الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تركتم آيتين لم تكتبوهما. قالوا: وما هما؟ قال: تلقيت من رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} إلى آخر السورة. قال عثمان: فأنا أشهد أنهما من عند الله، فأين ترى أن نجعلهما؟ قال: اختم بها آخر ما نزل من القرآن، فختمت بها براءة" (1).
الرد على هذا الأثر من وجوه:
الأول: أنه ضعيف كما بينا فلا يستدل به.
الثاني: المتن فيه نكارة - فيما يظهر والله أعلم - إذ يدل على أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه هو الذي قال بجمع المصحف فقتل ولم يتم ذلك حتى أكمله عثمان رضي الله عنه بعد ذلك، فأتاه خزيمة بن ثابت بخاتمة براءة، وهذا مخالف لما هو المعروف الثابت إذ الراجح أن الذي أتى بخاتمة براءة هو أبو خزيمة - كما في شبهة آيتي التوبة والأحزاب - وأيضًا كان ذلك في خلافة الصديق رضي الله عنه إلا أن عمر كان هو القائم على هذا الجمع بأمر الصديق له في ذلك. (2)
المبحث الثالث: ما جاء أن أول من جمع القرآن سالم مولى أبي حذيفة
.
قال السيوطي: ومن غريب ما ورد في أول من جمعه ما أخرجه ابن أشته في كتاب المصاحف من طريق كهمس عن ابن بريدة قال: أول من جمع القرآن في مصحفٍ سالم مولى أبي حذيفة، أقسم لا يرتدي برداء حتى يجمعه.
والرد على هذا الأثر من هذه الوجوه:
(1) إسناده ضعيف لانقطاعه.
أخرجه ابن أبي داود في المصاحف (33) من طريق محمد بن عمرو بن علقمة، عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، قال: أراد عمر بن الخطاب أن يجمع القرآن. الأثر.
فيه يحيى بن عبد الرحمن لم يسمع من عمر. قال ابن معين: بعضهم يقول سمع من عمر وهذا باطل؛ إنما يروي عن أبيه عن عمر رضي الله عنه. جامع التحصيل 1/ 298. وقد تقدم تخريجه، وذكرنا له شاهدين على الشهادة في الجمع، وليس في شواهده صدر الأثر بذكر: أنه أول من جمع.
(2)
حاشية كتاب المصاحف لابن أبي داود. د/ محب الدين عبد السبحان واعظ 1/ 182.
الوجه الأول: قال السيوطي: إسناده منقطع (1).
الوجه الثاني: وعلى تقدير أن يكون محفوظًا فمراده بجمعه حفظه في صدره. كما قاله ابن أبي داود وابن حجر فيما سبق (2).
والصواب - والله أعلم - أن أوَّلية أبي بكر في جمع القرآن أولية خاصةٌّ، إذ قد كان للصحابة مصاحف كتبوا فيها القرآن قبل جمع أبي بكر، وهذا لا يعكر صفو القول بأن أول من جمع القرآن هو الصدِّيق؛ لأن مصاحف الصحابة الأخرى إنَّما كانت أعمالًا فردية، لم تظفر بِما ظفر به مصحف الصدِّيق من دقَّة البحث والتحرِّي، ومن الاقتصار على ما لم تنسخ تلاوته، ومن بلوغها حدَّ التواتر، ومن إجماع الأمة عليها، إلى غير ذلك من الْمزايا التي كانت لمصحف الصدِّيق. فلا يضير مع كل هذه الْمزايا أن يُروى أن عليًّا أو عمر أو سالِمًا كان أول من جمع القرآن، فقُصارى تلك الروايات أنَّها تثبت أن بعض الصحابة كان قد كتب القرآن في مصحف، ولكنها لا تُعطي هذا المصحف تلك الصفة الإجماعية، ولا تخلع عليه تلك المزايا التي للمصحف الذي جمع على عهد أبي بكر. (3)
(1) الإتقان في علوم القرآن 1/ 166.
قال السيوطي على فرض صحته: هو محمول على أنه كان أحد الجامعين بأمر أبي بكر.
وتعقبه الآلوسي بقوله: وهي عثرة منه، لا يقال لصاحبها لعَا؛ لأن سالمًا هذا قتل في وقعة اليمامة، كما يدل عليه كلام الحافظ ابن حجر في إصابته، ونص عليه السيوطي نفسه في إتقانه بعد هذا المبحث بأوراق، ولا شك أن الأمر بالجمع وقع من الصديق بعد تلك الوقعة، وهي التي كانت سببًا له كما يدل عليه حديث البخاري الذي قدمناه فسبحان من لا ينسى. تفسير الآلوسي 1/ 22.
(2)
المصاحف 1/ 181، فتح الباري 8/ 629.
(3)
مناهل العرفان في علوم القرآن 1/ 254 - 255.