الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هذا من جهة، ومن جهة أخرى إذا راجعها، ثم طلقها بعد حيضتها التالية، فما دامت في عقد الزوجية لا يقال: إنها في عدة، وأن عدتها طالت، وأن الضرر قد لحقها في ذلك؛ لأنها ما زالت زوجة، لها حقوق الزوجة من النفقة والميراث، ونحوهما حتى تحيض الحيضة التالية، فيقع الطلاق، وهو غير ملزم للزوج، بل إن شاء طلق وإن شاء أمسك. والله أعلم.
الدليل التاسع:
أننا إذا أوقعنا الطلاق، ثم أمرناه بالمراجعة وجوباً، ثم طلق مرة ثانية، يكون وقع منه طلقتان، وهو لم يرد إلا طلقة واحدة، وتضررت المرأة بوقوع الطلقتين، وهي لا ذنب لها.
وأجيب:
بأن كلاً من الطلقتين قد وقعت باختيار الرجل وإرادته، فالأول طلق في زمن الحيض، وهو محرم، فكان عقوبته أن أمر بالمراجعة، والطلاق الثاني وقع أيضاً باختياره دون إكراه، وأما المرأة فالطلاق حق للرجل، وليس للمرأة.
الدليل العاشر:
معلوم أن الرجل إذا طلق زوجته، ثم أراد أن يراجعها كان مأموراً بالإشهاد والنبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر ابن عمر بالإشهاد، فهذا دليل على أنه لم يحسب ما وقع طلاقاً
(1)
.
(1)
بتصرف مجموع الفتاوى (33/ 99).
روى ابن جرير الطبري في تفسيره، قال: حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثنا معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قال:
إن أراد مراجعتها قبل أن تنقضي عدتها أشهد رجلين، كما قال الله:{وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ}
(1)
عند الطلاق وعند المراجعة.
قال ابن جرير في تفسير الآية: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} أشهدوا على الإمساك إن أمسكتموهن، وذلك هو الرجعة. ذوي عدل منكم: وهما اللذان يرضى دينهما وأمانتهما
(2)
.
قلت: عدم النقل هنا ليس نقلاً للعدم، وما المانع أن يكون ابن عمر قد أشهد عدلين، خاصة أن عمر قد علم ذلك. ويبقى أن هذا لا يقوى أن يكون دليلاً بنفسه، فضلاً عن معارضته للأحاديث الصحيحة في الصحيحين وغيرهما عن ابن عمر مرفوعاً وموقوفاً أن فعله حسب عليه طلقة. والله أعلم.
فالقول الراجح أن طلاق الحائض يقع مع الإثم.
والقائلون بأنه لا يقع ليس عندهم من الأدلة المرفوعة إلا حديث أبي الزبير عن ابن عمر .. ولا يجوز الأخذ به
…
مع وجود ثلاثة من الحفاظ يروونه عن ابن عمر مرفوعاً بوقوع الطلاق منهم الشعبي، وسعيد ابن جبير، عن ابن عمر، وابن أبي ذئب وابن جريج كلاهما عن نافع عن ابن عمر .. فكيف ترجح رواية أبي الزبير على روايات هؤلاء.
(1)
تفسير الطبري (34276) سورة الطلاق.
(2)
المراجع السابق (12/ 301) سورة الطلاق.
فإذا أضفت إلى هؤلاء الثلاثة، ثلاثة آخرين رووه عن ابن عمر موقوفاً بما يوافق الرواية المرفوعة أصبحوا ستة من الحفاظ منهم سالم، ونافع، وأنس بن سيرين.
مع أن رواية أبي الزبير قد قدمت لها تأويلاً صحيحاً يوافق رواية الجماعة وأن قوله: "لم يرها شيئاً" أي لم يرها صواباً، أو لم يرها شيئاً جائزاً وقد أثبتنا أيضاً الخلاف على أبي الزبير في ذكرها، فقد روى الحديث حجاج بن محمد المصيصي وأبو عاصم وهما ثقتان وروايتهما في مسلم روياه عن ابن جريج عن أبي الزبير عن ابن عمر وليس فيه:"ولم يرها شيئاً" فروايتهما الموافقة لرواية الجماعة أولى بالقبول، والله أعلم.
وإذا طلق الرجل في الحيض أمر بالمراجعة كما أمر الرسول صلى الله عليه وسلم ابن عمر، إلا أن تكون الطلقة هي الطلقة الثالثة. وقد أطلت الكلام في هذه المسألة، وربما أعدت الكلام الواحد أكثر من مرة، لأن الفتوى عند بعض مشايخنا تخالف ما رجحت، فأردت أن أكرر الكلام ليتضح أكثر فأكثر. والله أسأل أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه.