الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدليل الثالث:
(425)
ما رواه أحمد، قال: حدثنا روح، حدثنا ابن جريج، أخبرني أبو الزبير أنه سمع عبد الرحمن بن أيمن يسأل ابن عمر، وأبو الزبير يسمع، فقال:
كيف ترى في رجل طلق امرأته حائضاً؟ فقال: إن ابن عمر طلق امرأته على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"ليراجعها" عليَّ ولم يرها شيئاً. وقال: فردَّها، "إذا طهرت فليطلق أو يمسك" قال ابن عمر. وقرأ النبي صلى الله عليه وسلم {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ}
(1)
قال ابن جريج: وسمعت مجاهداً يقرؤها كذلك
(2)
.
[الحديث صحيح، وزيادة لم يرها شيئاً زيادة شاذة]
(3)
.
(1)
الطلاق، الآية الأولى.
(2)
المسند (2/ 80).
(3)
قوله: "ليراجعها علي ولم يرها شيئاً وقال فردها
…
" فيه تقديم وتأخير.
والصواب كما في لفظ أبي داود: "فردها علي ولم يرها شيئاً، وقال: إذا طهرت .. إلخ".
وزيادة (فلم يرها شيئاً
…
) قد أعلت. بما يلي:
الأول: مخالفة أبي الزبير لجميع من رواه عن ابن عمر حيث لم يقل أحد منهم "ولم يرها شيئاً"، واتفاق هؤلاء الحفاظ - وكثير منهم مقدم على أبي الزبير - على خلاف ما انفرد به أبو الزبير يجعلها غير محفوظة.
الثانية: حديث أبي الزبير مختلف فيه، فقد رواه بعضهم عن ابن جريج ولم يذكروا قولهم، ولم يرها شيئاً.
فأما العلة الأولى: وهي مخالفة أبي الزبير لجميع من رواه عن ابن عمر.
فقد روى الحديث نافع، وسالم، وعبد الله بن دينار، ويونس بن جبير، وسعيد بن جبير، ومحمد بن سيرين، وأنس بن سيرين، وطاووس، وأبو وائل، وبئر بن حرب، والشعبي، وميمون بن مهران، كل هؤلاء رووه ولم يذكروا ما ذكره أبو الزبير، ولو خالف أبو الزبير نافعاً وحده،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
أو سالماً وحده، لم يقبل منه فكيف بكل هؤلاء فقد رووه كلهم ولم يذكروا: قوله: "ولم يرها شيئاً".
وفي قراءة سريعة لترجمة أبي الزبير ندرك الفرق بينه وبين نافع وسالم ومن ذكر معهما.
قال عبد الرحمن بن أبي حاتم: سألت أبا زرعة عن أبي الزبير. فقال: روى عنه الناس.
قلت: يحتج بحديثه؟ قال: إنما يحتج بحديث الثقات. الجرح والتعديل (8/ 74)، تهذيب التهذيب (9/ 390).
وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به. وهو أحب إلي من أبي سفيان. الجرح والتعديل (8/ 74)، تهذيب الكمال (26/ 402).
وقال الشافعي: أبو الزبير يحتاج إلى دعامة. الجرح والتعديل (8/ 74).
وقال ابن عيينة: أبو الزبير عندنا بمنزلة خبز الشعير، إذا لم نجد عمرو بن دينار ذهبنا إليه. تهذيب التهذيب (9/ 390).
وقال أحمد: كان أيوب السختياني يقول: حدثنا أبو الزبير، وأبو الزبير أبو الزبير. قلت: لأبى كأنه يضعفه؟ قال: نعم. الجرح والتعديل (8/ 74)، تهذيب الكمال (26/ 402).
وقال يعقوب بن شيبة: ثقة صدوق، وإلى الضعف ما هو. تهذيب التهذيب (9/ 390).
وقال النسائي: ثقة. المرجع السابق.
وذكره ابن حبان في الثقات. ثقات ابن حبان (5/ 351).
وقال العجلي: تابعي ثقة. ثقات العجلي (2/ 253).
وقال ابن معين: ثقة، كما في رواية أبي بكر بن أبي خيثمة عنه.
وقال مرة: صالح، كما في رواية إسحاق بن منصور. الجرح والتعديل (8/ 74)، تهذيب التهذيب (9/ 390).
وقال أحمد: قد احتمله الناس، وأبو الزبير أحب إلي من أبي سفيان لأن أبا الزبير أعلم بالحديث منه، وأبو الزبير لا بأس به. المرجع السابق.
وقال الذهبي: الحافظ المكثر الصدوق. تذكرة الحفاظ (1/ 126).
قال ابن عدي: روى مالك، عن أبي الزبير أحاديث، وكفى بأبي الزبير صدقاً أن حدث عنه مالك، فإن مالكاً لا يروي إلا عن ثقة، ولا أعلم أحداً من الثقات تخلف عن أبي الزبير إلا وقد كتب عنه، وهو في نفسه ثقة إلا أن يروي عنه بعض الضعفاء فيكون ذلك من جهة
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الضعف، ولا يكون من قبله، وأبو الزبير يروي أحاديث صالحة، ولم يتخلف عنه أحد، وهو صدوق في نفسه، لا بأس به. الكامل - ابن عدي (6/ 121).
وفي التقريب: صدوق.
فمثل أبي الزبير لا يقارن بنافع، ولا بسالم، ولا بسعيد بن جبير، ولا بالشعبي، ولا بغيرهم،.
قال أبو داود بعد أن ساق حديث أبي الزبير (2185).
قال: روى هذا الحديث عن ابن عمر: يونس بن جبير، وأنس بن سيرين، وسعيد بن جبير، وزيد بن أسلم، وأبو الزبير، ومنصور عن أبي وائل معناه كلهم: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يراجعها حتى تطهر، ثم إن شاء طلق وإن شاء أمسك.
قال أبو داود: وكذلك رواه محمد بن عبد الرحمن، عن سالم، عن ابن عمر.
وأما رواية الزهري عن سالم. ونافع عن ابن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يراجعها حتى تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر، ثم إن شاء طلق، وإن شاء أمسك.
وروى عطاء الخراساني، عن الحسن، عن ابن عمر نحو رواية نافع والزهري، والأحاديث كلها على خلاف ما قال أبو الزبير.
وقال ابن عبد البر في التمهيد كما في فتح البر (10/ 474): قوله في هذا الحديث "ولم يرها شيئاً" منكر عن ابن عمر، لما ذكرنا عنه أنه أعتد بها، ولم يقله أحد عنه غير أبي الزبير، وقد رواه عنه جماعة جله، فلم يقل ذلك واحد منهم، وأبو الزبير ليس بحجة فيما خالفه فيه مثله، فكيف بخلاف من هو أثبت منه؟
ثم قال: "وكل من روى هذا الخبر من الحفاظ لم يذكروا ذلك، وليس من خالف الجماعة الحفاظ بشيء فيما جاء به".
وقال الخطابي في معالم السنن (3/ 96) حديث يونس بن جبير أثبت من هذا، ثم قال: قال أهل الحديث: لم يرو أبو الزبير حديثاً أنكر من هذا.
ونقل البيهقي في المعرفة عن الشافعي أنه ذكر رواية أبي الزبير فقال: نافع أثبت من أبي الزبير، والأثبت من الحديثين أولى أن يؤخذ به إذا تخالفا، وقد وافق نافعاً غيره من أهل الثبت.
وإليك مرويات من روى الحديث عن ابن عمر.
الأول: نافع عن ابن عمر.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
سبق لي في القول الأول عند تخريج رواية أبي داود الطيالسي، تخريج رواية نافع، فارجع إليها.
الثاني: سالم عن ابن عمر.
أخرجه البخاري (4908) حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا الليث، حدثنا عقيل، عن ابن شهاب، قال: أخبرني سالم أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أخبره أن طلق امرأته وهي حائض، فذكر عمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتغيظ فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: "ليراجعها، ثم ليمسكها حتى تطهر، ثم تحيض فتطهر، فإن بدا له أن يطلقها فليطلقها طاهراً، قبل أن يمسها فتلك العدة كما أمر الله. وقد أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار (3/ 53) والدارقطني (4/ 6) والبيهقي (7/ 324) من طريق عقيل به.
وأخرجه أحمد (2/ 61) حدثنا روح، حدثنا محمد بن أبي حفصة، حدثنا ابن شهاب به.
وأخرجه البخاري (7160) وأبو داود (2182) والدارقطني (4/ 6) من طريق يونس ابن يزيد الأيلي، عن ابن شهاب به.
وأخرجه النسائي (3391) والبيهقي (7/ 324) من طريق محمد بن الوليد الزبيدي عن ابن شهاب به.
وأخرجه الدارقطني (4/ 6) من طريق صالح بن أبي الأخضر عن الزهري به.
وأخرجه أحمد (2/ 130) ومسلم (4 - 1471) والدارقطني (4/ 6) والبيهقي (7/ 324) من طريق يعقوب بن إبراهيم، أخبرني ابن أخي ابن شهاب، عن عمه (الزهري) به.
وأخرجه أحمد (2/ 26) حدثنا وكيع، حدثنا سفيان، عن محمد بن عبد الرحمن مولى أبي طلحة، عن سالم - يعني: ابن عبد الله - عن ابن عمر أنه طلق امرأته وهي حائض فسأل عمر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "مره فليراجعها، ثم ليطلقها طاهراً أو حاملاً".
ولم يقل أحد من الرواة: "أو حاملاً" إلا محمد بن عبد الرحمن مولى آل طلحة،
…
ومن طريق وكيع أخرجه ابن أبي شيبة (17726) ومسلم (5 - 1471)، وأبو داود (2181) والترمذي (1167) والنسائي (3397) وابن ماجه (2033) وأبو يعلى (5540) وابن الجارود (736) والطحاوي في شرح معاني الآثار (3/ 51) والدارقطني (4/ 6) والبيهقي (7/ 325) وأخرجه أحمد (2/ 61) والنسائي (3558) وأبو يعلى (
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
5561)، من طرق عن حنظلة عن سالم به مختصراً.
الطريق الثالث: يونس بن جبير عن ابن عمر.
أخرجه البخاري (5258) حدثنا حجاج بن منهال. حدثنا همام بن يحيى، عن قتادة، عن أبي غلاب يونس بن جبير، قال: قلت لابن عمر: رجل طلق امرأته وهي حائض، فقال: أتعرف ابن عمر؟ إن ابن عمر طلق، وهي حائض، فأتى عمر النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فأمره أن يراجعها فإذا طهرت فأراد أن يطلقها فليطلقها. فهل عد ذلك طلاقاً؟ قال: أرأيت إن عجز واستحمق.
وأخرجه أحمد (2/ 43) من طريقين عن سعيد بن أبي عروبة.
وأخرجه البخاري (5252) ومسلم (10/ 1471) من طريق شعبة كلاهما عن قتادة به.
وأخرجه أحمد (2/ 51) والبخاري (5333) ومسلم (7 - 9 - 1471) وأبو داود (2184) والترمذي (1175) والنسائي (3399، 3400) وابن ماجه (2022) والطحاوي في شرح معاني الآثار (3/ 52) والدارقطني (4/ 8) والبيهقي في السنن (7/ 325) من طريق محمد بن سيرين عن يونس به.
الطريق الرابع: سعيد بن جبير عن ابن عمر.
أخرجه البخاري (5253) حدثنا أبو معمر، حدثنا عبد الوارث، حدثنا أيوب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عمر قال: حسبت على بتطليقة.
هكذا في النسخة التي شرحها الحافظ ابن حجر في الفتح حيث ذكر الحديث مسنداً، قال الحافظ: قوله: "حدثنا أبو معمر" كذا في رواية أبي ذر وهو ظاهر كلام أبي نعيم في "المستخرج" وللباقين، "وقال أبو معمر:"وبه جزم الإسماعيلي" اهـ. يعني معلقاً.
ثم قال الحافظ: "وقد أخرجه أبو نعيم من طريق عبد الصمد بن عبد الوارث، عن أبيه، مثل ما أخرجه البخاري مختصراً.
وقد أخرجه الطيالسي (1/ 187) حدثنا هشام، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عمر قال:
"طلقت امرأتي وهي حائض فرد النبي صلى الله عليه وسلم ذلك علي حتى طلقتها وهي طاهر" وأخرجه النسائي (3398) والطحاوي (3/ 52) من طريق هشيم قال: أخبرنا أبو بشر به.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وانظر عبد الرزاق (10955).
ولقد فهم بعض العلماء المعاصرين، أن في هذه الرواية متابعة لأبي الزبير في عدم احتساب الطلقة. ولم يتبين لي ذلك، لأنه لم يصرح أن الطلقة لم تحسب، غاية ما فيه أنه سكت عن ذلك في رواية أبي بشر عن سعيد بن جبير وصرح في رواية أيوب عن سعيد، فتحمل الرواية التي سكت فيها عن احتساب الطلقة، بالرواية المصرحة بذلك وهكذا طريق الراسخين في العلم يحملون المتشابه على المحكم والمجمل على المبين، والمطلق على المقيد، والعام على الخاص، والله أعلم.
الطريق الخامس: أنس بن سيرين عن ابن عمر.
أخرجه البخاري (5252) حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا شعبة، عن أنس بن سيرين، قال: سمعت ابن عمر قال: طلق ابن عمر امرأته، وهي حائض، فذكر عمر للنبي صلى الله عليه وسلم فقال:"ليراجعها". قلت: تحتسب. قال: فمه؟
وأخرجه أحمد (2/ 61، 74، 78) ومسلم (12 - 1471) وابن الجارود في المنتقى (735) والطحاوي (3/ 52) والدارقطني (4/ 5 - 6) من طرق عن شعبة به.
السادس: طاوس عن ابن عمر.
أخرجه أحمد (2/ 145) حدثنا عبد الرزاق وروح، عن ابن جريج، أخبرني ابن طاووس عن أبيه أنه سمع ابن عمر يسأل عن رجل طلق امرأته حائضاً، فقال: أتعرف عبد الله بن عمر؟ قال: نعم. قال: فإنه طلق امرأته حائضاً، فذهب عمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر، فأمره أن يراجعها. قال: ولم أسمعه يزيد على ذلك، قال روح: أن يَرْجعها.
وهو عند عبد الرزاق في المصنف (10961) ومن طريق أخرجه مسلم (13 - 1471) والبيهقي (7/ 326).
السابع: أبو وائل عن ابن عمر.
أخرجه ابن أبي شيبة (4/ 57) رقم 17725 قال: نا أبو الأحوص، عن منصور عن أبي وائل، قال: طلق ابن عمر امرأته وهي حائض، فأتى عمر النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"مره فليراجعها ثم ليطلقها طاهراً في غير جماع".
وأخرجه البيهقي (7/ 326) من طريق سفيان عن منصور به.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الثامن والتاسع: بشر بن حرب، وابن سيرين، عن ابن عمر.
رواه أبو داود الطيالسي (1862): حدثنا حماد بن سلمة، عن بشر بن حرب، قال: سمعت ابن عمر رضي الله عنهما يقول: طلقت امرأتي، وهي حائض، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعها حتى تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر، فإن شئت فطلق وإن شئت فأمسك. فقال ابن عمر. فطلقتها، ولو شئت لأمسكتها.
وقال أبو داود: وحدثنا حماد بن سلمة، عن ابن سيرين سمع ابن عمر يذكر مثله.
وبشر بن حرب: صدوق فيه لين، والإسناد الآخر إسناد صحيح.
العاشر: الشعبي عن ابن عمر.
رواه الدارقطني (4/ 11) نا عثمان بن أحمد الدقاق، نا الحسن بن سلام، نا محمد بن سابق، نا شيبان، نا فراس، عن الشعبي، قال: طلق ابن عمر امرأته واحدة، وهي حائض، فانطلق عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر فأمره أن يراجعها، ثم يستقبل الطلاق في عدتها، وتحتسب بهذه التطليقة التي طلق أول مرة.
[وإسناده حسن] وسبق تخريجه في أدلة القول الأول الدليل الخامس.
الحادي عشر: ميمون بن مهران عن ابن عمر.
رواه البيهقي (7/ 326) من طريقين عن أبي العباس الأصم، نا محمد بن إسحاق، أنا علي بن معبد، نا أبو المليح، عن ميمون بن مهران عن ابن عمر، أنه طلق امرأته في حيضتها قال: فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرتجعها حتى تطهر، فإذا طهرت، فإن شاء طلق وإن شاء أمسك قبل أن يجامع.
الثاني عشر: عبد الله بن دينار عن ابن عمر.
أخرجه مسلم (6 - 1471)، والبيهقي (7/ 325) من طريق خالد بن مخلد، حدثني سليمان - وهو ابن بلال - حدثني عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، أنه طلق امرأته، وهي حائض، فسأل عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال:"مره فليراجعها حتى تطهر، ثم تحيض حيضة أخرى، ثم تطهر، ثم يطلق بعد أو يمسك".
فهؤلاء الرواة رووا الحديث عن ابن عمر، ولم يذكروا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرها شيئاً.
ومن هذه الروايات يؤخذ ما يلي:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الأول: روى الحديث جماعة بلفظ: "حتى تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر فإن شاء طلق قبل أن يجامع وإن شاء أمسك".
وممن روى هذا الحديث بهذا اللفظ نافع .. وكذلك رواه الزهري عن سالم عن ابن عمر مثل رواية نافع. وتابعهما عبد الله بن دينار، وبشر بن حرب ومحمد بن سيرين عن ابن عمر وتقدم تخريج مروياتهم.
ورواه جماعة عن ابن عمر بأن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يراجعها حتى تطهر، ثم إن شاء طلق، وإن شاء أمسك: منهم يونس بن جبير، وسعيد بن جبير، وأنس بن سيرين، وأبو وائل، فلعل هؤلاء اختصروا الحديث، لأن القصة واحدة.
ثانياً: رواية الزهري عن سالم، عن ابن عمر كرواية نافع "حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر".
وانفرد محمد بن عبد الرحمن مولى طلحة، عن سالم، عن ابن عمر مرفوعاً" مره فليراجعها ثم ليطلقها طاهراً أو حاملاً "، رواه مسلم، ولا أعرف أحداً تابع محمد بن عبد الرحمن بذكر الحمل من حديث ابن عمر، ولذلك لا أراه محفوظاً.
ثالثاً: رواه ابن أبي ذئب، وابن جريج، عن نافع، عن ابن عمر، أنه طلق امرأته وهي حائض فأتى عمر النبي صلى الله عليه وسلم فجعلها واحدة.
وتابعهما الشعبي عن ابن عمر مرفوعاً ورواه سعيد بن جبير عن ابن عمر: حسبت عليَّ بتطليقه.
وقد رواه مالك وعبيد الله بن عمر، والليث، وأيوب، وغيرهم عن نافع ولم يذكروا ما ذكره ابن أبي ذئب، وابن جريج عن نافع، إلا أن قولهم "فليراجعها" مؤيد بالمعنى لما ذكراه، كما أن متابعة ابن جريج والشعبي وسعيد بن جبير تبعد احتمال الشذوذ في رواية ابن أبي ذئب.
رابعاً: انفرد أبو الزبير عن ابن عمر بقوله: "ولم يرها شيئاً" فخالف اثني عشر حافظاً رووا الحديث عن ابن عمر ولم يذكروا ما ذكره.
العلة الثانية:
أن حديث: "فردها علي ولم يرها شيئاً" مداره على ابن جريج عن أبي الزبير عن ابن عمر.
وقد اختلف على ابن جريج في ذكرها.
والجواب عن هذا الحديث:
أولاً: ضعف قوله: "ولم يرها شيئاً" فقد حكم بضعفها الشافعي وأبو داود وابن عبد البر والخطابي وغيرهم.
ثانياً: على فرض ثبوتها
…
فإنه لا بد إما من الترجيح، أو الجمع بين هذا الحديث والأحاديث التي تدل على وقوع الطلاق.
فأما الترجيح فلا شك أن الأحاديث التي تثبت وقوع الطلاق أقوى إسناداً وأكثر عدداً، وقد سقتها في أدلة القول الأول
(1)
.
فرواه عبد الرزاق في المصنف (10960).
وروح كما في رواية أحمد (2/ 80 - 81) من طريق روح، كلاهما عن ابن جريج به. بذكر قوله:"ولم يرها شيئاً".
ورواه حجاج بن محمد المصيصي كما في رواية مسلم (14 - 1471) والنسائي (3392) والمنتقى لابن الجارود (733).
وأبو عاصم كما في رواية مسلم (1471)، والطحاوي (3/ 51) كلاهما عن ابن جريج به ولم يذكرا قوله:"ولم يرها شيئاً".
ولا شك أن رواية ابن جريج الموافقة لرواية الجماعة أولى أن تكون محفوظة من الرواية الأخرى.
وذكر الحافظ في الفتح متابعاً لأبي الزبير في شرحه لحديث (5253) قال: "روى سعيد بن منصور من طريق عبد الله بن مالك عن ابن عمر أنه طلق امرأته وهي حائض، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس ذلك بشيء.
وسنده ضعيف، فيه عبد الله بن مالك روى عنه اثنان، وذكره ابن حبان في الثقات، ولم يوثقه معتبر، فحاله مجهولة وفي التقريب مقبول يعني في المتابعات.
(1)
وأعيدها هنا للتذكير بها. منها ما رواه أبو داود الطيالسي (68)، ومن طريقه البيهقي (7/ 326)، وابن وهب في مسنده كما في الفتح (9/ 442) ح 5253، والدارقطني (9/ 4)،
قال الحافظ في الفتح: "وأما قول ابن عمر: إنها حسبت عليه بتطليقه، فإنه وإن لم يصرح برفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فإن فيه تسليم أن ابن عمر قال: إنها حسبت عليه، فكيف يجتمع مع هذا قوله: إنه لم يعتد بها، أو لم يرها شيئاً على المعنى الذي ذهب إليه المخالف، لأنه إن جعل الضمير للنبي صلى الله عليه وسلم لزم منه أن ابن عمر خالف ما حكم به النبي صلى الله عليه وسلم في هذه القصة بخصوصها، لأنه قال: إنها حسبت عليه
من طريق يزيد بن هارون ثلاثتهم عن ابن أبي ذئب عن نافع عن ابن عمر أنه طلق امرأته وهي حائض، فأتى عمر النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر ذلك له فجعلها واحدة.
وهذا الإسناد على شرط الشيخين
…
وهو وحده مقدم على ما رواه أبو الزبير عن ابن عمر. وقد تابع ابن جريج ابن أبي ذئب، فرواه عن نافع، عن ابن عمر مرفوعاً كما في سنن الدارقطني (4/ 10)
ومنها: ما رواه الدارقطني (4/ 11)، والبيهقي (7/ 326)، من طريقين عن محمد بن سابق، نا شيبان، عن فراس، عن الشعبي، قال: طلق ابن عمر امرأته واحدة، وهي حائض، فانطلق عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره، فأمره أن يراجعها، ثم يستقبل الطلاق في عدتها، وتحتسب بهذه التطليقه التي طلق أول مرة.
[وسنده حسن، رجاله كلهم ثقات، إلا محمد بن سابق فإنه صدوق. وقد أخرج له البخاري في صحيحه حديثين، وروى له مسلم، والباقون إلا ابن ماجه].
ومنها ما رواه البخاري في صحيحه (5253)، عن سعيد بن جبير عن ابن عمر قال: حسبت على بتطليقة. وهو مرفوع حكماً.
ومنها ما رواه جماعة عن ابن عمر موقوفاً عليه، بأنه احتسب ذلك الذي وقع منه، منهم سالم، ويونس بن جبير، وأنس بن سيرين وغيرهم، وهو يؤكد المرفوع ويقويه خرجت ذلك عنهم في أدلة القول الأول.
ومنها ما ثبت عن نافع، وسالم من قولهما أن ابن عمر حسبت عليه طلقة، وهما أجل من روى عن ابن عمر. فكيف يقال: إن رواية أبي الزبير عن ابن عمر أرجح من رواية هؤلاء مجتمعين!!.
بتطليقه، فيكون من حسبها عليه خالف كونه لم يرها شيئاً.
وكيف يظن به ذلك مع اهتمامه، واهتمام أبيه بسؤال النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك ليفعل ما يأمره به؟ وإن جعل الضمير في قوله:"لم يعتد بها أو لم يرها" لابن عمر لزم منه التناقض في القصة الواحدة، فيفتقر إلى الترجيح، ولا شك أن الأخذ بما رواه الأكثر والأحفظ أولى من مقابله عند تعذر الجمع عند الجمهور، والله أعلم
(1)
.
هذا جواب من رام الترجيح بين الأحاديث.
وأما من رام الجمع بينهما، فإن الأحاديث التي تدل على وقوع الطلاق مع صحتها صريحه لا تحتمل التأويل.
وأما حديث أبي الزبير "فردها علي ولم يرها شيئاً" فمحتمل للتأويل.
قال ابن عبد البر: قوله: "ولم يرها شيئاً" لو صح فمعناه عندي، والله أعلم ولم يرها شيئاً مستقيماً، لكونها لم تقع على السنة.
وقال الخطابي بعد أن ضعف رواية أبي الزبير: وقد يحتمل أن يكون معناه ولم يرها شيئاً تحرم معه المراجعة، أو لم يرها شيئاً جائزاً في السنة ماضياً في الاختيار إن كان لازماً له مع الكراهة.
وحمله الشافعي قوله: (لم يرها شيئاً) أي لم يعدها شيئاً صواباً غير خطأ بل يؤمر صاحبه أن لا يقيم عليه، لأنه أمره بالمراجعة، ولو كان طلقها طاهراً لم يؤمر بذلك، فهذا كما يقال للرجل إذا أخطأ في فعله، أو أخطأ في جوابه لم يصنع شيئاً،
(1)
فتح الباري (10/ 446).