الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في النصب على الاختصاص من الافتنان، وخفي عليه أن السابقين الأولين الذين مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كانوا أبعد همة في الغيرة على الإسلام، وذب المطاعن عنه، من أن يتركوا في كتاب الله ثلمة يسدها من بعدهم، وخرقًا يرفوه من يلحقهم.
الوجه السابع: أن قراءة والصابئون - بالواو - لم ينقل عن عائشة أنها خطأت من يقرأ بها، ولم ينقل أنها كانت تقرأ بالياء دون الواو، فلا يعقل أن تكون خطأت من كتب بالواو.
الوجه الثامن: أن كلام عائشة في قوله تعالى {يُؤْتُونَ مَا آتَوْا} لا يفيد إنكار هذه القراءة المتواترة المجمع عليها؛ بل قالت للسائل: أيهما أحب إليك ولم تحصر المسموع عن رسول الله فيما قرأت هي به؛ بل قالت: إنه مسموع ومنزل فقط، وهذا لا ينافي أن القراءة الأخرى مسموعة ومنزلة كتلك خصوصًا أنها متواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم، أما قولها: ولكن الهجاء حُرّف، فكلمة حُرّف مأخوذة من الحرف بمعنى القراءة واللغة، والمعنى أن هذه القراءة المتواترة التي رسم بها المصحف لغة ووجه من وجوه الأداء في القرآن الكريم، ولا يصح أن تكون كلمة حُرِّف في حديث عائشة مأخوذة من التحريف الذي هو الخطأ وإلا كان حديثا معارضا للمتواتر ومعارض القاطع ساقط (1).
الفصل الثالث: شبهات تطعن في سقوط شيء من القرآن
.
ويشتمل على هذه الشبهات:
الشبهة الأولى: شبهة قتل القراء
.
نص الشبهة:
عن عبيد بن السباق، أن زيد بن ثابت قال: "بعث إليَّ أبو بكر الصديق مقتل أهل اليمامة، فإذا عمر بن الخطاب عنده، فقال: إن عمر بن الخطاب أتاني فقال: إن القتل قد استحرَّ بقراء القرآن يوم اليمامة، وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء في المواطن كلها فيذهب قرآن كثير، وإني أرى أن نأمر بجمع القرآن. فقال أبو بكر لعمر: كيف أفعل شيئا لم
(1) مناهل العرفان في علوم القرآن 1/ 271.
يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: هو والله خير، فلم يزل يراجعني في ذلك حتى شرح الله صدري بما شرح له صدر عمر، ورأيت الذي رأى. قال زيد بن ثابت: قال أبو بكر: إنك شاب عاقل لا نتهمك قد كنت تكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي فتتبع القرآن. فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل عليَّ من ذلك، قلت: فكيف تفعلون شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال أبو بكر هو والله خير، فلم يزل يراجعني في ذلك أبو بكر وعمر حتى شرح الله صدري للذي شرح الله له صدرهما (صدر أبي بكر وعمر)، فتتبعت القرآن أجمعه من الرقاع والعسب واللخاف (يعني: الحجارة) وصدور الرجال فوجدت آخر سورة التوبة (براءة) مع خزيمة بن ثابت: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (129)} (1).
وعَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: مَا نَعْلَمُ حَيًّا مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ أَكْثَرَ شَهِيدًا أَعَزَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ الْأَنْصَارِ. قَالَ قَتَادَةُ: وَحَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّهُ قُتِلَ مِنْهُمْ يَوْمَ أُحُدٍ سَبْعُونَ وَيَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ سَبْعُونَ وَيَوْمَ الْيَمامَةِ سَبْعُونَ. قَالَ وَكَانَ بِئْرُ مَعُونَةَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم وَيَوْمُ الْيَمامَةِ عَلَى عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ يَوْمَ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ (2).
ففي ذلك دلالة على ضياع كثير من القرآن بسبب قتل القراء.
الرد على الشبهة من وجوه:
الوجه الأول: حَفِظ القرآن كثير غير هؤلاء الذين قتلوا.
الوجه الثاني: ما روي من أنه لم يعلم ولم يكتب ولم يوجد مع أحد بعدهم، فكل هذا من البلاغات، والبلاغات نوع من أنواع الحديث الضعيف المنقطع فلا حجة فيه والعبرة بالموصول.
الوجه الثالث: على فرض صحة البلاغات فالمراد منه الآيات المنسوخة.
وإليك التفصيل
(1) البخاري (4603).
(2)
البخاري (3770).