الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشرعية بمعنى أن يبقيها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء طلق أو أمسك فلماذا يأمر بإمساكها بعد مراجعتها فقد قال له صلى الله عليه وسلم: "مره فليراجعها ثم ليمسكها" فالمراجعة رد للمرأة لعصمته، وإمساكها إبقاء لها على عقد الزوجية، والله أعلم.
أما قول ابن تيمية: بأن المراد فليراجعها: أي لا يعتزل بدنها؛ لأن العادة جرت أن المطلق يعتزل بدن المطلقة، فهو وإن كان من أحسن ما قيل إلا أن يشكل عليه أنه قال في الحديث: مره فليراجعها ثم ليمسكها. فالإمساك بعد المراجعة لا يقصد إمساك بدنها، وإنما الإبقاء على عقد الزوجية، وهذا الأمر بالإمساك جاء بعد الأمر بالمراجعة، فلو كانت زوجته لأمكنه إمساكها من غير مراجعة. والله أعلم.
وأما القول: بأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال ذلك لابن عمر بناء على ظنه بأن الزوجة قد طلقت فإنه بعيد جداً؛ لأن الرسول لا يمكن أن يعطي لفظاً شرعياً بناءً على فهمٍ باطل.
الدليل الثالث:
(414)
ما رواه البخاري معلقاً وفي بعض النسخ مسنداً: حدثنا أبو معمر، حدثنا عبد الوارث، حدثنا أيوب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عمر قال: حسبت علي بتطليقة
(1)
.
(1)
صحيح البخاري (5253). وفي النسخة التي شرحها الحافظ ابن حجر: "حدثنا أبو معمر" قال الحافظ في الفتح كذا في رواية أبي ذر، وهو ظاهر كلام أبي نعيم في المستخرج،
وجه الاستدلال:
قول الصحابي رضي الله عنه: "حسبت" على البناء للمجهول. وفي عهد النبوة لا بد أن يكون الحاسب لذلك هو النبي صلى الله عليه وسلم، كقول الصحابي:"أمرت"، أو "نهيت عن كذا"، في عصر الوحي فإن الآمر والناهي هو الرسول صلى الله عليه وسلم وأنه مرفوع حكماً، وعلى أقل أحواله أن يكون ذلك موقوفاً على ابن عمر. وهو صاحب القصة، وهو راوي الحديث فإذا قال: إنها حسبت عليَّ تطليقة كان ذلك مقدماً على قول غيره، كما أنه حين اختلف ابن عباس وميمونة، هل تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم محرم أو وهو حلال قدم قول ميمونة لكونها صاحبة القصة. فكذلك هنا.
بل قال الحافظ في الفتح: "لا ينبغي أن يجيئ فيه الخلاف الذي في قول الصحابي: "أمرنا بكذا" فإن ذلك محله حيث يكون اطلاع النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك ليس صريحاً، وليس كذلك في قصة ابن عمر، فإن النبي صلى الله عليه وسلم هو الآمر بالمراجعة، وهو المرشد لابن عمر فيما يفعل إذا أراد طلاقها بعد ذلك، وإذا أخبر ابن عمر أن الذي وقع منه حسبت عليه بتطليقة كان احتمال أن يكون الذي حسبها عليه غير النبي صلى الله عليه وسلم بعيد جداً مع احتفاف القرائن في هذه القصة بذلك، وكيف يتخيل أن ابن عمر يفعل في القصة شيئاً برأيه وهو ينقل أن النبي صلى الله عليه وسلم تغيظ من صنيعه،
وللباقين: "قال أبو معمر" وبه جزم الإسماعيلي، ثم قال الحافظ: "وقد أخرجه أبو نعيم من طريق عبد الصمد بن عبد الوارث عن أبيه مثل ما أخرجه البخاري مختصراً، وزاد: حين طلق امرأته، سأل عمر النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك. وسيأتي استكمال تخريجه عند الكلام على رواية أبي الزبير عن ابن عمر إن شاء الله تعالى.
كيف لم يشاوره فيما يفعل"
(1)
.
وحاول ابن القيم أن يرد الحديث باحتمال فيه غرابة، فقال رحمه الله في تهذيب السنن:"لم يذكر فاعل الحساب، فلعل أباه حسبها بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم في الوقت الذي ألزم الناس فيه بالطلاق الثلاث، وحسبه عليهم اجتهاداً منه ومصلحة رآها للأمة، لئلا يتتابعوا في الطلاق المحرم، فإذا علموا أنه يلزمهم وينفذ عليهم أمسكوا عنه" اهـ
(2)
.
وتعقبه الحافظ ابن حجر في الفتح، فقال: "غفل رحمه الله عما ثبت في صحيح مسلم من رواية أنس بن سيرين، على وفاق ما روى سعيد بن جبير، وفي سياقه ما يشعر بأنه إنما راجعها في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولفظه: سألت ابن عمر عن امرأته التي طلق، فقال: طلقتها وهي حائض، فذكر ذلك عمر للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: مره فليراجعها، فإذا طهرت فليطلقها لطهرها. قال: فراجعتها، ثم طلقتها لطهرها. قلت: فاعتددت بتلك التطليقة. فقال: ما لي لا أعتد بها، وإن كنت عجزت واستحمقت.
وعند مسلم أيضاً من طريق ابن أخي ابن شهاب، عن عمه، عن سالم في حديث الباب: وكان عبد الله بن عمر طلقها تطليقة. فحسبت من طلاقها، فراجعها كما أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم
…
" الخ ما ذكره في الفتح رحمه الله
(3)
.
(1)
فتح الباري (9/ 442) ح 5253
(2)
تهذيب السنن (3/ 102).
(3)
الفتح (9/ 444) ح 5253.