الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التاريخ الموثق والمحقق ما يثبت أو ينفي أن اسم الملك الذي حاجّ إبراهيم الخليل في ربه هو (النّمروذ)، وإنما هو قصص تاريخي يحتاج إلى تحقيق.
الوجه الخامس: مناقشة الأدلة التي احتجوا بها
.
مما سبق لا يسوغ لنا أن نبحث عن هذا الإجماع إلا في عصر الصحابة؛ لأنهم هم الذين يُعْتَدُّ بكلامهم في الغيبيات بالقيد السالف ذكره؛ إذ إنهم أورع من أن يتكلموا في ذلك إلا بتوقيفٍ أو إباحة ذكر قصص عن بني إسرائيل.
أقول: قد نُقِلَ عن بعض الصحابة القول بأن الذي حاج إبراهيم في ربه هو النمروذ بن كنعان، وبيان ذلك كالآتي:
1 -
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:(الْكَلِمَاتُ الَّتِي ابْتُليَ بِهِنَّ إِبْرَاهِيمُ فَأَتَمَّهُنَّ: فِرَاقُ قَوْمِهِ فِي الله حِينَ أُمِرَ بِفِرَاقِهِمْ، وَمُحَاجَّتُهُ نَمْرُودَ فِي الله حِينَ وَقَفَهُ عَلَى مَا وَقَفَهُ عَلَيْهِ مِنْ خَطَرِ الأَمْرِ الَّذِي فِيهِ خِلافُهُمْ، وَصَبْرُهُ عَلَى قَذْفِهِ إِيَّاهُ فِي النَّارِ لِيُحَرِّقُوهُ فِي الله عَلَى هَوْلِ ذَلِكَ مِنْ أَمْرِهِمْ، وَالْهِجْرَةُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ وَطَنِهِ وَبِلادِهِ فِي الله حِينَ أَمَرَهُ بِالْخُرُوجِ عَنْهُمْ، وَمَا أَمَرَهُ بِهِ مِنَ الضِّيَافَةِ وَالصَّبْرِ عَلَيْهَا، وَمَالُهُ وَمَا ابْتُلِيَ بِهِ مِنْ ذَبْحِ وَلَدِهِ حِينَ أَمَرَهُ بَذَبْحِهِ، فَلَمَّا مَضَى عَلَى ذَلِكَ مِنْ أَمْرِ الله كُلِّهِ وَأَخْلَصَهُ الْبَلاءَ، قَالَ الله لَهُ: أَسْلِمْ، قَالَ: أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ. عَلَى مَا كَانَ مِنْ خِلافِ النَّاسِ وَفِرَاقِهِمْ).
قلت: وإسناده ضعيف وفيه أكثر من عله كما هو مبين في الحاشية (1).
(1) تفسير ابن أبي حاتم (1/ 323) من طريق سلمة بن الفضل عن محمد بن إسحق عن محمد بن أبي محمد عن سعيد بن جبير أو عكرمة عنه قلت: وفيه أكثر من علة:
العلة الأولى: محمد بن أبي محمد الأنصاري مولى زيد بن ثابت، مدني، روى عن سعيد بن جبيرٍ وعكرمة، وعنه محمد بن إسحاق. ذكره ابن حبان في الثقات.
قلت: وقال الذهبي: لا يعرف. تهذيب التهذيب (9/ 384).
قال الحافظ: مجهولٌ تفرد عنه ابن إسحاق. تقريب التهذيب (6276).
العلة الثانية: عنعنة محمد بن إسحاق، وهو مدلس يلزمه التصريح بالسماع. طبقات المدلسين (1/ 51).
العلة الثالثة: سلمة بن الفضل الأبرش قاضي الري يكنى أبا عبد الله.
وهناك رواية أخرى عنه:
عن ابن عباس قال لما هرب إبراهيم من كوثي، وخرج من النار ولسانه يومئذ سرياني، فلما عبر الفرات من حران غير الله لسانه فقيل: عبراني حيث عبر الفرات، وبعث نمروذ في أثره، وقال لا تدعوا أحدًا يتكلم بالسريانية إلا جئتموني به، فلقوا إبراهيم فتكلم بالعبرانية فتركوه ولم يعرفوا لغته.
وهذا سند أيضًا لا يصح به نقل عن ابن عباس مسلسل بالعلل كما هو مبين (1).
= ضعفه ابن راهويه. وقال البخاري: في حديثه بعض المناكير. وقال ابن معين: كتبنا عنه، وليس في المغازي أتم من كتابه. وقال النسائي: ضعيف. وقال ابن عدى: لم أجد لسلمة ما جاوز الحد في الإنكار. وقال ابن المديني: ما خرجنا من الري حتى رمينا بحديث سلمة.
وروى عباسٌّ، عن ابن معينٍ، قال: سلمة الأبرش رازي يتشيع، قد كتب عنه، وليس به بأس. وقال أبو حاتم: لا يحتج به. وقال أبو زرعة: كان أهل الري لا يرغبون فيه لسوء رأيه وظلم فيه. وقيل: كان حافظًا يحفظ من مرة. ميزان الاعتدال (2/ 192).
فأقل ما يقال في حاله أنه صدوقٌ كثير الخطأ كما قال الحافظ. التقريب (2505).
فبهذا يتبين أن النقل عن ابن عباس لا يصح.
(1)
الطبقات الكبرى (1/ 46) من طريق هشام بن محمد عن أبيه عن أبي صالح عنه به.
قلت: وهذا سند أيضًا لا يصح به نقل عن ابن عباس؛ مسلسل بالعلل، وإليك البيان:
العلة الأولى: هشام بن محمد بن السائب الكلبي.
قال أحمد بن حنبل: إنما كان صاحب سمر ونسب، ما ظننت أن أحدًا يحدث عنه. وقال الدارقطني وغيره: متروك. وقال ابن عساكر: رافضي، ليس بثقة. ميزان الاعتدال (4/ 304)
العلة الثانية: أبو النضر محمد بن السائب الكلبي.
قال سفيان: قال الكلبي: قال لي أبو صالح: انظر كل شيء رويت عنى عن ابن عباس فلا تروه.
وقال البخاري: أبو النضر الكلبي تركه يحيى وابن مهدى. ثم قال البخاري: قال علي: حدثنا يحيى، عن سفيان، قال لي الكلبي: كل ما حدثتك عن أبي صالح فهو كذب.
وقال ابن معين: قال يحيى بن يعلى، عن أبيه، قال: كنت أختلف إلى الكلبي أقرأ عليه القرآن، فسمعته يقول: مرضت مرضة فنسيت ما كنت أحفظ، فأتيت آل محمد صلى الله عليه وسلم فتفلوا في فيَّ، فحفظت ما كنت نسيت.
فقلت: لا والله، لا أروي عنك بعد هذا شيئًا، فتركته. ميزان الاعتدال (3/ 557).
قلت: وهذا يدل على رفضه وخبث مذهبه. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= قال ابن عدي: وقد حدث عن الكلبي سفيان وشعبة وجماعة، ورضوه في التفسير، وأما في الحديث فعنده مناكير، وخاصة إذا روى عن أبي صالح، عن ابن عباس.
وقال ابن حبان: كان الكلبي سبائيًّا من أولئك الذين يقولون: إن عليًا لم يمت، وإنه راجع إلى الدنيا ويملؤها عدلًا كما ملئت جورًا، وإن رأوا سحابةً قالوا: أمير المؤمنين فيها.
قال التبوذكي: سمعت همامًا يقول: سمعت الكلبي يقول: أنا سبائي.
قال الحسن بن يحيى الرازي الحافظ، حدثنا علي بن المديني، حدثنا بشر بن المفضل، عن أبي عوانة، سمعت الكلبي يقول: كان جبرائيل يملي الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم، فلما دخل النبي صلى الله عليه وسلم الخلاء جعل يملي على علي.
وقال ابن معين: الكلبي ليس بثقة. وقال الجوزجانى وغيره: كذاب. وقال الدارقطني وجماعة: متروك.
وقال ابن حبان: مذهبه في الدين ووضوح الكذب فيه أظهر من أن يحتاج إلى الإغراق في وصفه.
يروي عن أبي صالح، عن ابن عباس التفسير.
وأبو صالح لم ير ابن عباس، ولا سمع الكلبي من أبي صالح إلا الحرف بعد الحرف، فلما احتيج إليه أخرجت له الأرض أفلاذ كبدها. لا يحل ذكره في الكتب، فكيف الاحتجاج به! ميزان الاعتدال (3/ 559).
العلة الثالثة: أبو صالح باذام، ضعفه البخاري. وقال النسائي: باذام ليس بثقة. وقال ابن معين: ليس به بأس.
وقال ابن عدى: عامة ما يرويه تفسير. وقال يحيى القطان: لم أر أحدًا من أصحابنا ترك أبا صالح مولى أم هانئ.
وقال زكريا بن أبي زائدة: كان الشعبي يمر بأبي صالح فيأخذ بأذنه فيهزها، ويقول: ويلك! تفسر القرآن وأنت لا تحفظ القرآن.
وقال إسماعيل بن أبي خالد: كان أبو صالح يكذب، فما سألته عن شيء إلا فسره لي.
وروى ابن إدريس، عن الأعمش، قال: كنا نأتي مجاهدًا فنمر على أبي صالح وعنده بضعة عشر غلامًا، ما نرى أن عنده شيئًا. وقال سفيان: قال الكلبي: قال لي أبو صالح: كل ما حدثتك كذب.
وروى مفضل بن مهلهل، عن مغيرة، قال: إنما كان أبو صالح صاحب الكلبي يعلم الصبيان وضعف تفسيره.
وقال ابن معين: إذا روى عنه الكلبي فليس بشيء.
وقال عبد الحق في أحكامه: ضعيف جدًّا، فأنكر هذه العبارة عليه أبو الحسن بن القطان. ميزان الاعتدال (1/ 296).
وقال العقيلي: قال مغيرة: إنما كان أبو صالح يعلم الصبيان، وكان يضعف تفسيره، وقال: كتب أصابها ويعجب ممن يروي عنه، ولما قال عبد الحق في الاحكام: إن أبا صالح ضعيف جدا أنكر عليه ذلك ابن القطان في كتابه وقد قال الجوزقاني: إنه متروك، ونقل ابن الجوزي عن الأزدي أنه قال: كذاب، وقال الجوزجاني: كان يقال له ذو رأي غير محمود، وقال أبو أحمد الحاكم: ليس بالقوي عندهم. تهذيب التهذيب (1/ 365).
العلة الرابعة: الانقطاع بين أبي صالح وابن عباس. =