضيل بن عياض، وموسى بن أعين، كلهم عن عطاء بن السائب، عن طاووس، عن ابن عباس مرفوعاً.
وخالفهم ابن فضيل، فرواه عن عطاء بن السائب به موقوفاً على ابن عباس، كما في مصنف ابن أبي شيبة، ولا شك أن الراجح من رواية عطاء بن السائب أنها مرفوعة، ولكن عطاء قد خالفه من هو أفضل منه، فرواه موقوفاً، وهو الراجح. وإليك الاختلاف على طاووس.
الأولى رواية عطاء بن السائب، عن طاووس، وله طرق إلى عطاء.
منها: جرير بن عبد الحميد، عن عطاء، وقد قدمت لك لفظه في المتن.
رواها أبو يعلى في مسنده (2599)، وابن خزيمة (2739) والبيهقي في السنن الكبرى (5/ 87) من طريق جرير، عن عطاء بن السائب، عن طاووس، عن ابن عباس مرفوعاً.
ومنها الفضيل بن عياض، عن عطاء.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
أخرجه الدارمي (1847)، وابن الجارود في المنتقى (461)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (2/ 178، 179)، والبيهقي في الكبرى (5/ 85)، وابن حبان (3825) من طريق الفضيل بن عياض، عن عطاء بن السائب به مرفوعاً.
ومنها موسى بن أعين، عن عطاء.
رواه الدارمي (1848)، وابن الجارود في المنتقى (461)، وابن عدي في الكامل (5/ 364) من طريق موسى بن أعين، عن عطاء به مرفوعاً.
ومنها الثوري، عن عطاء بن السائب به مرفوعاً.
رواه الحاكم في المستدرك (1/ 459) من طريق عبد الصمد بن حسان، عن الثوري، عن عطاء به مرفوعاً.
ومنها سفيان بن عيينة، عن عطاء رواه الحاكم (1/ 459) من طريق الحميدي، عن سفيان - يعني ابن عيينة -، عن عطاء بن السائب به مرفوعاً.
خالفهم كما سبق أن ذكرت، ابن فضيل، فرواه عن عطاء بن السائب به موقوفاً على ابن عباس. رواه ابن أبي شيبة (3/ 134) رقم 12806. ولا شك أن رواية الجماعة أولى من غيرهم، خاصة إذا علمنا أن الثوري قد روى عنه قبل الاختلاط. لكن الثوري قد اختلف عليه فيه. فقد رواه البيهقي (5/ 87) من طريق الحارث بن منصور، عن سفيان، عن عطاء به موقوفاً.
ورواه عبد الصمد بن حسان، عن سفيان، عن عطاء بن السائب به مرفوعاً، وقد ذكرت من خرجها قبل قليل.
فأيهما أرجح؟ عبد الصمد أم الحارث؟ إليك ترجمه كل واحد منهما حتى يتبين لك الأحفظ منهما.
أما عبد الصمد بن حسان، قال أبو حاتم: صالح الحديث، صدوق. الجرح والتعديل (6/ 51).
وقال البخاري: كتبت عنه، وهو مقارب. تعجيل المنفعة (658).
وقال ابن سعد: ثقة. الطبقات الكبرى (7/ 372).
وقال ابن حجر: تركه أحمد بن حنبل، ولم يصح هذا. اللسان (4/ 20).
وقال الذهبي: صدوق إن شاء الله. الميزان (2/ 620).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وذكره ابن حبان في الثقات. الثقات (8/ 415).
وأما ترجمة الحارث بن منصور.
ذكره ابن حبان في الثقات، وقال يغرب. الثقات (8/ 182).
ونسبه أبو نعيم إلى كثرة الوهم. تهذيب التهذيب (2/ 137).
وقال ابن عدي: في حديثه اضطراب. الكامل (2/ 195).
وقال أبو حاتم: نزل عليه الثوري، وهو صدوق. الجرح والتعديل (3/ 90).
وفي التقريب: صدوق يهم.
وقال الذهبي: ثقة. الكاشف. (1/ 305).
فالذي يظهر أن الراويين، متقاربان، إلا أن الذي يرجح رواية الحارث، أن الحديث روي من غير طريق عطاء موقوفاً، وهو المحفوظ. والله أعلم
ورجح ابن حجر الرواية الموقوفة، قال في التلخيص:"فإن أعتل عليه بأن عطاء بن السائب اختلط، ولا يقبل إلا رواية من رواه عنه قبل الاختلاط، أجيب بأن الحاكم أخرجه من رواية سفيان الثوري، عنه، والثوري ممن سمع منه قبل اختلاطه بالاتفاق، وإن كان الثوري قد اختلف عليه في رفعه ووقفه، فعلى طريقتهم تقدم رواية الرفع أيضاً، والحق أنه من رواية سفيان موقوف، ووهم من رفعه" اهـ
هذا وقد خالف عطاء من هو أرجح منه، فرواه جماعة عن طاووس، عن ابن عباس موقوفاً كما سيتضح في الطرق التالية.
الثاني ممن رواه عن طاووس: عبد الله بن طاووس، عن أبيه.
أخرجه عبد الرزاق في المصنف (9789)، والبيهقي في الكبرى (5/ 87، 85)، وفي السنن الصغير (1/ 425) روياه عن عبد الله بن طاووس، عن طاووس، عن ابن عباس موقوفاً.
الثالث: إبراهيم بن ميسرة، عن طاووس به. بنحوه موقوفاً.
أخرجه عبد الرزاق في المصنف (9790) عن ابن جريج، والنسائي في السنن الكبرى (2/ 406) من طريق أبي عوانة، والبيهقي في الكبرى من طريق ابن عيينة (5/ 87)، كلهم عن إبراهيم بن ميسرة، عن طاووس، عن ابن عباس موقوفاً.
واختلف فيه على إبراهيم بن ميسرة.
فرواه ابن جريج، وأبو عوانة، وابن عيينة، عن إبراهيم بن ميسرة به موقوفاً.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وخالفهم محمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير، فرواه الطبراني (11/ 40، 341) من طريقه، عن إبراهيم بن ميسرة به مرفوعاً، ورفعه منكر؛ قال الحافظ في التلخيص (1/ 226):"رفعه محمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير، وهو ضعيف".
وقال البيهقي (5/ 87): "ورواه الباغندي، عن عبد الله بن عمران، مرفوعاً، ولم يصنع شيئاً، فقد رواه ابن جريج وأبو عوانة عن إبراهيم بن ميسرة موقوفاً". اهـ كلام البيهقي رحمه الله.
الرابع: ليث بن أبي سليم، عن طاووس به مرفوعاً.
أخرجه الطبراني في الكبير (11/ 34) ح 10955، والبيهقي في السنن الكبرى (5/ 87) وهذا سند ضعيف من أجل ليث بن أبي سليم.
الخامس: الحسن بن مسلم، عن طاووس به موقوفاً.
أخرجه النسائي في المجتبى (2922)، وفي الكبرى (2/ 406). من طريق الحسن بن مسلم، عن طاووس، عن رجل أدرك النبي صلى الله عليه وسلم، قال: وذكره موقوفاً. والصحابي المبهم: هو ابن عباس.
فتلخص لنا أن طاووس قد اختلف عليه في رفعه ووقفه، فرواه عنه ابنه عبد الله، وإبراهيم بن ميسرة، والحسن بن مسلم موقوفاً.
ورواه عطاء بن السائب، وليث بن أبي سليم مرفوعاً، ولا شك أن رواية من رواه موقوفاً أرجح، وإليك تراجمهم لتقارن بينهم.
أما عبد الله بن طاوس اليماني.
فعن معمر قال: قال لي أيوب: إن كنت راحلاً إلى أحد فعليك بابن طاوس فهذا رحلتى. وفي التهذيب: فهذه رحلتي. التاريخ الكبير (5/ 323)، الجرح والتعديل (5/ 88)، تهذيب التهذيب (5/ 234).
وعن عبد الرزاق أنا معمر قال: ما رأيت ابن فقيه مثل ابن طاوس. فقلت له: ولا هشام بن عروة؟ فقال حسبك بهشام بن عروة، ولكن لم أر مثل هذا وكان أعلم الناس بالعربية وأحسنهم خلقا.
وفي التاريخ الكبير: قيل: فهشام بن عروة؟ قال: كان هذا أجمع.
قال أبو حاتم: ثقة. التاريخ الكبير (5/ 323)، الجرح والتعديل (5/ 88).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وقال ابن حبان: كان من خيار عباد الله، فضلاً ونسكاً وديناً. الثقات (7/ 4).
وقال النسائي والدارقطني: ثقة. تهذيب التهذيب (5/ 234).
وقال العجلي: ثقة. معرفة الثقات (2/ 39). وفي التقريب: ثقة فاضل عابد.
الثاني: إبراهيم بن ميسرة.
قال ابن عيينة: كان يحدث على اللفظ.
وقال أيضاً: كان ثقة مأموناً من أوثق من رأيت، كما في راية ابن المديني عنه. التاريخ الكبير (1/ 328).
وقال أيضاً: لم تر عيناك والله مثله، كما في رواية الحميدي عنه. تهذيب الكمال (2/ 221). الكاشف (212).
وقال أيضاً: كان من أصدق الناس وأوثقهم، كما في رواية حامد البلخي عنه. الجرح والتعديل (2/ 133).
ووثقه أحمد، ويحيى بن معين. الجرح والتعديل (2/ 133).
وقال النسائي: ثقة. تهذيب التهذيب (1/ 15).
وقال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث. الطبقات الكبرى (5/ 484).
وقال ابن حبان: كان من المتقنين. مشاهير علماء الأمصار (1/ 87).
وذكره أيضاً في الثقات. الثقات (4/ 14).
الثالث: الحسن بن مسلم بن يناق.
قال أبو داود: كان من العلماء بطاووس. تهذيب التهذيب (2/ 278).
وقال يحيى بن معين: ثقة، كما في رواية الدوري عنه. الجرح والتعديل (3/ 36). تهذيب التهذيب (3/ 36).
وقال أبو زرعة: مكي ثقة.
وقال أبو حاتم: صالح الحديث!!. الجرح والتعديل (3/ 36).
وقال النسائي: ثقة. تهذيب الكمال (6/ 325). فهؤلاء الرواة رووه عن طاووس موقوفاً.
وأما ترجمة من رواه مرفوعاً.
فأولاً: عطاء بن السائب.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
قال عبد الرحمن بن مهدى: ليث بن أبى سليم، وعطاء بن السائب، ويزيد بن أبي زياد ليث أحسنهم حالا عندي. الجرح والتعديل (6/ 332). قلت: وليث مشهور ضعفه.
وقال أبو حاتم: محله الصدق قديماً قبل أن يختلط، صالح مستقيم الحديث، ثم بآخرة تغير حفظه، في حديثه تخاليط كثيرة، وقديم السماع من عطاء سفيان وشعبة، وحديث البصريين الذين يحدثون عنه تخاليط كثيرة؛ لأنه قدم عليهم في آخر عمره، وما روى عنه ابن فضيل ففيه غلط واضطراب رفع أشياء كان يرويه عن التابعين فرفعه إلى الصحابة. الجرح والتعديل (6/ 332).
وقال ابن علية هو أضعف عندي من ليث. والليث ضعيف. الطبقات الكبرى (6/ 338).
وقال يحيى بن معين: ليث بن أبي سليم ضعيف مثل عطاء بن السائب، وجميع من روى عن عطاء روى عنه في الاختلاط إلا شعبة وسفيان. الكامل لابن عدي (5/ 361).
وقال شعبة: حدثنا عطاء بن السائب، وكان نسياً. تهذيب التهذيب (6/ 183).
وقال يحيى بن سعيد القطان: ما سمعت أحداً من الناس يقول في عطاء بن السائب شيئاً قط في حديثه القديم، وما حدث سفيان وشعبة عن عطاء بن السائب صحيح إلا حديثين كان شعبة يقول سمعتهما بآخرة عن زاذان. الجرح والتعديل (6/ 332)، تهذيب الكمال (20/ 86) وانظر تاريخ البخاري الكبير (6/ 465) والضعفاء الصغير (276).
قلت: لم يرو له مسلم، وروى له البخاري حديثاً واحداً متابعة. وفي التقريب: صدوق اختلط.
فهل مثل هذا يقارب إبراهيم بن ميسرة، وعبد الله بن طاووس، وأحاديثهما في الكتب الستة، وتوثيقهما لا نزاع فيه، وهما من أخص أصحاب طاووس، أضف إلى ذلك أن عطاء بن السائب لم يرو عنه ممن اتفق على سماعه قبل الاختلاط إلا الثوري، وقد اختلف عليه في رفعه ووقفه، ورجح ابن حجر رواية من رواه عن سفيان موقوفاً.
وأما ليث بن أبي سليم، فضعفه مشتهر، وقد سبقت ترجمته، وفي التقريب: صدوق اختلط جداً، ولم يتميز حديثه فترك. وعلى هذا يكون المحفوظ من رواية طاووس عن ابن عباس أنها موقوفة عليه.
ومع مخالفة عطاء بن السائب لمن هو أوثق منه، فقد اختلف عليه اختلافاً كثيراً.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
فقيل: عن عطاء بن السائب، عن طاووس، عن ابن عباس.
وقيل: عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، تارة موقوفاً، وتارة مرفوعاً.
وقيل: عن عطاء بن السائب، عن طاووس، أو عكرمة، أو كلاهما عن ابن عباس.
وهذا الاختلاف على عطاء مما يضعف روايته، ولا يعارض بها رواية الثقات عن طاووس.
وإليك بيان هذا الاختلاف:
روى الحاكم في المستدرك (2/ 267) من طريق الحسن بن موسى الأشيب، ثنا حماد بن سلمة، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، رضى الله عنهما، قال: قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم {طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} البقرة: آية: 125 فالطواف قبل الصلاة.
وهذا موقوف. خالفه الفضيل بن عياض، فرواه الحاكم (2/ 267) عنه، عن عطاء به مرفوعاً، بلفظ:"الطواف بالبيت صلاة، إلا أن الله أباح فيه النطق، فمن نطق فلا ينطق إلا بخير "ورواية حماد بن سلمة الموقوفة أرجح كما بينا.
ورواه الحاكم في المستدرك (2/ 267، 266) من طريق مكرم البزاز، ثنا يزيد بن هارون أنبأ القاسم بن أبي أيوب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: قال الله تعالى لنبيه {طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} فالطواف قبل الصلاة، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "الطواف بالبيت صلاة إلا أن الله قد أحل فيه المنطق، فمن نطق فلا ينطق إلا بخير".
قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، وإنما يعرف هذا الحديث عن عطاء ابن السائب، عن سعيد بن جبير.
وقال الذهبي في التلخيص: على شرط مسلم، وإنما المشهور لحماد بن سلمة، عن عطاء.
قلت: رواية حماد عن عطاء، عن سعيد قد اقتصرت على القدر الموقوف، فلم تذكر المرفوع كما مر. ولهذ رجح الحافظ أن يكون القدر المرفوع مدرجاً، فقال في التلخيص (1/ 277): فأوضح الطرق وأشملها رواية القاسم، عن أبي أيوب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، فإنها سالمة من الاضطراب، إلا أني أظن أن الرواية فيها إدارجاً".
وقد ترجم الخطيب البغدادي في تاريخه لمن اسمه مكرم البزاز (13/ 221) إلا أن تاريخ
كما أن متنه شاهد على أنه ليس من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالحديث يعتبر الطواف كالصلاة إلا في الكلام، وقد قال علماء الأصول: الاستثناء معيار العموم، بمعنى أنها تثبت للطواف جميع أحكام الصلاة إلا ما استثني، وعند التأمل نرى أنه يجوز بالطواف الأكل والشرب، وليس فيه تسليم، ولا دعاء استفتاح، ولا استقبال القبلة، ولا تجب له قراءة الفاتحة، وله أن يقطع طوافه لشهود صلاة الجنازة، أو لحضور الجماعة، ثم يبني على طوافه بخلاف الصلاة، ولا يحتاج فيه إلى تسوية صفوف، ولا تقديم الرجال على النساء، وله أن يطوف وهو عاري الكتفين، وبالتالي فهذه المخالفات تدل على أن الكلام ليس من
وفاتهم يجعلني أشك أنه أحدهم.
وأما رواية عطاء، عن عكرمة. فأخرجها عبد الرزاق في المصنف (9791) من طريق جعفر بن سليمان، عن عطاء بن السائب، عن طاووس أو عكرمة، أو كلاهما أن ابن عباس، قال:
الطواف صلاة، ولكن قد أذن لكم بالكلام، فمن نطق فلا ينطق إلا بخير".
وزيادة عكرمة تفرد بها جعفر بن سليمان، ولم يُذْكَر فيمن روى عنه قبل الاختلاط، فالظن أن ذكر عكرمة ليس محفوظاً، والرواية أيضاً موقوفة، وليست مرفوعة.
هذا ما يمكنني قوله في حديث ابن عباس، والراجح أنه موقوف على ابن عباس، وقد رجح كونه موقوفاً جمع من الأئمة. قال الحافظ في التلخيص (1/ 225):"رجح الموقوف النسائي والبيهقي وابن الصلاح والمنذري والنووي" اهـ.
وقال الترمذي رحمه الله (3/ 93): "روي هذا الحديث عن ابن طاووس وغيره، عن طاووس، عن ابن عباس موقوفاً، ولا نعرفه مرفوعاً إلا من حديث عطاء بن السائب" اهـ.
ورجح وقفه أيضاً ابن تيمية رحمه الله تعالى. مجموع الفتاوى (21/ 274)(26/ 126). وصحح وقفه ابن عبد الهادي كما في فيض القدير (4/ 293).
الرسول صلى الله عليه وسلم {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا}
(1)
.
وقد قال بعضهم: إن هذا الحديث على فرض صحته يشبه حديث أبي هريرة في الصحيح
(337)
فقد روى البخاري، قال: حدثنا موسى بن إسماعيل قال: حدثنا عبد الواحد، قال: حدثنا الأعمش، قال: سمعت أبا صالح يقول:
سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صلاة الرجل في الجماعة تضعف على صلاته في بيته وفي سوقه خمسة وعشرين ضعفاً، وذلك أنه إذا توضأ، فأحسن الوضوء، ثم خرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة لم يخط خطوة إلا رفعت له بها درجة، وحط عنه بها خطيئة، فإذا صلى لم تزل الملائكة تصلي عليه ما دام في مصلاه، اللهم صل عليه، اللهم ارحمه، ولا يزال أحدكم في صلاة ما انتظر الصلاة
(2)
.
والذي ينتظر الصلاة لا يلزمه ما يلزم المصلي، فله أن يأكل ويلتفت عن القبلة، وغيرها، فقد يكون الطواف صلاة من أجل أن الصلاة شرعت لإقامة ذكر الله، قال تعالى {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي}
(3)
والطواف إنما شرع لإقامة ذكر الله، وإن كانت الصلاة في اللغة: الدعاء، والطواف يدعو به الطائف ما شاء من أمور الدنيا والآخرة.
(1)
النساء آية (82).
(2)
صحيح البخاري (647)، وهو في مسلم بغير هذا اللفظ (276 - 649).
(3)
سورة طه، آية (14).
وهذا الكلام ليس دقيقاً، لأن هناك فرقاً بين أن أقول الطواف كالصلاة في الأجر والمثوبة، وبين أن أقول: الطواف صلاة إلا في الكلام، فهذا واضح أن الحديث لم يتعرض للثواب، وإنما تعرض فيما يجب ويلزم ويمنع.
قال الكاساني تعليقاً على حديث "الطواف بالبيت صلاة": يحمل على التشبيه كما في قوله تعالى: {وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} أي كأمهاتهم، ومعناه أن الطواف كالصلاة إما في الثواب، أو في أصل الفرضية في طواف الزيارة؛ لأن كلام التشبيه لا عموم له فيحمل على المشابهة في بعض الوجوه، عملاً بالكتاب والسنة" اهـ
(1)
.
فإن قيل: أليس بعد الطواف صلاة ركعتين؟ والصلاة تشترط فيها الطهارة، من أجل هذا يلزمه أن يطوف متطهراً.
فالجواب:
قال ابن تيمية: "وجوب ركعتي الطواف فيه نزاع، وإذا قدر وجوبهما لم تجب فيها الموالاة، وليس اتصالهما بالطواف بأعظم من اتصال الصلاة بالخطبة يوم الجمعة، ومعلوم أنه لو خطب محدثاً ثم توضأ وصلى الجمعة جاز، فلأن يجوز أن يطوف محدثاً، ثم يتوضأ، ويصلي الركعتين بطريق الأولى.
وهذا كثيراً ما يبتلى به الإنسان إذا نسي الطهارة في الخطبة والطواف، فإنه
(1)
بدائع الصنائع (2/ 129)، وانظر المبسوط (4/ 38).