الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الرابع: هل يستحب للحائض قضاء الصلاة
؟
سبق أن ذكرنا أن العلماء مجمعون على أن القضاء لا يجب على الحائض، ولم يخالف في ذلك إلا بعض الخوارج، وكون القضاء لا يجب عليها فهل تمنع من القضاء، لأن نفي الوجوب قد لا يستلزم نفي الاستحباب.
وقد وجدت قولين لأهل العلم ممن يقولون بأن القضاء لا يجب:
القول الأول: أنه يحرم القضاء، ولا يجوز لها أن تفعله.
جاء في الفروع لابن مفلح
(1)
:
قيل لأحمد في رواية الأثرم: فإن أحبت أن تقضيها؟ قال: لا. هذا خلاف - يعني السنة - فظاهر النهي التحريم. اهـ.
ثم إن السنة التركية كالسنة الفعلية، ولذلك حكم عطاء، وعكرمة بأن ذلك بدعة.
(275)
فقد روى عبد الرزاق في المصنف: أخبرنا ابن جريج، عن عطاء، قال: قلت له: أتقضي الحائض الصلاة؟ قال: لا ذلك بدعة.
[وإسناده صحيح]
(2)
.
(276)
وروى عبد الرزاق أيضاً، قال: عن معمر، عن يحيى بن أبي كثير، عن عكرمة قال: سئل أتقضي الحائض الصلاة؟ قال: لا ذلك بدعة.
(1)
(1/ 260).
(2)
(1275).
[ورجاله ثقات]
(1)
.
(277)
وقول عائشة كما في البخاري، قال رحمه الله: حدثنا موسى بن إسماعيل، قال: حدثنا همام، قال: حدثنا قتادة، قال حدثتني معاذة أن امرأة قالت لعائشة: أتجزي إحدانا صلاتها إذا طهرت فقالت أحرورية أنت كنا نحيض مع النبي صلى الله عليه وسلم فلا يأمرنا به. أو قالت فلا نفعله
(2)
.
فكون أمهات المؤمنين لا يفعلن القضاء، دليل على أنه غير مطلوب، والعبادة إذا كانت غير مطلوبة فهي محرمة.
وفي رواية لمسلم: "كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة"
(3)
.
فقوله: "ولا نؤمر": نفي للأمر مطلقاً، سواء كان أمر إيجاب أو أمر استحباب. والله أعلم.
القول الثاني: إن القضاء ليس بحرام ولكنه مكروه فقط. وهو وجه في مذهب الشافعي
(4)
.
وقال ابن مفلح في الفروع: "ويتوجه احتمال يكره"
(5)
.
(1)
(1276).
(2)
(321).
(3)
(335).
(4)
مغني المحتاج (1/ 110، 109)(1/ 131) 271، نهاية المحتاج - الرملي (1/ 329 - 330) وكذلك (1/ 393).
(5)
(1/ 260).
قال في مغني المحتاج: "وهل يحرم قضاؤها أو يكره؟ - يعني قضاء الصلاة للحائض -: فيه خلاف ذكره في المهمات، فنقل فيها عن ابن الصلاح، والمصنف عن البيضاوي أنه يحرم، لأن عائشة رضي الله عنها نهت السائل عن ذلك، ولأن القضاء محله فيما أمر بفعله، وعن ابن الصلاح، والروياني، والعجلي، أنه مكروه، بخلاف المجنون والمغمى عليه. فيسن لهما القضاء". اهـ
(1)
.
قال البيضاوي: والأوجه كما قال شيخنا عدم التحريم
(2)
.
وسبب الخلاف والله أعلم الخلاف في تعليل الأمر بسقوط القضاء
فمن نظر إلى أن سقوط القضاء عنها كان السبب فيه التخفيف عنها، نظراً لكثرة الصلوات ودورانها، لم يمنعها من قضاء الصلوات، لأن سقوط الصلاة كان رخصة وليس عزيمة والأخذ بالرخص ليس بواجب، وأقوى دليل لهم على أنه رخصة كون الصيام يجب قضاؤه على الحائض.
وقال بعضهم: بل سقوط القضاء عزيمة، وليس برخصة، ووجوب الصيام خارج عن القياس، وهؤلاء يحرمون قضاء الصلاة عليها.
وقد نقل النووي في المجموع
(3)
عن الغزالي في التفريق بين وجوب قضاء الصوم دون الصلاة على الحائض، قال: ونحن نقرر الفرق فنقول: العزيمة الحكم الثابت على وفق الدليل، والرخصة الحكم الثابت على خلاف الدليل
(1)
(1/ 109 - 110).
(2)
انظر نهاية المحتاج (1/ 329 - 330) وكذلك (1/ 393).
(3)
(3/ 10).
لمعارض راجح، وإنما كان سقوط قضاء الصلاة عن الحائض عزيمة، لأنها مكلفة بترك الصلاة، فإذا تركتها فقد امتثلت ما أمرت به من الترك، فلم تكلف مع ذلك بالقضاء، ولا نقول الفرق بين الصوم والصلاة كثرتها، وندوره، فيكون إسقاط قضائها تخفيفاً ورخصة، بل سبب إسقاط قضائها ما ذكرناه، وهذا يقتضي إسقاط قضاء الصوم أيضاً، لكن للشرع زيادة اعتناء بصوم رمضان، فأوجب قضاءه بأمر محدود في وقت ثان، وتسميته قضاء مجاز. وهو في الحقيقة فرض مبتدأ، فمخالفة الدليل إن حصلت فهي وجوب قضاء الصوم لا في عدم قضاء الصلاة، فثبت أن عدم قضاء الصلاة ليس رخصة
(1)
.
قلت: الشافعية يرون أن وجوب قضاء الصوم لم يكن بالأمر السابق وإنما بأمر جديد. قال في مغني المحتاج: "وهل تنعقد صلاتها أو لا؟ فيه نظر والأوجه عدم الانعقاد، لأن الأصل في الصلاة إذا لم تكن مطلوبة عدم الانعقاد، ووجوب القضاء عليها في الصوم بأمر جديد من النبي صلى الله عليه وسلم فلم يكن واجباً حال الحيض والنفاس لأنها ممنوعة منه، والمنع والوجوب لا يجتمعان. اهـ
(2)
.
قلت: قد يقال: عدم القضاء هو الذي على خلاف الأصل، فالأصل أن
(1)
المجموع (1/ 109 - 110).
(2)
مغني المحتاج (1/ 110). وكتب لى ناصر الفهد معلقاً على نسبة هذا القول للشافعية، فقال: ليس هذا للشافعية فقط، بل هو مذهب كثير من العلماء في مختلف المذاهب، وهو اختيار ابن تيمية لذلك يرى أن تارك الصلاة والصوم عمداً لا يقضي، لعدم وجود الأمر له بالقضاء، وأما كون القضاء بالأمر السابق فقد ذكر أنه للحنفية فقط، أما الجمهور فعلى أنه لا بد من أمر جديد للقضاء. اهـ.
من أمر بشيء ثم تركه لعذر قضاه بزوال ذلك العذر كالنائم والناسي عن الصلاة، وكذلك قضاء الصيام على وفق القياس لكن الصلاة هي التي جاء نص بأنها لا تقضى ولولا هذا النص لقضيت، فلا يحتاج الصوم إلى أمر جديد بالقضاء لأن القضاء على وفق الأصل.
قال النووي في المجموع: "قال الرافعي: فالحاصل أن من لم يؤمر بالترك لا يستحيل أن يؤمر بالقضاء، فإذا لم يؤمر كان تخفيفاً، ومن أمر بالترك فامتثل الأمر لا يؤمر بالقضاء إلا الحائض والنفساء في الصوم فإنهما يؤمران بتركه وبقضائه، وهو خارج عن القضاء للنص، والله أعلم". اهـ
(1)
.
(1)
المجموع (3/ 11).