الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{فكفَّلها زكريا} ؛ يقول: ضمها إليه. (1)
الوجه الثاني: لماذا خص زكريا عليه السلام بكفالة مريم عليها السلام
؟
1 -
لتنال شرف العلم.
قال ابن كثير: وإنما قدر الله كون زكريا كافلها لسعادتها، لتقتبس منه علما جما نافعًا وعملا صالحًا. (2)
2 -
لصلة القرابة (من النسب).
فهما من ذرية واحدة وهى ذرية سليمان بن داود (3).
3 -
لصلة القرابة (من المصاهرة).
(فهو زوج أختها): عن أنس بن مالك، عن مالك بن صعصعة: أن نبي الله صلى الله عليه وسلم حدثهم عن ليلة أسري به: "ثم صعد حتى أتى السماء الثانية فاستفتح، قيل: من هذا؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل وقد أرسل إليه؟ قال: نعم، فلما خلصت فإذا يحيى وعيسى وهما ابنا خالة، قال: هذا يحيى وعيسى فسلم عليهما، فسلمت فردا ثم قالا: مرحبًا بالأخ الصالح والنبي الصالح"(4). وبه قال قتادة (5)، وهو قول الجمهور (6).
(وقيل: كان زوج خالتها) وعلى هذا كانت في حضانة خالتها، والخالة بمنزلة الأم. وقيل: إن زكريا عليه السلام كان زوج خالتها.
فعلى هذا كانت في حضانة خالتها، والخالة بمنزلة الأم.
(1) إسناده صحيح. أخرجه عبد الرزاق في التفسير (404)، ومن طريقه ابن أبي حاتم في االتفسير (3502)، وأخرجه الطبري في التفسير (3/ 268).
(2)
تفسير ابن كثير (2/ 52).
(3)
فتح الباري (6/ 540).
(4)
البخاري (3430)، مسلم (162).
(5)
إسناده صحيح. أخرجه عبد الرزاق في التفسير (404)، ومن طريقه ابن أبي حاتم في التفسير (3502)، وأخرجه الطبري في التفسير (3/ 268).
(6)
قصص الأنبياء (368).
عن البراء بن عازب رضي الله عنه: لما خرج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة في صلح الحديبيةَ تَبِعَتْهُم ابْنَةُ حَمْزَةَ تُنَادِي يَا عَمِّ! يَا عَمِّ! ، فتنَاوَلَهَا عَليٌّ فَأَخَذَ بِيَدِهَا وَقَالَ لِفَاطِمَةَ عليها السلام:"دُونَكِ ابْنَةَ عَمِّكِ احْمِلِيهَا. فَاخْتَصَمَ فِيهَا عِليٌّ، وَزَيْدٌ، وَجَعْفَرٌ، قَالَ عِليٌّ: أَلا أَخَذْتُهَا وَهِيَ بِنْتُ عَمِّي، وَقَالَ جَعْفَرٌ: ابْنَةُ عَمِّي وَخَالَتُهَا تَحْتِي، وَقَالَ زَيْدٌ: ابْنَةُ أَخِي، فَقَضَى بِهَا النَّبِيُّ لِخَالَتِهَا؛ وَقَالَ: "الْخَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ، وَقَالَ لِعَليٍّ: أَنْتَ مِنِّي وَأَنَا مِنْكَ، وَقَالَ لِجَعْفَرٍ: أَشْبَهْتَ خَلْقِي وَخُلُقِي، وَقَالَ لِزَيْدٍ: أَنْتَ أَخُونَا وَمَوْلَانَا" (1).
قال ابن حجر: قَوْله: (وَخَالَتُهَا تَحْتِيّ) أَيْ: زَوْجَتِي، وَقَالَ: الْخَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ، أَيْ فِي هَذَا الْحُكْمِ الْخَاصِّ؛ لِأَنَّهَا تَقْرُبُ مِنْهَا فِي الْحُنُوِّ وَالشَّفَقَةِ وَالِاهْتِدَاءِ إِلَى مَا يُصْلِحُ الْوَلَدَ لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ السِّيَاق، وهي بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ لَا أَنَّهَا أُمٌّ حَقِيقِيَّةٌ (2).
وعن قتادة قال: كانت مريم ابنة سيدهم وإمامهم. قال: فتشاحَّ عليها أحبارُهم، فاقترعوا فيها بسهامهم أيُّهم يكفلها. قال قتادة: وكان زكريا زوجَ أختها فكفلها، وكانت عنده وَحضَنَها (3).
وعن ابن مسعود، وابن عباس رضي الله عنهما، وناس من الصحابة: أن الذين كانوا يكتبون التوراة إذا جاؤا إليهم بإنسان يجبرونه اقترعوا عليه أيهم يأخذه فيعلمه، وكان زكريا أفضلهم يومئذ وكان نبيهم، وكانت أخت مريم تحته، فلما أتوا بها قال لهم زكريا: أنا أحقكم بها تحتي أختها فأبوا، فخرجوا إلى نهر الأردن فألقوا أقلامهم التي يكتبون بها أيهم يقوم قلمه فيكفلها، فجرت الأقلام وقام قلم زكريا على قرنته كأنه في طين فأخذ الجارية (4).
قوله: (خالتها) يعني زوجته (إيشاع) أخت حنة، لكن تقدم أنها أخت مريم، وقال صلى الله عليه وسلم
(1) البخاري (2699) مطولًا، مسلم (1783).
(2)
فتح الباري (7/ 579).
(3)
رواه الطبري (3/ 243) وفيه أبو جعفر الرازي التميمي؛ قال ابن حجر: صدوق سيء الحفظ (تقريب التهذيب 2/ 706).
(4)
رواه البيهقي في السنن الكبرى (10/ 286)، وابن جرير (3/ 243)، والدر المنثور (2/ 185)، وابن أبي حاتم (2/ 639) وفيه أبو صالح بازان: ضعيف يرسل من الثالثة (تقريب التهذيب 1/ 66).
في يحيى وعيسى: "هما ابنا خالة"، وعند أبي السعود قيل في تأويل ذلك: إن الأخت كثيرًا ما تطلق على بنت الأخت الأخرى؛ فجرى الحديث على ذلك، وقيل: إن (إيشاع) أخت حنة من الأم، وأخت مريم من الأب؛ بأن نكح عمران أم حنة فولدت (إيشاع)، ثم نكح حنة، ثم نكح ربيبته فولدت مريم بناء على حِل نكاح الربائب عندهم (1).
وقال الشيخ مصطفي العدوي: هذا القول في حال ثبوته يمكن توجيهه بأن يقال: إن خالة الأم يطلق عليها خالة أيضًا، وعلى ذلك يكون يحيى ومريم ابني خالة، ومن ثم يكون يحيى وعيسى ابني خالة؛ لكون يحيى ابن خالة أمه مريم، والله تعالى أعلم (2).
وقال أبو حيان الأندلسي: والذي عليه الناس أن زكريا إنما كفلها بالاستهام، ولم يدل القرآن على أن غير زكريا كفلها، وكان زكريا أولى بكفالتها؛ لأنه من أقربائها من جهة أبيها، ولأن خالتها أو أختها تحته، على اختلاف القولين، ولأنه كان نبيًا، فهو أولى بها لعصمته (3).
الرد على اعتراضهم أنه وجد عندها فاكهة الشتاء في الصيف والعكس، وأن هذا من الجنة.
أولًا: لم يصح في ذلك شيء مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
ثانيًا: الصحيح ما جاء عن قتادة في قوله تعالى: {وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا} قال: وجد عندها ثمرة في غير زمانها (4).
ثالثًا: لم يصح في تحديد نوع الثمرة شيء.
رابعًا: لم يصح أنها كانت من ثمار الجنة، وأما ما جاء عن ابن عباس في ذلك فلا يصح (5).
خامسًا: على قول جمهور المفسرين أنه كان عندها فاكهة الشتاء في الصيف، وفاكهة الصيف في الشتاء، فما المانع من ذلك؟ فقد اصطفاها الله سبحانه وتعالى وكرمها الله ببعض
(1) مشاهد الإنصاف على شواهد الكشاف للشيخ محمد عليان؛ مطبوع بحاشية الكشاف (1/ 357).
(2)
التسهيل لتأويل التنزيل (آل عمران: 125).
(3)
البحر المحيط (2/ 460).
(4)
عبد الرزاق في التفسير (393).
(5)
إسناده ضعيف. أخرجه الطبري في التفسير (3/ 246) فيه الحسين بن داود (سنيد) وهو ضعيف.