المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أدلة القائلين بوجوب الكفارة - موسوعة أحكام الطهارة - الدبيان - ط ٢ - جـ ٧

[دبيان الدبيان]

فهرس الكتاب

- ‌الفصل الثالث في طهارة الحائض من دم الحيض

- ‌المبحث الأول في نجاسة دم الحيض

- ‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الثاني:

- ‌الدليل الثالث:

- ‌الدليل الرابع:

- ‌الدليل الخامس:

- ‌المبحث الثاني: هل يتعين الماء في إزالة دم الحيض، أو يكفي أي مطهر

- ‌أدلة الجمهور على أن النجاسة لا تزال إلا بالماء

- ‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الثاني:

- ‌الدليل الثالث:

- ‌الدليل الثالث:

- ‌الدليل الرابع

- ‌أدلة القائلين: لا يشترط الماء لإزالة النجاسة

- ‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الثاني:

- ‌الدليل الثالث:

- ‌الدليل الرابع:

- ‌دليل الشوكاني على تقسيمه النجاسة إلى ثلاثة أقسام

- ‌المبحث الثالث: هل يجب تكرار الغسل في نجاسة دم الحيض

- ‌دليل من قال لا يشترط التكرار في غسل النجاسات

- ‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الثاني:

- ‌الدليل الثالث:

- ‌الدليل الرابع:

- ‌دليل الحنابلة على وجوب غسل النجاسات سبعاً

- ‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الثاني:

- ‌والدليل على وجوب غسل نجاسة الكلب سبعاً

- ‌دليل الحنفية على التفريق بين النجاسة المرئية وبين النجاسة غير المرئية

- ‌[الدليل الأول]

- ‌الدليل الثاني

- ‌المبحث الرابع: علامة الطهر عند الحائض

- ‌أدلة من قال: العبرة بالجفوف

- ‌أدلة من قال: العبرة برؤية القصة البيضاء

- ‌دليل من قال إن كانت ترى القصة البيضاء فلا عبرة بالجفوف

- ‌دليل من قال يقدم الجفوف على القصة البيضاء

- ‌دليل من قال إذا رأت أحدهما القصة والجفوف فقد طهرت

- ‌دليل من قال: تطهر بانقطاع الدم الأسود

- ‌الباب الخامس: فيما يتعلق بالحائض من أحكام العبادات

- ‌المبحث الأول: خلاف العلماء في قراءة القرآن للحائض

- ‌أدلة الجمهور على منع الحائض من قراءة القرآن

- ‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الثاني:

- ‌الدليل الثالث:

- ‌أدلة القائلين بجواز قراءة الحائض القرآن

- ‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الثاني:

- ‌الدليل الثالث:

- ‌الدليل الرابع:

- ‌الدليل الخامس:

- ‌دليل من فرق بين الحيض والجنابة

- ‌دليل من أذن في قراءة الآية والآيتين أو ما دون الآية ومنع من قراءة المصحف

- ‌المبحث الثاني: في حكم مس الحائض والمحدث المصحف

- ‌أدلة الجمهور على اشتراط الطهارة

- ‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الثاني:

- ‌الدليل الثالث:

- ‌الدليل الرابع:

- ‌الدليل الخامس:

- ‌الدليل السادس:

- ‌الدليل السادس:

- ‌الدليل السابع:

- ‌الدليل الثامن:

- ‌أدلة القائلين بجواز مس المصحف بدون طهارة

- ‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الثاني:

- ‌الدليل الثالث:

- ‌الدليل الرابع:

- ‌الدليل الخامس:

- ‌الدليل السادس:

- ‌الدليل السابع:

- ‌الدليل الثامن:

- ‌الدليل التاسع:

- ‌الفصل الثاني: في أحكام الحائض من حيث الصلاة

- ‌المبحث الأول: حرمة الصلاة على الحائض وعدم استحباب القضاء

- ‌أدلة من قال: لا تصلي الحائض ولا تقضي

- ‌وأما الأدلة على كون الحائض لا تقضي الصلاة

- ‌دليل من ذهب إلى وجوب قضاء الصلاة من الخوارج

- ‌المبحث الثاني: في هل يستحب للحائض أن تتوضأ وقت الصلاة، وتجلس في مصلاها تذكر الله وتسبحه مقدار الصلاة

- ‌دليل من استحب لها الذكر وقت الصلاة

- ‌المبحث الثالث: هل تثاب الحائض على ترك الصلاة

- ‌المبحث الرابع: هل يستحب للحائض قضاء الصلاة

- ‌الفرع الأول: هل تستثنى ركعتي الطواف، فيشرع لهما القضاء

- ‌المبحث الخامس: إذا حاضت المرأة في وقت الصلاة وقبل أن تصلي فهل يجب عليها القضاء إِذا طهرت

- ‌دليل الحنفية على أن المرأة إذا حاضت في وقت الصلاة لا يجب عليها القضاء

- ‌دليل المالكية على أن المرأة إذا حاضت وقد بقي من الوقت ما يسع ركعة سقطت عنها الصلاة

- ‌دليل الشافعية على أنه يشترط أن تدرك من الوقت قدراً يسع تلك الصلاة

- ‌دليل من قال: يجب القضاء إذا أدركت الحائض من الوقت مقدار ركعة

- ‌دليل الحنابلة على أن المرأة الحائض إذا أدركت من الصلاة قدر تكبيرة الإحرام وجب عليها القضاء

- ‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الثاني:

- ‌دليل من قال: يجب القضاء إذا كان الباقي من الوقت حين حاضت لا يتسع لفعل الصلاة وإلا فلا يجب

- ‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الثاني:

- ‌المبحث السادس: في طهر المرأة من الحيض قبل خروج وقت الصلاة

- ‌دليل من قال: تجب الصلاة على الحائض إذا طهرت وقد أدركت من الوقت مقدار تكبيرة الإحرام

- ‌دليل من قال: تجب الصلاة على الحائض إذا طهرت وقد أدركت من الوقت مقدار ركعة

- ‌دليل من قال: إذا طهرت في وقت العصر وجب أن تصلي معه الظهر أو في وقت العشاء صلت معه المغرب

- ‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الثاني:

- ‌الدليل الثالث:

- ‌دليل المالكية على أن المرأة إذا طهرت وقد أدركت من الوقت ما يسع خمس ركعات للحاضر أو ثلاث للمسافر وجبت عليها صلاة الظهر والعصر

- ‌المبحث السابع: هل تحصيل الطهارة شرط في إدراك الوقت

- ‌دليل من اشترط مع أدراك الركعة زمنا يمكن فيه فعل الطهارة من الاغتسال ونحوه

- ‌دليل من لم يشترط زمن الطهارة ويكتفي بإدراك زمن يتسع لركعة كاملة

- ‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الثاني:

- ‌الفصل الثالث: أحكام الحائض من حيث الصوم

- ‌المبحث الأول: يحرم على الحائض فعل الصوم ويجب عليها القضاء إذا طهرت

- ‌المبحث الثاني: إذا طهرت الحائض في نهار رمضان فهل يجب عليها الإمساك بقية النهار

- ‌أدلة القائلين بوجوب الإمساك

- ‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الثاني:

- ‌الدليل الثالث:

- ‌الدليل الرابع:

- ‌الدليل الخامس:

- ‌دليل من قال: لا يجب عليها الإمساك

- ‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الثاني:

- ‌الدليل الثالث:

- ‌الدليل الرابع:

- ‌الدليل الخامس:

- ‌المبحث الثالث: في المرأة تطهر قبل الفجر، ولا تغتسل إلا بعد طلوع الصبح

- ‌دليل الجمهور على صحة صومها

- ‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الثاني:

- ‌الدليل الثالث:

- ‌دليل القائلين لا يصح صومها مطلقاً حتى تغتسل قبل الفجر

- ‌دليل القائلين بأنه يشترط أن تطهر من الحيض في وقت يمكنها فيه الغسل

- ‌المبحث الرابع: إذا أفطرت المرأة بالجماع ثم نزل الحيض في ذلك اليوم هل تسقط الكفارة

- ‌دليل الحنفية على سقوط الكفارة

- ‌دليل الجمهور على وجوب الكفارة

- ‌الفصل الرابع: في أحكام الحائض من حيث المسجد

- ‌المبحث الأول: في خلاف العلماء في المكث في المسجد

- ‌أدلة الجمهور القائلين بالمنع

- ‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الثاني:

- ‌الدليل الثالث:

- ‌الدليل الرابع:

- ‌الدليل الخامس:

- ‌أدلة القائلين بجواز مكث الحائض في المسجد

- ‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الثاني:

- ‌الدليل الثالث:

- ‌الدليل الرابع:

- ‌الدليل الخامس:

- ‌الدليل السادس:

- ‌المبحث الثاني: في مرور الحائض في المسجد بلا مكث

- ‌أدلة القائلين بتحريم مرور الحائض في المسجد

- ‌أدلة القائلين بجواز مرور الحائض في المسجد

- ‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الثاني:

- ‌أدلة القائلين بالجواز إذا انقطع الدم وقبل الاغتسال

- ‌أدلة القائلين بكراهة العبور

- ‌أدلة القائلين بجواز لبث الحائض في المسجد إذا انقطع دمها بشرط الوضوء

- ‌المبحث الثالث: هل يصح الاعتكاف مع الحيض

- ‌دليل من قال: لا يصح اعتكاف الحائض

- ‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الثاني:

- ‌الدليل الثالث:

- ‌دليل القائلين بصحة الاعتكاف مع الحيض

- ‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الثاني:

- ‌الدليل الثالث:

- ‌الفرع الأول: إذا حاضت المرأة وهي معتكفة

- ‌دليل الجمهور على جواز خروجها إلى منزلها إذا حاضت

- ‌دليل من استحب أن تمكث في رحبة المسجد

- ‌الفصل الخامس: في أحكام الحائض من حيث المناسك

- ‌المبحث الأول: في إحرام الحائض والنفساء في الحج والعمرة

- ‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الثاني:

- ‌الدليل الثالث:

- ‌المبحث الثاني: خلاف العلماء في اشتراط الطهارة للطواف

- ‌الأدلة على اشتراط الطهارة من الحيض والحدث الأصغر

- ‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الثاني:

- ‌الدليل الثاني:

- ‌الدليل الثالث:

- ‌الدليل الرابع:

- ‌الدليل الخامس على اشتراط الطهارة

- ‌الدليل السادس:

- ‌دليل من قال الطهارة واجبة ويصح الطواف بدونها وتجبر بدم

- ‌أدلة القائلين بأن الطهارة من الحيض شرط ومن الحدث الأصغر سنة

- ‌وأما الدليل على كون الطهارة من الحدث الأصغر سنة

- ‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الثاني:

- ‌الدليل الثالث:

- ‌الدليل الرابع:

- ‌المبحث الثالث: في المرأة إذا اضطرت للطواف وهي حائضة

- ‌أدلة الجمهور على أنه لا يصح طوافها بحال

- ‌أدلة الحنفية على أن الطهارة واجبة وليست بشرط وتجبر بدم

- ‌أدلة من قال: تسقط الطهارة بالعجز ويصح طوافها

- ‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الثاني:

- ‌المبحث الرابع: هل للحائض أن تسعى بين الصفا والمروة

- ‌المبحث الخامس: في المرأة المتمتعة إذا حاضت قبل طواف العمرة وخشيت فوات الحج

- ‌دليل الحنفية على رفض العمرة

- ‌الدليل الأول:

- ‌[الدليل الثاني]

- ‌[الدليل الثالث]

- ‌[الدليل الرابع]

- ‌دليل الجمهور على أن الحائض تحرم بالحج وتصير قارنة

- ‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الثاني:

- ‌الدليل الثالث:

- ‌الدليل الرابع:

- ‌المبحث السادس: طواف الوداع يسقط عن الحائض

- ‌أدلة الجمهور على سقوط طواف الوداع

- ‌[الدليل الأول]

- ‌الدليل الثاني:

- ‌الدليل على رجوع زيد بن ثابت وابن عمر عن قولهما بأن الحائض يلزمها طواف الوداع

- ‌الدليل على أن القول بسقوط طواف الوداع هو قول عامة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌دليل عمر على وجوب طواف الوداع على الحائض

- ‌المبحث السابع: إذا نفرت الحائض قبل طواف الوداع وطهرت قبل مفارقة البنيان

- ‌دليل من قال لا يلزمها الرجوع إذا بلغت مسافة القصر

- ‌دليل من علق الرجوع ما لم تفارق البنيان

- ‌دليل من علق الرجوع ما لم تفارق الحرم

- ‌المبحث الثامن: لا يستحب للحائض والنفساء الدعاء عند باب المسجد الحرام

- ‌المبحث التاسع: طواف الوداع للمستحاضة

- ‌الباب السادس: في أحكام الحائض من حيث العلاقات الزوجية

- ‌الفصل الأول: تحريم وطء الحائض في فرجها

- ‌الفصل الثاني: خلاف العلماء في مباشرة الحائض فيما بين السرة والركبة

- ‌أدلة الجمهور على تحريم المباشرة من تحت الإزار

- ‌[الدليل الأول]

- ‌الدليل الثاني:

- ‌الدليل الثالث:

- ‌الدليل الرابع:

- ‌الدليل الخامس:

- ‌الدليل السادس:

- ‌الدليل السابع:

- ‌الدليل الثامن:

- ‌أدلة القائلين لا يحرم من الحائض إلا الفرج خاصة

- ‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الثاني:

- ‌الدليل الثالث:

- ‌الدليل الرابع:

- ‌الدليل الخامس:

- ‌دليل من قال يستحب أن يباشرها من فوق الإزار ولا يجب

- ‌دليل من قال: إن وثق المباشر بضبط نفسه جاز له مباشرة ما تحت الإزار وإلا فلا

- ‌الفصل الثالث: إذا جامع الرجل امرأته وهي حائض فهل عليه كفارة

- ‌أدلة القائلين بوجوب الكفارة

- ‌دليل القائلين بأنه لا يجب عليه إلا التوبة والاستغفار

- ‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الثاني:

- ‌دليل القائلين باستحباب الكفارة

- ‌دليل القائلين إن كان الدم كذا فدينار أو كذا فنصف دينار

- ‌دليل من قال: هو مخير بين دينار ونصف دينار

- ‌دليل من قال: عليه خمسا دينار

- ‌الفرع الأول: إذا قالت المرأة لزوجها إنها حائض فهل يلزمه تصديقها مطلقاً

- ‌دليل من قال: يعتق نسمه أو قال: عليه كفارة من جامع في نهار رمضان

- ‌الفرع الثاني: هل يكفر من استحل جماع الحائض في فرجها

- ‌الفرع الثالث: هل جماع المرأة في حال الحيض من كبائر الذنوب أم يعد من الصغائر

- ‌دليل الحنفية والشافعية على أن جماع الحائض كبيرة

- ‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الثاني:

- ‌دليل الحنابلة بأن وطء، الحائض ليس كبيرة

- ‌الفرع الرابع: إذا قيل بوجوب الكفارة على من أتى امرأته وهي حائض فهل تجب على الجاهل والناسي

- ‌الفرع الخامس: إذا قلنا بوجوب نصف الدينار فهل تخرج القيمة

- ‌الفرع السادس: هل تلزم المرأة كفارة

- ‌الفصل الرابع: في حكم طلاق الحائض وهل يقع

- ‌أدلة الجمهور على وقوع الطلاق

- ‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الثاني:

- ‌الدليل الثالث:

- ‌الدليل الرابع:

- ‌الدليل الخامس:

- ‌الدليل السادس:

- ‌الدليل السابع:

- ‌الدليل الثامن:

- ‌أدلة القائلين بأن طلاق الحائض لا يقع

- ‌الدليل الأول:

- ‌الدليل الثاني:

- ‌الدليل الثالث:

- ‌الدليل الرابع:

- ‌الدليل الخامس:

- ‌الدليل السادس:

- ‌الدليل السابع:

- ‌الدليل الثامن:

- ‌الدليل التاسع:

- ‌الدليل العاشر:

الفصل: ‌أدلة القائلين بوجوب الكفارة

وإن كان في إدبار الدم بأن كان زمن ضعفه وقربه من الانقطاع فنصف دينار

(1)

.

وقيل: إن جامعها في زمن الحيض فدينار، وإن جامعها بعد انقطاع الدم وقبل الاغتسال فنصف دينار. وهو قول قتادة والأوزاعي

(2)

.

وقيل: عليه خمسة دنانير وينسب هذا القول لعمر

(3)

.

وقيل: عليه عتق رقبة، وهو قول سعيد بن جبير

(4)

.

وقيل: عليه كفارة من جامع في نهار رمضان، وهو قول الحسن

(5)

.

‌أدلة القائلين بوجوب الكفارة

.

(400)

ما رواه أحمد، قال: حدثنا يحيى، عن شعبة، ومحمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن الحكم، عن عبد الحميد بن عبد الرحمن عن مقسم،

عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم في الذي يأتي امرأته وهي حائض: يتصدق بدينار، أو نصف دينار.

[الحديث الصحيح فيه أنه موقوف على ابن عباس، وفي متنه اختلاف كثير]

(6)

.

(1)

انظر: الإنصاف (1/ 351)، الفروع (1/ 262).

(2)

انظر: الأوسط (2/ 210)، فقه الأوزاعي (1/ 112).

(3)

انظر: الدارمي (1110).

(4)

الأوسط (2/ 210).

(5)

رواه عبد الرزاق (1267) من طريق هشام عن الحسن، وروى معمر عن الحسن: ليس عليه شيء، يستغفر الله.

(6)

الحديث مداره على مقسم وعكرمة كلاهما، عن ابن عباس، وهو عن الأول أشهر،

ص: 382

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وكان مقسم تارة يرفعه، وتارة يوقفه

على اختلاف كثير في متنه كما سنبين.

ومقسم جاء عنه:

قال مهنا: قلت لأحمد: من أثبت أصحاب ابن عباس فقال: ستة نذكرهم. قلت له: فمقسم؟ قال: دون هؤلاء. هدى الساري (ص 622).

وقال أبو حاتم الرزاي: صالح الحديث، لا بأس به. الجرح والتعديل (8/ 414).

وقال ابن سعد: كان كثير الحديث ضعيفاً. الطبقات الكبرى (5/ 471).

وقال الساجي: تكلم الناس في بعض روايته. تهذيب التهذيب (10/ 256).

قال الحافظ في هدي الساري (ص: 612): لم يخرج له البخاري إلا حديثاً واحداً ذكره في المغازي من طريق هشام بن يوسف، وفي التفسير من طريق عبد الرزاق، كلاهما عن ابن جريج، عن عبد الكريم الجزري، عنه عن ابن عباس" اهـ.

وقال في التلخيص (1/ 292) ح 228: "ما أخرج له البخاري إلا حديثاً واحداً في تفسير النساء قد توبع عليه" اهـ.

وقال ابن حزم: ليس بالقوي. المحلى (2/ 189).

وقال في موضع آخر: ضعيف المحلى (5/ 219)(10/ 81، 80).

ووثقه يعقوب بن سفيان، والدارقطني. تهذيب التهذيب (10/ 256).

وقال أحمد بن صالح: مقسم ثبت لا شك فيه. المرجع السابق.

وقال الذهبي: صدوق من مشاهير التابعين، ضعفه ابن حزم، وقد وثقه غير واحد، والعجب أن البخاري أخرج له في صحيحه وذكره في كتاب الضعفاء. الميزان (4/ 176) ترجمة 8745. وإذا كان قد أخرج له في المتابعات لم يكن في صنيع البخاري ما يتعجب منه.

وقال الذهبي أيضاً: صدوق، مشهور، ذكره البخاري في كتاب الضعفاء، وكذا ضعفه ابن حزم، وقواه جماعة. المغني (2/ 675).

وفي التقريب: صدوق وكان يرسل. وما له في البخاري سوى حديث واحد.

وقد روى الحديث عن مقسم جماعة، وما رواه أحد منهم مرفوعاً إلا وقد رواه موقوفاً، وعندي - والله أعلم - أن التردد في وقفه ورفعه من مقسم، وممن دونه

وإليك بيان هذه الطرق عن مقسم:

الطريق الأول: عن الحكم بن عتيبة.

ص: 383

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

واختلف على الحكم. فرواه شعبة عن الحكم، عن عبد الحميد بن عبد الرحمن، عن مقسم، عن ابن عباس، على خلاف في رفعه ووقفه.

ورواه الأعمش، وعمرو بن قيس الملائي، وسفيان بن الحسين، ورقبة بن مصقلة، والليث بن أبي سليم، ومطر الوراق، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس بدون ذكر عبد الحميد بن عبد الرحمن

على خلاف بينهم أيضاً في وقفه ورفعه كما سيأتي ..

فأما طريق شعبة، عن الحكم، عن عبد الحميد، عن مقسم عن ابن عباس.

فأخرج الحديث أحمد (1/ 230) من طريق يحيى، ومحمد بن جعفر، عن شعبة به مرفوعاً.

قال عبد الله: قال أبي: ولم يرفعه عبد الرحمن ولا بهز.

ومن طريق يحيى بن سعيد أخرجه أبو داود (264، 2168). وابن ماجه (640) والنسائي (289) والطبراني (12066) والحاكم (1/ 172، 171).

وتابع يحيى في رفعه كل من ابن أبي عدي، عند ابن ماجه (640)، ووهب بن جرير في منتقى ابن الجارود (108).

والنضر بن شميل عند البيهقي (1/ 314) كلهم رووه عن شعبة، عن الحكم، عن عبد الحميد، عن مقسم، عن ابن عباس مرفوعاً.

ورواه سعيد بن عامر عن شعبة مرفوعاً وموقوفاً

فاما الرواية المرفوعة فهي عند ابن الجارود (1109)، وجاء في آخره: قال شعبة: أما حفظي فهو مرفوع، وأما فلان وفلان فقالا: غير مرفوع، فقال بعض القوم: حدثنا بحفظك، ودع ما قال فلان وفلان. فقال: والله ما أحب أني عمرت في الدنيا عمر نوح، وإني حدثت بهذا أو سكت عن هذا.

وأخرجه الدارمي (1107)، والنسائي في الكبرى (9099) من طريق سعيد بن عامر عن شعبة موقوفاً.

ورواه جماعة عن شعبة موقوفاً، منهم:

1 -

عبد الرحمن بن مهدي كما في منتقى ابن الجارود (110)، والبيهقي (1/ 315).

2 -

أبو الوليد كما في سنن الدارمي (1106).

3 -

عفان كما في سنن البيهقي (1/ 314 - 315).

ص: 384

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

4 - وسليمان بن حرب كما في سنن البيهقي (1/ 314 - 315).

قال البيهقي: وكذلك رواه مسلم بن إبراهيم، وحفص بن عمر الحوضي، وحجاج بن منهال

قلت: وأشار أحمد إلى أن بهز رواه أيضاً موقوفاً كما في متن الباب.

فالخلاصة: الحديث يرويه يحيى بن سعيد القطان، ومحمد بن جعفر، وابن أبي عدي، ووهب ابن جرير، والنضر بن شميل، عن شعبه، عن الحكم عن عبد الحميد بن عبد الرحمن، عن مقسم، عن ابن عباس مرفوعاً.

ويرويه عبد الرحمن بن مهدي، وأبو الوليد، وعفان، وسليمان بن حرب، وبهز بن أسد، ومسلم بن إبراهيم، وحفص بن عمر الحوضي، وحجاج بن منهال، عن شعبة به موقوفاً.

ويرويه سعيد بن عامر عن شعبة مرفوعاً وموقوفاً.

هذا فيما يتعلق بطريق الحكم عن عبد الحميد، عن مقسم، عن ابن عباس.

ولم ينفرد شعبة بذكر عبد الحميد بن عبد الرحمن في الإسناد، بل جاء أيضاً من طريق قتادة فرواه الطبراني في الكبير (12065)، والبيهقي (1/ 315 - 316) من طريقين، عن هدبة ابن خالد، عن حماد بن الجعد، ثنا قتادة، قال، قال: حدثني الحكم بن عتيبة، عن عبد الحميد بن عبد الرحمن عن مقسم، عن ابن عباس، أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فزعم أنه أتى امرأته وهي حائض، فأمره نبي الله صلى الله عليه وسلم يتصدق بدينار، فإن لم يجد فنصف دينار.

ورواه روح بن عبادة كما في سنن النسائي الكبرى (9104).

وعبد الله بن بكر كما في سنن النسائي الكبرى (9104)، والبيهقي (1/ 315) عن سعيد - يعني ابن أبي عروبة - عن قتادة، عن عبد الحميد، عن مقسم، عن ابن عباس مرفوعاً، وفيه: "فأمره أن يتصدق بدينار أو نصف دينار، فهنا في الإسناد ذكر عبد الحميد بن عبد الرحمن من غير طريق شعبة، عن الحكم، وسوف يأتي الكلام على طريق قتادة. بمفرده إن شاء الله.

هذا فيما يتعلق في الاختلاف على إسناد شعبة، عن الحكم بن عتيبة، عن عبد الحميد بن عبد الرحمن، عن مقسم، عن ابن عباس، أي بذكر عبد الحميد بن عبد الرحمن.

أما الاختلاف على رواية الحكم عن مقسم عن ابن عباس بإسقاط عبد الحميد فكالتالي:

فقد رواه سفيان بن حسين كما عند الطبراني في الكبير (12130) ورجاله ثقات.

ورقبة بن مصقلة كما عند الطبراني في الكبير أيضاً (12131) بسند حسن.

ص: 385

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وليث بن أبى سليم كما عند الطبرانى أيضاً (12133) وسنده ضعيف.

ومطر الوراق كما عند الطبراني (12132)، والبيهقي (1/ 135) وسنده ضعيف.

كلهم رووه عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس مرفوعاً وفيه:"يتصدق بدينار أو نصف دينار".

وخالفهم الأعمش، وعمرو بن قيس الملائي، فروياه عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس موقوفاً.

فقد رواه الدارمي (1112) أخبرنا عبد الله بن محمد، حدثنا حفص بن غياث عن الأعمش، عن الحكم، عن مقسم عن ابن عباس موقوفاً وفيه:"يتصدق بدينار أو بنصف دينار" وسنده صحيح.

ورواه النسائي في الكبرى (9100) أخبرنا الحسن بن محمد.

ورواه الطبراني في الكبير (12129) حدثنا عبد الله بن أحمد كلاهما عن محمد بن الصباح، ثنا إسماعيل بن زكريا، عن عمرو بن قيس الملائي، عن الحكم، عن مقسم به موقوفاً إلا أنه قال:"يتصدق بنصف دينار" ورجاله ثقات إلا إسماعيل بن زكريا فإنه صدوق.

فتبين لنا من تخريج طريق الحكم، أن فيه أربع علل:

العلة الأولى: أن الحكم تارة يوقفه وتارة يرفعه.

العلة الثانية: أن الحكم بن عتيبة تارة يرويه عن عبد الحميد بن عبد الرحمن عن مقسم، وتارة يرويه عن مقسم مباشرة، وتارة يرويه عن عكرمة، عن ابن عباس وسنتعرض لهذا الطريق إن شاء الله تعالى.

العلة الثالثة: الاختلاف في كلمة "أو" بقوله "دينار أو نصف دينار" هل هي للشك أو للتخيير أو للتنويع.

العلة الرابعة: الاختلاف على الحكم في متنه.

وإليك بيان هذه العلل بالتفصيل:

العلة الأولى: وهو أن الحديث روي مرفوعاً وموقوفاً.

فقد أخرجت طريق شعبة عن الحكم، عن عبد الحميد، عن مقسم عن ابن عباس، وبينت الاختلاف على شعبة في وقفه ورفعه، فقد رواه خمسة حفاظ عن شعبة مرفوعاً على رأسهم يحيى بن سعيد القطان، ومحمد بن جعفر.

ص: 386

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ورواه ثمانية حفاظ عن شعبة موقوفاً، وعلى رأسهم عبد الرحمن بن مهدي، وعفان وسليمان بن حرب.

وقد مال العلامة أحمد شاكر إلى كونه مرفوعاً، وحجته أن شعبة كان يقول بعد روايته للحديث:"أما حفظي فمرفوع، وأما فلان وفلان فقالا: غير مرفوع".

فقال أحمد شاكر رحمه الله في تحقيقه للسنن (1/ 250): "هذه الروايات عن شعبة، يفهم منها أنه كان واثقاً، وموقناً برفعه، ثم تردد واضطرب حين رأى غيره يخالفه فيرويه موقوفاً، ثم جعل هو يرويه موقوفاً أيضاً، وهذا عندنا لا يؤثر في يقينه الأول برفعه، وقد تابعه فيه غيره

الخ كلامه رحمه الله.

وعمدة هذا الترجيح بأن الحفظ القديم مقدم على الشك الطارئ، وهذا الكلام جيد، لو كان الاختلاف فيه فقط على شعبة، وكان حفظه الأول مرفوعاً ثم طرأ الشك، لكن الاختلاف في الحقيقة على شيخ شعبة، الحكم بن عتيبة نفسه، فكان يرويه تارة موقوفاً وتارة مرفوعاً.

وكان شعبة سمعه من الحكم مرفوعاً

ثم سمعه منه موقوفاً، فترك رفعه له، لا أن شعبة إنما ترك رفعه لأن غيره خالفه في الحكم.

قال أبو حاتم كما في العلل لابنه (1/ 50 - 51) رقم 121: "اختلفت الرواية، فمنهم من يروي عن مقسم عن ابن عباس موقوفاً، ومنهم من يروي عن مقسم عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً. وأما من حديث شعبة، فإن يحيى بن سعيد أسنده. وحكي أن شعبة أسنده، وقال: أسنده الحكم لي مرة ووقفه مرة".

ففي هذا الكلام فائدتان:

الأولى: أن الشك في وقفه ورفعه من شيخ شعبة.

الثانية: أن شعبة سمعه من الحكم مرفوعاً وموقوفاً. لقوله: "اسنده الحكم لي مرة، ووقفه مرة".

فلما رأى شعبة أن شيخه لم يضبط حديثه تارة يرفعه وتارة يوقفه رجع عن رفعه له، وصرح بأن رفعه له من قبل جنون منه، فلا سبيل إلى الاحتجاج برواية الراوي وقد صرح بخطئه فيها.

فقد أخرج ابن الجارود في المنتقى (110): حدثنا محمد بن زكريا الجوهري قال: ثنا بندار، قال: ثنا شعبة بهذا الحديث ولم يرفعه.

ص: 387

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

فقال رجل لشعبة: "إنك كنت ترفعه. قال: كنت مجنوناً فصححت".

وأما رواية الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس:

فرواها الأعمش، وعمر بن قيس الملائى وهما ثقتان عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس موقوفاً.

وخالفهما سفيان بن حسين، ورقبة بن مصقلة، وليث بن أبي سليم، ومطر الوراق فرووه عن الحكم عن مقسم مرفوعاً

وهذا يؤكد أن الحكم كما قال شعبة تارة يوقفه وتارة يرفعه مما يدل على أن الحكم لم يضبطه. وإذا كان الحكم يرويه موقوفاً ومرفوعاً. فالاحتياط كون الحديث موقوفاً، فإن طريق الحكم هو أفضل الطرق التي جاء منها الحديث ومع ذلك كان الحكم يسنده مرة ويوقفه أخرى، فغيره من الطرق لا تسلم من الكلام فيها كما سنبينه.

لهذا جزمت بأن الحديث موقوف على ابن عباس، والأصل عصمة مال المسلم فلا تنتهك هذه العصمة إلا بدليل صحيح سالم من المعارض.

العلة الثانية: في طريق الحكم.

أن الحكم تارة يرويه عن عبد الحميد بن عبد الرحمن، عن مقسم، عن ابن عباس.

وتارة يرويه عن مقسم مباشرة.

وتارة يرويه عن عكرمة عن ابن عباس.

وقد اختلف العلماء هل سمع الحكم من مقسم هذا الحديث أم لا؟ مع أن الحكم مشهور بأنه كثير الإرسال.

فقال أبو حاتم في العلل (1/ 51) الحكم لم يسمع من مقسم هذا الحديث.

وقال البيهقي (1/ 315): "هكذا رواه جماعة عن الحكم بن عتيبة، عن مقسم.

وفي رواية شعبة عن الحكم دلالة على أن الحكم لم يسمعه من مقسم، إنما سمعه من عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب عن مقسم. اهـ

وذكر ابن حجر في التهذيب، في ترجمة الحكم بن عتيبة (2/ 434):"قال أحمد وغيره: لم يسمع الحكم حديث مقسم، كتاب إلا خمسة أحاديث" اهـ.

ولم يذكر الإمام أحمد الأحاديث الخمسة لكن عدها يحيى بن سعيد القطان كما في التهذيب: حديث الوتر، والقنوت، وعزمة الطلاق، وجزاء الصيد، والرجل يأتي امرأته وهي حائض".

ص: 388

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ولم يذكر ابن حجر مصدره في قول أحمد: "مع أنه ذكر مصدره في عدِّ يحيى القطان، والموجود في العلل رواية عبد الله بن أحمد (1/ 192): "قال عبد الله بن أحمد، عن أبيه الذي يُصَحَّح الحكم عن مقسم أربعة أحاديث، فذكرها، ولم يذكر منها حديث الحائض إذا أتاها زوجها.

والحكم ذكر عنه التدليس والإرسال، ولم أقف على رواية أنه قال: حدثني مقسم.

قال شعبة: الحكم عن مجاهد كتاب إلا ما قال: سمعت" اهـ، وهذا هو التدليس.

وقال ابن حبان في الثقات: كان يدلس.

وممن ذكره بالتدليس النسائي، والذهبي، والمقدسي، والحلبي، والعلائي، وكونه لم يسمع من مقسم إلا أربعة أحاديث أو خمسة على خلاف فهذا هو التدليس.

وعلى كل حال سواء سمع منه أو لم يسمع، فقد عرفنا الواسطة بينهما، وهو ثقة، فلا يكون هذا الأمر علةً مؤثرة في الحديث بخلاف العلة الأولى.

وأما رواية الحكم عن عكرمة عن ابن عباس.

فقد أخرجها النسائي في السنن الكبرى (9102): أخبرنا واصل بن عبد الأعلى قال: أنا أسباط ابن محمد، عن أشعث، عن الحكم، عن عكرمة، عن ابن عباس في الرجل يقع على امرأته، قال: يتصدق بدينار أو نصف دينار.

وهذا سند ضعيف، فيه أشعث بن سوار الكندي، وقد توبع، فقد أخرجه النسائي في السنن الكبرى (9114) من طريق محمد بن عيسى، والطبراني (12025) من طريق عبد الرحمن بن شيبة الجدي، كلاهما عن شريك، عن خصيف، عن عكرمة، عن ابن عباس أن رجلاً وقع على امرأته وهى حائض، قال: يتصدق بنصف دينار.

وهذا سند ضعيف أيضاً فيه شريك وخصيف، وكلاهما في حفظه شيء.

وقد اختلف على خصيف كما سيأتي، فروى عنه مرفوعاً، وموقوفاً على ابن عباس، ومرسلاً عن مقسم، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وسيأتي الكلام على رواية عكرمة إن شاء الله.

العلة الثالثة: الاختلاف في كلمة "أو" هل هي للشك، أو للتنويع، أو للتخيير في قوله "يتصدق بدينار أو نصف دينار".

فالقول الأول: اختار ابن عباس رحمه الله أن "أو" للتنويع، ولا شك أن الصحابي أدرى بما روى، وإذا رجحنا أن الأثر أصله موقوف عليه، فتفسيره لقوله أولى من تفسير غيره له.

ص: 389

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

فقد روى البيهقي (1/ 319) من طريقين عن أبي العباس محمد بن يعقوب ثنا محمد بن إسحاق الصنعاني، ثنا أبو الجواب، ثنا سفيان الثوري، عن ابن جريج عن عطاء، عن ابن عباس في الرجل يأتي امرأته وهي حائض قال: إن أتاها في الدم تصدق بدينار، وإن أتاها في غير الدم تصدق بنصف دينار.

وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات إلا أبا الجواب فإنه صدوق، وأبو الجواب هو أحوص.

قال ابن معين: ثقة.

وقال مرة: ليس بذاك القوى. الجرح والتعديل (2/ 328) تهذيب الكمال (2/ 288).

وقال أبو حاتم الرازي: صدوق. الجرح والتعديل (2/ 328).

وقال ابن حبان: كان متقناً، وربما وهم. الثقات (6/ 89).

وفي التقريب: صدوق ربما وهم.

وأما عنعنة ابن جريج فإنها لا تضر وشيخه عطاء؛ فإنه مكثر عنه جداً، ويكفي قوله فيما رواه عبد الرزاق عنه اختلفت إلى عطاء ثماني عشرة سنة. وقد توبع ابن جريج.

فقد رواه أبو داود (265)، والحاكم (1/ 172)، والبيهقي (1/ 318) من طريق علي ابن الحكم البناني، عن أبي الحسن الجزري، عن مقسم، عن ابن عباس قال:"إذا أصابها في أول الدم فدينار، وإذا أصابها في انقطاع الدم فنصف دينار".

وأبو الحسن الجزري لم يرو عنه إلا علي بن الحكم البناني.

قال فيه ابن المديني: مجهول. تهذيب التهذيب (12/ 77).

وقال الحاكم في المستدرك (1/ 172)، أبو الحسن عبد الحميد بن عبد الرحمن الجزري ثقة مأمون.

قال أحمد شاكر: "لم يتعقبه الذهبي في مختصره" اهـ. يريد أن يشير إلى موافقة الذهبي للحاكم، لكن قال الذهبي في الميزان (4/ 515) تفرد عنه علي بن الحكم البناني اهـ، ولم ينقل الذهبي عن أحد توثيقه مما يدل على أنه مجهول.

وفي التقريب مجهول.

ومع ذلك هو سند صالح في المتابعات يقوي طريق ابن جريج، فهذا هو القول الأول: أن "أو" للتنويع.

القول الثاني: قالوا إن "أو" في قوله "يتصدق بدينار أو نصف دينار" للشك. فقد

ص: 390

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أخرج الدارمي (1106): حدثنا أبو الوليد، ثنا شعبة، عن الحكم، عن عبد الحميد، عن مقسم، عن ابن عباس في الذي يأتي امرأته وهى حائض يتصدق بدينار أو نصف دينار".

قال شعبة: شك الحكم.

ورجح العلامة أحمد شاكر أن شعبة فهم من كلمة "أو" أنها للشك، ورجح أن "أو" للتخيير.

والحقيقة أن الحكم قد صرح بالشك، وليس قول شعبة: شك الحكم فهماً منه، فقد أخرجه عبد الرزاق (1262) عن ابن جريج قال: كان الحكم بن عتيبة عن مقسم يقول: لا أدري قال مقسم ديناراً أو قال: نصف دينار، وكما وقع الشك من الحكم وقع الشك من مقسم أيضاً كما سيأتي.

القول الثالث: ذهب الإمام أحمد أن "أو" للتخيير، فقد نقل الخطابي في معالم السنن (1/ 173):"أن أحمد بن حنبل كان يقول: "هو مخير بين الدينار ونصف الدينار". وهذا من أضعفها، ولا أعرف له شبهاً في الكفارات، أن يكون الإنسان مخيراً في جنس واحد، بمعنى أن نصف الدينار واجب والنصف الآخر مستحب، فالصدقة المستحبة مفتوحة ليس لها حد، والمعروف في الكفارات التي تأتي على التخيير أن يكون كل واحد منها واجباً لا بعينه، وذلك مثل كفارة اليمين، فالتخيير بين الإطعام، والكسوة، وتحرير الرقبة كل واحد منها واجب لا بعينه، ومثله المحرم في كفارة حلق الرأس من الأذى، بخلاف قوله: "يتصدق بدينار أو نصف دينار، فإن الدينار ليس واجباً، والنصف منه واجب على القول بالتخيير.

العلة الرابعة: الاختلاف على الحكم في متنه.

فتارة يقول: "دينار أو نصف دينار" على الخلاف السابق في "أو".

وتارة يجزم بأن الواجب نصف دينار بدون "أو".

وتارة يجزم بأن الواجب دينار فإن لم يجد فنصف دينار.

لا شك أن أكثر الروايات عن الحكم لفظها: "يتصدق بدينار أو نصف دينار" على الخلاف في معنى "أو" كما سبق وقد عزوت طرق الحكم فيما سبق من رواية شعبة وغيره فارجع إليها في أول البحث.

وقد أخرجه النسائي في الكبرى (9100) والطبراني في الكبير (12129) من طريق إسماعيل بن زكريا، عن عمرو بن قيس الملائي، عن الحكم، عن مقسم عن ابن عباس موقوفاً: "

ص: 391

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

يتصدق بنصف دينار".

ورجاله ثقات إلا إسماعيل بن زكريا فإنه صدوق.

وقد تابعه خصيف، عن مقسم، عن ابن عباس.

كما في سنن الدارمي (1109) من طريق سفيان الثوري عن خصيف به، وكذا رواه ابن جريج عن خصيف كما في سنن النسائي الكبرى (9109)، وخصيف سيء الحفظ، وتغير بآخره، إلا أن سوء حفظه قد زال بمتابعة عمرو بن قيس الملائي.

وتغيره فإن الذى ذكر ذلك يحيى بن سعيد القطان، قال: "كنا تلك الأيام نتجنب حديث خصيف، وما كتبت عن خصيف بالكوفة شيئاً، إنما كتبت عن خصيف بآخرة، وكان يحيى يضعف خصيفاً.

فهذا النص من يحيى فيه فوائد:

أولاً: أن خصيفاً حديثه حين كان بالكوفة لم يتغير، وسفيان الثوري كوفي، وهو ممن رواه عن خصيف.

ثانياً: أن يحيى بن سعيد القطان من صغار أصحاب خصيف، فابن جريج والثوري أكبر من القطان سناً وهما ممن روياه عن خصيف، فلعل هذا كان قبل تغيره.

ومع ذلك فقد اختلف على خصيف وسيأتي الكلام على طريقه بطريق مستقل.

هذان نوعان من الاختلاف على الحكم في متنه.

أحدهما: "يتصدق بدينار أو نصف دينار".

والثاني: "يتصدق بنصف دينار".

وأما اللفظ الثالث عن الحكم فقد رواه الطبراني في الكبير (12065)، والبيهقي (1/ 315 - 316) من طريق هدبة بن خالد، حدثنا حماد بن الجعد، ثنا قتادة، حدثني الحكم ابن عتيبة، عن عبد الحميد بن عبد الرحمن، عن مقسم، عن ابن عباس، أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فزعم أنه وقع على امرأته وهى حائض، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يتصدق بدينار، فإن لم يجد فنصف دينار".

فهذا اللفظ أوجب الدينار مطلقاً إلا عند العجز عنه فنصف دينار".

وفي الإسناد حماد بن الجعد ضعفه جماعة منهم ابن معين والنسائي.

وقال ابن حبان: منكر الحديث.

وقال أحمد شاكر في تحقيقه للسنن (1/ 251): "وأنا أرجح أنه ثقة، لأن أبا داود

ص: 392

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الطيالسي تلميذه قال: كان إمامنا أربعين سنة ما رأينا إلا خيراً". قال شاكر: والنفس تطمئن إلى شهادة من عرفه أربعين سنة، وروى عنه".

قلت: حتى ولو كان ثقة، فقد رواه شعبة عن الحكم بنفس الإسناد، وخالفه في المتن، فهذا اللفظ إما شاذ أو منكر.

ورواه بلفظ حماد بن الجعد أيضاً سعيد بن أبي عروبة، عن عبد الكريم أبي أميه، عن عكرمة عن ابن عباس كما في سنن البيهقي (1/ 317).

وهذه المتابعة لحماد من الجعد لا يفرح بها؛ لأن عبد الكريم أبي أمية متروك، ومختلف عليه في الحديث اختلافاً كثيراً سيأتي بسطه إن شاء الله تعالى.

ولعل قوله: "فإن لم يجد فنصف دينار، أدرجها حماد بن الجعد، وكانت من تفسير قتادة.

فقد أخرجه البيهقي (1/ 315) من طريق يحيى بن أبي طالب، انبا عبد الوهاب بن عطاء، ثنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن مقسم، عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يتصدق بدينار أو نصف دينار، ففسره قتاده قال: إن كان واجداً فدينار، وإن لم يجد فنصف دينار.

ويحيى بن أبي طالب مختلف فيه، وسيأتي الكلام عليه، وقتادة قد عنعن وهو مدلس، وقد اختلف على قتادة، وسيأتي الكلام على طريقه بحديث مستقل.

إلى هنا انتهى الكلام على طريق الحكم بن عتيبة، ومع كون طريقه من أحسن طرق هذا الحديث إلا أنه تبين لنا أن فيه اختلافاً كثيراً.

وفي بيان هذا الاختلاف يتبين لنا خطأ العلامة أحمد شاكر حين احتج لتصحيح رواية: "دينار أو نصف دينار" بقوله: "وهذه الرواية - يعني بدينار أو نصف دينار - هي اللفظ في جميع الروايات التي ذكرناها على الحكم بن عتيبة

ثم ذكر من تابعه عليها".

فقد تبين أن الحكم تارة يقول: "دينار أو نصف دينار" وكلمة "أو" تحتمل التنويع، وتحتمل الشك، وتحتمل التخيير.

وتارة يقول: "نصف دينار" بالجزم.

وتارة بالتفصيل عن ابن عباس: إن أصابها في الدم فدينار، وإن أصابها بإنقطاع الدم فنصف دينار.

ص: 393

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وتارة يقول: "دينار" فإن لم يجد فنصف دينار.

وتارة يرفعه، وتارة يوقفه، إلا أن هذا الاختلاف لا يوجب الاضطراب لإمكان الترجيح، فالراجح أنه موقوف على ابن عباس، وأن اللفظ "دينار أو نصف دينار" والله أعلم.

الطريق الثاني: طريق خصيف عن مقسم.

وخصيف قد وثقه بعضهم. قال أبو زرعة: ثقة. الجرح والتعديل (3/ 403).

وقال ابن سعد: كان ثقة. الطبقات الكبرى (7/ 472).

وقال العجلي: ثقة. ثقات العجلي (1/ 335).

وقال يحيى بن معين: ثقة، كما في رواية أبي داود عنه. تهذيب الكمال (8/ 257).

وقال أيضاً: صالح. الجرح والتعديل (3/ 403).

وقال مرة: ليس به بأس، كما في رواية الدارمي عنه. تهذيب التهذيب (3/ 123).

وقال أبو حاتم: صالح يخلط، وتكلم في سوء حفظه. الجرح والتعديل (3/ 403).

وقال أحمد بن حنبل: ليس بقوي في الحديث. ضعفاء العقيلي (2/ 31)، الكامل (3/ 69).

وقال أيضاً: مضطرب الحديث. تهذيب التهذيب (3/ 123).

وقال النسائي: ليس بالقوي. الضعفاء والمتروكين (77).

وقال ابن خزيمة: لا يحتج بحديثه.

وقال الدارقطني: يعتبر به، يهم. تهذيب التهذيب (3/ 123).

وفي التقريب: صدوق سيء الحفظ، وخلط بآخره. وتكلمت قريباً عن اختلاطه.

وقال الذهبي: صدوق سيء الحفظ، ضعفه أحمد. الكاشف (1389).

وقد اختلف على خصيف فيه

فروى عنه، عن مقسم، عن ابن عباس موقوفاً ومرفرعاً ومرسلاً، وروى عن خصيف عن عكرمة عن ابن عباس.

واختلف عليه في متنه أيضاً فروى: "يتصدق بنصف دينار".

وروى: "يتصدق بدينار".

وإليك بيان هذا الاختلاف:

فأخرجه أحمد (1/ 272): حدثنا حسين، حدثنا شريك، عن خصيف، عن مقسم، عن ابن عباس مرفوعاً في الرجل يأتي امرأته وهى حائض، قال:"يتصدق بنصف دينار".

ص: 394

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وأخرجه الدارمي (1105)،أخبرنا أبو الوليد، حدثنا شريك به.

وأخرجه أبو داود (266): حدثنا محمد بن الصباح البزاز، حدثنا شريك به.

ومن طريق أبي داود أخرجه البيهقي (1/ 316).

وأخرجه الترمذي (136)، والنسائي في الكبرى (9113) كلاهما عن علي بن حجر، قال: أخبرنا شريك به.

ورواه سفيان الثوري واختلف عليه فيه.

فرواه عبد الرزاق (1263) عن الثوري، عن خصيف، عن مقسم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر رجلاً أتى امرأته حائضاً أن يتصدق بنصف دينار.

وهذا مرسل.

ورواه الفريابي محمد بن يوسف، واختلف عليه فيه.

فرواه النسائي في السنن الكبرى (9111)، أخبرنا محمد بن ميمون، قال: أنا الفريابي، قال: أنا سفيان به مرسلاً، كرواية عبد الرزاق.

وأخرجه الدارمي (1109)، أخبرنا محمد بن يوسف - يعني الفريابي - ثنا سفيان، عن خصيف، عن مقسم، عن ابن عباس قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم في الذي يقع على امرأته وهي حائض يتصدق بنصف دينار، فوصله.

والفريابي ثقة. وفيه كلام يسير جداً في روايته عن الثوري خاصة.

ورواه الدارقطني (3/ 287) من طريق عبد الله بن يزيد بن الصلت، عن سفيان عن خصيف، وقرن به غيره عن مقسم عن ابن عباس مرفوعاً.

وسفيان هذا لعله الثوري، فإني راجعت ترجمة عبد الله بن يزيد فلم أجد من شيوخه ابن عيينة ووجدته يروي عن الثوري، وهذا الطريق ضعيف لضعف ابن الصلت.

ورواه ابن جريج عن خصيف واختلف على ابن جريج فيه.

فرواه عبد الرزاق (1262) عن ابن جريج، عن خصيف، عن مقسم مرسلاً.

ورواه النسائي في الكبرى (9109) من طريق حجاج - يعني المصيصي الثقة - عن ابن جريج، عن خصيف، عن مقسم، عن ابن عباس مرفوعاً وفيه: "فأمره بنصف دينار فصار ابن جريج تارة يرويه مرسلاً وتارة يرويه موصولاً.

ورواه النسائي في الكبرى (9110): أخبرنا هلال بن العلاء، قال: أنا حسين قال:

ص: 395

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أخبرنا أبو خيثمة قال: أنا خصيف، عن مقسم مرسلاً وفيه:"فأمره بنصف دينار يتصدق به".

ورواه معمر عن خصيف وخالف فيه من ناحيتين:

الأولى: أنه رواه موقوفاً

والأكثر عن خصيف إما على رفعه أو على إرساله.

الثانية: أنه قال: "يتصدق بدينار" مع أن أكثر من رواه عن خصيف قال: يتصدق بنصف دينار".

فقد رواه عبد الرزاق (1261) عن معمر، عن خصيف، عن مقسم، عن ابن عباس قال: إذا أصابها حائضاً تصدق بدينار".

ورواه الدارقطني (3/ 287) من طريق عبد الله بن محرر، عن خصيف به مرفوعاً. وعبد الله ابن محرر متروك.

هذا هو الاختلاف على خصيف، وعلى ضعفه فإن في الرواية عنه اضطراباً كثيراً فلا يمكن أن يفرح به كمتابعة لطريق الحكم، لأنه خالف الحكم في لفظه من جهة، فإن أكثر الروايات عنه يتصدق بنصف دينار، ثم الاختلاف عليه في وصله وإرساله.

وقد روى عن خصيف عن عكرمة عن ابن عباس.

فأخرجه النسائي في الكبرى (9114) من طريق محمد بن عيسى - هو ابن الطباع - قال: أخبرنا شريك، عن خصيف، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم في الذي يأتي أهله وهي حائض؟ قال: يتصدق بنصف دينار.

وأخرجه الطبراني (12025) من طريق عبد الرحمن بن شيبة الجدي، ثنا شريك، عن خصيف، عن عكرمة به.

وقد خالف الطباع والجدي كل من أبى الوليد عند الدارمي (1105).

وحسين بن محمد بن بهرام عند أحمد (1/ 272).

ومحمد بن الصباح البزاز عند أبي داود (266)، والبيهقي (1/ 316).

وعلى بن حجر عند الترمذي (136)، والنسائي في الكبرى (9113).

كلهم رووه عن شريك، عن خصيف، عن مقسم، عن ابن عباس ولم يذكروا عكرمة في إسناده. وسيأتي الكلام على طريق عكرمة إن شاء الله.

الطريق الثالث: طريق قتادة بن دعامة. وقد اختلف عليه في الإسناد.

ص: 396

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

فقيل: قتادة، عن مقسم.

وقيل: قتادة، عن عبد الحميد، عن مقسم.

وقيل: قتادة حدثني الحكم بن عتيبة، عن عبد الحميد بن عبد الرحمن، عن مقسم. وروى عنه مرفوعاً وروى عنه موقوفاً.

وإليك تخريج هذه الطرق ..

أخرجه أحمد (1/ 237) عن يزيد بن هارون.

وأخرجه أحمد أيضاً (1/ 237)، والبيهقي (1/ 315) عن عبد الوهاب بن عطاء الخفاف.

وأخرجه النسائي في السنن الكبرى (9105) من طريق عبدة بن أبي سليمان ثلاثتهم عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن مقسم، عن ابن عباس مرفوعاً، وفيه:"أن يتصدق بدينار أو نصف دينار" وكل هؤلاء رووا عن سعيد بن أبي عروبة قبل اختلاطه.

ورواه النسائي في السنن الكبرى (9104) من طريق روح بن عبادة.

ورواه أيضاً (9104)، والبيهقي (1/ 315) من طريق عبد الله بن بكر، كلاهما عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة عن عبد الحميد، عن مقسم به. مرفوعاً، فزادوا في الإسناد: عبد الحميد بين قتادة ومقسم.

وروح بن عبادة، وعبد الله بن بكر سمعا من سعيد بن أبي عروبة قبل تغيره على الراجح من أقوال أهل العلم. انظر: حاشية الكواكب النيرات تحقيق عبد القيوم عبد رب النبي (ص 212، 209).

وكل من تقدم رووه مرفوعاً.

وأخرجه النسائي في السنن الكبرى (9106) أخبرنا عمرو بن علي، قال أخبرنا عاصم ابن هلال، قال: أخبرنا قتادة، عن مقسم، عن ابن عباس موقوفاً.

وهذا سند ضعيف فيه عاصم بن هلال.

وجميع هذه الطرق على اختلافها عن قتادة، قد عنعن فيها قتادة، وهو مدلس مكثر.

ورواه الطبراني في الكبير (12060)، والبيهقي (1/ 315 - 316) من طريقين عن هدبة بن خالد، عن حماد بن الجعد، ثنا قتادة، حدثني الحكم بن عتيبة، عن عبد الحميد بن عبد الرحمن، عن مقسم، عن ابن عباس، أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فزعم أنه وقع على امرأته وهي حائض، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يتصدق بدينار فإن لم يجد فنصف دينار.

ص: 397

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وهنا صرح قتادة بالتحديث، والإسناد وإن كان فيه ضعف يسير من قبل حماد بن الجعد، وهو أضعف إسناداً من الطريقين السابقين المرفوعين، إلا أن شعبة قد تابعه فرواه عن الحكم، عن عبد الحميد، عن مقسم، عن ابن عباس.

فهذا الإسناد كإسناد حماد بن الجعد سواء بسواء.

قال البيهقي في السنن الكبرى (1/ 315): "لم يسمعه قتادة من مقسم" وقال أيضاً: "ولم يسمعه أيضاً من عبد الحميد"، ثم ساق حديث قتادة عن الحكم عن عبد الحميد، عن مقسم.

فرجع طريق قتادة إلى طريق الحكم بن عتيبة، وقد أشبعنا طريق الحكم بن عتيبة بحثاً مبيناً الاختلاف على الحكم في إسناده، فارجع إليه إن شئت.

الطريق الرابع:

عن عبد الكريم بن أبي المخارق أبي أمية البصري، عن مقسم.

وعبد الكريم ضعيف جداً.

قال فيه أيوب: كان غير ثقة. لقد سألني عن حديث لعكرمة، ثم قال: سمعت عكرمة. ضعفاء العقيلي (3/ 62)، الكامل (5/ 338).

وقال أيضاً: لا تأخذوا عن عبد الكريم أبي أمية، فإنه ليس بثقة. تهذيب الكمال (12/ 259)، تهذيب التهذيب (6/ 335).

وقال النسائي: متروك الحديث. الضعفاء والمتروكين (401).

وقال مرة: ليس بشيء.

وقال أيضاً: كان غير ثقة. تهذيب التهذيب (6/ 335).

وقال يحيى بن معين: ليس بشيء. الكامل (5/ 338).

وقال أحمد: ليس بشيء، شبه متروك. الكامل (5/ 338)، التعديل والتجريح (2/ 918).

وقال ابن عدي: الضعف بين على كل ما يرويه. الكامل (5/ 338).

وقال سبط بن العجمي: متروك. الكشف الحثيث (459).

وقال ابن حبان: كان كثير الوهم، فاحش الخطأ فيما يروي، فلما كثر ذلك في روايته بطل الاحتجاج به. المجروحين (2/ 144).

واعتذر ابن عبد البر عن مالك في روايته عنه بقوله: "كان مجمع على ضعفه. ومن أَجَلِّ

ص: 398

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

من جرَحَه أبو العالية، وأيوب مع ورعه، غَرَّ مالكاً سمته، ولم يكن من أهل بلده" اهـ. تهذيب التهذيب (6/ 335).

وقال أبو حاتم الرازي: ضعيف الحديث.

وقال أبو زرعة: لين. الجرح والتعديل (6/ 59).

وقال عمرو بن علي: كان عبد الرحمن بن مهدي، ويحيى بن سعيد لا يحدثان عن عبد الكريم. الجرح والتعديل (6/ 59).

وفي هذه الطريق - على شدة ضعفها - علل أخرى، منها:

الاختلاف في وقفه ورفعه.

ومنها الاختلاف في التفصيل، إن كان الدم كذا فدينار، أو كذا فنصف دينار، هل هو مرفوع، أو من قول مقسم، الراوي عن ابن عباس.

ومنها: الاختلاف هل قال: "دينار أو نصف دينار"، أو جزم "نصف دينار".

ومنها: الاختلاف في إسناده.

فقيل: عن عبد الكريم، عن مقسم عن ابن عباس.

وقيل: عن عبد الكريم، عن عكرمة، عن ابن عباس.

ومنها: الاختلاف في عبد الكريم هل هو ابن أبي المخارق المتروك، أو هو ابن مالك الثقة.

وإليك بيان هذا الاختلاف بالتفصيل.

أما الاختلاف في وقفه ورفعه، فقد أخرجه البيهقي (1/ 317).

أخبرنا على بن أحمد بن عبدان، نا أحمد بن عبيد الصفار، ثنا إسماعيل بن إسحاق، ثنا مسلم بن إبراهيم، ثنا هشام الدستوائي، ثنا عبد الكريم أبو أمية، عن مقسم، عن ابن عباس، في الذي يأتي امرأته وهي حائض، قال: يتصدق بدينار أو نصف دينار "وهذا موقوف كما ترى.

وشيخ البيهقي علي بن أحمد بن عبدان وثقه الخطيب. انظر: تاريخ بغداد (11/ 329).

وأحمد بن عبيد الصفار. قال الخطيب في تاريخه (4/ 261): "كان ثقة ثبتاً، صنف المسند، وجوده "انظر: سير أعلام النبلاء (15/ 441).

وإسماعيل بن إسحاق، ثقة. انظر: تاريخ بغداد (1/ 284)، والسير (13/ 339)، وتذكرة الحفاظ (2/ 625).

ص: 399

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ومسلم بن إبراهيم، ثقة من رجال الجماعة، وكذا هشام الدستوائي.

وعبد الكريم، ومقسم سبقت ترجمتهما.

فالإسناد إلى عبد الكريم إسناد صحيح، لكن وما ينفع وعبد الكريم ضعيف جداً.

وفي هذا الإسناد أيضاً فائدة أخرى، وهي التصريح أن عبد الكريم هو أبو أمية المتروك. ولنا في هذا وقفة.

وتابع سفيان بن عيينة هشاماً، إلا أنه اختلف على سفيان.

فرواه أحمد بن حنبل في العلل (1/ 178) عن سفيان، ثنا عبد الكريم، عن مقسم به موقوفاً.

قيل لسفيان: يا أبا محمد، هذا مرفرع، فأبى أن يرفعه، وقال: أنا أعلم به، يعني أبا أمية.

وأخرجه النسائي في السنن الكبرى (9107) أخبرنا إسحاق بن إبراهيم، أنا سفيان بن عيينة، عن عبد الكريم عن مقسم، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم في الذي يأتي امرأته وهي حائض، إن كان الدم عبيطاً فدينار، وإن كان فيه صفرة فنصف دينار.

فصار الحديث عن سفيان بن عيينة يرويه أحمد موقوفاً، ويرويه إسحاق بن راهويه مرفوعاً، والبلاء فيه من عبد الكريم.

ورواه جماعة عن عبد الكريم مرفوعاً، منهم ابن جريج، ومحمد بن راشد، وابن لهيعة، وأبو حمزة السكري، وسعيد بن أبي عروبة، وعبد الله بن محرر، وإليك تخريج رواياتهم.

أخرجه عبد الرزاق (1264) ومن طريقه الطبراني (12134): أخبرنا محمد بن راشد، وابن جريج قالا: أخبرنا عبد الكريم، عن مقسم، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أتى امرأته في حيضتها فليتصدق بدينار، ومن أتاها وقد أدبر الدم عنها فلم تغتسل فنصف دينار "كل ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.

ورواه عبد الرزاق (1265)(1266) عن ابن جريج ومحمد بن راشد، فرقهما، عن عبد الكريم به.

وأخرجه البيهقي (1/ 316) من طريق نافع بن يزيد، عن ابن جريج به.

وأخرجه الترمذي (137): حدثنا الحسين بن حريث، أخبرنا الفضل بن موسى، عن أبى حمزة السكري، عن عبد الكريم، عن مقسم، عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم:"إذا كان دماً أحمر فدينار، وإذا كان دماً أصفر فنصف دينار".

ص: 400

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وأخرجه أبو يعلى (2432) عن أبي جعفر الرازي، عن عبد الكريم بن أبي المخارق به، ولفظه: عن النبي صلى الله عليه وسلم في رجل جامع امرأته وهي حائض فقال: إن كان دماً عبيطاً فليتصدق بدينار، وإن كان فيه صفرة فنصف دينار.

وأخرجه الدارمي (1111) أخبرنا عبيد الله بن موسى، عن أبي جعفر الرازي به.

ومن طريق عبيد الله بن موسى أخرجه الدارقطني (3/ 287)، والبيهقي (1/ 317).

وأخرجه الطبراني (12135)، والبغوي في شرح السنة (315) من طريق علي بن الجعد، أخبرنا أبو جعفر الرازي، عن عبد الكريم بن أبي المخارق به.

وأخرجه الدارقطني (1/ 287) من طريق عبد الله بن محرر، عن عبد الكريم بن مالك!! وقرن معه غيره عن مقسم به.

وأخرجه النسائي في الكبرى (9108) من طريق هشيم، عن الحجاج، عن عبد الكريم، عن ابن عباس مرفوعاً، إلا أنه خالف في متنه، فقال:"يتصدق بنصف دينار".

وهذا الإسناد ضعيف، فيه الحجاج بن أرطأة، وعنعنة هشيم.

إلا أنه توبع، فأخرجه ابن ماجه (650) حدثنا عبد الله بن الجراح، ثنا أبو الأحوص عن عبد الكريم به.

فهذا إسناد حسن إلا عبد الكريم، وأما عبد الكريم نفسه فقد علمت ما فيه.

وأخرجه ابن الجارود في المنتقى (111): حدثنا محمد بن يحيى، قال: ثنا عبد الله بن بكر، قال: ثنا سعيد بن أبي عروبة، عن عبد الكريم، عن مقسم، عن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"يتصدق بدينار أو نصف دينار".

والسند إلى عبد الكريم سند صحيح.

ورواه البيهقي (1/ 317) من طريق يحيى بن أبي طالب، أنبأ عبد الوهاب بن عطاء، ثنا سعيد، عن عبد الكريم، عن مقسم، عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يتصدق بدينار أو نصف دينار.

وفسر ذلك مقسم، فقال: إن غشيها في الدم فدينار، وإن غشيها بعد انقطاع الدم قبل أن تغتسل فنصف دينار".

وخالف روح بن عبادة عبد الوهاب بن عطاء، وعبد الله بن بكر، فأخرجه البيهقي (1/ 317) من طريق أبي قلابة، ثنا روح بن عبادة، ثنا سعيد بن أبي عروبة، عن عبد الكريم

ص: 401

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

أبي أمية، عن عكرمة، عن ابن عباس مرفوعاً فذكر عكرمة بدلاً من مقسم.

وأبو قلابة: صدوق يخطيء، وتغير حفظه بآخره.

العلة الثانية: الاختلاف في متنه.

اختلف في متن الحديث من طريق عبد الكريم على النحو التالي:

فقيل: إن كان الدم عبيطاً - وفي رواية أحمر - فدينار، وإن كان في الصفرة فنصف دينار.

وجعل هذا التفصيل مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، هكذا رواه جماعة عن عبد الكريم عن مقسم عن ابن عباس مرفوعاً.

منهم: أبو جعفر الرازي .. كما في مسند أبي يعلى (2432)، والدارمي (1111)، والطبراني (12135)، والدارقطني (3/ 287)، والبيهقي (1/ 317)، والبغوي في شرح السنة (315).

وأبو جعفر الرازي، وثقه جماعة منهم علي بن المديني، ومحمد بن عبد الله بن عمار الموصلي.

وقال عمرو بن علي: فيه ضعف، وهو من أهل الصدق سيء الحفظ.

وقال أبو زرعة: شيخ يهم كثيراً، وفي التقريب: صدوق سيء الحفظ لا سيما عن مغيرة.

الثاني: سفيان بن عيينة، كما عند النسائي في السنن الكبرى (9107)، والدارقطني (3/ 287).

الثالث: أبو حمزة السكري، وهو ثقة. كما عند الترمذي (137).

اللفظ الثاني عن عبد الكريم.

"من أتاها في حيضتها فليتصدق بدينار، ومن أتاها وقد أدبر الدم عنها فلم تغتسل فنصف دينار".

وهذا اللفظ يختلف عن اللفظ الأول، لأنه جعل النصف دينار بعد انقطاع الدم سواء كان أحمر أو أصفر وقبل الاغتسال، وجعل الدينار وقت نزول الدم مطقاً سواء كان أحمر أو أصفر.

وممن روى هذا اللفظ عن عبد الكريم ابن جريج، ومحمد بن راشد كما عند عبد الرزاق (1264)(1265)(1266)، والطبراني في الكبير (12134).

اللفظ الثالث عن عبد الكريم.

ص: 402

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

جعل التفصيل من قول مقسم، ولم يجعله مرفوعاً.

رواه البيهقي (1/ 317) من طريق يحيى بن أبي طالب، ثنا عبد الوهاب بن عطاء، ثنا سعيد - يعني ابن أبي عروبة - عن عبد الكريم، عن مقسم، عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يتصدق بدينار أو نصف دينار، وفسر ذلك مقسم فقال: إن غشيها في الدم فدينار، وإن غشيها بعد إنقطاع الدم قبل أن تغتسل فنصف دينار".

ففي هذا الإسناد بين أن التفصيل لم يكن مرفوعاً، بل ولا موقوفاً، وإنما هو من قول مقسم، وهذا ما رجحه العلامة أحمد شاكر.

وفي الحقيقة لا يمكن لنا أن نركن إلى هذه الرواية، ونترك ما ثبت عن ابن عباس من قوله بسند حسن، فقد روى البيهقي (1/ 319) من طريقين، عن أبي العباس محمد بن يعقوب، ثنا محمد بن إسحاق الصنعاني، ثنا أبو الجواب، ثنا سفيان الثوري عن ابن جريج، عن عطاء عن ابن عباس في الرجل يأتي امرأته وهي حائض، قال: إن أتاها في الدم تصدق بدينار، وإن أتاها في غير الدم تصدق بنصف دينار.

وله متابع عند أبي داود (265)، والحاكم (1/ 172)، والبيهقي (1/ 318) من طريق أبي الحسن الجزري عن مقسم عن ابن عباس وسنده ضعيف إلا أنه صالح في المتابعات.

وسند البيهقي من غير طريق مقسم، فلا يمكن أن يقال ربما وهم الراوي فجعله من كلام ابن عباس وهو من كلام مقسم.

كما أن الرواية التي جعلت التفصيل من كلام مقسم فيها علتان، فلا يمكن أن تعارض ما ثبت عن ابن عباس.

العلة الأولى: أن مدار الإسناد على عبد الكريم بن أبي المخارق وهو متروك.

العلة الثانية: أن في الإسناد يحيى بن أبي طالب، وهو مختلف فيه.

فقال الآجري: خط أبو داود سليمان بن الأشعث على حديث يحيى بن أبي طالب. لسان الميزان (6/ 262)

وساق الخطيب بإسناده إلى موسى بن هارون قوله: "أشهد على يحيى بن أبي طالب أنه يكذب". قال الحافظ ابن حجر: عنى في كلامه، ولم يعن في الحديث. قلت: الكذب جرح على كل حال. تاريخ بغداد (14/ 220)، لسان الميزان (6/ 262).

وقال أبو أحمد: محمد بن محمد بن إسحاق الحافظ: يحيى بن أبي طالب ليس بالمتين.

ص: 403

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

تاريخ بغداد (14/ 220).

وقال ابن أبي حاتم: كتبت عنه مع أبي، وسألت أبي عنه، فقال: محله الصدق. الجرح والتعديل (9/ 134).

وقال الدارقطني: لا باس به عندي، ولم يطعن فيه أحد بحجة.

وقال البرقاني: أمرني الدارقطني أن أخرج عنه في الصحيح.

انظر: تاريخ بغداد (14/ 220)، وسير أعلام النبلاء (12/ 619)، وشذرات الذهب (2/ 68).

وقد خالف سعيد بن أبي عروبة، سفيان بن عيينة، وأبو حمزة السكري، وابن جريج وهما ثقات، كما خالف أبا جعفر الرازي، ومحمد بن راشد فكل هؤلاء الخمسة جعلوا التفصيل مرفوعاً.

ورواه ابن الجارود في المنتقى (111) حدثنا محمد بن يحيى، ثنا عبد الله بن بكر، قال: ثنا سعيد، عن عبد الكريم، عن مقسم، عن ابن عباس مرفوعاً وفيه:"يتصدق بدينار أو نصف دينار".

كما أن سعيد بن أبي عروبة قد اختلف عليه في الحديث في سنده ومتنه.

فرويناه فيما سبق، عن سعيد عن قتادة عن مقسم.

وهنا عن سعيد عن عبد الكريم عن مقسم.

وقيل: سعيد بن أبي عروبة، عن عبد الكريم، عن عكرمة، عن ابن عباس مرفوعاً فجعل بدلاً من مقسم عكرمة.

فقد أخرجه البيهقي (1/ 317) أخبرنا أبو علي الروذباري، أخبرنا أبو طاهر المحمد آباذي، نا أبو قلابة، ثنا روح بن عبادة، ثنا سعيد بن أبي عروبة، عن عبد الكريم أبي أمية، عن عكرمة، عن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في الذي يأتي امرأته وهي حائض يتصدق بدينار، فإن لم يجد فنصف دينار، وفسره مقسم فقال: إذا كان في إقبال الدم فدينار، وإذا كان في انقطاع الدم فنصف دينار.

وهذا الإسناد إلى عبد الكريم رجاله ثقات، إلا أبا قلابة عبد الملك بن محمد الرقاشي، فإنه صدوق يخطيء، تغير حفظه لما سكن بغداد.

وفي هذا الإسناد علل منها:

ص: 404

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

الأولى: ما سبق أن مداره على عبد الكريم بن أبي المخارق، وهو متروك، ولا يمكن أن يعارض ما ثبت عن ابن عباس من قوله.

الثانية: المخالفة في الإسناد، فإن المعروف أن عبد الكريم يرويه عن مقسم عن ابن عباس إلا ما كان في هذا الإسناد.

الثالثة: أنه قال في الإسناد: "يتصدق بدينار فإن لم يجد فنصف دينار، مع أن المشهور في الحديث: "يتصدق بدينار أو نصف دينار".

الرابعة: أن تفسير مقسم غير مناسب لمتن الحديث، لأن تفسير مقسم يصلح لو أن اللفظ جاء بقوله:"يتصدق بدينار أو نصف دينار" فهذا يمكن أن يقال: إن تفسير مقسم يرجح أن "أو" ليست للشك ولا للتخيير، وإنما هي للتنويع، وما دام أن اللفظ دينار فإن لم يجد فنصف دينار، لم يبق للتفسير مجال.

اللفظ الرابع عن عبد الكريم.

وهو اللفظ المشهور عن عبد الكريم، عن مقسم، عن ابن عباس مرفوعاً:"يتصدق بدينار أو نصف دينار" على خلاف في تفسير "أو" كما سبق.

فقد رواه الدارقطني (3/ 287) من طريق عبد الله بن محرر، عن عبد الكريم بن مالك، عن مقسم به، وعبد الله بن محرر متروك.

ورواه البيهقي (1/ 317) من طريق هشام الدستوائي، ثنا عبد الكريم أبو أمية عن مقسم، عن ابن عباس موقوفاً عليه من قوله.

قال البيهقي: وهذا أشبه بالصواب.

ورواه ابن الجارود (111) من طريق سعيد بن أبي عروبة، عن عبد الكريم، عن مقسم، عن عبد الله ابن عباس مرفوعاً.

اللفظ الخامس: عن عبد الكريم. الأمر بالتصدق بنصف دينار.

رواه ابن ماجه (650) حدثنا عبد الله بن الجراح، ثنا أبو الأحوص، عن عبد الكريم، عن مقسم، عن ابن عباس قال: كان الرجل إذا وقع على امرأته أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يتصدق بنصف دينار.

وهذا الإسناد إلى عبد الكريم إسناد حسن.

وتابعه حجاج بن أرطأة كما عند النسائي في السنن الكبرى (9108) وقد سقت

ص: 405

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

إسناده من قبل، وهذا سند صالح في المتابعات.

كما تابعه خصيف عن مقسم وسبق تخريجه.

كما رواه النسائي في الكبرى (9100)، والطبراني في الكبير (12121) بسند حسن من طريق إسماعيل بن زكريا، عن عمرو بن قيس الملائي، عن الحكم، عن مقسم عن ابن عباس، وكل هذه الطرق سبق الكلام عليها.

هذا فيما يتعلق بالاختلاف على عبد الكريم في متنه، ولاحظنا أن فيها اختلافاً كثيراً.

العلة الثالثة: في طريق عبد الكريم.

اختلفوا في عينه، هل هو ابن أبي المخارق البصري، أبو أمية المتروك، أو هو عبد الكريم ابن مالك الثقة.

فأكثر الطرق عن عبد الكريم غير منسوب.

وجاء عند الدارقطني (3/ 287) من طريق عبد الله بن محرر، عن عبد الكريم بن مالك، وعبد الله بن محرر متروك.

وأخرجه أبو يعلى (2432)، والطبراني (12135)، والبيهقي (1/ 317)، والبغوي في شرح السنة (315) من طريق أبي جعفر الرازي، عن عبد الكريم بن أبي المخارق.

وأبو جعفر الرازي صرح هنا أنه المتروك ابن أبي المخارق، وأبو جعفر سيء الحفظ.

لكن جاء له متابع بسند صحيح عند البيهقي (1/ 317) من طريق هشام الدستوائي، ثنا عبد الكريم أبو أمية

وسبق ترجمة إسناد البيهقي كاملاً فارجع إليه.

فتبين من هذا أن المعروف في طرق عبد الكريم أنه ابن أبي المخارق، وقد أخطأ العلامة أحمد شاكر حين جزم أنه ابن مالك الثقة.

الطريق الخامس: طريق يعقوب بن عطاء، عن مقسم.

أخرجه الدارقطني (3/ 287، 286)، والبيهقي (1/ 318) من طريق أبي بكر بن عياش، عن يعقوب بن عطاء، عن مقسم، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الذي يقع على امرأته وهي حائض قال: "يتصدق بدينار أو نصف دينار".

قال البيهقي: ويعقوب بن عطاء لا يحتج بحديثه.

الطريق السادس: علي بن بذيمة، عن مقسم.

أخرجه الدارقطني (3/ 187) من طريق عبد الله بن محرر، عن علي بن بذيمة، وقرن به

ص: 406

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

غيره، عن مقسم به مرفوعاً

وعبد الله بن محرر متروك وقد سبق.

وأخرجه الدارقطني (3/ 287) من طريق عبد الله بن يزيد بن الصلت، عن سفيان، عن على بن بذيمة، وقرن معه غيره، عن مقسم به مرفوعاً:"من أتى امرأته في الدم فعليه دينار، وفي الصفرة نصف دينار".

وعبد الله بن يزيد بن الصلت ضعيف جداً، وسبقت ترجمته.

الطريق السابع: ابن أبي ليلى، عن مقسم.

أخرجه الدارمي (1115): أخبرنا عبيد الله بن موسى، عن ابن أبي ليلى، عن مقسم، عن ابن عباس موقوفاً قال:"يتصدق بدينار أو نصف دينار".

وأخرجه الدارمي أيضاً (1118) أخبرنا عبيد الله بن موسى، عن ابن أبي ليلى، عن عطاء، عن ابن عباس في الذي يقع على امرأته وهي حائض قال: يتصدق بدينار. وابن أبي ليلى ضعيف من قبل حفظه.

هذا فيما يتعلق بطريق مقسم عن ابن عباس.

وبقى الكلام على طريق عكرمة عن ابن عباس.

وقد يلحظ القاريء أن بعض الطرق كررت أكثر من مرة، وكان الداعي لذلك أن الطريق الواحد قد يكون فيه اختلاف في الإسناد وفي المتن، فنذكره. أولاً: عند بيان الاختلاف في الإسناد، ثم نعيد ذكره عند الاختلاف في المتن، وهكذا.

الطريق الثاني عن ابن عباس: طريق عكرمة عن ابن عباس.

رواه عطاء بن عجلان العطار، عن عكرمة، عن ابن عباس مرفوعاً:"يتصدق بدينار، فإن لم يجد فنصف دينار".

وهذا الطريق: ضعيف جداً.

قال يحيى بن معين: عطاء العطار، ليس بثقة. كما في رواية عباس الدوري عنه. تهذيب التهذيب (7/ 186).

وروى عن يحيى أيضاً أنه قال: ليس حديثه بشيء كذاب. الجرح والتعديل (6/ 335).

وقال في موضع آخر: كذاب. ضعفاء العقيلي (3/ 402).

وقال عمر بن علي: كان كذاباً. الجرح والتعديل (6/ 335).

وقال البخاري: منكر الحديث. التاريخ الكبير (6/ 476)، والضعفاء الصغير (279).

وقال أبو داود: ليس بشيء. تهذيب الكمال (20/ 94).

ص: 407

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وقال الترمذي: ذاهب الحديث. تهذيب التهذيب (7/ 186).

وقال النسائي: متروك الحديث. الضعفاء والمتروكين (480).

وقال أيضاً: ليس بثقة، ولا يكتب حديثه. تهذيب التهذيب (7/ 186).

وقال أبو حاتم الرازي: ضعيف الحديث، منكر الحديث جداً، مثل أبان بن عياش، وذا الضرب، وهو متروك الحديث.

وقال أبو رزعة: واسطي ضعيف. الجرح والتعديل (6/ 335).

وقال ابن عدي: عامة رواياته غير محفوظة. الكامل (5/ 365).

وقال ابن حبان وكان قد سمع الحديث فكان لا يدري ما يقول يتلقن كما يلقن ويجيب فيما يسأل حتى صار يروي الموضوعات عن الثقات لا يحل كتابة حديثه إلا على سبيل الاعتبار. المجروحين (2/ 129).

في التقريب: متروك، بل أطلق عليه ابن معين والفلاس وغيرهما الكذب" اهـ.

تخريج الحديث من هذا الطريق.

أخرجه أحمد (1/ 245) حدثنا يونس، حدثنا حماد بن سلمة، عن عطاء العطار، عن عكرمة، عن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"يتصدق بدينار فإن لم يجد فنصف دينار".

وأخرجه أحمد أيضاً (1/ 306) حدثنا شريح، حدثنا حماد به.

وأخرجه أحمد أيضاً (1/ 363) حدثنا أبو كامل، حدثنا حماد به.

وأخرجه الطبراني (11921) من طريق حجاج بن المنهال، حدثنا حماد به.

وأخرجه البيهقي (1/ 318) من طريق يزيد بن زريع، عن عطاء العطار به.

وقد جاء الحديث من طريق خصيف عن عكرمة، وطريق خصيف فيه اضطراب شديد.

وأخرجه البيهقي (1/ 317) من طريق عبد الكريم بن أبي المخارق عن عكرمة والإسناد ضعيف جداً، وقد سبق تخريجها.

بقى قبل أن نطوي البحث في هذا الحديث أن ننقل لك خلاف العلماء المتقدمين وما قالوه فيه.

ذهب فريق من العلماء إلى تصحيحه مرفوعاً. على رأسهم إمام أهل السنة أحمد بن حنبل، والحاكم، وابن القطان الفاسي، وابن دقيق العيد، وابن حجر.

جاء في تلخيص الحبير (1/ 293): قال الخلال عن أبي داود، عن أحمد: ما أحسن

ص: 408

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

حديث عبد الحميد؟ فقيل له: تذهب إليه؟ قال: نعم.

وقال ابن حجر أيضاً في التلخيص: "والاضطراب في إسناد هذا الحديث ومتنه كثيراً جداً

". ثم قال: "وقد أمعن ابن القطان القول في تصحيح هذا الحديث، والجواب عن طرق الطعن فيه. مما يراجع منه - وسوف أنقل لك كلام القطان بطوله - ثم قال:"وأقر ابن دقيق العيد تصحيح ابن القطان وقواه في الإمام" وهو الصواب، فكم من حديث قد احتجوا به فيه من الاختلاف أكثر مما في هذا، كحديث بئر بضاعة، وحديث القلتين ونحوهما.

وقال الحاكم في المستدرك (1/ 172): "هذا حديث صحيح، فقد احتجا جميعاً بمقسم ابن بجرة".

قلت: لم يحتج مسلم بمقسم، وما خرج له البخاري إلا حديثاً واحداً قد توبع فيه، وأقر الذهبي الحاكم على تصحيحه للحديث.

وأطال الكلام ابن القطان الفاسي في تصحيحه للحديث في كتابه بيان الوهم والإيهام وأورد لك خلاصة منه:

قال رحمه الله (5/ 276): بعد أن بين بعض الاختلاف على بعض الرواة: "والصواب أن ننظر رواية كل راو بحسبها، ويعلم ما خرج عنه فيها، فإن صح من طريق قبل، ولو كانت له طرق أخرى ضعيفة. وهم إذا قالوا: هذا روي فيه "بدينار". وروي فيه: "بنصف دينار" وروي باعتبار صفات الدم، وروي دون اعتبارها، وروي باعتبار أول الحيض وآخره، وروي دون ذلك، وروي بخمس دينار، وروي بعتق نسمة قامت من هذا في الذهن صورة سواء، وهو عند التبيين والتحقيق لا يضره، ونحن نذكر الآن كيف هو صحيح بعد أن نقدم أن نقول:

يحتمل قوله: "دينار أو نصف دينار" ثلاثة أمور.

أحدها: أن يكون تخييراً.

ويبطل هذا بأن يقال: التخيير لا يكون إلا بعد طلب، وهذا وقع بعد الخبر، إذ حكم التخيير الاستغناء بأحد الشيئين، لأنه إذا خير بين الشيء وبعضه، كان بعض أحدهما متروكاً بغير بدل.

الأمر الثاني: أن يكون شكاً من الراوي.

الثالث: أن يكون باعتبار حالين. وهذا هو الذي يتعين منها، ونبينه الآن فنقول: قال أبو داود: حدثنا مسدد، قال: حدثنا يحيى، عن شعبة، حدثني الحكم عن عبد الحميد بن عبد الرحمن،

ص: 409

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

عن مقسم، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم في الذي يأتي امرأته وهي حائض، قال:"يتصدق بدينار أو نصف دينار".

قال أبو داود: "كذا الرواية الصحيحة: "بدينار أو بنصف دينار" وربما لم يرفعه شعبة. وهذا ليس فيه توهين له، لاحتمال أن يكون عنده فيه المرفوع، والموقوف، ويكون ابن عباس رضي الله عنه قد رواه، ورآه فحمله، وأفتى به!!.

قلت: فرق بين أن يرويه موقوفاً، أو أن يسأل فيفتي به، والمحدثون يفرقون بين هذا وهذا، وإن كان الفقهاء لا يفرقون بين الرواية والفتوى، فيحملون الموقوف على المرفوع ظناً منهم أن هذا منه من قبيل الفتوى، ولا يتمشى هذا على طريقة المحدثين، بل إن المحدثين يذهبون إلى أبعد من هذا فيفرقون بين ما سمعوه في المذاكرة، وإن كان على سبيل الرواية، وبين غيره، لأن المذاكرة قد يتساهل الشيخ في النص المروي .. فلله درهم!! وأين هذا من طريقة الفقهاء والأصوليين فيما إذا تعارض الوصل والإرسال، أو الرفع والوقف، فإنهم يحكمون لمن وصله أو رفعه مطلقاً ما دام أن الراوي مقبول الرواية!!

نعود إلى كلام ابن القطان

قال: "فأما طريق أبي داود فصحيح، فإن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب اعتمده أهل الصحيح، منهم البخاري، ومسلم، ووثقه النسائي والكوفي.

ويحق له، فقد كان محمود السيرة في إمارته على الكوفة لعمر بن عبد العزيز رضي الله عنه ضابطاً لما يرويه، ومن دونه في الإسناد لا يسأل عنهم.

ويتكرر على سمعك من بعض المحدثين أن هذا الحديث في كفارة من أتى حائضاً لا يصح، فلتعلم أنه لا عيب له عندهم إلا الاضطراب زعموا.

ثم قال: "فنقوله: الرجال الذين رووه مرفوعاً ثقات، وشعبة إمام أهل الحديث كان يقول: أما حفظي فمرفوع، وقال فلان وفلان إنه كان لا يرفعه، فقال له بعض القوم: يا أبا بسطام، حدثنا بحفظك ودعنا من فلان وفلان، فقال: والله ما أحب أني حدثت بهذا أو سكت أو أني عمرت في الدنيا عمر نوح في قومه فهذا غاية التثبت منه.

وهبك أن أوثق أهل الأرض خالفه فيه فوقفه على ابن عباس، كان ماذا؟ أليس إذا روى الصحابي حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم يجوز له، بل يجب عليه أن يقلد مقتضاه فيفتي!! هذا قوة للخبر لا توهين له.

ص: 410

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

فإن قلت: فكيف بما ذكر ابن السكن، قال: حدثنا يحيى وعبد الله بن سليمان وإبراهيم، قالوا: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: حدثنا شعبة بالإسناد المتقدم مثله موقوفاً، فقال له رجل: إنك ترفعه، فقال: إني كنت مجنوناً فصححت.

قلنا - القائل ابن القطان - نظن أنه رضي الله عنه، لما أكثر عليه في رفعه إياه توقى رفعه لا لأنه موقوف، لكن إبعاداً للظنة عن نفسه.

وأبعد من هذا الاحتمال أن يكون شك في رفعه في ثاني حال فوقفه، فكان ماذا فلا نبالي ذلك أيضاً، بل لو نسى الحديث بعد أن حدث به لم يضره، فإن أبيت إلا أن يكون شعبة رجع عن رفعه، فاعلم أن غيره من أهل الثقة والأمانة أيضاً قد رواه عن الحكم مرفوعاً، كما رواه شعبة فيما تقدم - وهو عمرو بن قيس الملائي، وهو ثقة، فال فيه عن الحكم ما قاله شعبة من رفعه إياه، إلا أن لفظه:"فأمره أن يتصدق بنصف دينار"، وذلك لا يضره، فإنه إنما حكى قضية معينة، وهو مؤكد لما قلناه: من أن ديناراً أو نصف دينار، إنما هو باعتبار حالين، لا تخيير ولا شك.

ورواه أيضاً مرفوعاً هكذا عن عبد الحميد بن عبد الرحمن المذكور قتادة، وهو من هو، ثم ساق إسناد النسائي للحديث من طريق روح بن عبادة، وعبد الله بن بكر، قالا: حدثنا ابن أبي عروبة، عن قتادة، عن عبد الحميد، عن مقسم، عن ابن عباس أن رجلاً غشى امرأته وهي حائض، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يتصدق بدينار أو نصف دينار.

ثم قال القطان: فهذا شأن حديث مقسم، ولن نعدم فيه وقفاً وإرسالاً، والفاظاً أخر لا يصح منها شيء غير ما ذكرناه.

قلت: هذا الكلام مدخول من وجوه:

أولاً: أن العلة ليست شك شعبة الطاريء، بل شك شيخه الحكم بن عتيبة، وقد سمعه شعبة من الحكم تارة مرفوعاً وتارة موقوفاً فترك رفعه، وقد نقلنا صريح عبارة شعبة قال: أسنده لى الحكم مرة، وأوقفه أخرى، وكون الحكم يشك في رفعه تارة يرويه مرفوعاً وتارة موقوفاً هذا دليل على عدم ضبطه

وقد أشبعنا بحثاً في أول البحث فلا نرجع إليه.

ثانياً: قوله: إن عمرو بن قيس الملائي قد رواه عن الحكم مرفوعاً، فالذي وقفنا عليه من رواية عمرو بن قيس أنه رواه موقوفاً ولم أقف عليه مرفوعاً من طريقه، ولم يذكر لنا ابن القطان من الذي رواها. انظر رواية عمرو بن قيس الملائي الموقوفة في سنن النسائي الكبير

ص: 411

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

(9100)، والطبراني في الكبير (12129) وإسنادهما حسن.

وقد رواه الأعمش عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس موقوفاً أيضاً. انظر سنن الدارمي (1112) وسنده صحيح.

ثالثاً: رواية قتادة الذي أشار إليها ابن القطان قد بينا الاختلاف على قتادة، فروى عن قتادة عن مقسم، وروى عن قتادة عن عبد الحميد، وقد بينت أن طريق قتادة المحفوظ فيه قتادة عن الحكم عن عبد الحميد، عن مقسم عن ابن عباس. فرجع طريق قتادة إلى طريق الحكم فما أضاف شيئاً.

وما عداه من الطرق كطريق خصيف، أو عبد الكريم بن أبي المخارق، فالأول مضطرب، والثاني ضعيف جداً.

القول الثاني: ممن ضعف الحديث مرفوعاً.

ضعفه الامام الشافعي رحمه الله، جاء في تلخيص الحبير (1/ 293): قال البيهقي: قال الشافعي في أحكام القرآن، لو كان هذا الحديث ثابتاً لأخذنا به.

وضعفه ابن عبد البر، وسوف أنقل كلامه في أدلة القول الثاني.

وقال النووي في المجموع (2/ 391): "اتفق المحدثون على ضعف حديث ابن عباس واضطرابه.

وروي موقوفاً، وروي مرسلاً، وألواناً كثيرة، وقد رواه أبو داود، والترمذي والنسائي وغيرهم، ولا يجعله ذلك صحيحاً، وذكره الحاكم في المستدرك على الصحيحين، وقال: هو صحيح، وهذا الذي قاله الحاكم خلاف قول أئمة الحديث، والحاكم معروف عندهم بالتساهل في التصحيح، وقد قال الشافعي في أحكام القرآن: هذا حديث لا يثبت مثله، وقد جمع البيهقي طرقه، وبين ضعفها بياناً شافياً، وهو إمام حافظ متفق على إتقانه وتحقيقه، فالصواب أنه لا يلزمه شيء والله أعلم. اهـ كلام النووي.

وحكاية الاتفاق عند النووي كثيرة، ولا يوافق على كثير منها، بل إن ابن المنذر على تساهله في حكاية الإجماع أقرب منه، ويستطيع الباحث أن يجمع مؤلفاً فيما قال فيه النووي: ضعيفاً أو صحيحاً باتفاق المحدثين والتحقيق خلافه.

وممن قال لا يلزمه شيء من من السلف جماعة، منهم:

- ابن سيرين، رواه عبد الرزاق (1267، 1268) عنه بسند صحيح، وكذلك الدارمي (1103).

ص: 412