الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثامنًا: تسميته بالمصحف، بعد أن أتم زيد جمع القرآن الكريم أطلق على هذا المجموع "المصحف" فالمصحف يطلق على مجموع الصحائف المدون فيها القرآن الكريم، أما القرآن فهو الألفاظ ذاتها.
تاسعًا: أنها ظفرت بإجماع الأمة عليها وتواتر ما فيها. ولا يطعن في ذلك التواتر ما مر عليك من أن آخر سورة براءة لم يوجد إلا عند خزيمة أو أبي خزيمة، كما لا ينافي ذلك أن الصحابة كانت لهم صحف أو مصاحف كتبوا فيها القرآن من قبل لكنها لم تظفر بما ظفرت به الصحف المجموعة على عهد أبي بكر. (1)
خبر هذا المصحف
.
دل الحديث الذي أخرجه البخاري على أن الصحف التي جمع فيها القرآن سُلمت إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه فحفظها عنده، حتى توفي سنة 13 هـ، ثم آلت إلى أمير المؤمنين من بعده عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حتى توفي سنة 23 هـ، وبعد وفاته بقيت عند ابنته حفصة بنت عمر أم المؤمنين رضي الله عنها؛ لأن عمر رضي الله عنه جعل أمر الخلافة من بعده شورى، فبقيت عندها إلى أن طلبه عثمان بن عفان رضي الله عنه لنسخها ثم أعادها إليها مرة أخرى.
وبقيت عندها حتى أرسل مروان بن الحكم يسألها إياها فامتنعت، ولما توفيت سنة 45 هـ أرسل مروان إلى أخيها عبد الله بن عمر رضي الله عنهم ساعة رجعوا من جنازة حفصة رضي الله عنها ليُرْسِلَنّ إليه بتلك الصحف، فأرسل بها إليه، فأمر بها مروان فشققت، فقال مروان:"إنما فعلتُ هذا؛ لأن ما فيها قد كتب، وحفظ بالمصحف فخشيت إن طال بالناس زمان أن يَرْتاب في شأن هذه الصحف مرتاب، أو يقول: إنه قد كان شيء منها لم يكتب"(2).
المرحلة الثالثة: جمع القرآن في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه
-.
أسباب جمع القرآن في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه
-:
1 -
اتسعت الفتوحات في زمن عثمان، واستبحر العمران الإسلامي، وتفرق المسلمون في
(1) مناهل العرفان في علوم القرآن 1/ 178، وسوف يأتي الرد والبيان لهذه الشبهة بالتفصيل.
(2)
المرشد الوجيز (52)، فتح الباري 9/ 20.
الأمصار والأقطار، ونبتت ناشئة جديدة كانت بحاجة إلى دراسة القرآن وطال عهد الناس بالرسول والوحي والتنزيل، فكان بينهم اختلاف في حروف الأداء، ووجوه القراءة، بطريقة فتحت باب الشقاق والنزاع في قراءة القرآن، أشبه بما كان بين الصحابة قبل أن يعلموا أن القرآن نزل على سبعة أحرف؛ بل كان هذا الشقاق أشد لبُعد عهد هؤلاء بالنبوة، وعدم وجود الرسول بينهم يطمئنون إلى حكمه، ويصدرون جميعًا عن رأيه، واستفحل الداء حتى كفَّر بعضُهم بعضًا، وكادت تكون فتنة في الأرض وفساد كبير، ولم يقف هذا الطغيان عند حد؛ بل كاد يلفح بناره جميع البلاد الإسلامية حتى الحجاز والمدينة، وأصاب الصغار والكبار على سواء. أخرج ابن أبي داود في المصاحف من طريق أبي قلابة أنه قال: لما كانت خلافة عثمان جعل المعلم يعلم قراءة الرجل، والمعلم يعلم قراءة الرجل، فجعل الغلمان يلتقون فيختلفون حتى ارتفع ذلك إلى المعلمين حتى كفر بعضهم بعضا، فبلغ ذلك عثمان فخطب فقال: أنتم عندي تختلفون فمن نأى عني من الأمصار أشد اختلافًا (1).
وصدق عثمان فقد كانت الأمصار النائية أشد اختلافًا ونزاعًا من المدينة والحجاز (2).
2 -
غزو أرمينية وأذربيجان: في عام خمس وعشرين من الهجرة النبوية اجتمع أهل الشام وأهل العراق في غزو أرمينية وأذربيجان.
قال الذهبي: وفيها جاشت الروم حتى استمد أمراء الشام من عثمان مددًا فأمدهم بثمانية آلاف من العراق، فمضوا حتى دخلوا إلى أرض الروم مع أهل الشام، وعلى أهل العراق سلمان بن ربيعة الباهلي، وعلى أهل الشام حبيب بن مسلمة الفهري (3).
وكان حذيفةُ بن اليمان من جملة من غزا معهم، وكان على أهل المدائن من أعمال العراق.
(1) ابن أبي داود في المصاحف 1/ 204 وأورده عنه الحافظ في الفتح 9/ 18 وإسناد رجاله ثقات إلا أن أبا قلابة كثير الإرسال ولم يصرح بمن حدثه. يراجع ترجمته في تهذيب الكمال 18/ 401، تهذيب التهذيب 5/ 226، التقريب 2/ 304.
(2)
مناهل العرفان في علوم القرآن 1/ 216 - 217.
(3)
تاريخ الإسلام 3/ 309.
وكان أهل الشام يقرؤن بقراءة أبي بن كعب، وكان أهل العراق يقرءون بقراءة عبد الله بن مسعود، فتنازع أهل الشام وأهل العراق في القراءة، حتى خطَّأ بعضهم بعضًا، وأظهر بعضهم إكفار بعضٍ، والبراءة منه، وكادت تكون فتنة عظيمة. وكان السبب وراء هذا الخلاف عدم مشاهدة هؤلاء نزولَ القرآن، وبُعْدهم عن معاينة إباحة قراءته بأوجه مختلفة، فظنَّ كلٌّ منهم أن ما يقرأ به غيره خطأ لا يَجوز في كتاب الله، فكادت تكون تلك الفتنة (1).
قال مكي بن أبي طالب: وكان قد تعارف بين الصحابة رضي الله عنهم على عهد النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، ولم يكن ينكر أحدٌ ذلك على أحدٍ لمشاهدتهم من أباح ذلك، وهو النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم. فلمَّا انتهى ذلك الاختلاف إلى ما لم يعاين صاحبَ الشرع، ولا علِم بِما أباح من ذلك، أنكر كلُّ قومٍ على الآخرين قراءتَهم، واشتد الْخصام بينهم (2).
رأى هذا الخلاف العظيم حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، إضافةً إلى ما رآه من الاختلاف بين الناس في القراءة في العراق، ففزع إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه، وأنذره بالخطر الداهم، وانضم ذلك إلى ما عاينه عثمان من الخلاف بين المعلمين وكذلك بين الغلمان، فصدّق ذلك ما كان استنبطه من أن من كان أبعد من دار الخلافة بالمدينة فهو أشدُّ اختلافًا.
عن ابْنِ شِهَابٍ، أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رضي الله عنه حَدَّثَهُ أَنَّ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمانِ رضي الله عنه قَدِمَ عَلَى عُثْمَانَ رضي الله عنه، وَكَانَ يُغَازِي أَهْلَ الشام فِي فَتْحِ أَرْمِينِيَةَ وَأَذْرَبِيجَانَ مَعَ أَهْلِ الْعِرَاقِ، فَأَفْزَعَ حُذَيْفَةَ اخْتِلَافُهُمْ فِي الْقِرَاءةِ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ لِعُثْمَانَ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، أَدْرِكْ هَذِهِ الأُمَّةَ قَبْلَ أَنْ يَخْتَلِفُوا فِي الْكِتَابِ اخْتِلَافَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى (3).
وعن زيد بن ثابت: أنَّ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمانِ قَدِمَ مِنْ غَزْوَةٍ غَزَاهَا، فَلَمْ يَدْخُلْ بَيْتَهُ حَتَّى أَتَى عُثْمَانَ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، أَدْرِكْ النَّاسَ! فَقَالَ عُثْمَانُ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: غَزَوْت فَرْجَ أَرْمِينِيَةَ، فَحَضَرَهَا أَهْلُ الْعِرَاقِ، وَأَهْلُ الشَّامِ، فَإِذَا أَهْلُ الشَّامِ يقرءون بِقِرَاءةِ أُبَيٍّ، فَيَأْتُونَ
(1) مناهل العرفان 1/ 178، تحفة الأحوذي 8/ 410 بتصرف يسير.
(2)
الإبانة عن معاني القراءات (48 - 49).
(3)
البخاري (4987).