الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال ابن القيم: "أن نفعل كما فعل على الوجه الذي فعل، فإذا كان قد فعل فعلاً على وجه الاستحباب، فأوجبناه لم نكن قد أخذنا عنه وتأسينا به، مع أنه صلى الله عليه وسلم فعل في حجته أشياء كثيرة جداً لم يوجبها أحد من الفقهاء" اهـ
(1)
.
وعلى كل حال لا أرى الاستدلال بمثل هذا الأمر العام المشتمل على أحوال وهيئات، وصفات وأقوال، أحكامها مختلفة، لا أرى أن يستدل على وجوبها بهذا العموم. فقوله صلى الله عليه وسلم:"خذوا عني مناسككم" يدل على كونه مشروعاً، وأنه من أفعال المناسك، أما دلالته على الوجوب فيحتاج إلى دليل خاص، كما أن دلالته على الشرطية أو الركنية يحتاج إلى دليل خاص كذلك. فإذا كان ورود الأمر الخاص فيه نزاع في دلالته على الوجوب كما هو معلوم في أصول الفقه، فما بالك في حديث:"خذوا عني مناسككم" والذي يشمل جميع أفعال المناسك.
الدليل الثاني:
(333)
ما رواه البخاري رحمه الله، قال: حدثنا علي بن عبد الله، قال: حدثنا سفيان، قال: سمعت عبد الرحمن بن القاسم، قال: سمعت القاسم يقول:
سمعت عائشة تقول: خرجنا لا نرى إلا الحج، فلما كنا بسرف حضت، فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي. قال: ما لك أنفست؟ قلت: نعم. قال: إن هذا أمر كتبه الله على بنات آدم، فاقضي ما يقضي الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت.
(1)
تهذيب السنن (1/ 53).
قالت: وضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم -عن نسائه بالبقر. ورواه مسلم
(1)
.
وفي رواية لهما: فافعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت حتى تطهري.
وفي رواية لمسلم (حتى تغتسلي).
وأجيب عن هذا الدليل:
بأن الحائض إنما منعت من الطواف من أجل المكث في المسجد.
(334)
لما رواه مسلم، قال رحمه الله: حدثني أبو الربيع الزهراني، حدثنا حماد، حدثنا أيوب، عن محمد،
عن أم عطية قالت: أمرنا تعني النبي صلى الله عليه وسلم أن نخرج في العيدين العواتق وذوات الخدور وأمر الحيَّض أن يعتزلن مصلى المسلمين. ورواه البخاري
(2)
.
قلت: التعليل بأن النهي من أجل المكث في المسجد ليس ظاهراً من الحديث، وصرف للفظ عن ظاهره، وكان من الممكن أن يقول صلى الله عليه وسلم: غير ألا تمكثي في المسجد، ولأن النهي عن المكث أعم من النهي عن الطواف، فلو نهى عن المكث لدخل فيه الطواف، بخلاف العكس، فحين نهى عن الطواف، وهو أخص من المكث لم يدخل المكث فيه، وهو ظاهر.
ولو كان النهي من أجل صيانة المسجد خوفاً من التلوث لم يجعل النهي ممتداً حتى الاغتسال، كما في رواية مسلم:"حتى تغتسلي". لأن الحائض لا تغتسل إلا وقد انقطع دم الحيض، فلما جعل غاية النهي الاغتسال فلا يكفي
(1)
صحيح البخاري (294)، ومسلم (119 - 1211).
(2)
مسلم (890)، والبخاري (974).