الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
4 -
كان الشرع اليهودي يحرم وجود امرأة داخل الهيكل، ولكنهم يقولون: إن مريم كانت مقيمة بالهيكل، وهذا خطأ لا يقع فيه من كان على علم بحقائق الشريعة اليهودية.
والرد على ذلك من وجوه:
الوجه الأول: الدليل على أن زكريا هو الذي كفل مريم
.
الوجه الثاني: لماذا خص زكريا عليه السلام بكفالة مريم عليها السلام؟
الوجه الثالث: بيان ضعف ما ذكره ابن إسحاق من أن جريجًا كفل مريم.
الوجه الرابع: بعض فضائل السيدة مريم عليها السلام.
الوجه الخامس: الرد على قولهم: إن مريم كانت مخطوبة ليوسف النجار.
الوجه السادس: وماذا قالوا عن مريم في الكتاب المقدس؟ .
وإليك التفصيل
الوجه الأول: الدليل على أن زكريا هو الذي كفل مريم.
الأول: تصريح القرآن بذلك؛ قال تعالى: {فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا} [آل عمران: 37].
الثاني: عن طريق الاستهام؛ قال تعالى: {ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ (44)} [آل عمران: 44].
قال الطبري: {وَكَفَّلَهَا} مشددة "الفاء" بمعنى: وكفَّلها الله زكريا، بمعنى: وضمها الله إليه؛ لأن زكريا أيضًا ضمها إليه بإيجاب الله له، ضمَّها إليه بالقُرْعة التي أخرجها الله له، والآية التي أظهرَها لخصومه فيها، فجعله بها أولى منهم، إذ قَرَعَ فيها من شاحَّه فيها، وذلك أنه بلغنا أن زكريا وخصومَه في مريم إذ تنازعوا فيها أيهم تكونُ عنده، تساهموا بقِدَاحهم، فرموا بها في نهر الأردنّ. فقال بعض أهل العلم: ارْتزّ قدح زكريا، فقام ولم يجر به الماء، وجرى بقدَاح الآخرين الماء، فجعل الله ذلك لزكريا علَمًا أنه أحق المتنازعين فيها بها.
وقال آخرون: بل اصّاعدَ قدح زكريا في النهر، وانحدرت قداحُ الآخرين مع جرية الماء وذهبت، فكان ذلك له علَمًا من الله في أنه أولى القوم بها.
قال أبو جعفر: وأيّ الأمرين كان من ذلك، فلا شك أن ذلك كان قضاءً من الله بها لزكريا على خصومه، بأنه أولاهم بها، وإذْ كان ذلك كذلك فإنما ضمها زكريا إلى نفسه بضمّ الله إياها إليه بقضائه له بها على خصومه عند تَشاحِّهم فيها، واختصامهم في أولاهم بها (1).
قال ابن كثير: ثم قال تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم بعدما أطلعه على جلية الأمر: {ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ} أي: نقصه عليك {وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ} أي: ما كنت عندهم يا محمد فَتُخْبرهم عنهم معاينة عما جرى؛ بل أطلعك الله على ذلك كأنك كنت حاضرًا وشاهدًا لما كان من أمرهم حين اقترعوا في شأن مريم أيهم يكفلها، وذلك لرغبتهم في الأجر.
قلت: وذكر أثرًا عن عكرمة، ثم قال: وقد ذكر عكرمة أيضًا، والسدي، وقتادة، والربيع بن أنس، وغير واحد - دخل حديث بعضهم في بعض - أنهم دخلوا إلى نهر الأردن واقترعوا هنالك على أن يلقوا أقلامهم فيه فأيهم ثبت في جَرْية الماء فهو كافلها، فألقوا أقلامهم فاحتملها الماء إلا قلم زكريا ثبت، ويقال: إنه ذهب صُعُدًا يشق جرية الماء، وكان مع ذلك كبيرهم وسيدهم، وعالمهم وإمامهم ونبيهم صلى الله عليه وسلم وعلى سائر النبيين والمرسلين. (2)
قال قتادة: قوله: {وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ} ، كانت مريم ابنة إمامهم وسيّدهم، فتشاحّ عليها بنو إسرائيل، فاقترعوا فيها بسهامهم أيُّهم يكفلها، فقَرَعهم زكريا، وكان زوجَ أختها، {وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا}
(1) جامع البيان (3/ 241).
(2)
تفسير ابن كثير (3/ 62).