الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال الشيخ محمد رشيد رضا: وَقَدْ بَيَّنَ - جَلَّ ذِكْرُهُ - ذَلِكَ الْعِصْيَانَ وَسَبَبَ اسْتِمْرَارِهِمْ عَلَى تَعَدِّي حُدُودِ الله وَإِصْرَارَهُمْ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: {كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ} أَيْ كَانُوا لَا يَنْهَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا عَنْ مُنْكَرٍ مَا مِنَ الْمُنْكَرَاتِ، مَهْمَا اشْتَدَّ قُبْحُهَا وَعَظُمَ ضَرَرُهَا، وَإِنَّمَا النَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرَ حِفَاظُ الدِّينِ وَسِيَاجُ الْآدَابِ وَالْفَضَائِلِ، فَإِذَا تُرِكَ تجَرَّأَ الْفُسَّاقُ عَلَى إِظْهَارِ فِسْقِهِمْ وَفُجُورِهِمْ، وَمَتَى صَارَ الدَّهْمَاءُ يَرَوْنَ الْمُنْكَرَاتِ بِأَعْيُنِهِمْ، وَيَسْمَعُونَهَا بِآذَانِهِمْ، تَزُولُ وَحْشَتُهَا وَقُبْحُهَا مِنْ أنفُسِهِمْ، ثُمَّ يَتَجَرَّأُ الْكَثِيرُونَ أَوِ الْأَكْثَرُونَ عَلَى اقْتِرَافِهَا. فَالْإِخْبَارُ بِهَذَا الشَّأْنِ مِنْ شُئُونِهِمْ إِخْبَارٌ بِفُشُوِّ الْمُنْكَرَاتِ فِيهِمْ، وَانْتِشَارِ مَفَاسِدِهَا بَيْنَهُمْ؛ لِأَنَّ وُجُودَ الْعِلَّةِ يَقْتَضِي وُجُودَ الْمَعْلُولِ، وَلَوْلَا اسْتِمْرَارُ وُقُوعِ الْمُنْكَرَاتِ لمَا صَحَّ أَنْ يَكُونَ تَرْكُ التَّنَاهِي شَأْنًا مِنْ شُئُونِ الْقَوْمِ، وَدَأْبًا مِنْ دُءُوبِهِمْ. (1)
الوجه الثالث: العقاب أو الفتنة التي تنزل على الكل أو العامة طهرة للمؤمنين نقمة للفاسقين
. (2)
وفي ذلك وردت أحاديث عامة عن النبي صلى الله عليه وسلم منها قوله: "مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلَا وَصَبٍ وَلَا هَمٍّ وَلَا حُزْنٍ وَلَا أَذًى وَلَا غَمٍّ حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا، إِلَّا كَفَّرَ الله بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ"(3)
ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم لما سألته زينب بنت جحش: يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم "إذا كثر الخبث". (4)
قال النووي: معنى الحديث: إن الخبث إذا كثر فقد يحصل الهلاك العام وإن كان هناك صالحون. (5)
وفي الحديث "مثل القائم على حدود الله والواقع فيها. . ."(6).
(1) تفسير المنار (6/ 490).
(2)
قاله القرطبي في تفسيره (7/ 374).
(3)
رواه البخاري (5318)، ومسلم (2573).
(4)
رواه مسلم (2880).
(5)
شرح النووي (9/ 231).
(6)
رواه البخاري (2361).