الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(423)
فقد أخرج ابن جرير الطبري في تفسيره، من طريقين بسند صحيح، عن هشام بن عروة، عن أبيه قال:
كان الرجل يطلق ما شاء، ثم إن راجع امرأته قبل أن تنقضي عدتها كانت امرأته، فغضب رجل من الأنصار على امرأته، فقال لها: لا أقربك ولا تحلين مني، قالت له: كيف؟ قال: أطلقك حتى إذا دنا أجلك راجعتك ثم أطلقك، فإذا دنا أجلك راجعتك. قالت: فشكت ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى ذكره: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} اهـ. فأمر أن يكون إمساك المرأة مصحوباً بالمعروف وأن يكون تسريحها مصحوباً بالإحسان لا لقصد الإضرار بها
(1)
.
وروى ابن جرير الطبري مثله عن قتادة.
الدليل الثاني:
(424)
ما رواه مسلم، قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم وعبد بن حميد، جميعاً، عن أبي عامر، حدثنا عبد الله بن جعفر الزهري، عن سعد بن إبراهيم، قال: سألت القاسم بن محمد عن رجل له ثلاثة مساكن، فأوصى بثلث كل مسكن منها، قال يجمع ذلك كله في مسكن واحد، ثم قال:
أخبرتني عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد
(2)
.
(1)
تفسير الطبري (4783)(4784).
(2)
صحيح مسلم (1718).
وروى البخاري القدر المرفوع منه معلقاً
(1)
.
وجه الاستدلال:
قال ابن القيم في تهذيب السنن: إن المطلق في الحيض، قد طلق طلاقاً ليس عليه أمر الشارع، فيكون مردوداً فلو صح ولزم لكان مقبولاً منه، وهو خلاف النص.
وقوله: (فهو رد) الرد: فَعْل بمعنى المفعول، أي فهو مردود، وعبر عن المفعول بالمصدر مبالغة، حتى كأنه نفس الرد، وهذا تصريح بإبطال كل عمل على خلاف أمره ورده، وعدم اعتباره في حكم المقبول، ومعلوم أن المردود هو الباطل بعينه، بل كونه رداً أبلغ من كونه باطلاً، إذ الباطل قد يقال لما لا نفع فيه أو منفعته قليلة جداً، وقد يقال لما ينتفع به ثم يبطل نفعه، وأما المردود فهو الذي لم يجعله شيئاً ولم يترتب عليه مقصوده أصلاً
(2)
.
أما الاستدلال بحديث: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد" فالعمل به تقديم للعام على الخاص، والذي قال:"من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد" هو الذي حكم بإيقاع طلاق الحائض، وعدها طلقة، كما سقناه في أدلة القول الأول
…
ثم ليس كل شيء محرم لا يصح. فالتحريم والصحة ليسا متلازمين، فقد يحرم الشيء ويصح، وقد يحرم ولا يصح. فالنهي لا يقتضي الفساد في كل الصور، إلا إذا كان عائداً لذات المنهي عنه، بخلاف ما إذا كان النهي عائداً
(1)
باب (34) البيوع: باب النجش، ومن قال: لا يجوز ذلك البيع.
(2)
تهذيب السنن (3/ 99).
لشرطه، أو عائداً لأمر خارج عنه، ومن الأمثلة التي تقرب هذا: تلقي الركبان منهي عنه، فإذا حصل التلقي جعل للبائع الخيار إذا أتى السوق، وثبوت الخيار فرع عن صحة البيع.
وهذا الظهار قد حكم الله سبحانه وتعالى بأنه منكر من القول وزور، ومع ذلك إذا قاله الرجل ترتب على ذلك أثره، وهو تحريمه الزوجة إلى أن يُكَفَّر، فكذلك الطلاق البدعي محرم ويترتب عليه أثره إلى أن يراجع ولا فرق بينهما.
فإن قيل: إن الظهار ليس له جهتان جهة حل وجهة حرمة، بل كله حرام، فإنه منكر من القول وزور، فلا يمكن أن ينقسم إلى حلال جائز وحرام باطل، فلا يتصور أن يقال منه حلال صحيح وحرام باطل.
فالجواب: أن الهزل بالطلاق محرم، ومع ذلك يقع، مع أنه يوجد من الطلاق ما هو صحيح جائز، ومنه ما هو محرم، ووجود هذا التقسيم لم يمنع وقوع طلاق الهازل المحرم، فليس تقسيم الطلاق إلى جائز محرم مانعاً من وقوع المحرم فإذا وقع طلاق الهازل مع تحريمه فطلاق الجاد أولى أن يقع مع تحريمه.
وقد أجاب ابن حجر على استدلال ابن القيم المتقدم بقوله: "القياس في معارضة النص فاسد الاعتبار وقد عورض بقياس أحسن من قياسه، فقال ابن عبد البر: "ليس الطلاق من أعمال البر التي يتقرب بها، وإنما هو إزالة عصمة فيها حق آدمي، فكيفما وقع أوقعه سواء أجر في ذلك أو أثم، ولو لزم المطيع ولم يلزم العاصي لكان العاصي أخف حالاً من المطيع" اهـ.